يتناول هذا الكتاب ملف عودة أطفال منتسبي «داعش» إلى بلدان والديهم، بعد طرد التنظيم من الموصل والرقة، وبقاء بعض النساء والأطفال في مخيمات خاصة، في انتظار قرار عودتهم إلى بلدانهم الأصلية. غطت الدراسات دولاً غربية وعربية وآسيوية عدة، وحاولت تحليل جدل الاستعادة والإدماج ضمن قراءات مختلفة: اجتماعية، ونفسية، وتأهيلية، وأمنية، وقانونية. رصد الكتاب الجدل القانوني، حول مشروعية استعادة الأطفال من عدمها وناقش الدوافع الأمنية لرافضي الاستعادة. وأضاء على الحاجة لتطوير مشاريع التأهيل والإدماج.
تم النشر في: June 2020
# | اسم الكتاب |
---|---|
1 | أطفال ونساء «داعش» العائدون من مناطق النزاع وتحديات التأهيل |
2 | أطفال «داعش» في مخيمات الاعتقال: تحدٍّ عابر للأجيال |
3 | مصير أطفال «داعش» بعد سقوط خلافته |
4 | تباين أوروبي حول عودة أطفال «داعش» وأسرهم |
5 | ملف أطفال منتسبي تنظيم «داعش» في روسيا |
6 | التعامل العراقي مع أطفال منتسبي تنظيم داعش |
7 | أطفال تنظيم داعش.. المحاضن ومشكلة إعادة التوطين |
8 | تنظيم داعش وتجنيد الأطفال: حدود الفكرة والسلاح |
9 | حماية الأطفال في مناطق النزاع المسلح: تطور الاتفاقيات الدولية |
10 | النظريات النفسية وإمكانات تطبيقها على أطفال منتسبي داعش |
11 | اعتبارات في إعادة تأهيل أطفال داعش |
12 | العولمة والطائفية: الماضي والحاضر والمستقبل |
يتناول الكتاب ملف أطفال منتسبي «داعش» وعودتهم إلى بلدان والديهم، بعد طرد التنظيم من الموصل والرقة، ومقتل أفراده وهربهم، وبقاء بعض النساء والأطفال في مخيمات خاصة، في انتظار قرار عودتهم إلى بلدانهم الأصلية؛ التي انفتحت على نقاش الاستعادة، أمام الخيارات المتاحة. لذا غطت الدراسات دولاً غربية وعربية وآسيوية عدة، وحاولت تحليل ومناقشة هذا الملف الشائك ضمن قراءات مختلفة: اجتماعية، ونفسية، وتأهيلية، وأمنية، وقانونية.
درست هالة ثابت –الباحثة المصرية المتخصصة في الدراسات الأفريقية- حق عودة أولئك الأطفال والنساء بين موافقة ورفض دولهم لاستقبالهم، واستعرضت تجارب مختلفة لإعادة الإدماج، كما سلّطت الضوء على أبرز التحديات التي تواجه برامج إعادة التأهيل. ترى أنه على الرغم من تصميم العديد من برامج إعادة تأهيل النساء والأطفال العائدين من تنظيم (داعش)، وتوفير المتخصصين الاجتماعيين وعلماء النفس ومعهم رجال الدين، فما زالت جهود الدول مشتتة، وبرامج إعادة تأهيل نساء وأطفال داعش عاجزة على أرض الواقع. وأنه لا تنجح مكافحة الإرهاب ببرامج إعادة التأهيل وحدها، بل يحتاج صوت المسلمين إلى الاعتدال وتدعيم الفكر الوسطي لمواجهة الفكر المتطرف، وينبغي في ذلك تعبئة المجتمع الدولي بأسره، وليس فقط الدول المعنية؛ حتى يمثل شكلاً من أشكال النهج الاستباقي لحماية الضعفاء والمهمشين من خطر التطرف. رصد الكتاب الجدل القانوني حول مشروعية استعادة الأطفال من عدمها، وناقش الدوافع الأمنية لرافضي الاستعادة. وأضاء الحاجة لتطوير مشاريع التأهيل والإدماج.
حذّر كولين بي كلارك (Colin P. Clarke) -أستاذ مساعد في معهد السياسة والاستراتيجية بجامعة كارنيغي ميلون بالولايات المتحدة- من الخطر المستمر للتقاعس في اتخاذ الإجراءات المطلوبة تجاه أطفال داعش في المخيمات، فتناول أدوار الأطفال في الصراع، وكيف استغلهم التنظيم الإرهابي. وحول إعادة الأطفال إلى دولهم الأصلية التي تشكل قضيتهم معضلة سياسية لبلدانهم القلقة، يرى كلارك أن موضوع التعامل مع أطفال «دولة داعش» ليس بالبساطة التي يظنها البعض، فهؤلاء الأطفال ضحايا وجناة في آنٍ معاً؛ وهذه حقيقة لا سبيل لتجاهلها ولا ينبغي التغاضي عنها. لا يمثل القرار بشأن استعادة الأطفال معضلة تقض مضاجع الديمقراطيات الغربية وحدها، وإنما يشمل ذلك دولاً مثل روسيا التي شهدت تدفق الآلاف من مواطنيها إلى العراق وسوريا للانضمام إلى التنظيم.
إن الإقرار بأن بعض الأطفال، إذا أعيدوا إلى أوطانهم، قد يشكلون خطراً أمنياً فعلياً على الدول التي يعودون إليها، قد يكون تصرفاً لا ينمُّ عن التحلي بروح المسؤولية –ذلك أن هنالك جملة من العوامل التي من شأنها التأثير على درجة الخطورة التي يمكن أن تكمن في عودة الأطفال إلى حضن الوطن. تشتمل تلك العوامل على ما تلقوه من تدريب شبه عسكري محتمل، وما خضعوا لتأثيره من دعاية ترويجية وتلقين محتمل من حيث المدى والمدة، والجرائم التي يحتمل أن يكونوا قد ارتكبوها أو كانوا شهود عيان على ارتكابها، والأشكال المختلفة للصدمات التي يحتمل أن يكونوا قد تعرضوا لها، أو عانوا منها طيلة فترة بقائهم في الأراضي التي كانت تحت سيطرة ما يسمى «دولة الخلافة». يوصي الباحث الدول المقتدرة باستعادة جميع أطفالها الذين لا يزالون يعيشون في سوريا، وأن تسخِّر جميع الموارد التي بحوزتها لإعداد برامج شاملة لإعادة دمج الأطفال العائدين في الحياة الاجتماعية العادية مع سائر أفراد المجتمع، وتهيئة المجتمع لتقبُّلهم، مع تكريس تلك الموارد لتنفيذ تلك البرامج متعددة الأوجه؛ وهي برامج تكون عند الإمكان قابلة للقياس والتقدير والتقويم لأجل رصد مدى التقدم في تنفيذها ومدى تحقيقها لأغراضها. يؤدي التأخير في ذلك إلى تأخير أمر حتمي الحدوث، أو أنها تدفع الأطفال عديمي الجنسية إلى أنهم ليس أمامهم أي بديل سوى الاستمرار في الدوران في دوامة الراديكالية والتطرف والعنف –وهي الدوامة ذاتها التي تمثلها ما تسمى «دولة داعش».
تتطرق دراسة فرانسيسكو مارون (Francesco Marone) -باحث مشارك في جامعة بافيا (University of Pavia) بإيطاليا- إلى مشكلة مصير القُصَّر المرتبطين بداعش عقب سقوط ما أطلقوا عليه مسمى دولة «الخلافة»، مع الاهتمام بشكل خاص بمآلات الأطفال المنحدرين من دول غربية. يشير الباحث إلى أن بعض العلماء عمدوا ببساطة إلى التمييز بين الأطفال الصغار في مرحلة الطفولة المبكرة، التي تبدأ بفترة الرضاعة أو المهد والحضانة (يشار إليها بشكل استرشادي بأنها تبدأ من لحظة الولادة وحتى السنة التاسعة من العمر) والأطفال الأكبر سناً (ممن يزيد عمرهم على تسع سنوات). علاوة على ما تقدم، احتج هؤلاء العلماء -في بعض الأحيان- بأن من هم في مرحلة الطفولة المبكرة، يمكن النظر إليهم بأنهم ضحايا في المقام الأول، على خلاف من هم في مرحلة الأطفال الأكبر سناً. تقدم علماء آخرون باقتراح مفيد يقضي بإعادة تصنيف القصّر في داعش بمزيد من الدقة والوضوح بإدراجهم تحت ثلاث فئات كما يلي: أولاً: «المواليد والرُّضَّع» (من لحظة الولادة حتى السنة الرابعة من العمر)؛ ثانياً: «الأطفال» (من سن الخامسة حتى الرابعة عشرة)؛ ثالثاً: «فئة المراهقين» (من سن الخامسة عشرة حتى السابعة عشرة). يرى الباحث أنه من الواضح أن هذا التصنيف مبني -بصريح العبارة- على افتراض وجود مستويات مختلفة ومتفاوتة مما يلي: (أ) الاستقلال في السفر إلى أراضي داعش؛ (ب) الإسهام الفعال والمشاركة المؤثرة في ممارسة العنف؛ (ج) الوكالة أو الإرادة وحرية الاختيار واتخاذ القرار القائم على معلومات وافية بشأن الأفعال، وذلك استناداً على العمر. يندرج كل من الاستقلال الشخصي والوكالة والفاعلية والإرادة الحرة في اختيار التوجهات الراديكالية. ويضيف الباحث أنه عندما تثبت إدانة بعض القاصرين في داعش في جريمة ما، يصبح الوضع أكثر تعقيداً. وكما أوجز «فان دير هيد» و«جينين»، سعت الحكومات إلى التعامل معهم بثلاث طرق رئيسة هي: (1) معاملتهم كمجرمين إرهابيين بالغين لسن الرشد؛ (2) معاملتهم كأحداث جانحين حسب التعريف العادي للأحداث الجانحين؛ (3) توفير برامج علاجية متخصصة حسب الحالة الفردية لكل منهم. يمكن أيضاً تطبيق هذا التصنيف على من وُجِّهَتْ إليهم تهم جنائية من القصّر المرتبطين بداعش.
استعرضت سيلين مارتليت (Céline Martelet) -كاتبة وصحفية فرنسية- التباين الأوروبي حول عودة أطفال «داعش » وأسرهم. فهي ترى أنه حتى الآن، لم يُجلب إلى مسقط رؤوسهم في أوروبا، إلا اليتامى، أطفال الجهاد الضائعون. وقد سعت ألمانيا والنرويج لاستعادة القُصّر الوحيدين حاملي جنسيتهما. بينما اتبعت بلجيكا الخط الذي رسمته باريس بشأن استعادة الأطفال وترحيلهم إلى بلدانهم. فلا عودة لكل الأطفال المتحدرين من عائلات المنتسبين إلى التنظيمات الإرهابية. طبقت بروكسيل أنموذج «كل حالة على حدة». فيما تشكل البوسنة- الهرسك وكوسوفو اليوم صورة استثنائية في أوروبا الرافضة بغالبيتها عودة أطفال الجهاد. وتضيف مارتليت أنه لم ينجح أي بلد أوروبي في وضع خطة عودة ممنهجة لمواطنيه من الفتيات الصغار والصبيان صغار السن الذين نشؤوا في قلب التنظيمات الإرهابية. فلم يتبع أي بلد توصيات لجنة التحقيق المستقلة الدولية حول سوريا (CIO). التي نشرت في 16 يناير (كانون الثاني) 2020، هذه اللجنة (المؤسسة عام 2011 من طرف مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة) تقريراً تدعو فيه معظم البلدان إلى تنظيم عودة مواطنيهم أطفال الجهاديين مع أمهاتهم. ويرى المحققون أن هؤلاء الأطفال من دون وثائق ثبوتية هم في وضع هش. ويطلبون من البلدان المعنية –إذن- أخذ «إجراءات فورية لتسهيل تسجيل «رعاياهم» المولودين في سوريا، بغرض وحيد وهو عودتهم لبلدانهم في أقرب فرصة، وكذلك الأشخاص الذين يعتنون بهم، ويجب أن تكون الأمهات عائدات مع أطفالهن لضمان احترام مبدأ المصلحة العليا للطفل».
تناول أحمد لطفي دهشان -باحث مصري في العلاقات الدولية- جذور العنف الديني في روسيا، والدوافع لاستعادة أطفال منتسبي داعش، وآليات الاستعادة، وبرامج إدماج أطفال منتسبي داعش في المجتمع الروسي. فيشير دهشان إلى أن من الأخطاء التي تعتقد الدولة الروسية أنها ارتكبتها بالماضي، وكانت آثارها عكس ما كانت تتوقع على أطفال المقاتلين، وتم تلافيها منذ عدة أعوام وكان لها أثر إيجابي، توقفها عن عملية دمج هؤلاء الأطفال وأسرهم بشكل قسري، أو إبعادهم عن قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم، أو حتى أنماط تدينهم التي تنعكس على معاملاتهم وأزيائهم. مما قد يخلق روح مقاومة للتغيير، وشعوراً بالاغتراب داخل المجتمع، ويدفع هؤلاء الأطفال بعد بلوغهم لتبني أفكار متطرفة، ولذلك تسمح لهم بالحرية الكاملة في نمط حياتهم وتحترمه، وكذلك تراجعت عن قرارات منع لبس الحجاب وتقييده بسن معينة، حيث باتت الحكومة الروسية مقتنعة بأن مواجهة الأفكار المتطرفة لا بد أن تكون بأفكار إسلامية مقابلة، وضرورة احترام القيم الدينية، وتقاليد المجتمع، وعدم الدخول في صراع معه على أساس الثقافة أو العادات واللغة، وهذه السياسة تسهم بشكل كبير في عدم وجود تناقضات بين ما يتربى عليه الأطفال داخل أسرهم، وما يتلقونه من تعليم بالمدارس الحكومية، وهي المشكلة التي تعوق عملية دمج هؤلاء الأطفال في بلدان أوروبا الغربية. كما تقوم المؤسسات الإسلامية الرسمية، والمراكز التابعة لها بدور كبير في متابعة هؤلاء الأطفال وأسرهم، وتربيتهم على القيم الإسلامية الأصيلة البعيدة عن العنف والتطرف، ولهذه المؤسسات دور هام ونشط، وتقدم الحكومة الروسية لقادتها كافة أشكال الدعم.
درس إبراهيم صادق ملازده -أستاذ في جامعة سوران بإقليم كردستان العراق- العوامل الاجتماعية المؤثرة حالياً التي تحيط بأطفال منتسبي داعش، متناولاً الوضعية القانونية والسياسية والدينية لهم. فهو يرى أن ترك هؤلاء الأطفال، الذین یعدون بالآلاف، دون تأهیل، ومعدومي الرعایة، وتركهم في الشوارع، قد يُبقِي أبواب العنف والتطرف مفتوحة، بالإضافة إلی امتداد تأثیرهم إلی الأجیال القادمة، وإبقاء مرض التطرف متفشیاً بین أبناء الوطن. لا سيما وأن جمیع القوانین والشرائع السماویة تؤكد ضرورة معاملة الطفل بالرقة والرأفة المطلوبة، وتمكينه من تربیة سلیمة، بغیة إعداده إعداداً سلیماً من أجل مستقبل زاهر للوطن وللبشریة بشكل عام. يقسم الباحث أولئك الأطفال إلى أربع فئات خلال دراسته، وهي: الفئة الأولى: أطفال الأجانب، الذین اعتقل أو قتل والداهم، أو بعضهم ما زالوا في رعایة والدتهم، ورفضت بلدانهم استلامهم إلا القلیل، وما زال هناك الكثیر من الأطفال الأجانب موجودين في معتقلات العراق. الفئة الثانية: الأطفال الذین یعیشون في المخيمات أو خارج رعایة الدولة. وهم الأطفال الذین تم رجوعهم مع ذویهم إلی المخیمات بدون تصنیف مسبق، وتم خلط الداعشیین بغیرهم بدون رعایة مسبقة أو مراقبة كافیة من قبل السلطات. وهناك اعتقالات للأطفال بمجرد الشبهة وفق الكثیر من التقاریر العائدة للمنظمات الحقوقیة أو الخاصة بعنایة الأطفال. الفئة الثالثة: خاصة بالأطفال العراقیین المعتقلین، سواء كان لدی السلطات العراقیة أو سلطات الإقلیم. معظم هؤلاء الأطفال الذین تمت إدانتهم وحكم علیهم، موجودون في الإصلاحیات، وهناك الأطفال الموجودون في المعتقلات وینتظرون مصیرهم غیر المعلوم. الفئة الرابعة: هم أطفال الكرد الأیزیدیین الذین تم أسرهم، ومن ثم إما رفضوا الإسلام وقتلوا، أو تمت أسلمتهم وتعرضهم لغسل أدمغتهم، وهم بعدما تحرروا من سطوة تنظیم (داعش)، أصبحوا في طریق مسدود، ولا المجتمع الأیزیدي یعرف كیف یتصرف معهم، لأنهم ما زالوا تحت تأثیر المخدر الداعشي. والصنف الثاني من الأطفال هم أولئك الذین ولدوا من أم أیزیدیة ووالد داعشي، وهم معلقون بین عدم قبولهم كردیاً أیزیدیاً، وإهمالهم قانونیاً عراقیاً، وما زالوا ینتظرون انفراجاً قانونیاً أو دینیاً اجتماعیاً.
درس ماهر فرغلي –باحث مصري متخصص في الحركات الإسلامية- محاضن أطفال تنظيم داعش، والتأثيرات وأنماط الموجات الداعشية من انتهاكات تعرض لها الأطفال ومن استخدام لهم، ومن متغيرات وتحديات تعصف بأطفال التنظيم الإرهابي. يستعرض الخيارات المعقدة للتعامل معهم، كما يبرز سبل حل مشكلة أطفال داعش من خلال: أولاً: الاحتجاز في أماكن مخصصة للرعاية، ثانياً: الإرشاد الفكري. يرى الباحث أن الجهود الدولية تتضافر مع نظيرتها المحلية لمواجهة الخطر القادم، يقدم الباحث خطة ترتكز على محورين: الأول: وقائي: يستهدف الأطفال والفئات العمرية الدنيا (أقل من عشرين عاماً) من خلال نشر وترويج رسائل قصيرة للأطفال تتضمن رداً على المسائل الخلافية. الثاني: علاجي: معني بعمليات التأهيل الفكري التربوي. تصنيف الأطفال إلى فئات ثم إعادة توزيعهم حسب درجة أفكارهم، ووضع آليات للتعامل معهم ترتكز على إخضاعهم لبعض المعاملات الإنسانية شديدة الخصوصية، وإعادة تقييم مواقفهم من خلال عقد لقاءات معهم لتفهم نفسيتهم، ومحاولة احتوائهم وتحييدهم عن توجهات الجماعات الإرهابية. والاستعانة بخبراء في علم النفس والاجتماع لإعداد برامج متخصصة ومتنوعة لاستخدامها في إعادة تأهيل المقاتلين الأجانب العائدين والنساء العائدات والأطفال بما يتناسب مع تصنيف كل حالة وظروفها.
يقول جاسم محمد -باحث عراقي، رئيس المركز الأوروبي لدراسة الإرهاب والاستخبارات (ألمانيا)-: إن التجارب في برامج الوقاية من التطرف، كشفت أنه ليس من السهل نزع التطرف من عقول الأطفال. يتناول الباحث في دراسته تجنيد أطفال داعش بعد سقوط ما تسمى بدولة "الخلافة"، وآليات التجنيد، ومستويات التدريب الثلاثة التي كان يخضع لها أطفال التنظيم الإرهابي: الديني، والعملي، والنفسي. ويسلط الضوء أيضا على التجارب الأوروبية في تأهيل العائدين الأطفال.
استعرض إبراهيم أمين نمر -باحث أردني، عضو هيئة التحرير بمركز المسبار للدراسات والبحوث- استخدام الأطفال في مسار الحروب، وتطور الحماية القانونية الأممية للأطفال في النزاعات المسلحة، وحقوقهم، والاستجابة لها أمام التحديات التي يواجهونها.
تقدم الدراسة لمحة عن التطور القانوني في التعامل مع الأطفال في مناطق النزاعات المسلحة، وتبدأ من تاريخ تجنيدهم عند بعض الحضارات الغابرة، متناولة تطور الحماية القانونية للأطفال المتضررين، وترصد أبرز الاتفاقيات المبرمة بخصوصها، وتستعرض الانتهاكات «الجسيمة» التي يتعرض لها الأطفال في هذه المناطق، وتقف على دوافعها. ثم تقدم لمحة عن التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة عن الأطفال والنزاع المسلح الخاص بسنة 2019، وتستعرض بعض التجارب المختلفة للمنظمات الدولية والأدوار المناطة بها، مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة اليونيسيف، والمنظمة الدولية للهجرة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة «أنقذوا الأطفال». وتحدد أبرز التحديات التي تعترض الاستجابة القائمة في مراعاة حقوق الطفل خلال الحروب. ويخلص إلى أنه على الرغم من أن الجهود الدولية في تتبع مسارات التجارب السابقة، وارتفاع أعداد المؤسسات المعنية بحقوق الطفل حول العالم، وتطور أدوات البحث والتقصي وإجراء التحقيقات، وإنشاء آلية الرصد والإبلاغ في الأمم المتحدة، الذي شكل علامة فارقة في جهود الإبلاغ الدولية؛ بأن أصبحت التغطية أكثر شمولاً، على الرغم من كل هذه الجهود فإن النتائج تظل محدودة وإن ساهمت في تقليل الأثر المترتب على أولئك الأطفال جسديًا، وصحيًا، ونفسيًا وتعليميًا. فما زالت مناطق الاضطراب، والنزاعات المسلحة حاضرة. فيما غابت أسماء الجناة -من أطراف النزاع الحكوميين وغير الحكوميين- ولم تذكر في التقارير السنوية المرفوعة إلى مجلس الأمن.
تتناول دراسة وعد إبراهيم -أستاذ مساعد في قسم الإعلام بكلية الآداب بجامعة الموصل بالعراق- الأطفال من العوائل التي كان أحد أفرادها منتمياً إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، ويدرس طرق التعامل النفسية مع أطفال المنتسبين إلى تنظيم داعش من باب مجموعة من النظريات التي يشرحها ويقدمها خلال دراسته: نظرية بافلوف في الاشتراط البسيط، وجاثري في التعلم بالاقتران، وسكينر في الإشراط الإجرائي، وباندورا في التعلم بالملاحظة والنمذجة، وبياجيه في التطور الإدراكي،، ونظرية إريكسون (النظرية النفسية الاجتماعية)، ونظرية ليفن الطوبولوجية في الشخصية. يلفت الباحث إلى أن التعامل النفسي مع أطفال داعش يتطلب مساحة واسعة من النظريات والتوجهات النفسية التي تختلف باختلاف حالات وظروف هؤلاء الأطفال، لكن القاعدة الأساسية للتعامل معهم، يجب أن تركز على تعديل سلوكهم وتعليمهم اتجاهات وأفكاراً وسلوكيات إيجابية، تعيدهم إلى مرحلة الطفولة الطبيعية، بعيدا عن العنف وأفكار التطرف وخطاب الكراهية وتغيير البيئة الاجتماعية المحيطة بهم، وإعادتهم إلى مقاعد الدراسة، ودمجهم مع أقرانهم من أطفال المجتمع، مع توفير وإشباع حاجاتهم الأساسية وإبعادهم عن العزل الاجتماعي، سيخلق داخلهم بناءً نفسياً جديداً يعمل على إعادة تكيفهم ودمجهم اجتماعياً.
أعدت وحدة الترجمة في مركز المسبار تلخيصًا موسعًا لتقرير خاص، حمل عنوان: ( Homecoming: Considerations for Rehabilitating and Reintegrating Islamic State-Affiliated Minors، ) في (42) صفحة، يونيو (حزيران) 2020، نُشر من قبل مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت التابع للأكاديمية العسكرية الأمريكية، وهو من إعداد: ليسبث فان دير هايدي، وأودري ألكسندر.
يشير التقرير إلى أنه على الرغم من أن الدول على حق في تقويم المخاطر المحتملة المرتبطة بعودة القاصرين المرتبطين بتنظيم داعش، فإن تكاليف الإجراءات المتأخرة مرتفعة، في محاولة لدعم أصحاب المصلحة المكلفين بموازنة مثل هذه المخاطر، يستخدم النصف الأول من هذا التقرير مجموعة من المصادر الأولية والثانوية لمراجعة تجارب بعض القاصرين الأجانب أثناء وبعد الحياة في دولة داعش، كما يشير التقرير إلى أن مثل هذه الظروف يمكن أن تخلق عوائق أمام برامج إعادة تأهيل ودمج القاصرين، كذلك يجادل بأن معالجة مجالات القضايا الرئيسة قد تحسن القدرة على إعادة البرمجة الفكرية للقاصرين العائدين مع وضع هذا الأساس المنطقي في الاعتبار. يضع النصف الثاني من هذا التقرير أربعة مجالات يركز عليها، مستفيداً من الأبحاث التي أجريت عن الأطفال في سياقات أخرى، بمن في ذلك الأطفال المتأثرون بالنزاعات أو النزوح أو الحرمان أو سوء المعاملة، وذلك لإثارة الاعتبارات المطلوب اتباعها لأصحاب المصلحة الذين يطورون برامج إعادة ودمج القاصرين. يتناول التقرير ملامح القاصرين في دولة داعش المزعومة، وعمليات التوظيف والتعبئة التي يتبعها التنظيم، والتنشئة الاجتماعية التي يتبناها، ويسلط التقرير الضوء على وضع القاصرين داخل التنظيم، مستعرضا ملامح من حياتهم، متناولا معضلة عودة القاصرين إلى بلدان منشأ والديهم، ويبين سبل معالجة الصدمة التي تعرضوا لها، وسبل إعادة التأهيل، ومعالجة الهوية، وصولا إلى الحماية من الوصم والتمييز. ويخلص التقرير إلى أنه من الطبيعي الخوف من أسوأ السيناريوهات، فإن الواقعية والشفافية بشأن هذه السيناريوهات هي خطوات ضرورية في قياس المخاطر. الانشغال الكامل بفكرة أن الطفل المرتبط بداعش سوف يرتكب حتماً أعمالاً إرهابية قد يصبح نبوءة تحقق ذاتها.
قدمت لاهاي عبدالحسين -أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد- دراسة عدد تناولت فيها آراء ودراسات في العولمة، وتساءلت فيها: هل العولمة والطائفية يلتقيان؟، وسعت دراستها الميدانية إلى أنْ تسبر غور كلتا القوتين، وتبين تأثيرهما في المجتمع العراقي على مستوى السلوك اليومي المعبَر عنه فردياً، فتسلط الضوء على أحد أهم ما استجد ويستجد اليوم من عقبات بطريق الانعتاق والتطور في هذا الجزء من العالم. تُبنى الدراسة على نتائج ميدانية تمّ التوصل إليها، واسترشدت نظرياً بأفكار عدد من الباحثين المهتمين بالموضوع، واختبرت لعدد من الأفكار الخاصة بالفهم للعولمة، ومدى التفاعل معها أو تبادلها دون أخذٍ ورد. وتظهر نتائج الاستفتاء الذي تمّ إجراؤه على عينة من طلبة جامعتي بغداد وواسط، فإنّ هناك الكثير من اللبس والخلط وسوء الفهم، فضلاً عن أنّ هناك الكثير من بوارق الأمل في أنْ يتحدى الجيل الجديد في العراق أو غيره من البلدان العربية ما درجوا على تلقيه وقبوله. في جانب من الجوانب فإنّ أكثر ما يدعو إلى التشاؤم أنّ المبحوثين من هؤلاء الشباب ما زالوا تحت ضغط الأيديولوجيا على الضد من المعرفة. فالجواب واضح فيما يتعلق بـ«منْ يقود العولمة»، بأغلبية مريحة لصالح المسلّمين بالأفكار الجاهزة وغير الممحصة، أو على الأقل تلك التي لم تراجع بعد. أما بشأن الاندماج بالعولمة، فيبدو أنّه تمّ تحقيق الاندماج المادي، إنّما دون التوصل بعد إلى الاندماج المعنوي الذي يسمح بتفاعل حر وغير مقيّد. وهذا ما قصده الوردي بحديثه عن الازدواج بالسلوك الاجتماعي، والذي يحدث نتيجة التخلف الفكري والقيمي عما يتحقق مادياً وتقنياً. فما زال قدْر كبير من الحماس والانفعال يقود سلوكيات ومواقف الأشخاص. من جانب آخر، ما زال هؤلاء الطلبة الشباب بحالة عزوف عن الاندماج بالعولمة، كما يستدل على ذلك من الخوف والقلق الذي ينتابهم حول المستقبل، بسبب ما يعرفونه عن العولمة أو بالأدق ما «يعتقدون» أنّهم يعرفونه حولها، لأنهم للآن لم يطوّروا آليات سبْر المعرفة المدعمة بالدليل الدامغ والحجة القاطعة، التي أشار إليها بورديو في معرض تناوله لسلوك السياسي والأكاديمي، ممن عليهما تبادل أدوارهما من أجل إتقان الأداء.