يتناول هذا الكتاب دور وسائل الإعلام في التعاطي مع المحتوى الإعلامي للظاهرة الإرهابية من منطلقات: التجييش، أو العلاج، أو النقد. إذ تنوّعت مدارس التعامل مع الإرهاب إعلاميًا، بين مدارس تعتمد التجاهل التام له، وأخرى تبنّت الانخراط السياسي فيه بتسليط الضوء على قضاياه المزعومة، إلى حدٍ قد يقترب من التعاطف مع المُنَفِّذِين. بينما اتخذت مدارس أخرى من الآلة الإعلامية وسيلةً لمكافحته. كما غطى جزءًا إيجابيًا من الأنموذج الإعلامي العربي في دول الاستقرار، وناقش حضور الظاهرة في السينما الألمانية.
سلّط الكتاب الضوء على أثر وسائل الإعلام في توجيه السياق العام، والجزئي، ضاربًا المثال بقضيتي التعامل السياسي الأميركي المتأرجح مع وثائق أسامة بن لادن التي تثبت علاقته بإيران، والضخّ الممنهج في مسألة التسريبات، التي ناقش أثرها معملاً أدوات علم النفس.
تم النشر في: December 2020
يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «الإعلام والإرهاب: السياقات - التوظيف - التجارب» (الكتاب الثامن والستون بعد المئة، ديسمبر/ كانون الأول 2020) دور وسائل الإعلام في التعاطي مع الظاهرة الإرهابية، واختار نماذج لفضائيات إخبارية عربية، متباينة في درجة مسؤولية تعاملها مع العنف والتطرف، دارساً المحتوى الإعلامي الذي يركِّز على رصد الحركات الإسلاموية والظواهر المرتبطة بها، من منطلقات: التجييش، أو العلاج، أو النقد.
حدد عمار علي حسن -باحث مصري في العلوم السياسية- في دراسته اثنين من الصحفيين في حالة دراسته، كان صوتهما بارزاً خلال حقبة الحرب الأفغانية ضد السوفيت عام 1989، ليبين من خلال ما قالاه وصوراه وقدماه، كيف يستغل منتمون إلى جماعات وتنظيمات «الإسلام السياسي» المواقف والأحداث المهمة والفارقة في تاريخ الأمتين العربية والإسلامية في سبيل تعزيز وجودها عبر إشغال «المجال العام» بخطابها، واتخاذه سبيلاً لتجنيد الأنصار والأتباع. وهذان الصحفيان هما: أحمد منصور، وياسر أبو هلالة، اللذان أثبتا هنا انتماءهما لـ«الإسلام السياسي»، ثم ابتعد الباحث عما يخص شخصية كل منهما إلا على سبيل التعريف، لينصرف إلى تحليل الخطاب أو الرسالة الإعلامية التي أطلقها كل منهما على حدة، ثم الصورة العامة التي حوتها.
يعرض الباحث خطابهما معتمداً على «التحليل الكيفي»، ويدرس مدى تأثير هذا الخطاب على الجمهور وقتها، وأخيراً ما تبقى من آثاره، وصولاً إلى النظر في صور تكراره في مناسبات أخرى، وكيفية تجنب سلبياته، وفهم ما يتجدد منه في الواقع الحالي.
يشير الباحث إلى أن هذا البحث ليس دراسة تاريخية بحتة، أو تعقباً يرمي إلى القدح في شخصيات بعينها، بقدر ما هو كشف عن حالة ولدت في زمن ما ثم تناسلت عبر الوقت، لتكرار الظروف الشبيهة، أو استمرار أغراض من أنتجوا وروجوا خطاب التعبئة خلال الحروب أو المشكلات الحادة والعميقة، التي تمثل في حد ذاتها فرصة قوية للتعبئة والحشد.
سلط عبدالغني سلامة -باحث وصحافي فلسطيني- الضوء في دراسته على الأفكار والنهج المعتمدة لدى عدد من وسائل الإعلام العربية، دارسًا إعلام الجزيرة بين المهنية واتهامات الدعاية السياسية، كاشفًا عن دور التوظيف السياسي لها، وعلاقتها بالجماعات الأصولية، مقدما أنموذجين يكشفان عن تلك العلاقة ممثلة بأحمد منصور وياسر أبو هلالة، فكانا من بين أكثر موظفي الجزيرة ممن قابلوا قيادات لتنظيمات إرهابية (طالبان، القاعدة، النصرة، داعش...).
في تحليل الباحث الأولي لتلك اللقاءات، لاحظ العلاقة بين طموحهما كصحافيين في الحصول على السبق الصحفي، والاستحواذ على اهتمام الجمهور وإعجابهم، وبين رغبة تلك القيادات في استغلال التغطية الإخبارية؛ لنشر أفكارها، وتبرير مواقفها، وشرح وجهات نظرها بأريحية.. وبين استفادة القناة من حالة الخوف والقلق الناجم عن الهجمات الإرهابية لإنتاج نوع من الأخبار الدرامية التي تلفت انتباه المشاهدين والقراء، فهي لا تستفيد فقط من الانتشار المتزايد والنجاح التجاري، بل وأيضاً في تقريب تلك القيادات إلى الجمهور، وإدخالها إلى بيوتهم، وجعل الناس يتفهمون توجهاتهم ويتقبلون ممارساتهم، تحت شعار الرأي والرأي الآخر؛ وهذه أقوى دعاية ممكن أن تحظى بها تلك الجماعات الإرهابية.
ركّز البحث في مجال العلاقة بين الإرهاب والإعلام، وكيفية توظيف كل طرف للآخر، والاستفادة منه وإفادته. يجد الباحث أنه من خلال العلاقة المركبة بين الإعلام والإرهاب، استفادت كلٌ من: الجزيرة، ومراسليها، والجماعات الإرهابية، بطريقتها الخاصة، وتلك الأطراف الثلاثة خدمت بعضها، وكان المتضرر الرئيس هنا هو الإنسان الذي اكتوى بنيران الإرهاب.
قّدم محمد أبو الرب –رئيس دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت، فلسطين- تحليلاً لبرنامج «سري للغاية» الذي أنتجته قناة الجزيرة الفضائية، في محاولة لاستقصاء حيثيات وتفاصيل الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
ركزت الدراسة على عناصر الخطاب ومنطلقاته، إلى جانب مضمون البرنامج بجزأيه الأول والثاني، وتحديداً تقنيات السرد وبناء المشهدية وتقنيات التشويق، ولفت الانتباه لتفاصيل وحيثيات تصنف من باب الكشف، خصوصاً في برامج تستهدف في غالبيتها جمهوراً عريضًا من المتدينين.
يطرح الباحث تساؤلات عدة: كيف عالج برنامج «سري للغاية» هجمات 11 سبتمبر (أيلول)؟ وما الزوايا التي حاول البرنامج الكشف عنها؟ وما القضايا التي حاول إبرازها في مقابل القضايا التي تم حجبها؟ وإلى أي حد يمكن القول: إن ما أنتجته الجزيرة يصنف علميًا ومنهجيًا ضمن التحقيقات الاستقصائية؟ ويخلص في دراسته إلى أن برنامج «سري للغاية» أقرب ما يكون لعمل درامي انفعالي عاطفي، والأهم أنه ترويجي، يبتعد عن الوقائع العقلانية والأدلة والشواهد، وهذا ما يجعله بعيداً عن الاستقصاء.
تناولت دراسة أحمد الباز -باحث في شؤون الشرق الأوسط- التجربتين المصرية والإماراتية في مكافحة خطاب التطرف والكراهية على المستوى الإعلامي، التقليدي منه والجديد.
ركز في الحالة المصرية على مراحل تطور خطاب التطرف في الفضاء الافتراضي، وآليات محاربته قانونياً وإعلامياً من الجهات المعنية. في الحالة الإماراتية تُدرَس القوانين الداعمة للجهود الإعلامية ودور المؤتمرات والمؤسسات البحثية والثقافية والدينية في هذا الجانب. لا تهدف الدراسة إلى إجراء مقارنة بين الدولتين، بل غايتها رصد الأدوات والاستراتيجيات التي تم تبنيها من قبل المؤسسات الحكومية والمدنية المهتمة.
يخلص الباحث إلى نتائج عدة، أهمها أن التنظيمات المتطرفة لن تترك مساراً لإشاعة أفكارها إلا وستطرقه، وعلى الرغم من دعوتها للعودة بالإنسان إلى قرون فائتة، فإنها مؤمنة بأهمية التطور التكنولوجي الذي هو سمة عصرنا الحالي، وطوال عقود طويلة مضت، كانت التنظيمات المتطرفة والإرهابية من أول مُستخدمي غرف الدردشة ومواقع الإنترنت في نشر خطابها المتطرف من جهة، وتعليم الأشخاص كيفية التعامل مع الأسلحة والمتفجرات، حتى قبل أن تنتبه دول بعينها لأهمية شبكة الإنترنت، وبالتالي فإنه لا يجب الاستخفاف إطلاقاً بخبرة أدلجة الرقمنة التي تستحوذ عليها هذه التنظيمات.
تناول فهد سليمان الشقيران -باحث سعودي- مشكلة التوصيف في الإعلام السعودي منذ بدء أول عملية إرهابية؛ إذ حارت وسائل الإعلام في كيفية وصف أولئك القائمين بالعمل، وكيف يمكن وصف العملية؟ لفظة الإرهابي لم تكن شائعة إلا بما يتداول من مواقف إسرائيلية ضد عمليات الفلسطينيين.
أشار الباحث إلى المنتديات الإلكترونية المنتشرة في بدايات الألفية الجديدة، والتي كانت ساحة للصراع بين القاعدة والتيار التنويري في السعودية. كما ركز في دراسته على برامج المناصحة التي أطلقتها السعودية، وعلى ظهور مشكلة الوصف بالإرهابي آنذاك، ومدى كره الأصولي لهذه التسمية، وحول الحكومات وتسمية الإرهاب أيضًا، مبرزاً أهم الآراء فيما كُتب عن كيفية مواجهة الإرهاب إعلاميًا.
تناول كرستوفر رش -صحفي ألماني وناقد سينمائي- في دراسته تمثيل الإرهاب في السينما الألمانية، لا سيما في تحديد كيفية استقباله وأثره.
تهدف الدراسة إلى تقديم عرض عام موجز ومكثّف لتصوير الإرهاب في السينما الألمانية. وهي تعتمد أساساً على دراسة الأدبيات ذات الصلة إلى جانب تحليلات لمختلف الأفلام الروائية. وتدرج الأفلام غير الروائية (الوثائقية) إذا اعتبرت مفيدة للمقارنة، كما تدرج الإنتاجات المشتركة إذا كانت «الحصة الألمانية» في الفيلم هي الأغلبية. وبالنظر إلى إطار هذه الدراسة، فإنه يقدم عرضًا عامًا موجزًا وفقاً للجوانب الرئيسة «لمحتوى» الفيلم و«أثره» في ضوء خلفيته التاريخية. لذا تقع هذه الدراسة في ثلاثة أقسام رئيسة: تصوير إرهاب اليمين المتطرّف، والإرهاب الإسلامي، وإرهاب اليسار المتطرّف.
يخلص الباحث إلى أنه لا يوجد شيء اسمه «فيلم الإرهاب». وفي هذه الدراسة كما في الأدبيات حول هذا الموضوع، يمكن تحديد ثلاثة مواقف من الإرهاب في السينما الألمانية: أولاً: التصريحات النقدية أو الناشطة أو التدخلية تجاه الإرهاب، بل تجاه تصوّره أو تجاه أشكال الحرب على الإرهاب وعواقبها. ثانياً: الأفلام التي تبحث عن الدراما والمآسي العامة وتجدها في الإرهاب وأبطاله وخلفياتهم. ثالثاً: الأفلام التي تستخدم العنف السياسي ومرتكبيه وتهديداتهم بل وخطرهم، بمثابة شمّاعة للترفيه العام فحسب، دون البحث بجدية في جوهر الإرهاب وظروفه وآلياته. يتضح له أن فسيفساء المرايا، أي الأفلام عن الإرهاب، لم تكتمل بعد. ومن ناحية أخرى، من الواضح أيضاً أن مزيداً من الأفلام ومزيداً من أحجار الفسيفساء لا تضمن أن تصبح الصورة أكثر وضوحاً بالضرورة.
تتناول دراسة جوزيف براودي -باحث أميركي متعاون مع مركز المسبار للدراسات والبحوث- أثر مجموعة الوثائق التي ضُبطت في مخبأ أسامة بن لادن؛ على الجدل السياسي الأميركي. ولهذه الغاية، يتفحص محتويات وثائق (أبوت آباد) والتسلسل الزمني المتبع في إذاعتها التدريجية على الملأ ببطء وجزئيًّا في ظل إدارة أوباما، ثم بسرعة وبأكملها في ظلّ إدارة ترمب.
تراجعت أهمية وثائق ابن لادن نتيجة للنقاش الحزبي المحلّي وزخارفه في الولايات المتحدة. وذلك يعني أن مناقشة الوثائق نتجت عن الجدل السياسي أكثر مما كانت دافعة له. من الوثائق البارزة مذكرة من (19) صفحة كتبها أحد كبار قادة القاعدة، توضح بالتفصيل العلاقة التكافلية للتنظيم مع إيران؛ والسجل الشخصي لابن لادن، الحافل بتفاصيل عن تطرّفه وعملية اتخاذ القرار؛ وعدداً من الوثائق التي أظهرت أن ابن لادن ظل قائداً فاعلاً لشبكته عبر الوطنية، أكثر مما صوّرته إدارة أوباما بكثير. وتجدر الإشارة أيضاً إلى الكشف المبتذل عن مخزون أعضاء القاعدة من المواد الإباحية والألعاب، لما أثاره من نقاش في وسائل الإعلام الغربية، بالإضافة إلى تقييم ابن لادن لنائب الرئيس –آنذاك- جو بايدن بوصفه رئيساً محتملاً للولايات المتحدة. ومع تقدّم السنين، تضاءل الاهتمام بوثائق (أبوت آباد) بعد إعادة تركيز مناقشات السياسات الأميركية على انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة؛ وإعادة توجيه خطوط القتال الأمامية الحزبية نحو الخلافات العديدة المرتبطة بشخص الرئيس ترمب.
يخلص الباحث إلى أن وثائق أبوت آباد حظيت باهتمام الرأي العام بما يتناسب مباشرة مع فائدتها المتصوّرة بمثابة أداة يمكن لأحد الأطراف أن يهاجم بها منافسيه. وكان تقييم ابن لادن المتدني لنائب الرئيس بايدن مسألة سجل عام لمدة ثماني سنوات. لكن لم يُتداول على نطاق واسع إلا بعد أن حصل بايدن على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، مما جعل لوكلاء الرئيس ترمب مصلحة واضحة في الاستشهاد بآراء ابن لادن لتعزيز حججهم بأن بايدن غير أهل للقيادة.
درس ماهر فرغلي -باحث مصري متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية- وثائق أبوت آباد التي تحوّلت إلى مادّة إعلاميّة دسمة للعديد من الخبراء والمحلّلين والمتابعين لشؤون تنظيم القاعدة، بعد أن تناولوها بالنقاش والتحليل من وجهات نظر مختلفة، وتم استثمار الدفعة الأولى -التي كانت عبارة عن مجموعة من الرسائل «175» صفحة باللغة العربيّة، مرقّمة من (3) إلى (19) كُتبت في الفترة الممتدّة بين سبتمبر (أيلول) 2006 وأبريل (نيسان)2011، بعضها من وإلى أسامة بن لادن، والبعض الآخر عبارة عن مراسلات داخليّة بين قيادات فروع التنظيم في أماكن مختلفة من العالم- في سياق تحسين صورة أميركا ونجاح سياسة أوباما، والتبشير بنهاية تنظيم القاعدة، واستخدمت الدفعة الثانية والثالثة والرابعة من الوثائق لتعزيز الخلافات بين القاعدة وتنظيم «الدولة الإسلامية»، ثم جاءت الدفعة الأخيرة لاستثمارها في مواجهة إيران وربطها بالتنظيم، وكان الإعلام في كل ذلك يلعب دوراً مسانداً وليس شفافاً طوال الوقت.
يفترض الباحث أن الولايات المتحدة حين نشرت هذه الوثائق، عمدت إلى فرض قراءة انتقائية تستخدم فيها تنظيم القاعدة، في المرة الأولى لفتت النظر إلى العلاقة بين التنظيم وإيران، وفي الثانية إحياء صورة ابن لادن في وقت ظهر فيه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بشكل لافت. هنا تتضح مشكلة الدراسة وإثباتها للإطار الذي يُعالج أو تُقدَّم فيه الموضوعات القريبة من الإرهاب، لذلك سعت الدراسة إلى إثبات مدى طغيان البعد الدعائي الموجه على حساب البعد الموضوعي في معالجة الظاهرة، ومدى معالجة التغطية الإخبارية لجذور المشكلة وأسبابها العميقة؛ سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وكذلك مدى ارتباطها بالسياق الاجتماعي والسياسي والثقافي، وهنا تتطرق الدراسة إلى تحديد الأطر الثقافية للتغطية والقواعد المهنية الحاكمة لها من خلال طرح التناول الإعلامي لوثائق أبوت آباد، وهو نموذج يدلل على أشكال الفوضى الإعلامية في التعامل مع قضية الإرهاب، وسمات المعالجة الإعلامية العربية للظاهرة الإرهابية، والتغطية الإعلامية العربية للظاهرة الإرهابية، وكذا الترويج للخطاب الإرهابي، وذلك من خلال عدة محاور هي: الوثائق.. الهدف والخطاب الإعلامي، القراءة الانتقائية لوثائق ابن لادن، الوثائق والتقاطع ما بين الإعلامي والسياسي.
تخلص الدراسة من خلال طرح التناول الإعلامي للوثائق للتدليل على الفرضيات المطروحة إلى أن العملية الإعلامية التي تناولت هذه الوثائق برمتها أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في الترويج للإرهاب وفي دعم عملياته الإعلامية.
يرى مصطفى حجازي -أستاذ علم النفس في معهد الدكتوراه في الجامعة اللبنانية- أن تسريب الأخبار التي تؤذي سمعة القيادات السياسية، أصبح يشكل تهديداً فعلياً لهم مع تزايد انتشار تقنيات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تشكل ملفاً قائماً بذاته، يستحق بحثه في جميع أبعاده.
يقدم الباحث تباعاً كلاً من تعريف التسريب وخصوصاً السياسي منه، والفارق بينه وبين الإشاعات، ورغبة الجمهور في متابعة أخباره ودوافعها. في المجتمعات الغربية الصناعية، ومجتمعات البلدان النامية؛ يدرس الباحث حالتين تختلفان نوعياً، نظراً لاختلاف البنى الاجتماعية والسياسية. ومن خلال هذا التمييز الأساسي يصبح بالإمكان الإضاءة على تأثير التسريب على هذه القيادات. وفي الحالتين (الغرب والشرق) يميّز الباحث تأثير التسريب والموقف منه بين جمهور الأتباع والمؤيدين للقائد أو الزعيم، وجمهور الخصوم، وبين مواقف الجمهور العريض اللامنتمي من الناحية الأخرى.
أعدت وحدة الرصد والترجمة بمركز المسبار للدراسات والبحوث هذه المادة تلخيصاً لمحاضرة تفاعلية حول دور الإعلام في تدمير السياق، أقيمت في 27 يناير (كانون الثاني) 2021، برعاية مركز (Conciliators Guild). شارك فيها الدبلوماسي الكندي السابق جون بيل (John Bell)، ومدير برنامج الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط وبرنامج أوراسيا في مركز توليدو الدولي للسلام (Toledo International Centre for Peace)، إيفان تيريل (Ivan Tyrrell)، والكاتب البريطاني جون زاده (John Zada)، والباحث والطبيب النفسي إيان ماكغيلكريست (Iain McGilchrist).
تسلط المادة الضوء على كيفية عمل دماغنا على خلق أكثر من سياق، كما يبرز مخاطر التفكير البيروقراطي، متطرقًا إلى "اللغة" على اعتبارها أداة للسيطرة، متناولاً دور الإعلام في تدمير السياق. وتخلص إلى أنه في الواقع، قد يتم تجاوز المزيد والمزيد من العمل من خلال العملية الوصفية لتوثيق أو تبرير ما كان المرء يفعله أو يفترض أن يفعله، على حساب الوظيفة الحقيقية في العالم الحي. سوف تزدهر التكنولوجيا كتعبير عن رغبة النصف المخي الأيسر في التلاعب بالعالم والسيطرة عليه من أجل متعته، ولكن سيُصاحبها توسع كبير في البيروقراطية، وأنظمة التجريد والسيطرة، ومفاهيم المهارة والحكم، التي كانت تعتبر في يوم من الأيام قمة الإنجاز البشري، ولكنها لا تأتي إلا ببطء وبصمت مع أعمال المعيشة اليومية، سيتم تجاهلها لصالح عمليات قابلة للقياس والتكرار، والخبرة. والخلاصة «الحكيم» سيتم استبداله بـ«الخبير» كما حدث للحكيم.
قدمت هيئة التحرير بمركز المسبار للدراسات والبحوث مراجعة لهذا الكتاب، الذي ألفه كل من "جينيفر كافاناغ" -كبير علماء السياسة في مؤسسة راند، و"مايكل دي رتش" -الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة راند.
يسعى الكتاب إلى تقديم تعريفٍ واضح حول «تصدّع الحقيقة»، وفحص دوافعها وعواقبها؛ وكل ذلك بهدف إرساء أساسٍ لمناقشةٍ أكثرَ فائدة عن التحديات التي تواجه الخطاب السياسي والحقوقي في الولايات المتحدة. يقول المؤلفان: إنهما سعيا لتقديم أساس لصنّاع السياسات والباحثين والمثقفين والصحافيين والأطراف المعنية الأخرى؛ بُغية تحليل المفاهيم والعلاقات التي ربما قد تكون مساهمة في «تصدّع الحقيقة».
يقدم المؤلفان تعريفاً عملياً لتصدّع الحقيقة. ويستكشفان بالتفصيل الاتجاهات الأربعة ذات الصلة، ويفحصان الدوافع والعواقب المحتملة. يعرّف الباحثان تصدّع الحقيقة على أنه؛ مجموعة من أربعة اتجاهات متصلة: الخلاف المتزايد بشأن الحقائق والتفسيرات التحليلية للحقائق والبيانات؛ عدم وضوح الخط الفاصل بين الرأي والحقيقة؛ الحجم النسبي المتزايد، والتأثير الناجم لتفضيل الرأي والتجربة الشخصية على حساب الحقيقة؛ انخفاض الثقة في مصادر المعلومات الواقعية، التي كانت تحظى بالاحترام في السابق. ويستعرض الباحثان ثلاثة من العصور التاريخية التي شهدت سمات تصدّع الحقيقة، وهي: ثمانينيات، وتسعينيات القرن التاسع عشر، أو العصر المذهّب، المعروف بصراعات انتشار الصحف و«الصحافة الصفراء»؛ عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، أو عقد العشرينيات الصاخبة وفترة الكساد الكبير، وظهور صحافة الإثارة وبداية البث الإذاعي؛ ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، أو عقد مشاركة الولايات المتحدة في حرب فيتنام وانسحابها منها، والمشهورة بـ«الصحافة الجديدة»، والانشغال بالدعاية الحكومية والإعلامية، ونهضة الصحافة الاستقصائية.
ومن ثمّ حدّد الباحثان أربعة دوافع أو أسباب محتملة لتصدّع الحقيقة: سِمات «المعالجة المعرفية» مثل: الانحياز المعرفي؛ التغيرات في نظام المعلومات (مثل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي)؛ المطالب التنافسية المفروضة على النظام التعليمي، التي تحدّ من قدرته على مواكبة التغييرات في نظام المعلومات؛ الاستقطاب السياسي والاجتماعي والسكاني والاقتصادي.
على الرغم من أن هذه الدوافع الأربعة لتصدّع الحقيقة ليست متعمدة في الغالب؛ فهي تمثّل وظيفة للطبيعة البشرية، أو وليدةَ ظرفٍ معيّن وليست عملاً متعمّداً؛ فإنه بإمكان الجهات المضلّلة تأدية دورٍ متعمد أو غير متعمد في تفاقم ظاهرة تصدّع الحقيقة من أجل مكسبها السياسي أو الاقتصادي.
أما عواقب تصدّع الحقيقة، فتظهر في الكثير من الجوانب، وأبرزها: تراجع الخطاب المدني؛ الجمود السياسي؛ عزل الأفراد من المؤسسات المدنية والسياسية وفصلهم؛ سياسة الشك على المستوى الوطني (عدم اليقين).
بعد ذلك يحدّد الباحثان أربعة مسارات للبحث ضمن جدول وضعاه لحلّ مشكلة النظام المعقّد لتصدّع الحقيقة. وهذه المسارات هي: المسار الأول: النماذج المماثلة: الأميركية السابقة والدولية؛ المسار الثاني: البيانات والاتجاهات؛ المسار الثالث: الآليات والعمليات؛ المسار الرابع: الحلول والاستجابات.
يخلص المؤلفان في كتابهما إلى أنه يبقى تناول سياسة ما بعد الحقيقة، والتلاعب بها، واستخدامها الحقيقة لخدمة الدعاية السياسية، واحدة من الموضوعات التي زاد الاهتمام بها، بعد صعود الشعبوية، والحملة المضادة للإعلام الأميركي المضاد للرئيس السابق دونالد ترمب، والذي وصفه بأنه يقتات على الأخبار الكاذبة. وهي الأخبار التي تعتمد على سياسة ما بعد الحقيقة، واستغلال آلياتها، في تطويرٍ للبروبجاندا القديمة.