تشكل الطرق الصوفية الأفريقية المحلية، الأثر المغربي والموريتاني


          يتناول هذا الكتاب تاريخ وواقع التصوف في بلاد المغرب الأفريقي؛ فيدرس أثر التصوف في مجموعة من الدول الأفريقية مثل المغرب وموريتانيا وتونس والسنغال وساحل العاج ومالي والنيجر وليبيا وتشاد.

          يمحّص الكتاب تأثير الزوايا المغربية على الديبلوماسية الروحية المغربية في أفريقيا؛ متتبعًا تاريخها منذ الدولة المرابطية؛ وعهد الموحدين، وفترة المرينيين، والدولة السعدية، وصولاً إلى الدولة العلوية. ويقارب اعتمادها على مختلف الأدوات المالكية والأشعرية؛ فيختار بحث تأثير الزاوية التيجانية، في بناء المبادرات الدينية والاقتصادية الراهنة. ويلخص الكتاب تاريخ التصوف في موريتانيا ودوره السياسي داخليًا وخارجيًا، ويبحث تمدد الطرق في السنغال ومنها الكنتية والفاضلية والتيجانية، وتشكل الطرق الجديدة مثل المريدية واللاينيية، ويتوقف في الساحل الأفريقي، على أثر الطريقة المريدية التي أنشأها الشيخ أحمد بمبا (ت 1927) التي لها أثر سياسي راهن، ويمر على السنوسية وتأثيرها في جنوب ليبيا وشمال تشاد، ويطرح مساهمة الطرق الصوفية في المبادرات الراهنة.


تم النشر في: January 2023


front171

قائمة الفصول


# اسم الكتاب سعر اشتري الآن
1 الأدوار الداخلية والخارجية للتصوف في المغرب: الزوايا 45 د.إ
2 أثر الزوايا المغربية في العلاقات الخارجية 45 د.إ
3 زاوية فاس والإشعاع الأفريقي للتصوف التيجاني: المحطات والمحددات 45 د.إ
4 عناصر الدبلوماسية الروحية في غرب أفريقيا: الأثر والتأثير 45 د.إ
5 التصوّف في بلاد شنقيط (موريتانيا): الأصول وأشكال الحضور 45 د.إ
6 دور التصوف الموريتاني في دعم الدولة والعلاقات مع السنغال 45 د.إ
7 الطرق الصوفية في السنغال: القادرية والتيجانية وصلتهما بدول الجوار 45 د.إ
8 الأثر الجيوسياسي للقادرية والتيجانية والسنوسية والمريدية في الساحل الأفريقي 45 د.إ
9 الطريقة السمانية في السودان وسؤال الهُوية 45 د.إ
10 الصّوفية والإخوان في تونس.. حدود القطيعة والتواصل 45 د.إ
11 حضور الحلّاج في المغرب 45 د.إ
12 الفلسفة والدين والهوية والهيمنة: التفلسف الأصولي.. فرديد وطه عبدالرحمن 45 د.إ
ملاحظة: الدراسات متاحة فقط كملف تنزيل في إصدار PDF.

شرح الكتاب


ملخص بحوث العدد (193)

تَشَكُّل الطُّرق الصُّوفيّة الأفريقيّة المحليّة: الأثر المغربي والموريتاني

يناير (كانون الثاني) 2023

دبي

يواصل مركز المسبار للدراسات والبحوث في هذا الكتاب بحث أنماط التدين المتباينة، وحيوية تطورها، وعلاقة آثارها السياسية الراهنة بجذورها التاريخية، فيخصص هذا السِّفر لكشف انفعال الطرق الصوفية الأفريقيّة بالأثر الصوفي القادري والشاذلي والتيجاني، متتبعًا سيرة الطرق الصوفية ومؤسساتها الاجتماعية، ومحاولاتها السياسية في أفريقيا منذ القرن السابع الهجري، وتأثرها بالحركات المتعاقبة، ويركز على الأدوار السياسية التي حافظت عليها في الدول الأفريقية، المهتمة برعاية الأمن الروحي.

الأدوار الداخلية والخارجية للتصوف في المغرب: الزوايا

تتناول دراسة جواد الرباع -باحث وأكاديمي مغربي- إشكالية العلاقة بين الدولة والصوفية في المغرب، وتأثيرها في المجتمع. تفترض الدراسة أن هناك علاقة طردية ترابطية بين الدولة كمتغير مستقل، والحركة الصوفية كمتغير تابع، مما جعل هذه الطرق في المغرب، تشكل جزءًا من المعادلة السياسية والدينية. ويستعرض مفهوم الزوايا ووظيفتها.

ويخلص إلى أن الزوايا والإسلام الصوفي، شكلت على امتداد السنوات الماضية، حجر الزاوية في استراتيجية الدولة لمواجهة الحركة الإسلامية والإسلام السياسي، ومزاحمتها وعدم ترك الساحة الدينية فارغة أمامها للاستقطاب وتوظيف ورقة الدين.

تبدو رعاية الدولة في أعلى مستوياتها للزوايا والتصوف، لافتة من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي، ومظاهر ومبادرات رسمية عدة، لعل من أبرزها تقديم هبات ملكية خاصة إلى العديد من الزوايا، إما لتمثيليتها وقوتها داخل المشهد الصوفي والديني للبلاد، وإما لدعم أنشطتها ومساعدتها في القيام بوظائفها الدينية المتنوعة من خلال مواسم دينية، والاحتفاء بمريديها ومساعدة القائمين عليها وتكريم رموزها، والعمل على نشر طقوسها.

أثر الزوايا المغربية في العلاقات الخارجية

درس محمد مزيان باحث وأكاديمي مغربي، العلاقات المغربية- الأفريقية من خلال أثر الزوايا المغربية في العلاقات الخارجية، مقدّمًا في القسم الأول تمهيدًا تاريخيًّا، يسلط فيها الضوء على العلاقات المتميزة التي ربطت المغرب ببلدان أفريقيا، فإلى جانب الصلات السياسية والاقتصادية والثقافية، حضر الجانب الديني بقوة في هذه العلاقات. فإذا كانت التجارة الصحراوية مثلت إحدى قنوات التواصل، فقد كان للجانب الديني دور كذلك في تعزيز الصلات بين الجانبين، ابتداء من حركة المرابطين بقيادة الشيخ عبدالله بن ياسين وتأثيراتها على إمبراطورية غانة، إذ تذهب المصادر التاريخية إلى أن انتشار الإسلام في أفريقيا جنوب الصحراء يرجع في الشطر الأكبر منه إلى رجال الطرق الصوفية التي انطلق جلها من المغرب خصوصًا الشاذلية، التي اصطبغت بروح مغربية خالصة. كما كانت الطريقة التيجانية من أنشط الطرق، التي ساهمت، إلى جانب الزوايا الدينية، في مد قنوات الحوار والتواصل الحضاري بين الإقليمين، حيث وجد هذا الأسلوب الديني قبولا لدى الدول الأفريقية. فيتبيّن تلك العلاقة إبان الدولة المرابطية 1056 – 1147، ثم دولة الموحدين 1130 – 1269، ثم يتناول المرينيين 1244 - 1465 وتعزيز العلاقات المغربية الأفريقية، ويعرج على الدولة السعدية 1510 - 1659، ثم الدولة العلوية منذ 1631 وصولًا إلى اليوم. ويعدد في القسم الثاني مقومات التفاعل الصوفي في حواضر غرب أفريقيا، وفي القسم الثالث يتناول القوة الناعمة للطرق والزوايا في خدمتها للدبلوماسية، أما القسم الرابع، فيتناول أساسات الدبلوماسية الروحية المغربية.

شكل المدخل الروحي أحد الدعائم الأساسية التي يرتكز عليها الوجود القوي للمغرب بدول جنوب الصحراء. لهذا يظل استحضار المعطى التاريخي ضروريًا لفهم طبيعة العلاقات المغربية الأفريقية، ولاستيعاب استمرار آليات الدبلوماسية الروحية نفسها، والقوة الناعمة لتعزيز حضوره بهذه المجالات.

لقد أصبحت الزاوية التيجانية وسيلة تقاطب بين عدة أطراف (المغرب، الجزائر، مالي السنغال) كل منهم يحاول نسبها إليه.

استغلت المغرب سياسة نهج دبلوماسية روحية لتأمين التوازن السياسي الداخلي حول قيادة المؤمنين والولاء، ولضمان النفوذ الدبلوماسي في منطقة الساحل والصحراء. فقد تمكنت المملكة من ترسيخ حضور بارز وتأثير في النقاشات الأمنية الجارية في منطقة الساحل، اعتمادا على المشترك الديني والروحي، الذي اعتبر عنصرًا أساسيًا في قوتها الدينية الناعمة التي مكنتها من وضع نفسها اليوم كعنصر فاعل من المنظور الجيوسياسي في المنطقة، في مواجهة التيارات الراديكالية والتطرف، وفي الدفاع عن قضاياه الاستراتيجية والأمنية وتطلعاته الاقتصادية والتنموية.

زاوية فاس والإشعاع الأفريقي للتصوف التيجاني: المحطات والمحددات

يتناول منتصر حمادة -باحث مغربي متخصص في الحركات الإسلامية- في هذه الدراسة التديّن الصوفي في القارة الأفريقية، وبما أن التصوف الأفريقي على غرار التصوف في المجال الإسلامي الذي يهم محور طنجة- جاكارتا، موزع على طرق صوفية عدة، فإنه يتوقف هنا عند التصوف التيجاني بالتحديد.

تتوزع الدراسة على محورين أساسيين: الشيخ أحمد التيجاني وتأسيس العمل الصوفي التيجاني، محطات الإشعاع الصوفي للزاوية التيجانية، ومحددات إشعاع الزاوية التيجانية بفاس على القارة الأفريقية.

ويحصر ثلاثًا من أهم الطرق الصوفية في المجال الأفريقي:

  1. الطريقة القادرية، انتشرت في السنغال وموريتانيا ونيجيريا ومالي، حتى نالت بذلك شهرة واسعة، ولها معالم وأعلام كبار في تلك المناطق، وتعتبر أولى الطرق الصوفية التي انتشرت في القارة، ويعود أصلها إلى الشيخ عبدالقادر الجيلاني (ت 1166). انتقلت إلى المغرب ابتداءً من سنة 1198 من خلال العلامة المراكشي أبي مدين الغوث، وأدخلها إلى جنوب الصحراء في القرن السادس عشر الميلادي الشيخ سيد عمر الشيخ الكنتي.
     
  2. الطريقة التيجانية: ظهرت في القرن الثاني عشر الهجري، الموافق للربع الأخير من القرن الثامن عشر في ربوع أفريقيا على يد دفين فاس الشيخ أحمد التيجاني (ت 1815)، قبل انتشارها في بلدان المنطقة الغربية
     
  3. الطريقة المريدية، وتسمى أيضًا الزاوية الطوباوية، وتعتبر الطريقة الصوفية الثالثة في السنغال. أسسها الشيخ أحمد بمبا مبكي (توفي سنة 1927)، ونشأت في القرن التاسع عشر الميلادي.

ويدرس محددات إشعاع الزاوية التيجانية بفاس على القارة الأفريقية، ومركزية زيارة ضريح مؤسّس الزاوية التيجانية، وما يمثله الوزن العلمي المغربي في أدبيات التصوف التيجاني، لافتًا إلى أهمية التراكم التاريخي للتصوف المغربي، على اعتبار أن الإسلام دخل إلى شمال أفريقيا عبر بوابة العمل الصوفي المغربي.

عناصر الدبلوماسية الروحية في غرب أفريقيا: الأثر والتأثير

يبحث عربي بومدين -باحث وأكاديمي جزائري- في محددات الدبلوماسية الروحية المغربية في غرب أفريقيا من حيث المرجعية التاريخية والحضارية، والمُعطى الجغرافي، والدين والمُشترك القيمي. ثم يدرس الدبلوماسية الروحية كمُحفز للاقتصاد، واستخدام الدبلوماسية الروحية لإدارة الأمن الإقليمي.

وتحديدًا تحاول الإجابة عن الإشكالية الآتية: كيف يتم توظيف أداة الدبلوماسية الروحية في تحقيق أهداف السياسة الخارجية في منطقة غرب أفريقيا؟ جاءت الدراسة في ثلاثة محاور: الأول، خُصِصَ لقراءة طبيعة ومحددات الدبلوماسية الروحية في غرب أفريقيا في عهد الملك محمد السادس، والثاني يركز على البعد الديني وأبعاده الاستراتيجية في توجهات السياسة الخارجية تجاه منطقة غرب أفريقيا. أما المحور الثالث فيناقش تحديات البعد الديني في السياسة الخارجية المغربية.

ويخلص إلى أن المغرب يرتبط مع جواره الإقليمي بعمق حضاري وتاريخي لا يمكن القفز عليه في بناء أو تقييم علاقاته مع دول غرب أفريقيا، ويحفز هذا الحضور أيضا المشترك القيمي والديني الذي يُمكن المغرب من استغلال أطره الرسمية وغير الرسمية في استغلال الرصيد الاجتماعي والسياسي، والاقتصادي الأفريقي في تحديد الإدراكات الاستراتيجية وبناء التوافقات الإقليمية في سبيل تعزيز المصلحة الوطنية.

 

التصوّف في بلاد شنقيط (موريتانيا): الأصول وأشكال الحضور

يندرج بحث محمد يحيى ولد باباه باحث وأكاديمي موريتاني، في إطار دراسة حضور أشكال الفكر الصوفي الإسلامي في موريتانيا، ويبرز مظاهر منظومتها الروحانية وتصنيفها داخل أنماط التجربة الروحية الإسلامية. يسعى البحث إلى تحديد ملامح الثقافة الصوفية الشنقيطية وأطرها المذهبية وانتشارها الاجتماعي. واضعًا السياق العام لاهتمامات هذا البحث، في إطار النظرة الشاملة المحايدة الفاحصة للأشكال الصوفية، التي حضرت في بلاد شنقيط، منذ القرن السادس عشر، فرصد مرجعياتها، وأصولها وطبيعتها ومميزاتها وعلاقاتها بأشكال الثقافة العالمية في الفضاء الجغرافي لموريتانيا، ضمن هذه الحقبة الزمنية التي بدأت هذه التجربة الروحية الحضور فيها من تاريخ شنقيط، وخصوصًا القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين (18 و19 للميلاد). في القسم الأول يتناول دراسة الروافد والمسار التاريخي للثقافة الشنقيطية. ويبيّن في القسم الثاني أشكال التواصل الشنقيطي مع المغرب والمشرق من خلال الطريقة القادرية البكائية والطريقة الشاذلية. في القسم الثالث يبحث في الذات الصوفية الشنقيطية، مشيرًا إلى سيادة المالكية والكلام الأشعري وهيمنة الكلام الأشعري وهيمنة التصوف الجنيدي. ويستعرض في القسم الرابع الزوايا القادرية والشاذلية، ومسار دخول الطريقة التيجانية إلى الملأ الشنقيطي

ويخلص إلى أن التصوف تقدَّمَ لدى علماء شنقيط كممارسة عبادية، تتطلب ضرورة الانسجام مع طبيعة المذهب الأشعري في العقيدة والمذهب المالكي في الفقه، والمذهب الجنيدي في التصوف، فكان الولاء للمالكية يترجم الانفصال المنهجي بين المجالات الروحية والعقدية، فلم يجنح الشناقطة القادريون للمذهب الحنبلي برغم تبوؤ شيخ القادرية أعلى المراتب فيها.

وعلى الرغم من ظروف البداوة والترحال، أثرى العلماء الشناقطة المكتبة العربية الإسلامية برصيد آثار ضخم، شمل كافة فروع المعارف اللغوية والشرعية والعقدية والروحية.

لافتًا إلى أن التصوف عرف أوج ازدهاره في القرن الثالث عشر الهجري (19م)، وسط فضاء ثقافي تتجاذبه ثلاثة تيارات، كانت هي المسؤولة عن تكوُّنِ واستقرار البنية العامة للذات الثقافية الشنقيطية، هي الاتجاه الأشعري العقلاني، والاتجاه السلفي النصاني المعادي لعلم الكلام والمنطق اليوناني، ثم الاتجاه الصوفي المؤسس على التبحر في العلم والاستقامة في السلوك.

جسدت الطرقية الشنقيطية المعاني الروحية ضمن حقل دلالي عام تميزُهُ رموزٌ وصيغٌ متعالية أخَّاذَة، جددت مفاهيم التصوف الإسلامي، وكانت ذا نجاعة فريدة في إنشاء كيانات طرقية شنقيطية محضة هي (الفاضلية والغظفية).

دور التصوف الموريتاني في دعم الدولة والعلاقات مع السنغال

طرح أحمد محمد الأمين أنداري -باحث أكاديمي جزائري- في دراسته إشكالية أساسية: كيف يمكن توصيف الأدوار التي قامت وتقوم بها الطرق الصوفية في موريتانيا؟ وما واقع ورهانات تلك الأدوار؟ ركّزت الدراسة على ثلاثة نماذج من هذه الطرق: الطريقة القادرية، والطريقتين التيجانية، والشاذلية، باعتبار أن هذه الطرق الثلاث هي الأهم والأكثر انتشارًا في موريتانيا. فتناول في القسم الأول تاريخ التصوف الطرقي في موريتانيا. أما في القسم الثاني، فتناول المهاد التاريخي للدور السياسي للطرق الصوفية في موريتانيا. وفي القسم الثالث بيّن الأدوار السياسية الراهنة للطرق الصوفية في موريتانيا، وسياستها الداخلية والخارجية.

يخلص الباحث إلى أن هناك فجوة في تعاطي تلك الطرق للعمل السياسي بين التنظير والواقع، وبين ما تريده وما تستطيع تحقيقه بشكل فعلي.

الطرق الصوفية في السنغال: القادرية والتيجانية وصلتهما بدول الجوار

تتناول دراسة باب ولد أحمد ولد الشيخ سيديا -باحث أستاذ جامعي موريتاني- تاريخ الحركة الصوفية في منطقة المغرب العربي؛ وامتداداتها في منطقة الغرب الأفريقي، خصوصًا دولة السنغال، مع التركيز على تفاعلها خارج الحدود السنغالية، وما أنتجت في هذا الإطار من علاقات تفاعلية مع المغرب العربي. ينضاف إلى ذلك أدوارها في مجال التعريف بالإسلام، ومشتركاتها البنيوية التي وضعها في إطار كلي جامع لهذه الطرق. ففي القسم الأول يتناول الطرق الصوفية وامتدادها في السنغال (القادرية الكنتية، القادرية الفاضلية، الطريقة التيجانية، الطريقة المريدية، الطريقة اللاينيية)، أما في القسم الثاني فيبرز تفاعل ومميزات الطرق الصوفية في الشمال والغرب الأفريقي.

ويخلص إلى أن هذه الطرق استطاعت أن تخلق لنفسها فضاءات جديدة تتجاوز البنى التقليدية في كلياتها وقواعدها، التي تأسس عليها وخلق تراتبية جديدة تقوم على مكانة الشخص وتضحياته في المجال الصوفي البحت، وتنزيل مكانة الفرد وفق أدواره التي يقوم بها في إطار هذه الحركة. كما لعبت الطرق الصوفية دورًا أساسيًا في المعادلة السياسية السنغالية وتوجهاتها المختلفة، كمحور أساسي في الشأن الداخلي له دوره الذي لا يمكن الاستغناء عنه، أو كان على مستوى العلاقات الخارجية وما خلقت من دبلوماسية ناعمة وتأثير خارج الحدود. فيما تبدو الحركة الصوفية في منطقة السنغال، بالخصوص ومنطقة الشمال الأفريقي، على الرغم من تنظيماتها وأدوارها عبر الزمن الطويل، متفاعلة ومشاركة في القضايا المطروحة والإشكاليات الراهنة، مما يجعلها حركات تتجاوز البعد النظري والتكويني في المقامات والأحوال، إلى مرحلة تشكل فيها عنصرا فاعلا في اتخاذ القرار وتقدير لحظاته المختلفة.

الأثر الجيوسياسي للقادرية والتيجانية والسنوسية والمريدية في الساحل الأفريقي

تتناول دراسة مصطفى صايج -أكاديمي وباحث جزائري- الخريطة الجيوسياسية للطرق الصوفية في الساحل الأفريقي، فترصد وتحلل أربعة نماذج فاعلة، كان لها تأثيراتها في الماضي والحاضر، ولعبت دورًا في التحديات والرهانات الجيوسياسية المستقبلية في المنطقة، من خلال تصاعد الجماعات الإرهابية والتكفيرية، وتأثيرها في السلم والاستقرار. تتمثل هذه الطرق الصوفية الأربع في الطريقة القادرية (نسبة للشيخ عبدالقادر الجيلاني/ 1075 - 1166)، والطريقة التيجانية (نسبة لأبي العباس أحمد التيجاني/ 1737 - 1815)، والطريقة المريدية (الشيخ أحمد بمبا/ 1893 - 1927) والطريقة السنوسية (نسبة إلى الشيخ محمد بن علي السنوسي/ 1787 - 1859).

تأتي أهمية التركيز على القادرية والتيجانية والمريدية والسنوسية، لما لها من تاريخ في إنشاء بعض الممالك والإمارات الإسلامية، في غرب أفريقيا، وللعدد الهائل من المريدين والأتباع المجتمعين حولها، والأدوار المشتركة التي لعبتها هذه الطرق الصوفية في منطقة الساحل الأفريقي، من خلال إنشاء الزوايا والمدارس القرآنية، والانتشار المجتمعي والخدماتي في المناطق الصحراوية المعزولة والهشة اجتماعيًا بتقديم الخدمات التعليمية وتغطية حاجيات المعوزين، والتأثير على النخب السياسية والبيروقراطية داخل الدول، بتفاوت بين الطرق.

تهتم الدراسة من حيث البعد الجيوسياسي، بعامل التأثير والنفوذ الذي مارسته وتمارسه بعض الطرق الصوفية في منطقة الساحل الأفريقي؛ لتوسيع مساحاتها الروحية باتجاه المساهمة في رسم وصناعة السياسة الداخلية للدول، بما يخدم تعظيم مكانتها الاجتماعية والاقتصادية. تختبر الدراسة من جهة أخرى، مدى مساهمة الطرق الصوفية في مواجهة الجماعات الإرهابية والتكفيرية المنتشرة في منطقة الساحل الأفريقي، وعلاقة شيوخ الطرق الصوفية الفكرية بقيادة الجماعات التكفيرية.

فيقابل في القسم الأول بين الطرق الصوفية الأربع وامتداداتها في منطقة الساحل الأفريقي، أما في القسم الثاني فيسلط الضوء على التحديات المستقبلية للصوفية في الساحل الأفريقي.

وخلص في دراسته إلى أن التجذر المجتمعي والانتشار الجغرافي وتزايد عدد المريدين للطرق الصوفية: القادرية، والتيجانية، والمريدية والسنوسية، يمكنها من القيام بأدوار فاعلة في بناء السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي والتنموي، فيمكن لرموز وشخصيات الطرق الصوفية الأربع لما تتمتع به من إرث معنوي وروحي وتاريخي، الانخراط في الحوار والمصالحة الوطنية من أجل تسوية النزاعات الاجتماعية الطويلة الأمد، لا سيما في مالي، والنيجر، وتشاد، بوركينا فاسو ونيجيريا. وليس من الغريب، أن يعاد طرح الخيار السنوسي في ليبيا لبناء السلم والمصالحة مستفيدة من الخبرة التاريخية الإيجابية للطريقة السنوسية في إرساء القواعد المجتمعية المبنية على الإخاء والمحبة.

وأن الطريقة المريدية قدمت أنموذجا عمليًا في بناء الأمن التنموي المحلي الذي يُعد الركيزة الأساسية في الاستقرار الجهوي ودعم بناء الدولة المركزية، بحيث يمكن للطرق الصوفية أن تغرس قدسية العمل وروح المبادرة في المجتمع، وإطلاق مشاريع تنموية محلية تساهم في القضاء على ثلاثية: الجهل، والفقر، والبطالة، التي تعد الحاضنة التي تعبئ من خلالها الجماعات الإرهابية التكفيرية أنصارًا لها في منطقة الساحل الأفريقي. وهو ما لمسناه كذلك مع الطريقة التيجانية التي وظفت البعد التجاري لإرساء التماسك المجتمعي والحفاظ على الطرق والممرات التجارية التقليدية، التي أضحت بيد الجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة، التي حولتها إلى بؤر دائمة لعدم الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي.

الطريقة السمانية في السودان وسؤال الهُوية

تتناول دراسة وليد الطيب عبدالقادر محمد -باحث وأكاديمي سوداني- سؤالي الهوية والمؤسسة في الطريقة السمانية. ويبحث بالدراسة كيفية عمل الطريقة السمانية على الدوام على بناء المؤسسات والأطر التي تتكيف مع الوافدين الجدد في مؤسسة الإرشاد الصوفي. فيقسم دراسته إلى خمسة أقسام؛ الأول يتناول الحضور الصوفي في السودان "الصوفية وسؤال الهوية"، ثم يتناول في القسم الثاني الطابع القبائلي في التصوف السوداني، أما في القسم الثالث فيستعرض الأوراد السمانية، وفي القسم الرابع يبحث في الهوية البصرية والرمزية للطريقة السمانية (الكُرَّابة). أما في القسم الخامس، فيبحث في "سؤال المؤسسة بين التوريث والانفتاح"، حيث يسلط الضوء على ما تتمحور حوله المؤسسة الصوفية في السودان، حول أمرين أساسيين فيهما، لا ينفصمان: الأول: خليفة الطريقة (القائد الروحي)، والثاني: أسرة الشيخ المؤسس. ولكل منهما وظيفة محددة سلفا.

ويخلص إلى أن الطريقة السمانية تمكنت من تقديم نفسها من خلال بينات السياق المحلي السنوات، مع تميز في العطاء المعرفي والروحي، وقدرة مشهودة في الانفتاح على قطاعات المجتمع كافة، واستيعاب تطلعاتها القيادية عبر أسلوب الطريقة المتبع في منح رتبة المشيخية لمن استحقها، تأهيلًا وقبولًا، حتى ولو كان من خارج أحفاد الشيخ المؤسس أحمد الطيب البشير (الأسرة الطيبية). مكن استيعاب أصحاب الكفاءات العلمية والقدرات الروحية، الطريقة السمانية من السيطرة على الثقافي الصوفي بأشعارها الصوفية وأناشيدها العرفانية.

بفعل الجمود المؤسسي الذي اعترى الطريقة في العقود الأخيرة، توقفت عملية الانفتاح لصالح منهجية التوريث، مما يجعل الطريقة السمانية أمام تحدي المواكبة والمعاصرة بشكل أكبر من أي وقت مضى.

الصّوفية والإخوان في تونس.. حدود القطيعة والتواصل

رصدت دراسة منذر بالضيافي -باحث تونسي متخصص في الحركات الإسلامية- حدود القطيعة والتواصل بين «الطرق الصوفية»، الممثلة للتدين الشَّعبي، وجماعة «إخوان تونس»، خصوصًا إثر العودة القوية لـ«الإخوان» لتصدر المشهد السياسي والمجتمعي، بعد ما عرف بـ«ثورات الربيع العربي»، التي انطلقت من تونس، وأفل حضورها بعد عشرية كاملة (2011–2021). عاد الباحث في إعداد هذه الدراسة إلى «المدونة التونسية»، في أبعادها ومنطلقاتها المختلفة (الحضارية، التاريخية، السوسيولوجية والأنثروبولوجية)، ففي ظلّ غياب الطّرف الصوفي، سواء في المناشط المجتمعية، أو من جهة الحضور الإعلامي والأدبي من حيث الكتابات والإنتاجات الفكرية، التي يمكن أن تعبّر عن مواقف هذه الطرق ومشايخها، من الأحداث المستجدّة في الواقع التونسي، خصوصًا المتصلة بالشأن الاجتماعي والسياسي، وأيضا في العلاقة مع بقية التيارات التي تقف معها، على أرضية فكرية وعقدية واحدة، ويقصد هنا تحديدا العلاقة مع تيار الإسلام السياسي، ممثلًا في جماعة «الإخوان» (حزب حركة «النهضة»). ويقسمها إلى خمسة أقسام: أولاً: التصوّف في تونس.. النشأة والدور. ثانيًا: الطرق الصوفية في تونس وانتشارها الجغرافي. ثالثًا: تحولات الصوفيّة التونسية. رابعًا: المتصوفة والسياسة: لعبة السير في الدّروب الوعرة. خامسًا: الطرق الصوفية والإخوان: التنافر والعداء. سادسًا: الصوفية والإخوان: حدود التواصل والقطيعة.

وخلص إلى أن الإسلام التقليدي والشعبي يتنافران مع الإسلام السياسي، على الرغم من وقوفهما على أرضية عقدية واحدة، وأن هذا التباين يعود إلى إرث الصراع بين «المتصوف» و«الفقيه»، الذي يعود إلى القرن الثاني للهجرة.

وعلى خلاف ما هو متداول فإن «الطرق الصوفية» لم تكن بعيدة عن الشأن السياسي، من جهة الدور أو التوظيف، مما يجعل صراعها لاحقًا مع تيار الإسلام السياسي (الإخوان) لا يخلوا مما يمكن أن نطلق عليه «الصراع حول المقدس» وأحقية أو «شرعية» تمثيله مجتمعيًا أو في علاقة بالسلطة السياسية. وإن كانت الطرق الصوفية -وعلى خلاف الإخوان- لم تشتغل مباشرة بالسياسة، لكن كان لها اشتغال خفي بالسياسة، سواء خلال حقبة المستعمر أو أثناء دولة الاستقلال، وأيضا في موقفها لاحقًا من تيار الإسلام السياسي، اشتغال انتهج خيارًا أقرب إلى «التقية» و«التخفي»، بعيدًا عن كل أشكال الصدام أو المواجهة خاصة مع السلطة الحاكمة. مستنتجًا أنّ العلاقة بالسياسة، سواء الوقوف موقف المعارضة أو الاصطفاف لخدمة السلطة السياسية القائمة، لم تكن غائبة عن الطرق الصوفية، التي كانت تتأثر بلحظتها التاريخية، وكانت تتعامل معها تبعا لمبدأ التقية، والمحافظة على الوجود والمزايا والمغانم.

حضور الحلّاج في المغرب

تُقدّم ورقة خالد محمّد عبده -باحث مصري في الإسلاميّات والتصوّف- قراءة وتحقيقًا لرسالة السراج الوهاج في شرح كلام الحلاج، وهي لأحد شيوخ الشاذلية «الكنكسي»، تكشف عن اتصال التصوف المغربي بالمشرق، بل وانشغاله بشرح كلام الحلاّج وشطحه، مما يعيد النظر إلى فكرة «الانفكاك» المطلق، بين تصوف سني وتصوف فلسفي، ويعيد توحيد النظر إلى وجود مسالك تقتبس من العرفان الذي يخفف من جمود المسالك، فيتناول ذلك في ثلاثة أقسام: أولًا: السراج الوهّاج في شرح كلام الحلّاج. ثانيًا: أحد شيوخ الشاذليّة شارحًا كلام الحلّاج. ثالثًا: نص "رسالة الكنكسيّ في جواب الحلّاج عن معنى لا إله إلّا الله".

ويخلص بعد أن تبين من تحقيق هذه المخطوطة، ومن وجودها، إلى اشتغال متصوفة المغرب، على تصوف الحلّاج، وأن التصوف المغربي المنسوب إلى السُنيّة، ومنافاة الشطح والملاماتية وغيرها، يحتفي بنصوص الحلاج ويجادل شرحها.

الفلسفة والدين والهوية والهيمنة: التفلسف الأصولي.. فرديد وطه عبدالرحمن

تناولت دراسة العدد للباحث والمفكر السعودي فهد الشقيران، المدرسة التوفيقية الفلسفية، وركّزت على انتقادات داريوش شايغان (Dariush Shayegan) لأحمد فرديد (Ahmad Fardid)، وتطرح حضور مارتن هايدغر في الفكر العربي، وتنقد التنظيرات الأيديولوجية الفلسفية، أو استغلال المفاهيم لأغراض غير فلسفية مثل حالة طه عبدالرحمن. تحلل الدراسة البعد الماركسي الثوري وصلته بالاستشراق الألماني، وصولًا إلى التفلسف الأصولي، خصوصًا لدى منظري الإخوان المفتونين بنقد الحضارة الغربية.

ويخلص إلى أن فرديد وظاهرته تعبّر عن ظاهرة «التفلسف الأصولي» لدى عددٍ من المفكرين المسلمين في المشرق والمغرب وإيران وغيرها. وجد أولئك أن الفلسفة ضرورية لتكرير «الأيديولوجيا» وتحويرها لجعلها أكثر انسجامًا مع رؤى التنمية التي تجترحها الحكومات الصاعدة، فيميلون نحو هذه الوسيلة للذوبان مع المشاريع، بعضهم نعرفهم جيدًا دخلوا وتسللوا وهم في جذرهم الفكري العميق منتمون إلى «الإخوان» المسلمين، ولظاهرة الأصولية، لكنهم يجدون بثرثرتهم حول العلوم الطبيعية والفلسفة وسيلة لضخ الأيديولوجيا، وهم يتهادون نحو رؤى الأصوليين ومشاريعهم ولكنهم بأشكالٍ حديثة، وبمفرداتٍ جديدة، والفلسفة غنية بالمفردات والمفاهيم فيجدون بمدوناتها «الغطاء الحضاري» للمشروع الأصولي.