يتناول الكتاب مسارات تعاطي السويد مع المسلمين الوافدين إليها، ويراقب مستويات اندماجهم وعقباته، في مؤشرين أساسيين: نفوذ التنظيمات الإسلاموية الانعزالية، والقراءة الخاطئة للعنف الحركي من قبل الدولة.
قدمت الدراسات لأنماط الحركية الإسلاموية في السويد، بدءاً من التنظيمات الحزبية، مروراً بدعاة العنف الرمزي، وصولاً إلى رموز التطرف العنيف، المشتركين في تسفير الإرهابيين السويديين للانضمام إلى تنظيم داعش، وعرضت موقف حزب «ديمقراطيو السويد» من الهجرة، وتطرقت إلى التجربة السويدية في تدريس التربية الدينية الإسلامية، وقيّمت مناهج تكوين الأئمة.
تم النشر في: June 2021
يواصل مركز المسبار للدراسات والبحوث دراسة الإسلام في أوروبا من البلقان إلى فرنسا وبلجيكا والسويد وبريطانيا، ويكتشف التباين في تجارب المسلمين، محللاً الظواهر المرتبطة بمجتمعاتهم. يتناول في هذا العدد «الإسلام في السويد: مخاطر الإسلاموية وتحديات الاندماج» (الكتاب الرابع والسبعون بعد المئة، يونيو/ حزيران 2021)، مسارات تعاطي المملكة السويدية مع الجاليات المسلمة الوافدة إليها، ويراقب مستويات اندماجها وعقباته، في مؤشرين أساسيين: نفوذ التنظيمات الإسلاموية الانعزالية، والقراءة الخاطئة للعنف الحركي من قبل الدولة. استخدمت الدراسات مناهج متعددة غطت الاجتماع والسياسة والدين، فأبرزت الثغرات، ووضعت أرضية لمتابعة العمل حول الإسلام الأوروبي، الذي بدأه المركز عام 2008.
قدم الكتاب للأنماط الحركية النشطة والساكنة في السويد، بدءاً من التنظيمات الإسلاموية، مروراً بدعاة العنف الرمزي، وصولاً إلى رموز التطرف العنيف، المشتركين في تسفير الإرهابيين السويديين للانضمام إلى تنظيم داعش بين عامي (2014-2016).
يدرس سامح إيجبتسون -باحث وأكاديمي متخصص في الحركات الإسلاموية في جامعة لوند بالسويد- ماهية علاقات الرابطة الإسلامية بالسويد بالإخوان المسلمين، ضمن أبعاد مختلفة منها التنظيمي، والأيديولوجي. ويبحث فيما إذا كانت هذه العلاقات أثرت في ممثلي الرابطة ونشاطهم السياسي في السويد. تقترح الدراسة تفسيرًا عن أسباب ظهور هذه الإشكالية، وعن كيفية وصول الرابطة إلى هذا الموقع الاستراتيجي وأسباب نجاحاتها وسيناريوهات المستقبل.
يستند الباحث في هذه الدراسة والأدلة المختارة إلى مصادر أولية موثوقة إعلامياً، ومواد من أرشيف السلطات والمنظمات السويدية، يخلص فيها إلى أن «الرابطة الإسلامية» وحلفاءها استغلوا الفراغ التمثيلي للمسلمين في السويد، بسبب عدم وجود مواطنين سويديين مسلمين منظمين، فقدمت نفسها كمنظمة تقدمية إصلاحية تعادي الاستعمار والإمبريالية، مما سهل لها الدخول في شبكات العلاقات السياسية الحزبية اليسارية. تزامن ذلك مع اتخاد قرار فصل الكنيسة عن الدولة، مما استوجب تعويض ومساعدة المؤسسات الدينية الأخرى التي ليس لها أصول مادية، كالتي ورثتها الكنيسة السويدية عن فترة التحام الكنيسة مع الدولة السويدية. كما سمحت الدولة منذ أوائل التسعينيات بإعطاء الجمعيات الدينية الحق في إدارة المدارس الحكومية، مما أعطى الرابطة إمكانات لإدارة ست مدارس تمول تمويلاً كاملاً من الأموال العامة.
يذكر الباحث أن الرابطة وأعضاءها تحقق مصالح وأرباحاً تساهم في توظيف أعضائها والصرف على أنشطتها. كما ساعدت هيئة التعليم الشعبي ومؤسسات الكنيسة السويدية، مؤسسة ابن رشد التي أنشأتها الرابطة للحصول على رخصة بالقيام بنشاط التعليم الشعبي، مما أعطاها إمكانات مادية ومعنوية للانتشار داخل المجتمعات المسلمة. يُنظر أيضاً إلى هيئة الإغاثة الإسلامية كأداة سياسية في البلاد التي يتم فيها صرف المعونات السويدية. هذا السياق السياسي والاجتماعي أعطى الرابطة ونشطاءها الفرصة للعمل بفاعلية كجزء من مجتمع ينادي بتعدد الثقافات بشكل مقبول، حتى بدأت تظهر ظواهر المجتمعات المتوازية التي أصبحت نقطة الخلاف والاستقطاب في الساحة السياسية في الوقت الحالي.
قدمت إليسا أوروفينو -أستاذة مساعدة محاضرة في «الإرهاب بوصفه جريمة» و«مكافحة الإرهاب»، في «معهد تدريب الشرطة في المنطقة الشرقية» و«جامعة أنجلينا روسكن»- في هذا البحث تحليلاً عن إحدى القضايا الأشد إشكالية في البلدان الديمقراطية حاضراً، المتمثّلة في «التطرف اللفظي»؛ إذ يشير هذا المصطلح إلى كل المجموعات التي تملك أجندات قوية معادية للدولة ومناهِضَة للمؤسسات، لكنها لا تستخدم العنف في تحقيق أهدافها. وعلى الرغم من إمكانية تصنيفهم كـ«مبشرين بالكراهية»، من الصعب حظر مجموعات التطرف اللفظي في الديمقراطيات الغربية، لأنها تقدم نفسها كمجموعات احتجاج تحظى بحرية التعبير والحق في الترابط! لكن، ما الذي يعينه ذلك بالنسبة إلى الحكومات الغربية؟ وما الخطر الذي تحمله مجموعات التطرف اللفظي، على الدول الغربية وشعوبها؟ بهدف تقصّي هذين السؤالين المعقدين، تختار الباحثة «حزب التحرير» كحالة دراسة عن تلك المجموعات، وهو -برأيها- يشكل الخيار الأفضل لإجراء هذا التحليل؛ لأنه يبرز بوصفه أقدم المجموعات الإسلاموية العابرة للقوميات، التي لا تزال نشطة حتى الآن في السويد، مع أيديولوجيا تتصف بكونها متطرفة سواء في الغرب أو في معظم الدول الإسلامية.
تدرس الباحثة الأعمدة الأيديولوجية لحزب التحرير، ومنهجيته المتّبعة، وجاذبيته بين صفوف المسلمين في الغرب. وتحلل نشاطاته في السويد. وعبر تجميع بيانات أساسية، تستند إلى تدوينات في وسائط التواصل الاجتماعي (خصوصًا «فيسبوك»)، والمواقع الشبكية لمسؤولي «حزب التحرير»، والأخبار والمُدوّنات الإلكترونية؛ وبينت نتائج هذا التحليل أن نشاطات المجموعات غير العنفيّة/ اللفظية المتطرفة، تستمر في زعزعة الاستقرار، وتقود الناس إلى العزلة بل أحيانًا تعمل كمحفزٍ على الغضب الاجتماعي.
تشير الباحثة إلى أن التحدي اللفظي للديمقراطية بإمكانه أن يشكل بؤرة توتر ملتهبة، ضمن السياقات الغربية. لقد استطاعت هذه الجماعة الإسلاموية أن تُسبّب حالة قلق وتوتر في أوساط السلطات والمجتمعات السويدية، عبْرَ إطلاقها حملة منشورات تنتقد بقوة نمط حياة الغرب وسياساته، وتَرويجها أيضًا خطابًا معاديًا للاندماج. ويتعلق الخوف الأساسي المتولّد من انتشار أفكار «حزب التحرير»، بحقيقة أنها تستطيع دفع المسلمين إلى العزلة والاستياء، إضافة إلى توليد غضب اجتماعي قد يؤدي بالنتيجة إلى الإرهاب.
ناقش البحث المسلمات النظرية لدى هذه المجموعة، التي تستند إليها في رفضها القوي للغرب كنظام. وقد تعرَّفَ على السبب الرئيس للتنافر بين الإسلام والديمقراطية، فوجَدَ أنه يتمثّل -وفق رأي «حزب التحرير»- في عدم شرعية القوانين! التي يصنعها البشر وكل النُّظُم التي تستند إلى تلك القوانين. وإضافة إلى ذلك، ثمة توظيف ديني متطرف يربط بين تلك الفرضيات وبين دور «حزب التحرير» في وضع نفسه مراقباً دينياً للمسلمين. وعلى الرغم من أن المجموعة لم تُروّج للعنف أبدًا بصورة مباشرة، بل غالبًا ما أدانت أفعال عُنفٍ ارتُكِبَتْ باسم الإسلام، فإن مسلماتها الأيديولوجية المتشددة ضد الغرب كنظام، قادت أُناساً إلى تبني مواقف متطرفة تنجم عنها في النهاية، أعمالٌ عنفيّة.
قدمت سوزان أولسن -باحثة أكاديمية وأستاذة تاريخ الأديان في جامعة ستوكهولم بالسويد- في هذه الدراسة عرضاً عامًّا عن السياق السويدي المعاصر، وتفاصيل عن آراء الأغلبية في الدين والـمُثُل العلمانية والديمقراطية السائدة؛ بغية إفهام القارئ ما السياق الأوسع للراديكالية (أو ما يطلق عليه السلفية الدعوية) بأنواعها في السويد. كما تقدّم أمثلة على كيفية تعامل وسائل الإعلام والباحثين معها من خلال منشورات مختلفة. وتركّز الدراسة على الراديكالية ذات النزعة النقائية التي تبدو غير عنيفة، وتعرض السمات الرئيسة لها، مثل الدعوة إلى الزهد وتجنّب البدع. وتوضح كيف يؤدي ذلك إلى منهج يدعو إلى «العُزلة» للتمكّن من الممارسة الصحيحة للإسلام -وفق تفسير معتنقيها- في السويد.
خلصت الباحثة إلى أن الانتماء إلى الجماعة الراديكالية التي تنسب نفسها للسلفيين وتنقية الدين من البدع في السويد المعاصرة، يصعب الحياة على أتباعها، ويفصلهم عن المجتمع، ويجعلهم «آخر» مميزاً –لا سيما من خلال أسلوبهم في اللباس، الذي يشمل الحجاب للنساء وإطلاق اللحية وارتداء غطاء الرأس عند الرجال. كما أن الأيديولوجيات الراديكالية تجعل جماعاتها «آخرين» فكريًّا في مقابل القيم الديمقراطية الرئيسة، مثل المساواة بين الجنسين، ووجهات النظر بشأن الاندماج والانفصال عن المجتمع. ومن الجوانب الجوهرية التي تؤثّر في هذا التفسير الخاصّ للإسلام، الوضع الفعلي للانتماء إلى أقلّية مسلمة، تعيش في مجتمع يعدّ «ساقطاً».
السلفيون جزء من المجتمع السويدي المعاصر، لكن الجماعات السلفية لا تحب حياة المسلمين الأصليين بين غير المؤمن في الوسط غير النقيّ وغير الأخلاقي الذي تراه يشكل السويد المعاصرة. وإن إضفاء الطقوس على الحياة اليومية وإنشاء مناطق جغرافية أخلاقية للتنقّل في السويد، ظواهر شائعة، والدعوة إلى الانفصال والعزلة جلية للعيان عند السلفيين الراديكاليين. وكما رأت، فإن معظم الجماعات -محل الدراسة- ينتمون إلى نوع يشدّد على تنقية الدين من البدع والتقوى والزهد ونبذ العنف. ويعتقد جهاز الأمن السويدي أن عددهم قليل، ويتكوّن من بضع مئات من الأفراد على الأرجح. ولغرض التعميم، فإن غالبيتهم منشغلون بالدعوة. وينشط بعضهم في وسائل التواصل الاجتماعي والتواصل لكسب أتباع جدد. ويبدو أن الآخرين أكثر عزلة ولا يبذلون أي جهد لعرض أنفسهم أمام عامّة الناس.
يشير جان إيف كامو -مدير مرصد التطرف السياسي في مؤسسة جان جوريس الفرنسية- في بحثه إلى أن الجالية المسلمة في السويد تتسم بتباين شديد. يتناول الباحث المشهد الإسلامي في السويد في قطاعات منها ما يتماهى مع الأجندة السياسية للإخوان المسلمين، لكنه يضمّ أيضاً تياراً سلفيًّا كبيراً، ينقسم بين فرع سلفي مقاتل [جهادي]، وآخر غير سلفي دعوي ملتزم بأحكام دعاته. ويقسم بحثه إلى ثلاثة أقسام: أولاً: الجماعات الإسلاموية الإرهابية. ثانياً: الجماعات السلفية غير الجهادية. ثالثاً: الجماعات المتماهية مع الإخوان المسلمين.
يصل الباحث في خاتمة دراسته إلى أن السويد دولة ذات عمق ليبرالي، تعرّضت فيها حرية التعبير والمساواة وحقوق المرأة، والقيم التقدّمية الأخرى للاختبار، على مدى العقدين الماضيين، بسبب بروز العنف الإسلاموي والفشل في إدماج مجتمعات المهاجرين. وبالرغم من أن رئيس الوزراء ستيفان لوفين (Stefan Löfven)، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، نجا من تصويت بحجب الثقة وأعيد تعيينه في يوليو (تموز) 2021، فإن «ديمقراطيو السويد» المناهضين للمسلمين والمعارضين للهجرة، وهم الآن الحزب الثالث في البلاد، يمكنهم يوماً ما التوصّل إلى تحالف مع التيار اليميني السائد.
يشير الباحث إلى الانعطاف الحادّ نحو يمين المشهد السياسي السويدي، وقد كان لبروز العنف الإسلاموي المسلح دور مهمّ، إذ أظهرت هجمات 2017 في ستوكهولم للسويديين أنهم لم يعودوا بمنأى عن الإرهاب، الذي لم يضرب حتى الآن إلا النرويج المجاورة، ولكنه حدث في الدنمارك وفنلندا، مما وضع حدًّا للاستثناء الإسكندنافي. غير أن السويديين، وهم -على الأقل ثقافيًّا- مجتمع ذو أغلبية ساحقة مسيحية (اللوثرية)، أصيبوا أيضاً بالصدمة من موقف هؤلاء النشطاء الإسلامويين الذين حاولوا فرض أجندتهم لكسر مبدأ المساواة بالمطالبة بقبول الشريعة بمثابة إطار قانوني للمواطنين المسلمين.
يؤكد الباحث أن المجتمع المتعدّد الثقافات يحظى بالقبول على العموم في السويد، لكن المطالب الدينية لا تلقى القبول، إلا إذا كانت متلائمة مع تقاليد المساواة في بلدان الشمال الأوروبي، التي تعود إلى ما قبل دخول المسيحية إليها.
تهدف دراسة سمير أمغار -عالم اجتماع في القضايا الإسلامية- إلى عرض بعض مناهج البحث لفهم الأسباب التي دفعت شابات في السويد إلى الانضمام إلى تنظيم داعش، طارحاً تساؤلات عدة: كيف يمكن لأولئك الشابات اللاتي ولدن وعشن في السويد، وهي دولة معروفة بتقدم مكانة المرأة فيها، أن تقررن اختيار منظمة تدافع عن عكس هذا الأمر؟ كيف يمكن أن نفسر أن الدوائر الدينية المتمايزة في كل شيء، من الشرق الأوسط إلى السويد، تطالب بالعبارات نفسها بمحتوى انتمائها إلى الدين الإسلامي؟ لماذا يدعو تنظيم داعش صراحة إلى العنف، وينجح في أن يكون له معنى عند الشابات المسلمات اللاتي ولدن وتعلمن في السويد، وهي دولة معروفة ومعترف بجودة حياتها وتسامحها بإزاء المسلمين، بما في ذلك الكثير من المتحولين إلى الإسلام حديثاً؟ وما سبب نجاح «داعش» مع بعض الشابات السويديات؟
يشير الباحث إلى أن مسارات هؤلاء النساء ليست استثنائية: فهي توضح بطريقة أنموذجية مصير كثير من الشباب من الجيل نفسه، من أصول مهاجرة مسلمة ترغب في «الدخول في الدين». يشكل هؤلاء الشباب السويديون فئة سكانية فرعية خاصة: فدراسة الانتماء الفاعل والنشط للدين الإسلامي والمشاركة في الإرهاب الإسلاموي، تجعل من الممكن اليوم فهم عدد مُعين من التحولات المهمة في العلاقة التي يقيمونها مع المؤسسات والمجتمع والسياسة.
يتوصل الباحث إلى نتيجة مفادها أن التحدي الذي يفرضه التطرف النسائي في السويد هائل، وخصوصاً حين يُطرح مع مسألة مستقبل الأطفال. وبالفعل، فإن إشكالية الأطفال، الذين سيصبحون «أشبال الخلافة»، مرتبطة ارتباطاً جوهرياً بقضية المرأة. أصبح هذا الأمر من قضايا الأمن القومي للبلاد التي لم تتردد في وضع سياسات عامة لمكافحة الإرهاب الإسلامي. ومع ذلك، فإن خطر التطرف ليس خاصاً بالنزعة الإسلاموية فحسب، بل هو أيضاً يخص اليمين المتطرف. وإن السويد في الواقع، تعاني بشكل خاص من المنظمات اليمينية المتطرفة، التي تتبنى خطاباً متوتراً تجاه الإسلام بعد أن جعلته قضيتها الأساسية.
تناول كلاس بورِل -أستاذ علم الاجتماع في جامعة يونشوبينغ بالسويد- في دراسته ثلاث قضايا بحثية رئيسة: القضية الأولى: تتعلّق بالعمل الاجتماعي التطوّعي الإسلامي، ملاحظاً أنه لم يولَ أي اهتمام بالعمل الاجتماعي التطوّعي الإسلامي في الغرب، إلا بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وقد اتسم ذلك بالانتقائية والسلبية بصورة أساسية، فوُصف العمل الخيري الإسلامي بأنه وسيلة لتجنيد الإرهابيين وتمويل الشبكات الإرهابية. القضية الثانية التي تتناولها هذه الدراسة تتعلق بالتعاون. ففي سياق الرفاه الإسكندنافي، لا يزال التركيز على التعاون بين السلطات العامة والقطاع غير الربحي؛ خاصّية مؤسسية مركزية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتصوّرات الخطابية القوية؛ لأهميتها في تعزيز القيم الأساسية مثل الديمقراطية والرفاه والاندماج. ولكن ما مدى تكيّف التجمعات الإسلامية الجديدة مع التقاليد الإسكندنافية للتعاون المؤسّسي؟ كيف تتفاعل التجمّعات الإسلامية اللامركزية مع الدولة والبلديات في سياق السعي لتحقيق مصالحها؟ وما الظروف -الداخلية أو الخارجية- التي تعزّز تطوير هذا التعاون أو تعطّله؟ القضية الثالثة والأخيرة التي تتناولها هذه الدراسة تتعلّق برهاب الإسلام وجرائم الكراهية والتفاعل المحلي بين مقاومة التجمّعات الإسلامية ودعمها.
يحلل تومي مولر -أستاذ في علم السياسة بجامعة ستوكهولم بالسويد- موقف «ديمقراطيو السويد» (Sweden Democrats) من الهجرة على العموم والإسلام على الخصوص عن طريق تحليل المنطلقات الأيديولوجية لـلحزب، والمواقف والحجج التي يُعبّر عنها بشكل ملموس تجاه الهجرة عموماً، والهجرة من الدول الإسلامية خصوصاً. تركز الدراسة على تصوّرات الحزب ومواقفه بشأن هذا الموضوع. لكن قبل الخوض في التحليل، يقدم خلفية موجزة لحالات تطوّر حزب «ديمقراطيو السويد».
ويخلص الباحث إلى أن حزب «ديمقراطيو السويد» انتقد طوال فترة وجوده الهجرة. وكانت أشدّ الانتقادات موجّهة ضد الهجرة القادمة من الدول العربية والإسلامية. ووفقاً للحزب، فإن الاختلافات الثقافية بين الغرب والإسلام جدّية لا يمكن جسرها بتناغم. ويرى أن على المهاجرين الذين يعيشون في السويد -المسلمون وسواهم- الالتزام الواضح والتكيُّف مع الثقافة السويدية. في فضاء التعدّدية الثقافية.
ويتساءل الباحث: هل «ديمقراطيو السويد» –إذن- حزب معادٍ للإسلام؟ ينكر ممثلّو الحزب ذلك كما هو متوقّع. ويؤكّدون أنهم ليس لديهم أي شيء ضدّ الإسلام كدين، وليس لديهم آراء حول كيفية التزام المسلمين بمعتقداتهم الدينية، ولكن لديهم انتقادات حول الأعباء الكبيرة المترتبة على الهجرة وعلى مخاطر الإسلام السياسي والتهديدات المحيطة بالهوية السويدية.
ولكن –وكما يجادل الباحث- فإن مشكلة الحزب الرئيسة مع الإسلام أنه يتعارض مع الثقافة السويدية، وأنه لا يتلاءم مع المجتمع السويدي العلماني. وفي الوقت نفسه، من الواضح أنه يرفض بشدّة أشكال التعبير الثقافي الملموس التي يطبّقها المسلمون المؤمنون. وينطبق ذلك على لباس النساء والأذان وغير ذلك.
يُتصوّر أن مشكلة تنامي قوة الإسلام في السويد تثير مشكلات عميقة. فهو –كما ينظر إليه اليمين المتشدد- يقوّض الديمقراطية لأن الديمقراطية الفاعلة تفترض مسبقاً التماسك والهوية الوطنية. كما أن المساواة بين المرأة والرجل أكثر صعوبة لأن المرأة المسلمة –وفقاً لتفسيرات الحزب- تعيش تحت الاضطهاد... إلخ. يستنتج أن هناك بالتأكيد عناصر من كراهية الإسلام في أوساط «ديمقراطيو السويد»، على الرغم من أنه يرفض هذا الادّعاء.
تسلط جِني بِرغلند -أستاذة التربية الدينية في جامعة ستوكهولم بالسويد- الضوء على المجتمعات المسلمة في السويد، وتركز على دراسة التربية الدينية الإسلامية في المدارس الإسلامية السويدية.
تخلص الباحثة إلى أن لمعلّمي التربية الدينية الإسلامية بالمعنى الدقيق للكلمة أهدافاً مهمة متعدّدة الجوانب: يجب أن يحافظوا على الصلة بالشباب المسلم الأوروبي الحديث، بينما ينقلون بعض المفاهيم الإسلامية، وعليهم أن يكونوا قادرين على تمثيل الاهتمامات الحديثة، بالإضافة إلى الاهتمامات القائمة على العرق للطلبة الذين يعلّمونهم، وأن يكسبوا ثقة الأغلبية والأقلية المسلمة. وبتزويد معلّمي التربية الدينية الإسلامية بأساس متين من التعليم العالي، وإشراكهم في المناقشات التعليمية والتربوية العامة، تستطيع السويد، وبلدان أخرى، تزويدهم بأفضل الأدوات لتحقيق هذه الأهداف المعقّدة.
هنا تجدر الإشارة أيضاً إلى أن المسؤولية عن نجاح تعليم التربية الدينية الإسلامية لا تقع على عاتق الدولة فحسب، وإنما على عاتق المعلمين أنفسهم أيضاً. وبناءً على ذلك، فإنهم يشجّعون بشدّة على المشاركة في أنشطة اتحاد المعلمين وتشكيل جمعيات لمعلمي التربية الدينية الإسلامية، تتيح لهم الفرصة لتشارك معرفتهم التربوية في سياق تعليمي وطني. ويستطيع معلّمو التربية الدينية الإسلامية -بطبيعة الحال- الالتحاق بالمقرّرات الأكاديمية التي تقدّمها جامعتا أُبسالا أو ستوكهولم في الدين الإسلامي أو تاريخ الأديان -على سبيل المثال. وترى أن توفير الكتب المدرسية المناسبة للتعليم الديني الإسلامي والتعليم غير الطائفي عن الإسلام، أمر ضروري للطلبة المسلمين وغير المسلمين على حدٍّ سواء. ولضمان عرض غير متحيّز -إلى حدٍّ كبير- يجب تأليف الكتب المدرسية لتعليم الإسلام والأديان الأخرى من منظور أكاديمي صارم. وفي هذا الصدد، هناك -كما ذكرنا- العديد من الأمثلة على الكتب المدرسية غير الطائفية التي لا تلبّي الحدّ الأدنى من المعايير الأكاديمية. وفي حين أن بعض دور النشر تطلب من المنظمات الإسلامية التحقّق من محتوى الكتب المدرسية قبل النشر، فإن ذلك قد لا يكون كافياً إذا أجري التدقيق وفقاً للتقاليد التفسيرية للمنظمة المعنية فحسب. ومن الطرق الأخرى لمعالجة مسألة عدم كفاية الكتب المدرسية، إشراك الناشرين والمؤلفين الذين لديهم دراية بالدراسة الأكاديمية للأديان ويعرفون كيفية تقديم المعرفة إلى فئات عمرية محدّدة. كما أن على المعلّمين أنفسهم إجراء فحص نقدي للكتب التي يشترونها.
يدرس محمد البشاري -باحث وأكاديمي مغربي، أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة- في هذه الدراسة العقبات والتحديات التي تواجه الجاليات المسلمة في السويد، في ظل احتضان الدستور السويدي لحرية الأديان، والتعددية الثقافية، مما يقدم حماية قانونية لخصوصية المسلمين، على تنوع انتماءاتهم العرقية والطائفية، مما يخولهم تأسيس المراكز الدينية والثقافية والاجتماعية. وتركز هذه الدراسة على تكوين الأئمة في السويد، وتدرس موقع «الإمامة» الإسلامية في مجتمع تعددي.
ويختتم دراسته بالقول: إن اقتراح افتتاح معهد مستقل لتكوين الأئمة في السويد برعاية الجهات الرسمية المعنية، مسألة ملحة، خصوصاً في الوقت الراهن الذي تتخوف فيه الدولة من أي تدخلات خارجية، قد يكون لها تأثير في المجتمعات المسلمة التي يلعب الإسلام السياسي على تثويرها وتعطيل اندماجها.
تعد الحاجة لتكوين أئمة السويد خطوة فاعلة في الاستجابة للتحديات والأسئلة التي يطرحها المسلمون، وذلك لما للشأن الديني من دور وتأثير فيهم وفي رؤيتهم للعالم، لا سيما مع تزايد موجات الهجرة وطلبات اللجوء من دول الشرق الأوسط المضطربة.
ركزت بيا كارلسون مينغانتي -أستاذة مساعدة وباحثة في الإثنولوجيا في قسم الإثنولوجيا وتاريخ الأديان ودراسات النوع الاجتماعي في جامعة ستوكهولم- في هذه الدراسة على النساء الأعضاء في المنظمة الوطنية «الشبيبة السويدية المسلمة» (Sweden’s Young Muslims) (اختصارًا «إس يو إم» SUM) التي يهيمن عليها المسلمون السُنّة، إضافة إلى بعض الروابط الشبابية المحلية المرتبطة معها والمنتشرة في بلدات سويدية عدّة، بهدف إظهار أن الانتماء إلى تلك الروابط يزيد انخراط النساء المسلمات في المساجد ومصادر أخرى، سعيًا منهن إلى الحصول على المعرفة الإسلامية، حيث تتسنَّم النساء المنتميات إلى تلك الروابط مناصب قياديّة في المجتمعات المسلمة، وبالتالي يواجهن مَطالِب تنادي بأن يتولين بأنفسهن مهمة نشر المعرفة الإسلامية، ويعملن بوصفهن أستاذات لأترابهن وأطفالهن، وكموجِّهات في المساجد. وفعليّاً، يلقي المسلمون وغير المسلمين على أولئك النسوة ضغوطاً كي يتصرفن بوصفهن ممثلات للإسلام في الفضاء العام. ويؤول ذلك إلى جعل نشاطهن الإسلامي يذهب إلى أبعد من أُطُر المساجد والصفوف الدراسية، ليصل إلى سياسات الهوية التي تتبدى في المراكز المدنية وأستوديوهات التلفزة.
كما ركّزت على الشابات المسلمات اللواتي عاصرن تبدّل المساجد من فضاءات ليس فيها جندري سوى الرجال، إلى منتديات تقدر على التأقلم مع وجود الجنسين الجندريين، مع استمرار التصارع بينهما. وبوصفهن أعضاء في منظمات الشبيبة المسلمة في السويد، تُواجَه الشابات المسلمات بتوقعات مفادها أنهن يجسّدن الإسلام ويمثّلنه. وبذا، يَكُنَّ مدعوات إلى العمل بوصفهن أستاذات أطفالهن وأقرانهن، وكصانعات للقرار ومُنظِّمات في الهيئات واللجان. ومع انفساح المجال أمامهن في قراءة النصوص الدينية، عملت الشابات المسلمات على إعادة صوغ التفسيرات بما يسهم في تغيير حياتهن اليومية، وكذلك مواقعهن في المجتمع الإسلامي والمجتمع السويدي الواسع. في المقابل -ضمن سياق تلك العملية- لا تُقدِم الشابات المسلمات على تحدي السلطات الإسلامية التقليدية داخل المجتمع الإسلامي. وعلى غرار كثيرين من المنتمين إلى منظمات إسلامية في أوروبا، تستعمل الشابات المسلمات المساجد ومنظمات الشبيبة، كمنصّات يعملن عبرها على تأمين حقوق وحاجات الأقلية الإسلامية المتنامية.
تخلص الدراسة إلى أنه في الواقع، يلقي المجتمعان المسلم وغير المسلم، بأعباء على الشابات المسلمات كي يعملن بوصفهن وسيطات ثقافيًّا وممثلات للإسلام في الفضاء العمومي. وإذ يعملن موجّهات في المساجد ومتحدثات في الفضاء العمومي وكاتبات في المنشورات الإخبارية ومواقع الإنترنت، فإن نشاطاتهن تذهب إلى أبعد من حدود المساجد والصفوف الدراسية، فتصير ممارسة لسياسات الهوية في المراكز المدنية وأستوديوهات التلفزة والفضاء الافتراضي للإنترنت. وكذلك يَمِلْنَ إلى إعطاء الأولوية لمصالح المجتمع المسلم الذي يهيمن عليه الرجال، ويسعين إلى تشتيت انتباه المجتمع السويدي بعيدًا عن إلصاق وصمة تمييزية في ما يتعلق بحقوق النساء في المجتمعات الإسلامية. في ضفة مقابلة، داخل المجتمع الإسلامي، تعمل الشابات المسلمات على مساءلة القيم الجندرية المسيطرة، ثم إعادة التفاوض بشأنها. وكذلك تستمر هيمنة الذكور على المساجد ومنظمات المسلمين في السويد، وليس من علامات قوية على أن النساء سيصبحن قريبًا في مواقع قيادة الصلوات أو أن يعملن مرشدات للرجال. ومع ذلك، ضمن سياقات أقل رسمية، أي في المنصة الخلفية مع أقرانهن، تنخرط الشابات المسلمات في مداولات فكرية، ويضعن قيد الاختبار نُظُمًا وقيمًا بديلة. وبالتأكيد، تعمل الشابات المسلمات على حيازة مزيد من الظهور والحضور ضمن الشؤون الرسمية للمجتمع المسلم، بما في ذلك حقل السلطة الدينية.
تناولت برنيلا إيويس -أستاذة العمل الاجتماعي في جامعتي «هلمشتاد» و«مالمو» السويديتين- في دراستها -بشكل أساسي- العنف الذي يُطاول المُسلمات في السويد، ويؤدي أحيانًا إلى قتلهن. واتصالًا بذلك، يكشف ذلك العنف عن الأوضاع الهشّة التي تعيشها المُسلمات المقيمات في البلاد.
أظهرت هذه الدراسة أن المُسلمات في السويد يتأثرن بصورة أساسية، بالعنف الآتي من علاقات مع شركائهن الحميمين؛ إذ يستطيع ذلك العنف أن يكون مستندًا إلى جرائم قتل النساء على أساس الجنس أو بسبب هشاشة زيجات الهجرة المختلطة، أو مزيج من الأمرين معاً.
حاولت الدراسة تحليل العنف المستند إلى العامل الجنسي ضمن سياق مجتمعات الهجرة في السويد، مشيرة إلى أبعاده الاقتصادية والنفسية.
تشير الباحثة إلى مؤشرات أخرى مهمة: تأثر المُسلمات في السويد بالعنف المستند إلى الإسلاموفوبيا والكراهية، مما يشكّل قضية معقدة، خصوصًا أن التحاق عدد من النساء بتنظيم داعش الإرهابي، وبمعنى ما فإنهن عَمِلْنَ على تكوين غضب في الرأي العام ضدهن.
في المقابل، يتوجّه ذلك الغضب ضد مُسلمات أخريات، مما يفاقم مشاعر الإسلاموفوبيا. وبصورة عامة، تضحي المُسلمات ضحايا تلك الكراهية التي تطاول خصوصًا اللواتي يرتدين علامات مرئية تتعلق بدينهن كالحجاب. كما أدى العنف إلى جرائم قتل قليلة طاولت المُسلمات، على الرغم من عدم امتلاكنا أرقامًا دقيقة عن جرائم قتل النساء على أساس الجنس في السويد. على الرغم من ذلك، من المهم الالتفات إلى الوضعيات الهشة التي تعيشها المُسلمات، خصوصًا تعرضهن للعنف على يد شركائهن الحميمين.