يتناول هذا الكتاب استراتيجية تيارات الإسلام السياسي تجاه مؤسسات العلمائية الدينية، وسعيها لبناء تيارات ومجتمعات علمائية موازية تنازع الإسلام التقليدي المشروعية، ويرصد المؤسسات المحسوبة على التيارات الإخوانية، التي حاولت خلال فترة حكمها في مصر، اختراق الوزارات الدينية ومجالسها وفشلت بسبب متانة المؤسسات التقليدية، وتطرقت الدراسات إلى «المجمع العالمي للتقريب» المروج لأفكار سيد قطب، وسلطت الضوء على مراحل تأسيس «المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي» في السودان.
يرصد الكتاب منهج التنظيمات في تحريف مفهوم العالِم الديني، ونقل دوره إلى ناشط سياسي يخدِم أجندة التنظيمات ضد الدولة وفكرتها. كما يغطي الكتاب نماذج تحصن المؤسسات عبر برامج السكينة وتعزيز السلم وتقنين مسؤوليات الفتوى.
تم النشر في: September 2023
تناول كتاب «المؤسسات العلمائية: الإخوان، التحديات، الاستعادة» (الكتاب الأول بعد المئتين، سبتمبر (أيلول) 2023) استراتيجية تيارات الإسلام السياسي تجاه المؤسسات العلمائية الدينية، وسعيها لبناء مجتمعات علمائية موازية؛ تنازع مؤسسات الإسلام التقليدي المشروعية والموثوقية، وتروم اختطاف التمثيل الديني؛ بالتشكيك في المؤسسات الرسمية وزرع بذور الفتنة والانقسام داخلها، لإضعافها وهز ثقة المجتمعات فيها. وبقدر ما يرصد الكتاب، المؤسسات المحسوبة على التيارات الإسلاموية؛ فإنه يلاحظ تشكل اتجاه استعادة الخطاب الديني المؤسسي منها؛ سواء بنشاط المجامع الفقهية الرسمية؛ أو سعي مجالس تعزيز السِلم والسكينة، أو بُنية المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة؛ أو مؤسسات دور الإفتاء العالمية المنبثقة عن مؤسسة الإفتاء في مصر، محددًا التحديات التي تواجهها، ومطالب التحديث التي تقابلها.
تناولت دراسة إيهاب نافع -باحث مصري متخصص في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهاب- دور «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» منذ تأسيسه سنة 2004، في تبني أجندة الإخوان المسلمين، وترصد مواقفه وفتاواه التحريضية الخطيرة، ضد الدول ومؤسسة الأزهر والاستقرار بدءًا بأحداث 2010 حتى الوقت الراهن. ويقسم دراسته إلى خمسة أقسام: أولاً: مواقف الاتحاد من الأحداث في العالم العربي (ثورتا 25 يناير و30 يونيو في مصر، وموقف الاتحاد من الأحداث في تونس (2010-2023)، وموقف الاتحاد من الأزمة السورية، وموقف الاتحاد من الأزمة الليبية، وموقف الاتحاد من الجماعات الإرهابية. ثانيًا: الخلفية الأيديولوجية للاتحاد وفروعه وأزماتها. ثالثًا: توظيف الاتحاد للفتوى في خدمة أغراض الإخوان. رابعًا: الاتحاد وهيئات كبار العلماء. خامسًا: مستقبل العلاقة بين الاتحاد وجماعة الإخوان.
ويخلص إلى أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لعب، منذ تأسيسه قبل نحو عقدين من الزمان، دورًا بالغ الخطورة في التوظيف العلمائي لخدمة أيديولوجيا جماعة الإخوان، وبعضٍ من القوى الإقليمية والعربية التي تدعم وتتبنى ذات التوجه بما يخدم مصالحها، كما وظف الاتحاد دوره العلمائي الذي يفترض أنه لتبصير الأمة بصحيح دينها، وفق منهج وسطي يجمع الأمة ولا يفرقها، في إصدار فتاوى تخضع للهوى السياسي، وتخدم مواقف تخدم جماعات بعينها دونما تحقيق لقواعد فقهية ثابتة، ولا تأويل واضح وصحيح وثابت للنصوص الشرعية والثوابت الدينية، فالخروج على الحاكم واجب شرعي إذا كان ضد الإخوان ومواقف الجماعة من حكام مصر وتونس وليبيا، وهو ما بدا واضحًا إبّان ثورات الربيع العربي، بينما الخروج على الحاكم حرام إذا كان «إخوانيا»، ومواقف الاتحاد واضحة وجلية وصارخة في حال ثورة الثلاثين من يونيو (حزيران) حين تصدى الجيش والشعب معًا لحكم الإخوان وأسقطوا مرسي وجماعته في مصر، وليس الموقف من الحكومة التونسية ببعيد، فحين كانت الحكومة متعاونة مع حركة النهضة دعمها الاتحاد، وحين تصادمت معها كان الاصطفاف واضحًا.
ويرى أن محاولات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وما على شاكلته من مؤسسات علمائية، استلاب الدور الديني المرجعي من المؤسسات الدينية والمجامع الفقهية الرصينة وصناعة مرجعيات شعبية، ما هي إلا مداخل لتوظيف تلك النوعية من المجالس وتكوينها وتشكيلها في الغرب استنادًا للتنوع الكبير في تجمعات الأقليات في الغرب، فضلًا عن عدم تدخل الحكومات هناك بشكل كبير في ضبط تلك الأمور، وهو استنساخ غير ملائم لمجتمعاتنا التي تمثل المؤسسات الدينية والمجامع الفقهية عمقًا تاريخيًّا كبيرًا يوازي عمق الإسلام في مجتمعاتنا العربية المسلمة.
إن من أخطر الأدوار التي لعبها الاتحاد، تلك العلاقة شديدة الخطورة بالجماعات التي ترتكب العنف وتنتهج الإرهاب، ويأتي في مقدمتها تنظيم القاعدة، والجماعات المتطرفة في سوريا وليبيا، فضلًا عن مباركته لانتهاج العنف في مواجهة الحكومات في بلدان عربية مختلفة. وإنه بات من الضروري التصدي لتلك النوعية من الهيئات والمؤسسات العلمائية التي ما زالت تمارس دورًا شديد الخطورة على سلامة المجتمعات والأوطان، بل ويسيء لدور العلماء في رأب صدع الأمة ولم شمل الأوطان.
تناولت دراسة أحمد سلطان -باحث مصري- كيف تمكنت جماعة الإخوان المسلمين في مصر خلال فترة حكمها من تحقيق اختراق داخل وزارة الشؤون الدينية (وزارة الأوقاف المصرية) بما في ذلك المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وتبرز تمكنها من تحقيق هذا الاختراق نظرًا لاختلاف طبيعة الوزارة وجهازها البيروقراطي عن نظيره في مؤسسة الأزهر الشريف، أما دار الإفتاء المصرية فحُسمت فيها المعركة باختيار الدكتور شوقي علام مفتيًا للديار المصرية، على حساب عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان عبدالرحمن البر، بيد أن الصراع على الدار كان في جوهره صراعًا بين الأزهر من ناحية، ومشروع الأخونة من ناحية أخرى. ومع أن مشروع أخونة المؤسسات العلمائية الدولية جرى تقويضه، مع الإطاحة بالرئيس محمد مرسي صيف 2013، إلا أنه بقي حاضرًا في الذهنية الإخوانية وداخل العقل الاستراتيجي للجماعة، الذي يرى أن مشروع التمكين لن يتم إلا بالسيطرة على المؤسسات العلمائية الدولية، وهذا ما تبرزه الدراسة التي يقسمها إلى قسمين: أولاً: المؤسسات الدينية العلمائية الدولية في مصر. ثانيًا: بين المؤسسات العلمائية والإسلام السياسي، والتي يسلط فيها الضوء على رؤية الإخوان المسلمين للمؤسسات العلمائية، وأخونتهم المؤسسات العلمائية الدولية إبان حكم الجماعة، وأخونة وزارة الأوقاف وذراعها العلمائي الدولي.
ويخلص إلى أن مشروع أخونة المؤسسات الدينية العلمائية في مصر، أُعدّ قبل إسقاط نظام الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، دون أن يتوقع القائمون عليه أن ثمة تغييرًا راديكاليًّا يلوح في الأفق القريب، وعندما غادر مبارك قصر الاتحادية وجدت الجماعة أن الفرصة سانحة لتطوير مشروعها، وطمحت لأن تُسيطر على المؤسسات الدينية وتوظفها في خدمة أيديولوجيتها ومشروعها، وذلك لما لهذه المؤسسات من تأثير وفاعلية ورمزية دينية واجتماعية وسياسية في مصر والعالم الإسلامي. قام مشروع الأخونة على أساس رؤية متدرجة تهدف للسيطرة على مؤسسة الأزهر الشريف والهيئات التابعة له، ومن ثم إحكام السيطرة على بقية المؤسسات العلمائية الأخرى التي تسير في ركاب المؤسسة الأزهرية، غير أن تحصين منصب شيخ الأزهر، ومنح المؤسسة مزيدًا من الاستقلال بفعل تعديل قانون تنظيم الأزهر والهيئات التابعة له (103 لسنة 1961)، بجانب البيروقراطية والمقاومة الداخلية للأخونة في الأزهر، ساهمت في تعطيل المشروع في كلٍّ من مؤسستي الأزهر والإفتاء.
أما في وزارة الأوقاف فكان الوضع مغايرًا؛ لأن طبيعة الوزارة وتبعيتها للسلطة التنفيذية لم تُتح لها أن تقاوم أخونة المناصب القيادية، حتى مع وجود حركة احتجاج سرية وعلنية في أروقة الوزارة، وفي أوساط الأئمة والدعاة والموظفين التابعين لها، وانصب جزء كبير من الاهتمام على المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، بما له من امتدادات وتأثير محلي ودولي، وهو ما يُعطي لمحة إضافية عن طبيعة مشروع الأخونة، وطموح الجماعة الذي يتخطى الحدود الوطنية.
ومع أن مشروع الأخونة تعرض لصدمة استراتيجية قَوضت أركانه وعطلته نهائيًا مع الإطاحة بجماعة الإخوان من الحكم، إلا أن الجماعة تُبقي أنظارها على المؤسسات العلمائية الدولية، ولا تفوت فرصة دون أن تشير لهذه المؤسسات وخصوصًا الأزهر الشريف، الذي لم تنس الإخوان حلمها القديم بالسيطرة عليه، وهو ما يعني أن المشروع الموءود قد يعود للواجهة، بعد حين، في ثوب آخر وبمسمى آخر دون أن يحدث أي تغيير جوهري في طبيعته أو أهدافه الجماعاتية.
تناولت دراسة فراس رضوان أوغلو، باحث تركي، توظيف بعض التيارات الإسلاموية في إيران فكرة التقريب بين المذاهب، عبر تأسيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، الذي يُروج فيه لأفكار سيد قطب عبر مؤتمر سنوي. فيقسم دراسته إلى قسمين: أولاً: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية. ثانيًا: استغلال إيران المؤسسات العلمائية لترويج أفكار سيد قطب.
يختتمها بالقول: إن التقريب لإيران يشكل ديمومة في الدول التي حقّقت فيها هيمنة أو حضورًا بشكله الديني أو العسكري، ولذلك فإنها تقيم المؤتمرات وترفع شعار التقارب لتنزع فتيل ردة الفعل الشعبية، من خلال ادعاء أنه لا طائفية في الهيمنة ولا طائفية في المجازر، إنما الخلاف في أصله مذهبي، ولمنع تفاقم الخلاف، أو القيام بردة فعل تتناسب مع الفعل علينا بـ«التقارب المذهبي». ويهدف «التقارب المذهبي» إلى التغطية على مشاركتها العسكرية خارج إيران.
يستهدف «مجمع التقريب بين المذاهب» دول العالم الإسلامي بالتقريب، ويحاول إبراز أن إيران دولة تمد يديها وذراعيها لبقية المذاهب الإسلامية، وأنها راعية التقريب في العالم، وفي الوقت ذاته يغيب خطاب «التقريب» ومؤتمرات «التقريب» وفعاليات «التقريب» عن أهل السنة في إيران!
لعل استخدام إيران فكرة التقريب ينضوي على حيلة ذات مغالطة كبيرة، وتحوي فخًّا كبيرًا لكل من لا يجاريها في مشروعها أو يتصادم معها، فهي ظاهرًا تمدّ يدها نحو العالم العربي والإسلامي بـ«التقريب» وتحاول أن تُظهر حسن نية كبيرة في سعيها للتقارب مع المذاهب الإسلامية، فمن وقف بوجهها، أو حاول أن يقف حائط صد أمام أي مشروع يُقام بغطاء التقريب، فسوف يظهر على أنه هو الرافض للتقريب، وهو الذي لا يقبل التقارب والمودة ونبذ الخلافات، وأنه هو المتعصب المتطرف... إلخ.
إن «المجمع العلمي للتقريب بين المذاهب» ليس مجمعًا، ولا علميًّا، ولا يعمل على التقريب، فالقضية ليست هي مجرد خلاف مذاهب، فالمسألة أبعد من ذلك.
سعت دراسة كرم سعيد -باحث في الشؤون الإقليمية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة- إلى رصد المؤسسات المدنية التابعة لجماعة الإخوان والموالية لها في تركيا، سواء الأهلية أو التعليمية أو الإعلامية وغيرها، وتعرض كيف بدأت توظيف قياداتها الدينية كذراع حركية لتعويض الخسائر التنظيمية التي لحقت بها في الدول العربية، والذي اتضح في هروب عدد كبير من كوادرها إلى الخارج. تركز الدراسة على سعي هذه المؤسسات في الداخل التركي إلى توطيد الصلة مع المنظمات الدينية الرسمية التركية، باعتباره مفتاحًا ليس لتوفير جانب من التمويل فحسب، وإنما لتثبيت وجودها، وتعزيز أدوات حمايتها في تركيا. فقسم الدراسة إلى ثلاثة أقسام: أولاً: جمعيات وروابط الإخوان في تركيا: نحو توظيف رجال الدين، وضمن فيها فرعين أخريين: المستوى الأول: المنظمات والمؤسسات الأهلية. المستوى الثاني: المنصات والمؤسسات التعليمية والإعلامية. ثانيًا: جمعيات الإخوان والعلاقة مع المؤسسات الدينية التركية الرسمية. ثالثًا: منظمات الإخوان في تركيا واستثمار المكون العلمائي.
يخلص إلى أن التأثير الذي أحدثته المنظمات والمؤسسات الأهلية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في تركيا، وفي الصدارة منها اتحاد الجمعيات الأهلية في العالم الإسلامي، يعود في جانب منه، إلى حرص هذه المؤسسات على استثمار المكون العلمائي، ورجال الدين ضمن هياكلها، باعتبارهم الأكثر قدرة، ليس فقط على عمليات التعبئة والحشد لمصلحة الجماعة، وإنما سهولة إيصال الرسائل السياسية لجماعة الإخوان، وهو ما يسهم في زيادة تأثير تيارات الجماعة، أو على الأقل استمرار حضورها ضمن مكونات المشهد السياسي في أوطانها الأم. وهنا، يمكن فهم اعتماد جانب واسع من المنصات الإعلامية، والمراكز التعليمية، والمؤسسات الأهلية على العلماء ورجال الدين، في كافة فعالياتها وتفاعلاتها العامة والخاصة.
رصدت دراسة محمد خليفة صديق -أستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم- مراحل تأسيس المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، وأنشطته، فيتناول نشأته وأهداف حسن الترابي (1932-2016) من تأسيسه، وبرامجه، وتنظيم مؤتمراته في الخرطوم، وأبرز المشاركين فيها، ومحتوى الأوراق والمناقشات التي تمت في دوراته الثلاث. تحاول الدراسة الإجابة عن إشكاليات رئيسة: هل كان المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي يسعى لوراثة منظمة التعاون الإسلامي التي تضم كل الدول الإسلامية؟ إلى أي مدى نجح في توجيه أنظار العالم نحو الخرطوم آنذاك؟ كيف تعاملت الولايات المتحدة الأميركية مع السودان بعد قيام المؤتمر؟ وكيف كانت نهايته؟ يقسم الدراسة إلى خمسة أقسام: أولاً: الفكرة والأسباب والبدايات. ثانيًا: التكوين وسير العمل. ثالثًا: الأهداف والوسائل . رابعًا: المشاركون في دورات المؤتمر. خامسًا: نهاية المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي.
ويخلص في دراسته إلى ما أشارت له الولايات المتحدة الأميركية إلى أن أهم شروط تحسين العلاقات مع السودان؛ أن يتم حلّ المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، ويبدو أن حكومة الإنقاذ على المستوى الرسمي، رأت وبعد محاولاتها اللاهثة لتحسين علاقاتها الخارجية، أنه لا داعي لوجود هذا المؤتمر، طالما أن هنالك حزبًا حاكمًا ودولة تستطيع أن تقيم علاقات مع الدول. إزاء هذه الظروف تم حل المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، وأُغلق مقره في الخرطوم، وقد أعاد الأمين العام للمؤتمر حسن الترابي قرار الحل إلى أنه جاء نتيجة ضغوط أجنبية.
درس عمر البشير الترابي -أكاديمي وباحث متخصص في مكافحة الإرهاب، ورئيس التحرير في مركز المسبار للدراسات والبحوث- كيف يمكن إعادة الاعتبار للعالِم والمؤسسة الدينية؟ ويجيب عن ذلك من خلال تقسيمه الدراسة إلى خمسة أقسام: أولاً: كسر قداسة العلماء باسم الإصلاح وإعادة تعريف العلم والعلماء. ثانيًا: محاولة بناء مكوّن بديل للأزهر.. من رضا إلى البنا. ثالثًا: تحويل معنى العالِم التقليدي إلى السياسي الناشط. رابعًا: إسلامية المعرفة "أنموذج للمخاتلة". خامسًا: الدولة والمؤسسات التقليدية وتحديات التعليم الديني.
يخلص الترابي في دراسته إلى أن مدونات التعليم الديني، تحتاج إلى إعادة الثقة في مسار التعليم الديني، وترك الفقهاء التقليديين، يعيدون اختراع أدوات الفهم العتيقة، ومنهج الفهم، عبر السماح لهم بتحقيق المخطوطات ودراستها أولًا، والنأي بالمؤسسات التقليدية عن الاحتكاك بالسياسي، أو الاصطدام بالدولة، لتعيد كسب أرضيتها المجتمعية. من المفيد تشجيع المدونة التقليدية على تبني القيم الإنسانية: لتستوعب مرجعيات حقوق الإنسان العالمية وقيمها.
سعت دراسة إبراهيم نجم -مستشار مفتي الجمهورية في مصر، والأمين العام للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم- إلى تسليط الضوء على دور المؤسسات الدينية المصرية في الاجتهاد الجماعي والتصدي لفوضى الفتاوى، فتبرز أولًا الملامح العامة لظاهرة فوضى الفتاوى ومخاطرها، وتحدد ثانيًا التأهيل الشرعي للمؤهَّل بالقيام بالفتوى، وتبرز ثالثًا كيفية مأسسة الفتوى في مصر والمؤسسات القائمة عليها. يقسم دراسته إلى ثلاثة أقسام: أولاً: ملامح ظاهرة "الفوضى الإفتائية" وخطورتها. ثانيًا: "الفوضى الإفتائية".. بين تصدُّر غيرِ المؤهَّل وضرورة التأهيل الشرعي للمؤهَّل، وأهمية ترسيخ مفهوم الهوية الدينية لدى المفتي. ثالثًا: "مأسسة الفتوى" والاجتهاد الجماعي للقضاء على "فوضى الفتاوى"، وفيها يبيّن أهمية مأسسة الفتوى، ومنجزات المؤسسات الإفتائية الرسمية لمواجهة إشكالية فوضى الفتاوى.
ويرى أنه لا بد من تأكيد خطورة الفتوى باعتبارها تمثل ركنًا مهمًّا من أركان الخطاب الديني، ولا نبالغ إذا اعتبرنا الفتوى أهم أركان الخطاب الديني، لأن الخطاب الديني بما يحمله من مكونات يعبر في جوهره عن نظرة الشريعة فيما يعرض للإنسان عمومًا وخصوصًا من قضايا، ومن هذا المنطلق تمثل الفتوى أكثر أركان الخطاب الديني مرونة وأوسعها حضورًا؛ نظرًا لاحتياج المسلم اليوم في كل بقعة من الأرض للسؤال مباشرة عن حكم الشرع في مسألةٍ ما، ومن ذلك الحكم أو مجموعة الأحكام يمكن لنا أن نبني نظرية الشريعة تجاه تلك الحوادث والقضايا. وإن التراجع الكبير الذي شهدته الصناعة الإفتائية مع بروز ظاهرة الفتوى الشاذة بشكل لا يمكن التغاضي عنه، كان دافعًا قويًّا للاتجاه للفتوى المؤسسية كبديل للفتوى الفردية، ولا يتعلق الأمر بمجرد وجود الهيئات والمؤسسات الإفتائية، بقدر ما يتعلق بتطوير تلك المؤسسات وتطوير الصناعة الإفتائية بها، والاهتمام بمعايير الجودة ونظم الإدارة الحديثة.
وإذا كان المفتي أو المتصدر للفتوى هو حجر الزاوية في العملية الإفتائية وفي صناعة الفتوى، فإن المؤسسات الإفتائية يمكن لها من خلال العمل المؤسسي أن يتاح لها عمل برامج تدريب وتأهيل المفتين، وذلك لخلق جيلٍ جديد من المفتين قادرٍ على إدراك الواقع وفهم النصوص الشرعية فهمًا رشيدًا ومستنيرًا لإصدار الحكم الشرعي الصحيح، خاصة في النوازل والمستجدات التي نواجهها الآن، حيث تُخَرِّج عشرات المفتين بعضهم تولوا مناصب إفتائية رسمية في بلادهم.
يرى نجم أن تجديد الخطاب الديني، لا يمكن له أن يخطو خطوات ثابتة ومستقرة، إلا باستقرار الصناعة الإفتائية وتطويرها، والتخلص من فوضوية الإفتاء تخلصًا تامًّا، ومن ثم الحفاظ على أكثر أركان الخطاب الديني مرونة وقدرة على التصحيح والإصلاح، مما يتيح الفرصة لتجديد الخطاب الديني على النحو الذي نأمله، ويحقق صالح أمتنا العربية والإسلامية.
قدمت دراسة محمد بشاري -أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة- قراءة للدور الحقيقي للمؤسسات الرسمية في تحقيق الأمن الروحي باعتبارها ذات التأثير الأوسع، والتأسيس الأقوى للتشريعات والقوانين ذات الصلة، وذلك إلى جانب العناية بتأهيل القيم التقليدية وآليات توظيفها بغية تجاوز التحديات، وعلى رأسها صور النزاع والصراع النابع من اختلاف التعبئة الدينية. تُعنى الدراسة بتتبع المتغيرات المشار إليها في دولة الإمارات العربية المتحدة، لأهمية رسالتها الدبلوماسية الدينية في التعامل مع منافذ الأمن الروحي، باعتبارها بقعة جغرافية خصبة بالتنوع الديني والعرقي، إلى جانب أنموذج مؤسساتي دافع بإدارة الأمن الروحي، وعامل في تأهيل القيم التقليدية التي من شأنها مجتمعةً حل شتى أشكال الصراع الإنساني. قسم دراسته إلى ثلاثة أقسام: أولاً: المفاهيم الأساسية؛ الأمن الروحي (Spiritual Security) ؛ والقيم التقليدية (Traditional Values) . ثانيًا: الأمن الروحي في دولة الإمارات العربية . ثالثًا: الجهود الإماراتية الساعية لتأهيل القيم التقليدية.
يخلص إلى أن وعي الإنسان المستمر بطبيعة التحديات التي تواجهه، أدى لاغتنام الفرص وإيجاد الحلول الموائمة لها، ومن ذلك فقد بات الأمن الروحي سلسلة مترابطة ومعاضدة مع مختلف أنواع الأمن، تسعى الدول للحفاظ عليها ورسم أرصن الاستراتيجيات المحققة لها.
وفي حين تتوارد الكثير من الدلالات في سياق الأمن الروحي وماهيته وحدوده، وطبيعة القيم التقليدية الواجب صونها، يمثل الاستمرار في طرح هذه القضايا نصف الحل، وموضحًّا لمعالم الخريطة المفاهيمية المبنية على الوعي بمجريات الأحداث وثوابت الأصول، ومسارات التطور والتجديد الممكنة، وبالتالي فقد وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة لذلك أسسًا واضحة، واستمرت على نهج تغذيتها والارتقاء بها منذ أن خط اتحاد البلاد على يدي الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان (رحمه الله وغفر له)، فلا تجد اهتمامًا تعبديًّا ولا قضيةً فقهية، ولا موضع تساؤل أو اختلاف إلا وقد اعتنت بتجاوزه دون تقصير ولا إسراف، ومن ذلك نجد أن للإمارات جهودها الواسعة في باب سن القوانين والتشريعات الناظمة للشأن الديني، وإعداد المرفقات الرصينة عما يتعلق بشؤون الخطابة والإمامة والرعاية للخطاب الديني المسجدي، وتنظيم الحركة الوعظية بالاعتداد بمن هم أهل وكفؤ لهذه المهمة الروحية السامية، كما دعت -ولا تزال- لوحدة المسلمين وتعاونهم في مختلف مبادراتها التوعوية والثقافية والمؤسساتية (كالمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة).
إن تدبير الشأن الديني في الإمارات العربية المتحدة يتجه نحو تطور مستمر، وإثراء برؤية فقهية معاصرة واعية؛ إذ يقدم ما يتناسب والظرفية الزمانية والمكانية، في صورة لا تنفصل عن محيطه الدولي والعالمي، فيضع ضمن خطط التغذية المعرفية للأئمة والخطباء، صورة فقهية ناضجة عن حقوق الإنسان، وطبيعة تناولها في المواثيق الدولية، كما يؤكد على ضرورة احترام الآخر وعدم التعدي عليه، وانشغال المؤمن بما يعود عليه وعلى مجتمعه بالخير، والسير بخطى واثقة نحو الانفتاح والحوار الذي لا يرحب بالعنف ولا مظاهر الصراع. ومن الناحية الأخلاقية والقيم المجتمعية، فقد قدمت الدولة تجربةً حضاريةً راقية في باب ترسيخ الأخوة الإنسانية ونشر قيم التسامح والتعايش والمحبة، ونبذ شتى أشكال التطرف والكراهية والعنف، وحركت مسار الإرشاد والوعظ ليشمل التنمية الروحية، التي تحترم أوطانها وتنتمي لها من خلال استيعاب الأفراد واحتضان اهتماماتهم في المعادلة «الوطنية» الكبرى، والتأكيد على مكانة الأوطان في التشريع الديني، والتشجيع المستمر على سلك دروب الإيجابية والإنجازات المشرفة والنوعية، وقبول الآخر.
إن تحقيق الأمن الروحي ضرورة تقتضي دراسة الأيديولوجيات والمذاهب الفكرية، وتفكيك مفرداتها وأسسها وأبعادها الفكرية. وإن الإدارة المعرفية الدينية هي أقوى الدعامات الرزينة والمضادة لعلة التطرف ومنابع النزاع والكراهية. لقد أثبتت الحضارات الإنسانية أن في القيم التقليدية ما لا يمكن تجاوزه من ثراء أخلاقي وقيمي ومعطى مرن قابل للتناغم ومعطيات الواقع.
يتمثل دور المؤسسات الدافعة بالأمن الروحي في تفعيل ما أبرم من اتفاقيات، وتكريس الجهود الدولية والعالمية في المواجهة القانونية لشتى أشكال العنف القائمة على أساس الدين وفهمه المغلوط. يقوم المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة بدور بارز وفاعل على المستوى الدولي في تعزيز قيم التعاون والتشارك، وتثبيت أساسات الأمن الروحي بمختلف الطرق والوسائل. لدولة الإمارات العربية المتحدة دور محوري في تعزيز الأمن بشتى صوره وأشكاله، والأمن الروحي بشكل خاص، من خلال ما تقدم من استدامة مبادرات خلّاقة وجهود نوعية، واضعة كرامة الإنسان في أسمى أولوياتها ومسؤولياتها.
يعرض هذا التقرير حالةً من حالات تحول الفقيه والمؤسسات العلمائية إلى أداة تعبئة تنظيمية، حيث لم يغير إنكار بعض الإسلامويين ضلوعهم في العمل السري من حقيقة وجود تنظيمات وخلايا إخوانية نشطة، حتى وإن لم تظهر للعلن بصورتها وهيئتها. وظلّت الاكتشافات المتوالية في مذكرات التائبين أو المتحولين، هي المصدر الأغنى لمعلومات العمل التنظيمي الحقيقي لهذه الجماعات على اختلافها. حافظ الفقهاء أو الذين يعملون تحت لافتة رجال الدين على صورتهم المتعالية على التصريح بشرعية العمل السري والتنظيم الخاص وغيره، لذا فمن النادر أن يتورّط فقيه معروف في حديثٍ حماسي يشرعن فيه العمل السري، ويبيّن تكتيكاته. وهذا ما يبيّن التقرير. قسمت أجزاؤه إلى خمس: أولاً: إدراك متأخر: متى ظهر الاتحاد .. واجهة ثقافية لتنظيم الإخوان؟ ثانيًا: الموقف الإصلاحي: العزم على وقف الإرهاب الناعم والخشن. ثالثًا: الاتحاد العالمي وتعزيز عناصر اللادولة. رابعًا: منتدى شباب علماء فلسطين.. رسائل تنظيمية. خامسًا: الإخوان لا يراجعون أفكارهم.