صراع الكنيسة السّلافية: سياسة الدين والتاريخ


  يتناول هذا الكتاب التوظيف السياسي للصراعات الكنسية والسرديات التاريخية في روسيا وأوكرانيا، فيبحث في  الجدليّة التاريخيّة المعقّدة حول الأصول وتباين السرديات، ويناقش قضيتين: الأولى كيفية تعامل الكنيسة الروسية مع الحقبة السوفيتية، وأثرها عليها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي؛ والثانية توظيف السياسة السوفيتية للدين في عهد ستالين. 

  رصدت الدراسات تحول الصراع بين روسيا وأوكرانيا، من حرب ثقافية باردة، منذ سنة 1991 إلى حرب ساخنة بدأت سنة 2014 وتأثير عودة الكنيسة الروسية إلى الحياة العامة، بعد إعادة إحيائها في الفكر السياسي الروسي المعاصر، وتعزيز المدرسة التقليدية المناهضة للحداثة.


تم النشر في: February 2024


front171

قائمة الفصول


# اسم الكتاب سعر اشتري الآن
1 الجدلية التاريخية بين موسكو وكييف وأثرها على العلاقات الكنسية 45 د.إ
2 دور الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في سياسة الكرملين الخارجية: 45 د.إ
3 الكنيسة الروسية: الحقبة السوفيتية وما بعدها 45 د.إ
4 الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في العهد الشيوعي 45 د.إ
5 الكنائس الأرثوذكسية المستقلة ودور الكنيسة الكاثوليكية في أوكرانيا 45 د.إ
6 البانوراما التقليدية الروسية: صراع الباراديغمات 45 د.إ
7 الكتاب: القناة الخلفية، مذكرات الدبلوماسية الأميركية وحالة تجديدها 45 د.إ
ملاحظة: الدراسات متاحة فقط كملف تنزيل في إصدار PDF.

شرح الكتاب


ملخص بحوث العدد 206

«صِرَاع الكنيسة السّلافية، سياسة الدين والتاريخ»

فبراير (شباط) 2024

دبي

يتناول مركز المسبار للدّراسات والبحوث في هذا الكتاب التوظيف السياسي للصراعات الكنسية والسرديات التاريخية في روسيا وأوكرانيا، فيبحث في الجدليّة التاريخيّة المعقّدة حول الأصول وتباين السرديات، ويناقش قضيتين: الأولى كيفية تعامل الكنيسة الروسية مع الحقبة السوفيتية، وأثرها عليها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي؛ والثانية توظيف السياسة السوفيتية للدين في عهد ستالين.

رصدت الدراسات تحول الصراع بين روسيا وأوكرانيا، من حرب ثقافية باردة، منذ سنة 1991 إلى حرب ساخنة بدأت سنة 2014 وتأثير عودة الكنيسة الروسية إلى الحياة العامة، بعد إعادة إحيائها في الفكر السياسي الروسي المعاصر، وتعزيز المدرسة التقليدية المناهضة للحداثة.

الجدلية التاريخية بين موسكو وكييف وأثرها على العلاقات الكنسية

عرض الباحث المصري في التاريخ والعلاقات الدولية، أحمد دهشان، السجالات التاريخية، بين روسيا وأوكرانيا، بدءًا من انطلاق «الحركة الوطنية الأوكرانية» في القرن التاسع عشر، التي سعت في البداية، خلال الأعوام الممتدة بين (1846-1845) إلى إقامة حكم ذاتي أوكراني، في إطار وحدوي، يجمع «السلافيات الشرقية الثلاث»: روسيا، وأوكرانيا، وبيلاروس، داخل الإمبراطورية الروسية.

سعت الدراسة للكشف عن أصل الخلاف، وعلى أي أساس بنى كل طرف سرديته؛ فموسكو ترى نفسها الوريث الشرعي لدولة السلاف الشرقيين التاريخية، أما أوكرانيا فقد كانت كييف، مقرًا لعاصمة هذه الدولة والمركز الروحي لكنيستها. جاءت الدراسة في ثمانية أقسام: أولاً: أصل الأمة السلافية، ثانيًا: السلاف المحدثون، ثالثًا: تأسيس دولة السلاف الشرقيين وكييف، رابعًا: كييف أُمّ المدن الروسية، خامسًا: الاجتياح المغولي والهُويات السلافية الشرقية، يركز فيها على حقبة الحكم المغولي ((1242-1480، والحقبة المغولية-التترية، ودورها في تفكيك السلاف الشرقيين. سادسًا: الدين الجيوسياسي بين روسيا والغرب، سابعًا: الدِّين والعلاقات بين روسيا والغرب، ثامنًا: المسيانية في السياسة الروسية.

يخلص الباحث إلى أن أوكرانيا الدولة الناشئة؛ التي لم يكن لها وجود بحدودها الحالية، قبل الأول من ديسمبر (كانون الأول) 1991، تسعى لبناء هوية قومية، عبر سردية تاريخية خاصة بها، لكنها ترتبط بشكل وثيق بالتاريخ الروسي، مما يعزز من السردية الروسية، بأن أوكرانيا ليست دولة، وجزء لا يتجزأ من روسيا تاريخيًا، وتاليًا لا يمكن التأسيس لتاريخ قومي أوكراني منفصل عن روسيا. ففي حالة أوكرانيا، تعتمد سرديتها على أن كييف كانت مقرًا للحكم، في دولة كييف روس، بينما ترد روسيا، بأن العاصمة الأولى المؤقتة للسلاف الشرقيين كانت في ستارايا لادوغا، والعاصمة الأولى التاريخية في نوفغورود، والثانية في كييف، والثالثة بعد الاجتياح المغولي في فلاديمير، والرابعة في موسكو، وهو ما يرجح من كفة قيادتها، لوقوع عواصم أربع من أصل خمس في أراضي روسيا اليوم.

فيما يخص الكنيسة والإيمان الأرثوذكسي، تدعي روسيا، بأن القرم هي من حررتها من تتر القرم. واقعيًا، في معركة التاريخ والهوية والدين، يتصارع الروس والأوكرانيون على الشيء نفسه (من لديه الحق في زعامة السلاف الشرقيين). روسيا، تسعى لتأسيس إمبراطورية، والكنيسة، كان لها دور تاريخي في دعم موقف موسكو لأجل الوحدة السلافية الشرقية، بجانب تعزيز الشرعية التاريخية، ومن هذا المنطلق، يبرز دور الدين، وإصرار أوكرانيا على فصل كنيستها عن بطريركية موسكو، لضمان عدم اختراق جبهتها الداخلية، وإصرار الأخيرة على تبعيتها في ظل عدم وجود أي خلاف عقائدي بين الطرفين، وما ستمنحه لروسيا هذه التبعية من مكانة قيادة الأرثوذكس حول العالم.

دور الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في سياسة الكرملين الخارجية: دراسة حالة أوكرانيا ومولدوفا

تهدف دراسة ميخائيل كوركاشفيلي (Mikheil Korkashvili) -باحث جورجي، في المعهد الأوروبي الجورجي- إلى فهم دور الكنيسة الروسية في سياسة الكرملين الخارجية منذ أحداث 2014، وحتى قبيل الغزو الروسي لأوكرانيا، وتختار الدراسة حالة أوكرانيا (Ukraine) ومولدوفا (Moldova). وتنطلق من فرضية أن الكنيسة الروسية والكرملين قد يكون لهما مصالح خارجية غير متطابقة، لكنهما ما زالا يعملان معًا لحل القضايا المختلفة. تتناول الدراسة السياسة الخارجية الروسية المعاصرة المبنية على التقاليد والنزعة المحافظة، التي تبشر بها الكنيسة الروسية، باعتبارها أداة ممتازة للقوة الناعمة، مع أهمية الإقرار بأن الكنيسة الروسية لا تمتثل لجميع توجيهات الكرملين، فهي مؤسسة مؤثرة جدًا داخل الاتحاد الروسي وخارجه. منهجيًا، إلى جانب المراجع والمصادر الأساسية استخدم الباحث طريقة البحث النوعي (المقابلات المتعمقة وتحليل البيانات).

قسّمت الدراسة إلى ستة أقسام: أولاً: الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وعقيدة "العالم الروسي". ثانيًا: البحث النوعي: المقابلات وتحليل البيانات. ثالثًا: صعود الكنيسة الروسية وسعيها نحو العالمية. رابعًا: أوكرانيا وعقيدة "العالم الروسي". خامسًا: مولدوفا والنفوذ الروسي. سادسًا: الفروقات في المصالح بين الكرملين والكنيسة الروسية.

يشير الباحث إلى أن الكنيسة الروسية تُعَد أداة جيدة لزيادة نفوذ الكرملين في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي. فالأفكار المحافظة والتقليدية التي تبشر بها الكنيسة الروسية اليوم هي وجه السياسة الروسية، ويمكنها بسهولة عرض هذه الآراء بشكل مختلف إذا أصبح ذلك ضروريًا.

يلعب تأثير الكنيسة الروسية دورًا مهمًا في الحياة السياسية في أوكرانيا ومولدوفا. وفي كثير من الحالات، تتدخل الكنيسة الروسية في مولدوفا بشكل مباشر في الحياة السياسية. وسوف تستمر في القيام بذلك طالما أن تمثيلها والأحزاب الموالية لروسيا منخرطة بنشاط في الحياة السياسية في مولدوفا. في أوكرانيا، صحيح أن الكنيسة الروسية تفقد نفوذها تدريجيًّا، لكنها لا تزال تلعب دورًا مهمًا في إثارة الخطابات المؤيدة لروسيا.

تُظهر الدراسة أن القوة الرئيسة للكنيسة الروسية هي المجتمع المحافظ والتفكير التقليدي الذي يعيش في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي. الكنيسة الروسية هي نوع من مركز التغذية الفكرية والروحية لمثل هؤلاء الناس. منذ القرن الحادي والعشرين، لم تعد الأفلام والأدب والفنون الروسية الحديثة تحظى بشعبية كبيرة على مستوى العالم؛ لقد وجدت روسيا مكانتها في التقاليد والمحافظة. الكنيسة هي المؤسسة التي تعبر عادة عن مثل هذا السرد. تتمتع الكنيسة الروسية بالقدرة والقوة داخل البلاد وخارجها لأجل اكتساب الشعبية من خلال المحافظة والتقاليد. علاوة على ذلك، لديه الفرصة لإنشاء صورة نمطية لما يجب أن يبدو عليه الروسي الحديث.

ربما يكون للكنيسة الأرثوذكسية الروسية والكرملين أهداف خارجية مختلفة. ومع ذلك، ما زالوا يتعاونون في كثير من الأحيان. ولا يمكننا أن نقول: إن الكنيسة الروسية مؤسسة تابعة للكرملين. كما أن تأثيرها في المؤسسات العسكرية مرتفع نسبيًّا. نظرًا لأن الكنيسة الروسية غنية ماليًّا، وإلى حدٍ ما، قد تتبع أجندتها الخاصة، لكنها في النهاية لا تزال تُطيع توجيهات الكرملين. على الرغم من أنه، كما كتب صموئيل هنتنغتون، في كتابه «صدام الحضارات»، كان هناك صدع تاريخي بين السلطات العلمانية والكنسية في الغرب، وفي أماكن أخرى من العالم لا يمكن فصلهما، إلا أنه قال: «في الإسلام الله هو القيصر؛ في الصين واليابان القيصر هو الله؛ في الغرب ما لقيصر لقيصر وما لله لله؛ في الأرثوذكسية الله هو الشريك الأصغر للقيصر».

الكنيسة الروسية: الحقبة السوفيتية وما بعدها

تهدف دراسة فاليري كوروفين (Валерий Коровин) (Valery Korovin) -باحث وصحفي روسي متخصص في تاريخ الكنيسة الروسية- إلى فهم تأثير الكنيسة الروسية على المجتمع الروسي في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي؛ فتأخذ بالاعتبار تأثير الأرثوذكسية على التاريخ الروسي، والمراحل التي مرت بها الكنيسة المسيحية بشكل عام؛ من حيث العقيدة الدينية، من أجل فهم الحالة التي كانت عليها الكنيسة الروسية في الفترة السوفيتية، أو التحديات التي واجهتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فقد أصبحت بمثابة المرجع الرئيس لجميع المسيحيين الأرثوذكس من سكان أراضي الاتحاد السوفيتي سابقًا.

تنقسم الدراسة إلى سبعة أقسام: أولاً: الكنيسة المسيحية.. مراحل النشأة والازدهار والردة. ثانيًا: ظهور الكنيسة الروسية.. ارتداد أم إصلاح؟ ثالثًا: الكنيسة الروسية في الفترة السوفيتية: هل هي الردة أم ليس بعد؟ رابعًا: الكنيسة الروسية وتفكك الاتحاد السوفيتي. خامسًا: إحياء الكنيسة الأرثوذكسية في عهد بوتين. سادسًا: الكنيسة الروسية والفراغ الأيديولوجي. سابعًا: الكنيسة والمجتمع والسياسة في روسيا.

يخلص الباحث إلى أن المسيحية بشكل عام، والكنيسة الأرثوذكسية بشكل خاص، باعتبارهما يمثلان رؤية متكاملة للعالم (وهذا أوسع بكثير من مجرد أيديولوجية)، لهما نظرتهما الخاصة لكل شيء. وإذا كنا نصر على أن الهجر الإلهي لم يصبح حقيقة بعد، وأن الكاتيشون يمنع مجيء المسيح الدجال، وأن فترة الإمبراطورية مستمرة، فإن مهمة كل مسيحي وخصوصًا الأرثوذكسي، هي نقل هذا الرأي نفسه إلى الدولة، وإقناعها بأن الدولة ليست مجرد أداة تؤدي وظائف خدمية (كما هو معلن في الليبرالية)، ولكنها تمثل إمبراطورية أرثوذكسية كاملة تستند إلى مبدأ تناغم السلطتين، حيث لا يتم فصل الكنيسة عن الدولة، بل على العكس، يتم دمجها مع الدولة، بسلطتها المقدسة لكل مسيحي ورسالتها الأخروية التي تهدف لتوفير الظروف للخلاص لكل من يقبلها ويشارك في هذه الرسالة قدر استطاعته. وإن عدم المطابقة الحالية لهذا النموذج المثالي، وإن كانت مؤقتة، هو سؤال يوجه إلى النخبة، كذلك لا بد أن يوجهه لها كل مسيحي أرثوذكسي، ليساهم، كل في مستواه، في الاقتراب من انتصار الإمبراطورية الأرثوذكسية. سيظل المسيح دائمًا في الكنيسة، ولا يبقى سوى العثور على الكنيسة، وتحديد مكانتها، ونقطة اتحادها مع الدولة.

الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في العهد الشيوعي

تناولت ليونتيفا تاتيانا جيناديفنا (Татьяна Леонтьев) (Leontieva Tatiana Gennadievna) -أستاذة في العلوم التاريخية، ورئيسة قسم التاريخ الروسي في جامعة تفير الحكومية- العلاقة بين الكنيسة الأرثوذكسية الروسية والدولة في العهد الشيوعي، فتعرض لثلاث مراحل أساسية: مرحلة التوتر الديني؛ والمرحلة الجديدة التي تطورت فيها العلاقات بين ستالين والكنيسة؛ والمرحلة الثالثة التي تركزت على السياسة الصارمة للحكم الشيوعي للحد من سلطة الكنيسة وتقويض الدين.

تستنتج الباحثة أن العلاقة بين الدولة والكنيسة الأرثوذكسية، كان من الممكن أن تكون متطورة ومثمرة، خلال العهد الشيوعي، ولكن هذا كان يتطلب تغييرًا في وضعها القانوني، وتوسيع نطاق حضورها في المجتمع، ولم يصبح ذلك ممكنًا، إلا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، عندما بدأت السياسة الدينية في روسيا الاتحادية المتعددة الطوائف، تتشكل في إطار مختلف.

الكنائس الأرثوذكسية المستقلة ودور الكنيسة الكاثوليكية في أوكرانيا

سعت دراسة دينيس تارغونسكي (Денис Таргонский) (Denys Targonsky) -باحث أوكراني، متخصص في الشؤون الأرثوذكسية- إلى الإجابة عن إشكاليتين رئيستين: ما السمة المميزة لأوكرانيا كدولة حديثة وسط الشعوب الأوروبية الحديثة؟ وما دور الكنائس في تشكيل دولة أوكرانيا الحديثة؟

قسّمت الدراسة إلى ستة أقسام: أولاً: سياسة الروس الدينية . ثانيًا: أبرشية كييف وبطريركية موسكو. ثالثًا: كنيسة كييف والإصلاح الأوروبي. رابعًا: استحواذ موسكو على أبرشية كييف. خامسًا: الكنيسة الأوكرانية في القرن العشرين. سادسًا: الكنيسة الأوكرانية في السياق الأوروبي.

يرى الباحث أن توحيد الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، التابعة لبطريركية موسكو وكنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية في كنيسة أوكرانية واحدة، يعد أمرًا شبه مستحيل، كما أنه غير مرغوب فيه حتى الآن، سواء من قبل أغلبية الرعية أو رجال الدين، ومع ذلك بإمكان هاتين الطائفتين التعايش السلمي والقيام بوظائفهما الدينية، كما يحدث في جميع أنحاء أوروبا وأميركا. لا بد لمبادئ الاحترام المتبادل والتسامح أن تتغلب على التعصب الديني، ولتنظيم هذه العلاقات، يجب على الدولة إنشاء إطار قانوني، إلا أنه لا يوجد في أوكرانيا حتى الآن تشريع ينظم بدقة العلاقة بين الكنيسة والدولة، وهو ما تستغله الدعاية الروسية.

إن «عالم الأرثوذكسية» في الواقع أصغر بكثير مما قد يعتقده الأرثوذكس أنفسهم؛ حيث إن الجزء الأكبر منه في أوكرانيا منغلق على نفسه داخل صراعاته وانفعالاته الطائفية، والقاذورات الإعلامية، وقليلًا ما يحظى باهتمام المجتمع المعاصر. لم تضع الكنائس الأرثوذكسية استراتيجية خاصة بها للقرن الحادي والعشرين، كما فعلت الكنائس المسيحية الأخرى في أوكرانيا.

إن كلًا من الكنيسة الكاثوليكية اليونانية الأوكرانية، والكنيسة الكاثوليكية الرومانية، والكنيسة الإصلاحية الأوكرانية، والكنيسة المعمدانية، قد أنشؤوا مؤسسات تعليمية حديثة في أوكرانيا، ووفروا لشبابهم تعليمًا جيدًا. كما أنشأ مطران الكنيسة الكاثوليكية اليونانية الأوكرانية، جوزيف سليبوي، سجين معتقل سيبريا (الجولاج) سابقًا، جامعة القديس كليمنت الأوكرانية الكاثوليكية في الفاتيكان بمساعدة البابا، التي تم نقلها إلى لفيف سنة 1994، والتي تعد اليوم واحدة من أكبر مؤسسات التعليم العالي المرموقة في أوكرانيا، حيث تجمع أفضل المعلمين والأساتذة.

ركزت الطوائف الأرثوذكسية اهتمامها على مكانتها في الدولة وعلى العبادة؛ ولم تول سوى القليل من الاهتمام لجيل الشباب والعمل الفردي مع الناس، وهو ما يشكل في الواقع عودة إلى القرن التاسع عشر.

إن ظهور كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية في أوكرانيا، هو نوع من البديل لـ«الأرثوذكسية الإمبراطورية»، التي اختارتها اليوم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وهو خير دليل على أن حياة الطوائف الدينية تتغير بوتيرة متسارعة. ليس هدف معظم المعاصرين الذين يترددون على الكنائس الأرثوذكسية التابعة لأي من الطائفتين الأرثوذكسيتين الأوكرانيتين، من الذهاب إلى الكنيسة هو الشعور بأنهم مواطنون أوكران حقيقيون أو آلهة من روس المقدسة، بل هم يبحثون عن الدعم النفسي والروحي والمعنوي والتفاهم لمواجهة مشاكلهم اليومية.

البانوراما التقليدية الروسية: صراع الباراديغمات

ترى ناتاليا ميلينتيفا (Наталия Мелентьева) (Natalya Melentyeva) -أستاذة الفلسفة في جامعة موسكو الحكومية (Moscow State University)- في دراستها أن التقليدية بوصفها اتجاهًا فكريًا، ظهرت أواخر القرن التاسع عشر، مع مؤسسّها رينيه غينون (René Guénon) [عبدالواحد يحيى] الذي وضع خطاطة فكرية تأسيسية، لخصها بفكرةٍ عن وحدة باراديغم لغة التقليد الأصل وشموليته، وتناقضه مع باراديغم العالم المعاصر (180) درجة.

ترتبط التقليدية بالتمايز المبدئي بين مجتمعات التقليد ومجتمعات العصر. لقد بيَّن غينون أن ما يكمن في صلب التباين بين نمطي المجتمعات، ليس الأفكار والميثولوجيات والمقولات المختلفة، بقدر ما هو التناقض الأساسي بين باراديغمات التفكير وبنى اللغة الذي يشكل تنازع الرؤى العقدية. لفت غينون الانتباه إلى أن مبدأ التقدم الذي تسترشد به مجتمعات الحداثة، ما هو إلا بمثابة بنية أيديولوجية مصطنعة للعصر الجديد؛ وأن المجتمعات القديمة ليست على خط واحد للتطور مع الحضارة الحديثة المعاصرة. ومتابعةً لأفكار غينون، يبيِّن نصير التقليدية، المفكر الروسي ألكسندر دوغين (Aleksandr Dugin)، أن عالمي التقليد والمعاصرة ليسا مجرد مركبين (مجمعين) أيديولوجيين يعقب أحدهما الآخر على نحو متمايز، لا متزامن؛ بل هما باراديغمان أبديان متزامنان، متنافسان على مدى التاريخ البشري كله.

نجح غينون في «إقامة مسافة فاصلة عن اللحظة الراهنة» وبيَّن بجرأة أن منظومة العصر العلمياتية هي من صنع الإنسان، وأنها -بمعنى ما- مشروعُ تفكير مفروضٌ علينا، وتُمثِّل في الحساب الأخير تلاعبًا، شذوذًا، ونسخة لا أصل لها. إن نموذج نظام العالم هذا ما هو إلا مشهد بين كثرة من نماذج أخرى للواقع، ذات قيمة حقيقية بهذا القدر أو ذاك.

قسمّت الدراسة إلى ثمانية أقسام: أولاً: التقليد والمذهب التقليدي. ثانيًا: حروب العقل: الحداثة ضد "ما قبل الحداثة". ثالثًا: ما بعد "الغينونية".. مدرسة التقليدية الروسية. رابعًا: أفول باراديغم الحداثة. خامسًا: الحداثة.. ملاذ البشرية الأخير. سادسًا: الحداثة الجديدة.. انهيار الذات وإلغاء الإنسان. سابعًا: رحلة في مغزى الحضارات. ثامنًا: الحضارة الروسية: دولة أبوللو ضد الفلاحين.

تستنتج الباحثة أن الصور النمطية لليبرالية الغربية المعاصرة، تنتقل إلى المجتمعات الشرقية تدريجيًّا. فالغرب يحمل معه الكليشيهات المسطحة عن المادية والتكنوقراطية والاقتصادوية والاستهلاك الجامح والفردية والإلحاد، ونسخًا بلا أصل عن الفلسفة والفن والروحانية الجديدة. وخلافًا لمسيري الفكر الليبراليين، نجد أن أنصار التقليدية هم ورثة الطاقة الكامنة الهائلة، الميتافيزيقية واللاهوتية والفلسفية، التي تتمتع بها التقليدية مع كتلة من النصوص المقدسة، واللاهوت، وعلوم الخلاصية اللاهوتية، والمشاريع الاجتماعية. وبالرغم من وجود تباينات واعتراضات متبادلة في إطار التقليد نفسه بمختلف صيغ وروايات التقاليد التاريخية، يتمتع قطب التقليد، عمومًا، بأفضلية هائلة على قطب محور المعاصرة.

يسجل التقليديون الروس نوعية جديدة، وتبدلًا في صيغ ومعادلات الطليعة الإبستيمولوجية المعاصرة لما بعد الحداثة، الطليعة التي تفصح الآن صراحة عن الخلفية العدمية لرؤيتها العقدية، وعجزها عن اقتراح آفاق إيجابية للبشرية، وعن تنبؤ متشائم لجهة مستقبل الإنسان؛ وتصرح علنا بـ«لا إنسانيتها».

ترى الباحثة أن النخب الغربية، إذ تفرض على العالم سيناريو فاشلًا «لعالم واحد» ليبرالي، لكنها ترفض إعداد مشاريع اجتماعية جديدة، ملمحة إلى جزء من البشرية أن مصيره يكمن في أن يذوب في يوميات الحروب الكيميائية والجرثومية المحلية.

يتضح، اليوم، أكثر وأكثر أن النخبة الليبرالية عاجزة عن ابتكار مشاريع اجتماعية جديدة، كما كانت سابقًا تغري البشرية بلوحات زاهية عن مجتمعات «ما بعد صناعية»، «انفتاحية»، «تكنوقراطية»، وغيرها من المجتمعات «الحسنة». وهذه النخبة غير قادرة على حفز الاكتشافات العلمية والبحث عن مصادر جديدة لحلول ذهنية ذكية. تميل نخب الغرب المتسلطة إلى نقل جزء كبير من البشرية إلى أدنى طوابق الوجود/ اللاوجود. لقد أوصلتنا «ما بعد الحداثة» إلى قاع تبدد الطاقة والتدمير النهائي للإنسان. وأنه أمام هذا الخطر، وبإدراكهم الطابع الأخروي للنوماهيا المعاصرة، وامتلاكهم مفاتيح باراديغمها، يتعين على أنصار التقليدية، توحيد قواهم في المعركة من أجل البشرية، من أجل حياة الإنسان وكرامته، والتصدي بهمة ونشاط لأحدث مشاريع العصر المعادية للإنسان.

الكتاب: القناة الخلفية، مذكرات الدبلوماسية الأميركية وحالة تجديدها

قدّم الباحث عمر البشير الترابي –رئيس التحرير في مركز المسبار للدراسات والبحوث بدبي- مراجعة في كتاب (The Back Channel: A Memoir of American Diplomacy and the Case for Its Renewal) «القناة الخلفية، مذكرات الدبلوماسية الأميركية وحالة تجديدها» للدبلوماسي الأميركي وليام جوزيف بيرنز (William J. Burns) تناول ما جاء فيه من أبرز الأفكار المرتبطة بعالمنا المعاصر، ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، والعوامل المؤثرة عليه، التي كتبها وليام بيرنز سنة 2019 قبل ترشحه لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية.

يتكون الكتاب من مقدمة وعشرة فصول وخاتمة. تشرح المقدمة سبب كتابة مذكراته؛ وفي الفصل الأول يستحضر طفولته وتأثره بوالده العسكري؛ ثم انضمامه إلى الخارجية، ثم يناقش الصراع العربي -الإسرائيلي في الفصل الثاني؛ باعتبار أنّ اتفاق أوسلو كان لحظة من لحظات بداية عهد القطب الواحد، ولا يختلف في ذلك عن حرب العراق، وفي الفصل الثالث يتأمل فترتي عمله في موسكو، ويحلل صعود بوتين والتحديات في العلاقات الأميركية -الروسية؛ وهو ما يهم هذا الكتاب، يتناول في الفصل الرابع حرب العراق سنة 2003؛ ويسجل ملاحظاته على مظاهرات 2011 التي شهدها في الأردن، وينطلق بعدها لمناقشة دوره في الاتفاق النووي الإيراني: والمفاوضات السرية. يتناول الفصل السابع المساعي الدبلوماسية لتطبيع العلاقات مع كوبا والتحديات في المنطقة. كما يناقش في الفصل الثامن صعود الصين، وفي الفصل التاسع يهاجم ضمور الدبلوماسية في عصر دونالد ترمب فينتقد سياسة «أميركا أولاً»، ويحذر من تداعياتها على القيادة الأميركية العالمية. ويختم الفصل العاشر بدروس ونصائح حول الزعامة.

جاءت مراجعة الكتاب في أربعة أقسام: أولاً: الولايات المتحدة والأحادية القطبية. ثانيًا: آليات التأسيس للنظام العالمي الجديد. ثالثًا: احتواء الصين. رابعًا: إدارة المنافسة مع روسيا.