Description
ألقت ورقة فلاديمير بروخوروفيتش بولداكوف (Vladimir Prokhorovich Buldakov)، كبير الباحثين في معهد التاريخ الروسي التابع للأكاديمية الروسية للعلوم- روسيا، الضوء على العلاقة بين اليهود والكنيسة الأرثوذكسية خلال حقبة الإمبراطورية الروسية (1917-1721)، وكشفت عن خلفياتها التاريخية والعوامل المؤدية إلى توترها وتأثير صدور مرسوم 17 أبريل (نيسان) 1905، «بشأن تعزيز التسامح الديني» على العلاقات بين الطوائف. جاءت عناوينها في خمسة أقسام: أولاً: التواصل بين الأرثوذكس واليهود، ثانيًا: الأيديولوجية الروسية واليهودية، ثالثًا: الكنيسة الروسية والطوائف الدينية، رابعًا: الكنيسة الروسية واليهودية، خامسًا: أبعاد معاداة اليهود في روسيا.
لفت الباحث إلى انتشار معاداة السامية في أعلى المستويات الحاكمة؛ ففي مارس (آذار) 1915، ردًا على نصيحة الوزير البريطاني لشؤون الحرب، اللورد هربرت كتشنر، بـ«عدم استفزاز اليهود»، انفجر وزير المالية ب. ل. بارك في خطاب عاطفي مسهب قائلًا: «اليهودية العالمية تشكل دعم الموجة الثورية في روسيا»، بينما اقترح المشاركون الآخرون في الاجتماع أنه يجب ترحيل اليهود ليس إلى أعماق روسيا، بل بالعكس، يجب طردهم إلى المناطق المجاورة للعدو. بشكل عام، كانت إمكانات الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في التعبير عن موقف الدين المسيحي من الحرب محدودة.
كانت الجماهير لا تزال تحت سيطرة الأحكام المسبقة القديمة، على الرغم من أن الصحافة الرسمية كانت تمجد باستمرار الأعمال البطولية لليهود. قلت الريبة والحذر في التعامل مع اليهود خلف خطوط القتال مؤقتًا ما كان مدعومًا بالـ«جرمانوفوبيا» أي معاداة الألمان.. حتى ارتفاع الأسعار اتهم اليمين اليهودَ به؛ نظرًا لتلاعبهم بالسلع والمضاربة فيها وإخفائها. انتشرت بعض الشائعات في العاصمة، بما في ذلك حول توقع إلغاء حدود الاستيطان، التي كان لها أصداؤها على المجتمع. وفي هذا السياق، وردت تقارير من وارسو تفيد بأن: «سلوك اليهود، الذين يستقبلون الألمان في الأماكن الحدودية مرحبين بهم ترحيبًا حارًا ويعملون على نشر إعلاناتهم، يثير استياءً عامًا…». وحذا رجال الدين الأرثوذكس حذو السياسيين الليبراليين وقاموا برفض دعم من كان يمثل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية رسميًا، أي القيصر نيقولا الثاني. كان الحكم الذاتي ينهار من الداخل.
في 26 فبراير (شباط) 1917، في خضم الاحتجاجات المناهضة للحكومة، رفض أعضاء المجمع المقدس توجيه النداء إلى الشعب لدعم الملكية. الواقع، كان لبعض الكهنة دور في ترسيخ الشائعات المثيرة للذعر حول «القوى الخفية» و«الماسونيين» الذين تسببوا في قيام الثورة، ولكن معظم الكهنة العاديين كانوا متحمسين للموجة التي يطلق عليها المؤرخون المعاصرون اسم «الثورة الكنسية» أو «الثورة الرعية» أو حتى «الثورة الدينية». جعلت الثورة «مخاوف» الكنيسة المتعلقة بالشؤون «العسكرية» أقل أهمية من ذي قبل. وجدت الكنيسة الأرثوذكسية نفسها متأثرة بالثورة، ولكن بطريقتها الخاصة؛ حيث ارتدى بعض رجال الدين الأشرطة الحمراء على ملابسهم الكهنوتية بفخر (وسرعان ما أطلق عليهم الشعب اسم «الشمامسة الشيوعيون» و«المرتلون الشيوعيون»). كما صدرت بيانات مشتركة من رجال الدين والعامة تصرح بدعم الثورة. بشكل عام يمكننا القول: إن صرح الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كان ينهار بعد انهيار الحكم المطلق، الذي حاولت دعمه، ولكن بلا جدوى. كان مصير الكنيسة الأرثوذكسية الروسية مأساويًا؛ والسبب في ذلك هو أن السلطة العلمانية الاستبدادية فرضت عليها وظائف حكومية غير مألوفة بالنسبة لها، دون توفير الحرية الكافية للتصرف. فيما يخص «القضية اليهودية»، كان رجال الدين مشتتين بمعنى الكلمة بين صوت الضمير والسياسة الدينية الرسمية، هذا بالإضافة إلى ترسبات معاداة السامية التي نشأت لدى الشعب على مدار قرون عديدة، والتي لم يكن من الممكن التغلب عليها إلا بالخطب الحرة.