Description
انطلقت دراسة تريسا نوغويرا بنتو -باحثة برتغالية في الشؤون الأفريقية- من الافتراض بأن الكنائس جهات فاعلة في المجتمع المدني، وأنها غالباً ما تكون في الأنظمة غير الديمقراطية أو الهجينة في الحيّز الذي يشغله المجتمع المدني الواقع خارج نطاق السلطة السياسية ولكن داخل الدولة، مما يؤدّي إلى بروز مقاومة الوضع الراهن والاعتراض عليه. وكما أشار عالم الاجتماع الأميركي لاري دايمِند (Larry Diamond) ، فإن الجهات الفاعلة في المجتمع المدني تعمل بمثابة جهات وسيطة، وتختلف عن الجهات الفاعلة السياسية بقدر ما لا يكون هدفها الوصول إلى سلطة رسمية أو منصب في الدولة.
تتكوّن الدراسة من أربعة أقسام: يقدّم القسم الأول الإطار النظري للبحث. ويعرض القسم الثاني تحليلاً موجزاً لتطوّر العلاقة بين السلطة السياسية والكنائس المسيحية في جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ الفترات الاستعمارية، من خلال قوّتين محرّكتين مختلفتين جوهريًّا: التعاون والاستيعاب/ الصراع والمواجهة. ويحلّل القسم الثالث دور الكنائس المسيحية في الأحداث السياسية الرئيسة التي ميّزت نهاية حكم جوزيف كابيلا. ويعرض القسم الرابع الاستنتاجات الرئيسة.
خلصت الدراسة إلى أن أهمية الكنيسة في جمهورية الكونغو الديمقراطية تنبع من مجموعة من العوامل التاريخية والاقتصادية والسياسية. وتشمل تلك العوامل دورها في «مهمة التمدين» الاستعمارية، والانهيار الاقتصادي الذي ميّز فترة ما بعد الاستقلال، والانقسام السياسي والعرقي والإقليمي المستمر فيها. غير أن أهمية الكنيسة، وخصوصاً الكنيسة الكاثوليكية، في عمليات التغيير السياسي الأخيرة، يمكن أن تفهم على نحو أفضل من خلال دورها في المجال الاجتماعي، في سياق ضعف شرعية الدولة. وترجع الأسباب الرئيسة لضعف الشرعية إلى عدم القدرة على توفير الأمن والسيطرة على الأراضي، وضعف الأداء الاقتصادي والتنموي للحكومات المتعاقبة، واستبداد نظامي موبوتو وكابيلا وإضفاء الطابع الشخصي عليهما، وازدهار نظام سياسي فاسد ونخبة سياسية فاسدة تخدم مصالحها الذاتية. كانت الكنيسة -منذ فترة الاستعمار- مزوداً رئيساً للخدمات مثل التعليم والصحة. كما ساهم وجودها وتنظيمها القوي -من القاعدة الشعبية إلى المستوى الدولي- في زيادة تعزيز شرعيتها، في حين ردع لجوء الدولة إلى آليات القمع الصارمة. ولم يكن من المستغرب، في ظلّ استيعاب المعارضة السياسية أو تحييدها، أن تتمتّع الكنيسة بوضع متميّز لتحدّي طموحات جوزيف كابيلا. وبصياغة رواية مضادّة تتحدّى شرعية النظام مباشرة، وتوفير منصّة قوية للتعبئة الشعبية، سمحت الكنيسة الكاثوليكية بتشكيل حركة احتجاجية، تمكّنت بدعم من الضغوط الدولية من إجبار الرئيس على الاستقالة في النهاية.