يقدم كتاب "صناعة الخوف: رهاب اليمين المتطرف والشعبوية" (الكتاب 146 فبراير/ شباط 2019) بانوراما عامة وتحليلاً حول تنامي الاتجاهات السياسية اليمينية والشعبوية في أوروبا والولايات المتحدة والهند والشرق الأوسط، ساعياً إلى تفسير أسباب وصول العديد من الأحزاب اليمينية إلى البرلمانات الأوروبية، ومعتمداً على تحليل متعدد الاتجاهات لفهم هذه الظاهرة والظواهر المرتبطة بها في المشهد العالمي، معتمداً على مقاربات تهتم بالأبعاد الثقافية والدينية والهوياتية بالإضافة إلى التفسيرات السياسية والاقتصادية.
تم النشر في: February 2019
# | اسم الكتاب |
---|---|
1 | ص عود اليمين المتطرف: الثورة المحافظة والليبرالية الجديدة, محمد الشريف فرجاني, ترجمة: عفيف عثمان |
2 | اليمين المتطرف الشعبوي في أوروبا الغربية: الأسباب والنتائج |
3 | اليمين المتطرف والنزعات القومية المتصاعدة في أوروبا |
4 | اليمين المتطرف في أوروبا: الديناميات والمستقبل |
5 | اليمين المتشدد في أوروبا ورهاب الإسلام: حالة فرنسا |
6 | الجبهة الوطنية في فرنسا والإسلام |
7 | فرنسا والهجرة: الدرب الملوكيّ لشعبويّات اليمين المتطرف |
8 | حزب البديل من أجل ألمانيا والصدى اليميني الشعبوي |
9 | صعود كوكلوكس كلان واليمين المتطرّف في أمريكا |
10 | الشعبويات السياسية: التاريخ وماهيَّة الخطاب في الشرق الأوسط |
11 | اليمين المتطرف في الغرب وأزمات الشرق الأوسط |
12 | اليمين الهندوسي في الهند |
يُقدِّم مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتاب «صناعة الخوف: رهاب اليمين المتطرف والشعبوية» (الكتاب السادس والأربعون بعد المئة، فبراير/ شباط 2019) بانوراما عامة وتحليلاً حول تنامي الاتجاهات السياسية اليمينية والشعبوية في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط والهند.
تُجمِع خلاصات دراسة صحوة اليمين في أوروبا على ربطها بالليبرالية الجديدة، وما خلَّفته من زيادة معدل اللامساواة الاقتصادية بين الفئات الاجتماعية، واستُخدِم ذلك لتفسير الاندفاعة إلى الأيديولوجيات المتطرفة والهويات الحمائية المناهضة للعولمة والمعادية للأجانب والأقليات ولقيم الديمقراطية والنساء. انطلقت إحدى الدراسات من فرضية أن «ظروف الأزمة الاقتصادية تُنمي أنواعاً من اللامساواة، وتُمَثِل أرضاً مواتية للتمظهرات اللاعقلانية والعنفية»، يترافق معها، «إعادة إحياء للاهتمامات الدينية لدى العديد من فئات المجتمع التي تجد في «الأحزاب اليمينية» حاضناً لها ومعبراً عن هواجسها» وهذا يدل على «أن فقدان «السيادة الاقتصادية» يولِّد في كل مكان موقفاً صلباً يلوّح بفكرة «السيادة الثقافية».
يرى محمد الشريف فرجاني -أستاذ فخري في العلوم السياسية والإسلاميات والحضارة العربية في جامعة ليون الثانية (فرنسا)- أن صعود الحركات المعادية للأجانب والمتطرفة في أوروبا وأمريكا كتعبيرات راهنة عن ظاهرة شاملة، هي «الثورة المحافظة» على خلفية العولمة التي أفرزتها الليبرالية الجديدة. وأن الديمقراطية والدولة- الأمة، كإطار ساعد على ظهور التضامنات المستهدفة من طرف الليبرالية الجديدة، أضحتا محل تهديد متزايد جراء سيرورة مزدوجة: العولمة المحكومة بقوانين السوق وعودة «القبليات». فالديمقراطية والدولة- الأمة هما اليوم بين مطرقة طغيان «خبراء» البنك العالمي أو صندوق النقد الدولي وأمثالهم في شتى المؤسسات الذين يفرضون دون نقاش حكم «التنين» (اللفياتان) الذي بات يمثل «الأسواق المالية»، من جهة، وسندان التقهقر نحو الانكماش على شتى أنواع «الهويات القاتلة»، من جهة أخرى. ولفهم ذلك درس الباحث الليبرالية الجديدة والثورة المحافظة، وما أسماه نهاية الانتعاش وانتصار الليبرالية الجديدة، وقدم مقاربة بين الرجعية مقابل الديمقراطية، كما استعرض تجليات الثورة المحافظة في بلدان الجنوب. ويرى أن كل الدراسات والتحليلات المتعلقة بتنامي الحركات المتطرفة، تكاد تُجمِع على ربطها بالأزمة التي تعصف منذ سبعينيات القرن العشرين، بجل المجتمعات وباستفحال الظلم واللامساواة بين الشمال والجنوب، وداخل مجتمعات الشمال والجنوب نفسها، في ظل العولمة التي تحكمها قوانين الليبرالية الجديدة وتضبط إيقاعها القوى الكبرى والمؤسسات المالية الدولية. في بلدان الجنوب، حيث يتوق السكان إلى التحرر من الأنظمة السلطوية والديكتاتورية، ومن الأشكال العتيقة من الاستبداد، راهنت سياسات «التعديل الهيكلي» والوصفات المفروضة من قبل العرفاء- الخبراء العاملين في صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والأسواق المالية، على نشر الديمقراطية من خلال تحرير الاقتصاد وإلغاء الحواجز التي تعوق «حرية انتقال الرساميل والسلع». ولكن هذه السياسات أدت إلى تفكيك الدولة- الأمة التي لم يقو عودها، بل وإلى اندثارها في بعض البلدان. فتم تدمير أشكال التضامن الهشة القائمة منذ الاستقلال على أنقاض أشكال التضامن التقليدية التي أضعفها الاقتصاد الاستعماري، قبل أن تأتي عليها التحديثات السلطوية، وأشكال التملك القديمة (ذات الطابع الباتريمونيالي)، إضافة إلى آفات المحسوبية والفساد. فتم تدمير الخدمات العامة في مجالات الصحة والتعليم والمصالح الساهرة على تقديم المساعدة لأكثر السكان عوزاً، والنقل وصيانة البنى التحتية الضرورية للحد الأدنى من الرفاه... إلخ. ويضيف الباحث أن في كل أرجاء العالم نشهد تعدد وتنامي أشكال الانطواء على «هويات قاتلة»، هنا باسم الأديان، وفي أماكن أخرى باسم الانتماء القبلي والإثني، أو على أساس المطالب المتعلقة بمراجعة الحدود الترابية على خلفية توهمات ومطامع المتنازعين. ولئن ساعد تقدم مستوى الحياة ومكاسب الديمقراطية وما توفره حتى الآن من وسائل مقاومة للثورة المحافظة، على التخفيف من وطأة السياسات الليبرالية الجديدة في بلدان الشمال، فإن تأثيراتها في بلدان الجنوب كانت أكثر تدميراً، وأشكال الثورة المحافظة أكثر عنفاً. وهكذا بات العالم مشهداً تتجلى فيه تمظهرات محلية للسيرورة الشاملة نفسها للثورة المحافظة، على خلفية المنطق العام لليبرالية الجديدة الذي يربط بين «عالم الماك» (McWorld) و«الجهادية» أو «عودة القبلية»، وبين «الأصولية التجارية» و«الأصوليات الدينية»، وذلك باقتباس «القيم التقليدية» لكل المجتمعات لإنجاب أنماط محلية للنظام الذي تحلم بإقامته الثورة المحافظة.
تناول جان – إيف كامو -مدير مرصد التطرف السياسي في مؤسسة جان جوريس الفرنسية- مسائل التعريف والأفكار الموجهة لليمين المتطرف، بوصفه عائلة أيديولوجية تتشارك فيها بالمعالم التالية: القومية، النزعة العرقية، كره الأجانب، معارضة الديمقراطية، والنزعة السلطوية. ويرى أنه لا وجود لحزب أوروبي هام من الناحية الانتخابية لا يستجيب لهذه المعالم. وأن الأحزاب القومية الشعبوية -بشكل عام- تستفيد انتخابياً من العداء للأجانب، الذي يظل الأكثر حضوراً في البلدان التي كانت قوى استعمارية، والتي تستقبل اليوم حركة هجرة قوية. يضيف الباحث أن الشعبوية تستند إلى مبدأين اثنين: الأول، هو جعل «الشعب» في مقابل، أو في المعارضة مع «النخب». بالنسبة للشعبويين الشعب دائماً على حق، لأنه يعلم، بالغريزة، ما معنى المصلحة الوطنية، في حين أن النخب تسعى لحرف السلطة لصالحهم وهم بذلك يخونون على الدوام السيادة الشعبية. وتالياً فإن الشعبويين يتمنون إبدال الديمقراطية التمثيلية بالديمقراطية المباشرة على كل المستويات (المحلية والقومية)، من خلال الالتفاف حول الأجهزة الوسيطة والبرلمان وإقامة رابط مباشر بين القائد الكاريزماتي و«الشعب». إلا أن الشعبوية لا تعني بالضرورة اليمين فقط: فثمة شعبوية خاصة باليسار الراديكالي. يستعرض الباحث الوزن السياسي لليمين المتطرف في المؤسسات الأوروبية، ويرى أن أقصى اليمين يعبر في الحالة الراهنة عن تأثيره داخل البرلمان الأوروبي، وحيث هو من الأقلية، فلا تأثير له في النصوص التي يصوت عليها، كما ليس بمقدوره التأثير في تسمية المفوضين الأوروبيين، ذلك أن المجلس الأوروبي المكوَّن من قادة دول وحكومات الاتحاد الأوروبي، هو الذي تقترح على البرلمان الأوروبي الترشح لرئاسة المفوضية، كما يصار إلى انتخاب المرشح من أوساط المجموعة السياسية الأهم في البرلمان، ثم يصار إلى إقرار ذلك بالغالبية المطلقة من جانب النواب الأوروبيين. ثم يقدم الرئيس لائحة بأسماء نواب الرئيس والمفوضين (واحد لكل بلد عضو)، استناداً إلى الاقتراحات التي تقدمها بلدان الاتحاد الأوروبي. كما يجب أن تُقر هذه اللائحة من قبل كل رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات. كما يتناول الباحث سوسيولوجيا الاقتراع، محاولًا الإجابة عن التساؤل التالي: مَنْ القوة الناخبة لدى أقصى اليمين؟ ويرى الباحث أن النظرية التي تسيطر بهدف تحديد طبيعة الهيئة الناخبة لدى أقصى اليمين، بمن في ذلك القوميون – الشعوبيون، هي النظرية التي يروج لها الذين خسروا العولمة. ويضيف أن الهيئة الناخبة القادرة أكثر من غيرها على التصويت لأقصى اليمين ستكون مكوَّنة من أكثر الخاسرين اقتصادياً بفعل العولمة والأزمة الاقتصادية، إما لأنهم فقدوا وظائفهم، أو لأن عائداتهم قد حذفت أو تقلصت، أو لأنهم يخشون السقوط الاجتماعي. ففي المجتمع ما بعد –الصناعي حيث صار الاستخدام أكثر تحركاً وأكثر تزعزعاً، حيث قطاع الخدمات قد أزاح نشاطات الإنتاج والتحول. ويخلص الباحث إلى أن اليمين المتطرف في أوروبا يشكل قوة سياسية غير متجانسة على صعيد الأيديولوجي، من الصعب ردها إلى انبثاق ثانٍ للفاشية أو للنازية. بل خلافاً لذلك، في البلدان التي لا وجود فيها إلا لمجموعات صغيرة لم تنجح في تقديم رسالتها بشكل حديث. ولا يجب أن نهمل أن اليمين المتطرف يقترح رؤية للمجتمع تختلف كلياً عن تلك التي قال بها عصر الأنوار، وأنه عبر هذه الرؤية يعيد كتابة تاريخ أوروبا (لا سيما في فترة الاستعمار) وذلك بالاستجابة إلى قلق الأوروبيين الذين يرون أنهم لم يعودوا أبداً أسياد تاريخ العالم.
سعى باسم راشد -باحث مصري متخصص في الشؤون الأوروبية- في هذه الدراسة إلى الإجابة عن التساؤلات التالية: كيف استغلت الأحزاب اليمينية المتطرفة النزعات القومية والإثنية والعرقية المتصاعدة لتحقيق أهدافها؟ وما مؤشرات صعود الأحزاب اليمينية؟ والأسباب الدافعة لنجاحها؟ وكيف استخدمت الأحزاب اليمينية الخطاب السياسي والأيديولوجي لتأجيج تلك النزعات القومية؟ وما تداعيات ذلك الصعود اليميني على القارة الأوروبية؟ يجد الباحث أن النزعة القومية الشوفينية الصاعدة في أوروبا، تتسم بملامح عدة؛ أولها: الانتشار المتسارع والمتوازي للقوميات المتشددة. الملمح الثاني لتلك القوميات المتشددة: هو الطبيعة الصراعية لمصالح الدولة. ويتمثل الملمح الثالث في الهوس بنوع مُحدد من القادة الشعبويين الذين لا يعترفون بالسياسة كآلية لتطويق الخلاف والوصول لحلول مرضية لأطراف النزاع. بل ينزعون إلى الخطابية والشعاراتية وتبني سياسات قصوى تنتزع التصفيق والتأييد الغوغائي، حتى لو لم تكن محسوبة وعقلانية أو مخططة طبقاً لبرنامج عمل أو جدول زمني. الملمح الرابع: هو أن «العُدة الفكرية» للقومية الشوفينية الجديدة مُتناقضة ومرتبكة ومُربكة. إذ هي خليط من أفكار متناثرة وخلطة أيديولوجية غريبة؛ فيها تشظيات رأسمالية وماركسية، وعلى أرضيتها تلتقي تيارات وتوجهات مختلفة. ويرى الباحث أن الارتدادات غير المتوقعة لتيارات العولمة الاقتصادية والتواصلية والهوياتية جلبت هواجس الخوف على الثقافات والهويات المحلية. خصوصاً مع ما أفرزته أزمات منطقة الشرق الأوسط من موجات هجرة ونزوح لأوروبا، ساهمت في مضاعفة المشاعر القومية السلبية والإقصائية في ظل أمرين؛ أولهما: الأحداث الإرهابية التي وقعت في أوروبا وتزايدت حدتها وحجم ونوعية ضحاياها بمرور الوقت، وجرى ربطها دوماً بالإسلام والمسلمين المهاجرين، الأمر الذي أنتج تخوفاً عاماً تجاه استقبال مزيد من المهاجرين والدعوة إلى التخلي عن مبادئ الحرية وحقوق الإنسان في مقابل الحفاظ على الأمن. الأمر الثاني: يرتبط بالتخوف على الهُوية المسيحية الأوروبية من الدين الإسلامي. ويضيف أن صعود النزعات القومية بهذا الشكل الملحوظ في أوروبا انعكس في مستويين: المستوى الرسمي، ويرتبط بالانتصارات التي حققتها الأحزاب اليمينية في الانتخابات الأوروبية. والمستوى الشعبي والذي يستوضح طبيعة التعاطي على مستوى الشارع مع الآخر المختلف ومدى ترسخ الأفكار القومية في ذهن المواطن الأوروبي من خلال الجماعات التي تم تكوينها ضد المهاجرين، وكذلك معدلات جرائم العنف والكراهية ذات الدوافع اليمينية في السنوات الأخيرة. ويخلص الباحث إلى أن الأحزاب اليمينية اتخذت من القلق الاجتماعي، والاستياء السياسي، والتراجع الاقتصادي والمخاوف حول مستقبل الهوية «الإثنو- وطنية» أساسًا لإنتاج خطابها، وسبيلاً ناجعاً لتقدمها في الاستحقاقات السياسية المختلفة.
يشير نيقولا لبورغ، مؤرخ فرنسي، وعضو في مرصد التطرف السياسي في مؤسسة جان جوريس الفرنسية، إلى أن هناك أربع حركات فاشية جديدة هي التي استطاعت أن تجمع بين النشاط المتشدد والنزعة الانتخابية. وهي حركات توجد كلها في بلدان التحقت أخيراً بالاتحاد الأوروبي بين 1981 و2004: [وهي] «حركة جوبيك» (Jobbik) في هنغاريا، «الفجر الذهبي» في اليونان، و«حركة المقاومة الشمالية في أوروبا الشمالية»، وفي سلوفاكيا، وإلى حد ما «الحزب الشعبي سلوفاكيا خاصتنا»، الذي تأسس عام 2011 على أساس «ميليشيا منعتها الحكومة». ولا تتردد هذه الحركة الأخيرة عن الرجوع إلى مرجعيات نازية– جديدة، وقد وجهت الانتخابات في أحد الأقاليم بين 2010 و2017 وحازت على (14) نائباً من (150) عام 2016. إلا أنها أظهرت تراجعاً على حساب تشكل شعبوي محافظ. منذ القرن التاسع عشر أصبحت الديناميات المعروفة لدى المتطرفين ديناميات يستدل عليها من دينامية العولمة، واليمين المتشدد يتنقل باستمرار بهدف اقتراح أحوال تسويرات جديدة تجابه الدورات الجيوسياسية الجديدة. فأزمات عام 2001 (الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول) و2008 (الأزمة المالية) و2015 (المهاجرون والإرهاب) أزمات أتاحت فرصة مناسبة لتطور هذه المجموعات. ويلاحظ أيضاً أن البعض منها قد تأسس في أزمنة متأخرة. ويلاحظ أيضاً أن الهيئة الناخبة تطعن وبوفرة باليمين المتشدد (النيو– فاشي) وبالحالة العادية التي توصل إلى حد الابتذال. وبمقابل أوروبا يصار أيضاً إلى طرح مسألة التوازن: يتعزز موقع اليمين المتشدد حين ينتقد السمة ما بعد الديمقراطية، ويضعف حين يقترح الخروج منها. ويرى أنه على الاستراتيجية المؤيدة لليمين المتشدد أن توحد جهودها للجمع بين الحالة الطبيعية والراديكالية المناهضة للنظام، عبر تقديم عرض سياسي مستقل، لا يقلد بشكل أعمى قيم الأحزاب الموجودة –إن عكس تقليد الأحزاب المتطرفة من جانب الأحزاب التقليدية سيؤدي إلى تحويل هيئتها الناخبة إلى الخصم. إن رصيد اليمين المتشدد يتعلق بالالتقاء بين عرض سياسي متماسك من جانبه، وبتفكيك العروض السياسية القائمة، ومطالبة اجتماعية سلطوية تقوم على الشعور بتفكك جماعة لا بد منها –الأمر الذي يجعلنا نفهم عدم وجود يمين متطرف في بلدان تعاني أزمات اقتصادية، فيما هم يشكلون قوة في البلدان الغنية. وأن هنالك عوائق ثلاثة تقف بوجه تشكل اليمين المتشدد. عائقان ثقافيان: عائق الاستنكار برفض التطرف، والذي استطاعت استراتيجية الشعبوية –الجديدة أن تحد منه بشكل كبير، وعائق رفض العودة على الحالة الطبيعية، إذا ما خففت هذه الأحزاب تحقيرها المعادي للهجرة. هذا ما يجعل التحرك سهلاً للانتقال من مرحلة الأقلية الضاجة، إلى مرحلة تنظيم الحكم. والحال، إن العائق الثالث هو عائق داخلي: يتعلق بكيفية الحكم. تتعلق الصعوبات بممارسة السلطة، إلا أن متطرفي اليمين غالباً ما يبرهنون على مثل فكّ الترابط هذا مع وعودهم الاجتماعية السابقة والتي صنعوها بشكل خاص. وبالمقابل إنهم يستفيدون من دماثة خاصة من جانب الهيئة الناخبة سرعان ما يتبرؤون منها. تظهر هذه المفاعيل أن اليمين المتشدد بات قادراً اليوم على المشاركة في تحالفات، إلا أنه ما زال يحتفظ بمكانة متدنية وسط اليمين الأوروبي.
يبحث سمير أمغار -باحث في جامعة ليون الكاثوليكية- في دراسته حول أصل رهاب الإسلام، والتبريرات الفكرية للحرب ضد الإسلام: نظرية "الاستبدال الكبير"، ويتطرق إلى الوحدة بين الإسلام واليمين المتشدد. يرى أنه -وعلى غرار أحزاب أقصى اليمين الأوروبي- فإن اليمين المتطرف في فرنسا هو أبعد ما يكون عن التجانس. إذ يضم العديد من النزعات المتناقضة أحياناً، والتي تتدرج من الأصوليين الكاثوليك إلى مناصري الوثنية الجديدة مروراً بالعلمانية الأكثر تصلباً. يعارض اليمين الفرنسي المتشدد العولمة لكونها أساس انحلال الهوية الفرنسية، مبدياً حذراً قوياً جداً تجاه العولمة والمؤسسات الأوروبية. ومن العناصر الأيديولوجية التي تشكل المعلم المشترك لليمين الفرنسي المتشدد، وبما يتجاوز عدم تجانسه يشار إلى الشعور السلبي تجاه الآخر. والآخر هذا هو الغريب، والآتي أساساً من جنوب البحر المتوسط والذي ينتمي إلى العالم الإسلامي. هكذا وبسبب تفاقم حدة أزمة الهجرة وتضاعف حوادث القتل والاعتداءات التي نفذتها القاعدة أو ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فإن اليمين الفرنسي المتشدد قد جعل من الإسلام قميص عثمان وموضوع نقده المفضل. إن الخوف من الإسلام ليس ظاهرة جديدة في فرنسا، بل هو ظاهرة قديمة. أسهمت الحروب الصليبية وكذلك حروب الإمبراطورية العثمانية في بناء تمثل فرنسي عن الإسلام؛ إذ نظر إليه باعتباره داعماً للحروب والسيطرة. في مخيال المؤيدين لليمين المتشدد أن الإسلام والمسلمين هم الأعداء الحقيقيون لأوروبا والقيم الغربية، وأن الحضارة الأوروبية ستقع تحت تهديد الإسلام. لا يمكن تلخيص العلاقات التي يقيمها اليمين المتشدد مع الإسلام والمسلمين، بالخوف والخشية وبالنقد، أو بشكل ما من أشكال رهاب الإسلام. ومهما بدا الأمر مفاجئاً، فإننا نجد لدى اليمين المتشدد نزعة، ضعيفة بالطبع، ولكنها تطورت إلى نوع من محبة الإسلام. هذا التعاطف مع المسلمين قد وجد منذ أواسط القرن العشرين. يعود هذا التقارب إلى الحرب العالمية الثانية. كما لو أن جزءاً كبيراً من اليمين المتشدد الأوروبي، وبعض المنظمات والشخصيات الإسلامية قد مزجت كراهيتها للنظام الاقتصادي المعولم، وللإمبرالية ولإسرائيل، هكذا أقام العديد من الإخوان المسلمين روابط مع نظام هتلر، والمفتي الأكبر للقدس، الحاج الحسيني دعا المسلمين في العالم أجمع للقتال إلى جانب ألمانيا النازية. انطلاقاً من هذه الفكرة، دعا قسم من اليمين المتشدد إلى قيام «جبهة إيمان» أي إلى تحالف بين الكاثوليك والمسلمين ضد «تجاوزات الحداثة الغربية». يخلص الباحث إلى أن الأيديولوجيا المناهضة للإسلام عند أحزاب اليمين المتشدد تتلاقى مع جزء من السكان الفرنسيين الذين يعتقدون أن هدفهم ليس إجرامياً في نهاية الأمر، ذلك أنهم يريدون الدفاع عن الوطن ضد المسلمين. يثير هذا الموقف قلق الجمعيات العاملة ضد الاضطهاد والتي تعتقد أن هذا المناخ المثير للقلق يعزز أعمال الاضطهاد التي تقترف بحق المسلمين.
يدرس ستيفان فرنسوا -أستاذ العلوم السياسية في جامعة فالنسيان (فرنسا)- شعبوية الجبهة الوطنية، وسياسة الانتماء للهوية، والمعركة ضد أسلمة فرنسا وحرب استرداد. يشير الباحث إلى أن شعبوية الجبهة الوطنية، ومن ثم شعبوية التجمع الوطني الآن، هي شعبوية تقوم على مراجعة توزيع المكاسب الاجتماعية المحصلة بصعوبة وعلى المدى الطويل مع القادمين الجدد، المهاجرين، وبتقدير الجبهة أنهم لا يستحقون ذلك. يتعلق الأمر بإرادة واضحة جداً بالاحتفاظ بحسنات دولة الرعاية الفرنسية لأجل الفرنسيين «الأصلاء»، الفرنسيين الإثنيين (البيض، بالفعل). يعرف هذا الخطاب صدى كبيراً في الأوساط العمالية غير المستقرة بسبب منافسة العمال الأجانب وبسبب تدني موارد دولة الرعاية. ترفض هذه الشعبوية، «الشعبوية اليعقوبية الجديدة» إذا صح القول، التضامن بين أعضاء مجتمع مقسم، متفجر. يجد الباحث أن الفكرة العنصرية، أو العرقية شديدة الحضور في أوساط اليمين المتشدد. فكلهم على قناعة بوجود نوع من مخطط تستخدمه «النخب» من أجل الحث على استبدال إثني (Substitution Ethnique) للسكان الأوروبيين: وهذا ما يطلقون عليه اسم «الاستبدال الكبير» (Grand Remplacement)؛ إنها فكرة تأتي من بعيد: إذ هي تطورت منذ سنوات 1950 في الأوساط النازية الجديدة. إن الغاية التي تنشدها تلك النخب، كما يرى ذلك هؤلاء المناضلون، هي إيجاد نوع من «الإبادة» البطيئة للسكان الأوروبيين. ومن ثم، نحن نلمح لدى مختلف أنواع اليمين المتشدد قلقاً على «العرق الأبيض» لذلك هي تحارب سياسات الهجرة، التي قد تكون مصدراً للفوضى الاجتماعية وللتقهقر الحضاري، بل الوراثي بفعل اختلاط الأجناس (التهجين). بشكل واضح، وعلى جهة اليمين المتشدد، حلت المعركة ضد الإسلام بدل معركة رفض المهاجرين. يعتبر التطور الخطابي عند الجبهة الوطنية أكثر تماسكاً حين يعمد إلى حجج ليبرالية، وهذا ما يعزز نزعة تأكيد تحوله برفض الإرث الليبرالي منذ عصر الأنوار: الدفاع عن حقوق الأفراد، وعن شرائح اجتماعية (النساء، مثليو الجنس، اليهود، الذين يجدر الدفاع عنهم بوجه محاولة الأسلمة هذه)، وهذا ما يندرج لا في الأمر السياسي غير الصحيح بل في الخطاب السائد، والذي يوفر له رهاب الآخر صيغة متجذرة. ويخلص الباحث إلى أن العودة إلى الدولة، ونقد الليبرالية الاقتصادية، والإحالة إلى الجمهورية، وهي إحالة هامة بالنسبة إلى الجبهة الوطنية وقد تنامت منذ عام 1990، والإشارة إلى المقاومة، وإلى العلمانية، و... إلخ، إن ذلك كله قد جعل من الجبهة الوطنية، وبالنسبة إلى قسم من السكان أكثر الأحزاب تمسكاً بالعلمانية، مع نشر برهاب الإسلام يرضي ناخبيها. إلا أن هذا الحزب، وعلى غرار نزعات اليمين المتشدد الأخرى (وعلى غرار أحزاب أوروبية قومية شعبية) لا يرى في الإسلام إلا المتطرفين: كلاهما يتصارع من أجل بناء يجعلهما أكثر راديكالية ويعززهما معاً. إننا والحالة هذه وسط منطق حرب، تزداد اليوم حساسية الرأي العام تجاهه، وللأسف. إن رفض الإسلام هو النقطة المشتركة، نقطة تجمع كل هذه التشكيلات المتطرفة في اليمين الفرنسي، وقد دمجت وفي آن واحد بين «صدام الحضارات» والعودة إلى الهوية.
درس حواس سنيجر -أستاذ محاضر في العلوم السياسية في جامعة ليون (فرنسا)- الهجرات ما هي؟ وأين "المشكلة"؟، ودرس أسباب تقدم الشعبوية في فرنسا وأوروبا، وكيف تم تناول موضوع الهجرات لدى اليسار المتطرف إلى اليمين المتطرف، وتساءل الباحث إذا ما يمكن الحديث عن نصر «ثقافي» لليمين المتطرف؟ قدم الباحث قراءة لمارين لوبان حول أسس الخطاب المعادي لأوروبا والمعادي للهجرة. يشير الباحث إلى أنه منذ 2015 ومسألة الهجرة موضع نقاش محتدم في فرنسا، وقد وُظِفت ودخلت في جدل واسع في أوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً. فهي قريبة من «الواقعة الاجتماعية الشاملة»، وبهذا المعنى هزتّ مجمل المجتمع والمؤسسات، التي أُجبرت على نحو ما على التعامل معها، من دون توافق بتاتاً، ونادراً بطريقة حازمة، وغالباً في صيغة نزاعية، وأحياناً أيضاً بتمييز. واعتبرت في شكل مسلم به بمثابة «مشكلة». يقول الباحث: إنه من الخطأ الظن أن النجاحات الانتخابية، قريبة العهد، أو أن الخروق المعتبرة بهذا القدر أو ذاك، لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، والموصوفة أحياناً أيضاً بالحركات «الشعبوية»، تصدر عن شيء جذري جديد. فتوسعهم الحالي لا يظهر مفاجئاً، إذا أدرجنا في تحليل رسوخهم وتقدمهم الزمني الطويل. في المقابل، يمكن القول: إن ما اُصطلح على تسميته، من دون وجه حق «أزمة المهاجرين»، كان ومن دون منازع، نابضاً ورافعة غير مأمولة لهذه الحركات في أثناء البحث المستمر عن صدقية ما لعرضهم السياسي، وإعادة إضفاء الشرعية المتينة لمشروعهم الأيديولوجي المستند إلى القاعدة الهوياتيّة في شكل رئيس. وأتت عوامل دورية، مثل الآثار المستمرة للأزمة المالية في 2008، وغداة التخلص من فتنة «الربيع العربي» عام 2011، في سوريا وليبيا تحديداً، أتت لتضاف إلى عوامل بنيوية، مع يسار يُعاني صعوبات أمام السيرورات الاقتصادية الليبرالية الجديدة، والتي اصطدم بها، من دون قدرة على حرف اتجاهاتها السلبية عن السكان الأكثر هشاشة. يلاحظ الباحث في ختام دراسته أنه تم «إضفاء الطابع اليميني المتطرف على السياسة» الفرنسية، والأوروبية على نحو أوسع. وهذه اليمينية المتطرفة تجرف في طريقها، ولا سيّما في فرنسا، قطاعات من اليسار ومن اليسار المتطرف، الذي استعاد لصالحه، على نحو واعٍ أم لا، صيغاً أو تعابير. والتي تأتي تاريخياً كما أيديولوجياً بالأحرى من اليمين المتطرف. والسيرورة اليمينية المتطرفة هذه الموصوفة في مجرى الدراسة مُعرضة للاستمرار بقوة في السنوات القادمة.
تتطرق ياسمين سيري، أستاذة علم الاجتماع في جامعة ميونخ، ألمانيا. إلى تطور حزب البديل. وفي هذا الصدد سيصار إلى تناول التطورات الشخصية والمضمونية. كما تتناول إلى ما عرضه هذا الحزب وإلى مؤيديه والمتعاطفين معه، وإلى نتائج الأبحاث حول الانتخابات. معتمدة على التحليل السوسيولوجي لبعض الملصقات الانتخابية وذلك باختيار بعض موضوعاتها، والتي تقدم أنموذجاً قاطعاً لما يعرضه الحزب أيديولوجياً عن ذاته. كما بحثت في شروط نجاح هذا الحزب في ظل السياق الاجتماعي– التاريخي لانبثاق هذا الحزب الجديد. كما تلقي الدراسة نظرة على واقع الحزب اليوم وعلى موقعه وسط طيف الأحزاب في جمهورية ألمانيا الاتحادية. وتخلص الباحثة إلى أن حزب البديل اليوم بات جزءاً من البرلمان الأوروبي، ومنذ خريف 2018 بات هذا الحزب أيضاً ممثلاً في كل برلمانات الولايات في ألمانيا. وهذا نجاح مؤكد؛ إذ إن الديمقراطية الألمانية تحدد عتبة الخمسة بالمئة للدخول إلى البرلمان، وهذا ما يجعل من الصعوبة بمكان أن تستطيع الأحزاب الصغرى أو الناشئة أن تجتاز هذه العتبة ليكون لها من يمثلها. وبذلك أصبح حضور التطرف اليميني في الفضاء العام حقيقة ألمانية. ولذلك لم يكن ثمة مبالغة في القول: إن انتخابات عام 2017 قد أحدثت زلزالاً بكل معنى الكلمة. إن التحالف الكبير المكون من ستة أحزاب، واعتبار حزب البديل حزباً في المعارضة، يعتبر تغييراً كبيراً في البنية الموضوعية للرأي العام الألماني. لقد استطاع حزب البديل وعلى مدى زمني طويل، أن يسيطر مستخدماً لذلك أجندة سياسية تقوم على موضوعة اللاجئين. تجدر الإشارة إلى أن الانتخابات الأخيرة التي جرت في بافاريا وهسن قد أوصلت لنجاح حزب الخضر، وهو حزب صغير، إلا أنه حزب ليبرالي ينادي بحرية نظام الحياة، كما أنه من جهة أخرى يعتبر عدواً لحزب البديل، إذ إن الخضر وبما لا يضاهي الأحزاب الأخرى هم مع التعددية الثقافية ومع التسامح. وستظهر السنوات القادمة إذا ما كان باستطاعة الأحزاب الشعبية أمثال الاتحاد الديمقراطي المسيحي أو الاتحاد الاجتماعي المسيحي أو الديمقراطي الاجتماعي أن تنجح في وضع حد لحزب البديل، وأن تستطيع مجدداً تحقيق أجندتها. من الواضح أنه في السنتين الأخيرتين راحت الأحزاب مثل الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد المسيحي، تأخذ بموضوعات وتوصيفات لمشاكل كان حزب البديل من قام باستعمالها، لا الأحزاب المحافظة القديمة. أخيراً تطرح المسألة المثيرة للاهتمام السؤال التالي: كيف ستحكم السلطات الأمنية وأجهزة الإعلام على النشاطات غير الشرعية والمعادية للدستور التي يقوم بها حزب البديل أو من هم في محيطه؟ قد يرى القانون الألماني وبسبب نشاطات الحزب ومعاداته للدستور سبباً يوجب منعه.
تناولت فرحانة قاضي -أستاذة مساعدة في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج تاون، واشنطن دي سي، الولايات المتحدة- جذور اليمين الراديكالي، وأسباب ظهور جماعات الكلان القديمة والجديدة، وحركة اليمين المتطرّف الحديثة. تشير الباحثة إلى أن وهم تفوّق العرق الأبيض يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعبودية. بحلول سنة 1640، أصبحت العبودية تجارة مربحة في الجنوب الأمريكي وأجازت بضع ولايات شمالية، مثل ماساتشوستس، تجارة الرقيق. وقد حقّقت تجارة العبيد الأفارقة الثروة لرجال الأعمال البيض، ومنحتهم مورداً لا ينضب من العمال بأجر زهيد أو بدون أجر. ومكّنت العبودية، باعتبارها مؤسسة عرقية، وشجعت ملّاك المزارع البيض والجيش والعديد من السياسيين –وأفادت منهم أيضاً. وعزّز استمرار إساءة معاملة «الرقيق» الأيديولوجيات العنصرية والداعية لتفوّق العرق الأبيض، وأخضع المزيد من «الرقيق» الأفارقة لمعاملة قاسية ووحشية –واستمرّت هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان التي ارتكبها دعاة تفوّق العرق الأبيض عقوداً دون أن تلحظ. وكتبت سنوات الحرب الست نهاية العبودية لكنها لم تنهِ تفوّق العرق الأبيض والحركة اليمينية المتطرّفة، التي حظيت بتعاطف صامت في بعض المجتمعات البيضاء في أنحاء من أمريكا. ظهرت أصول كوكلوكس كلان في هذا المناخ المتقلّب، وأصبحت كراهيتهم للعبيد ومن ألغوا مؤسستهم معروفة على نطاق واسع بمعارضتهم اللفظية وهجماتهم العنيفة. ويحظى صعود كوكلوكس كلان، أو الكلان (KKK) اختصاراً، بتوثيق جيد، لكن لم يُدرك تأثيرها في المجتمع الأمريكي بأكمله والرئيس الحالي إلا الآن، باعتبارها تساهم في الانقسامات العميقة القائمة اليوم. على الرغم من أن التطرّف اليميني ليس شيئاً جديداً، فإن هناك ما يدعو للقلق. فالسلطات تواجه على نحو متزايد فاعلين منفردين يرتكبون أعمال العنف باسم أيديولوجية تنكر الحرّيات المدنية الأمريكية وحقوق الإنسان الأساسية لكل المواطنين والمقيمين الشرعيين. ولأن اليمين المتطرّف، أفراداً وجماعات، يعملون دون أن يلاحظوا، بدلاً من الخضوع لقائد أعلى في بنية هرمية، فقد تمكنوا من ارتكاب هجمات مفاجئة عنيفة -وكانت الكلان الأصلية شبكة اجتماعية غير محكمة ارتكبت هجمات ناجحة أيضاً. وهؤلاء الفاعلون المنفردون والشبكات الصغيرة يجعلون تحديد الهوية أمراً متزايد الصعوبة. يستهدف المتطرّفون اليمينيون المعاصرون أيضاً شخصيات السلطة، مثل قادة الشرطة المحلية، بدافع من أفكارهم المتطرّفة المناهضة للحكومة والنازية الجديدة، ما يجعل التهديد أكثر تقلباً وأشدّ قسوة. وعلى غرار الكلان، فإن استهداف الشخصيات الحكومية سياسة مميتة تهدف إلى إزاحة المعارضين من أمام الهدف المشترك المتطرّفين وهو جعل المجتمع والنظام السياسي الأمريكي للأمريكيين البيض فحسب. وترى الباحثة أن تزايد استخدام الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي من قبل الجماعات اليمينية المتطرّفة والأفراد ذوي التوجّهات النازية الجديدة و/أو الدعم الهادئ للكلان يمكّن المتطرّفين اليمينيين من الاجتماع والتعبئة ووضع الخطط لهجمات محتملة وغير ذلك. ويوجد كثير من المواقع والمدوّنات ومقاطع الفيديو وحسابات وسائط التواصل الاجتماعي التي تمنح الحركة اليمينية المتطرفة صوتاً -وتتعرّض هذه المواقع للإغلاق دائماً. ويُسمح لحركة اليمين المتطرّف باستخدام الكثير من وسائط الإعلام وقنوات الإنترنت لنشر رسالتهم والترويج لرؤيتهم، ما دامت لا تستخدم لغة عنيفة. وبينما تكافح الحكومة الأمريكية هذا التهديد الجديد على الإنترنت، فإن التعاون مع القطاع الخاص قد يكون ضرورياً لإزالة مواقع الأفراد على فيسبوك أو تويتر، الذين يخالفون شروط الخدمة التي تحدّدها تلك الشركات، على سبيل المثال. وتستطيع الشركات الخاصة والهيئات الحكومية التي تعمل معاً لتحقيق هدف مشترك، مراقبة الإرهاب المحلي على الإنترنت لملء الفراغات المهمّة.
درس كل من عبدالحميد العيد الموساوي -أستاذ في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بجامعة بغداد- وحسام الدين علي مجيد -أستاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة صلاح الدين- أربيل- التأصيل التاريخي والنظري للشعبوية، والتأصيل النظري لمفهوم الشعبوية، وخطاب الشعبوية في الشرق الأوسط، وقدما خصائص الشعبويات العربية من منظور مقارن. تناول الباحثان الجذور التاريخية للشَعْبَوية، ولماذا تتولَّد في دائرة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية؟ وكيف يتم وصف «الشر» بالنسبة للشَعْبَويين وكذلك ماهيّة «الخير» من منظورهم السياسي؟ أي بمعنى: ما الصور التي يَبنيها الشَعْبَوي عن «نفسهِ» وعن «الآخر»؟ وكيف تنظر الشَعْبَوية عموماً إلى القيم والممارسات التي يُدافِعُ عنها الساسة؟ ويسلطان الضوء على طبيعة العلاقة بين الشَعْبَوية والديمقراطية، من حيث بيان علاقة التأثير والتأثّر القائمة بينهما. ويقدم الباحثان الفرضية القائلة بأنَّ الشعبوية هي عملية بناء للآراء السياسية والتوجهات الفكرية النقدية في أوساط عامة الناس، بحيث يتم تحويلها إلى معتقدات جماهيرية عبر تعبئتهم أيديولوجياً وعلى نحوٍ هادِف ومُتواصل بهدف الوصول إلى دائرة السلطة أو إحكام القبضة عليها. يوزع الباحثان سياق هيكلية الدراسة على أقسامٍ ثلاثة: أولها تبيان التأصيل المفاهيمي والنظري، وفي ثانيها يتم مناقشة كيفية تطور الشعبوية بوصفها خطاباً سياسياً في أوساط الأنظمة العسكرية والأحزاب الإسلامية المقارنة في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيّما من حيث الماهيّة والمرتكزات الفكرية. أما القسم الثالث فيسعى للبحث في خصائص الشعبوية واستمراريتها في المنطقة العربية خصوصاً، أي أسباب الانبعاث والخصائص المشتركة المقارنة.
يخلص الباحثان إلى أن الشَعْبَوية في الإمكان تعريفها بأنَّها نَهْجٌ سياسي يَضَعُ الشعب بالضد من النخبة السياسية والثقافية. إذ إنَّ الشعور بالاستبعاد والتهميش في أوساط عامة الناس بفعل سياسات نظام الحكم، حتى وإنْ كانت عملية استلام السلطة تُجرى بطرق ديمقراطية، فإنَّ ذلك الشعور العام يُعدُّ بمثابة الدافع الجوهري وراء النفور الشعبي من السلطة نفسها وممارساتها. وفي عالمٍ عربي مفتَّت وشرق أوسط متقلِّب، بِكُلِّ ما تَحمِلهُ الكلمة من معنى، فإنَّ خطاب الشعبوية الإسلامية أو العروبية ربَّما سيدفعهُ إلى المزيد من التفتيت والفقر والجوع. فحتى لو انتهى نظام الحكم إلى تبني الديمقراطية النيابية في أحسن الأحوال. فإنَّ الأخيرة ستغدو سائرةً عملياً في وادٍ وعامة الشعب هم في وادٍ آخر. إذ إنَّ فاعلية تأثير الشعبوية السياسية في دول الشرق الأوسط، تُؤكِّدُ حقيقة يتجاهلها الكثيرون، وهي أنَّ أصل المشكلة تكمن في «الدولة» بعينها، فهي دولة الثنائيات التناقضية إلى حدٍّ كبير، فهي دولة وحدوية عروبية وقطرية في الوقت نفسهِ، كما هي دولةٌ حديثة وكلاسيكية، وكذلك دولة علمانية وطائفية دينية، ودولة نُخبوية وشعبوية، أو دولة الأغنياء جداً والفقراء للغاية في آنٍ واحد.
يتناول بوحنية قوي -أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة –الجزائر- الجذور الراديكالية للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة، ويستعرض اليمين المتطرف في أوروبا ليمر على الاتجاهات المحافظة والعنف الرمزي، ويدرس الأولويات السياسية للمحافظين الجدد، يتناول الباحث أيضا اليمين الأوروبي والانتخابات البرلمانية في الفترة الواقعة بين 1997 – 2017، وكذلك يشرح الشعبوية وأنماطها في أوروبا، ويستعرض أزمات الشرق الأوسط ومواقف اليمين المتطرف منها، حيث تختلف درجة انخراط الدول الأوروبية في ملفات منطقة الشرق الأوسط، باختلاف خصوصية كل دولة، وطبيعة المصالح التي تربطها بدول المنطقة بشكل عام. بيد أن طبيعة تلك السياسات من المتوقع أن تتخذ منحى مختلفًا في ظل سيطرة التيارات اليمينية في أوروبا؛ لأنها ستتخذ اتجاهًا قوميًّا أكثر تشددًا تجاه أزمات المهاجرين وطبيعة التعاطي معها. (الهجرة واللاجئون، الأزمة السورية، الصراع العربي- الإسرائيلي، العلاقة مع إيران). ويقدم قراءة في تقرير معهد بيو في واشنطن، (أحد أهم المراكز البحثية الأمريكية في مجال دراسة حركات الهجرة وقضايا اللجوء والجندر)، وقد أظهر استطلاع نشره، أن نحو نصف الأوروبيين يشعرون بأن وصول اللاجئين يزيد من خطر وقوع هجمات في بلادهم، ويرى كثيرون، ولا سيما في شرق أوروبا أنهم يمثلون عبئًا على اقتصاد بلادهم. يستنتج الباحث أن الاتجاهات المتطرفة الراديكالية في أوروبا تتقاسم مع الاتجاهات المحافظة في أوروبا المنابت والمشارب والأهداف، وهي تعطي الأولوية للشأن المحلي، لذلك تأخذ صفة الشعوبية، ولذلك فهي تحمل شعار الدولة الأوروبية صاحبة المنشأ أولاً، ويتم ظهور هذا التوجه في التسويق الانتخابي الحاد والحملات الانتخابية التي تتبنى شعاراً معادياً للهجرة غير الشرعية، وحالات اللجوء السياسي والإنساني بما يضرب الديمقراطية الأوروبية والأمريكية في العمق، ويحولها إلى بيروقراطية أوروبية، وهو ما يشكل تراجعاً عن المقومات التي انبنت عليها مقومات الديمقراطية الغربية. أما الاتجاهات المحافظة والمتطرفة فلا ترى في الاندماج الأوروبي ضرورة، خصوصاً بعد ما حدث من أزمات اقتصادية قوضت الاقتصادات الأوروبية ومنطقة الأورو، وهو ما نمَّى الاتجاهات الانعزالية الجديدة، وزاد من حالات الانكفاء على الذات الأوروبية. ويشير الباحث إلى أن الاتجاهات الشعبوية الأوروبية ترى في أزمات الشرق الأوسط أروقة لنشر التطرف والتطرف العنيف، ومصدراً للتهديدات الصلبة واللينة، لذلك لا ترى مناصاً من توظيف الإسلاموفوبيا والخوف من انتقال الراديكالية الإسلاموية إلى الفضاء الأوروبي، وهي تربط التطرف بالقوى المعادية لأوروبا وإسرائيل على غرار إيران وأذرعها وحركات الإسلام السياسي والاتجاه المحافظ في تركيا الجديدة. ويرى الباحث أن تيارات اليمين المتطرف في أوروبا تتقاطع بالشكل مع الخطاب المحافظ في أمريكا، خصوصاً مع الإدارة الأمريكية الجديدة لترمب، الذي اتخذ خطوات أمريكية ضربت هيكلية النظام الجديد وبنيته، وقواعد القانون الدولي في مسألة الصراع العربي- الإسرائيلي؛ وغيرها من القضايا السياسية والاقتصادية والمناخ.
يستعرض روهان غوناراتنا -رئيس المركز الدولي للعنف السياسي وبحوث الإرهاب في سنغافورة- سياق الأيديولوجية القومية الهندوسية، والمؤامرات الإرهابية الهندوسية، ودور اليمين الهندوسي كتهديد مزدوج. حيث حدّدت الأيديولوجيا الأصلية الهوية الوطنية الهندية على أساس الهندوسية. وتعزّزت هذه الأيديولوجية على أساس الأكثرية بعد إجراء إحصاء في أثناء الحكم البريطاني تبيّن بموجبه أن (70%) من السكّان هندوس. ومن ثم يُنتظر من الأديان والمجتمعات الأخرى أن تستوعب ذلك بقبول دين الأكثرية وثقافتها بمثابة مكافئ لدين الأمة وثقافتها. تطوّرت مدرستان فكريتان في أثناء مقاومة البريطانيين. الأولى مسار روّج له المهاتما غاندي. وكان يدعو إلى مبادئ المقاومة غير العنيفة للبريطانيين على أساس الهندوسية، لكنه يؤمن بشدّة بالمساواة بين كل الأديان. بيد أن من يفضّلون العمل العنيف بوصفه شكلاً مشروعاً من أشكال المقاومة في التقاليد الهندوسية رفضوا نهج غاندي الشامل. وفي نهاية المطاف، رفض القوميون الهندوس النهج الشامل للهوية الوطنية الهندية على الرغم من نبرته الهندوسية المبطّنة، ورفضه جزئياً حزب المؤتمر، الذي تحوّل برئاسة نهرو إلى حزب علماني يشدّد على أهمية الفرد. تشهد الهند على نحو متزايد عدداً من أعمال العنف المرتبط بالبقر المعبود والقتل الغوغائي المدفوع بالأيديولوجيا الهندوسية السياسية والدينية. ويرتكب هذا العنف ضدّ المسلمين. ولا ترقى هذه الأعمال العنيفة إلى الإرهاب لأنها تتسم باقتصاص الغوغاء. وفي هذه الحالات، تقوم مجموعات مثل غاو راكشاك باجرانغ دال (حماة البقر) بالانتصاف لأنفسهم بأيديهم. فيحدّدون الأفراد المشتبه بأنهم يستهلكون لحوم البقر أو يستخدمونها لأغراض تجارية. التهديد الذي تمثّله القومية الهندوسية المتطرّفة مزدوج. الأول يتسم باقتصاص الغوغاء والقتل الغوغائي -جماعات تستهدف أفراداً (لا سيما مسلمين وداليت) بناء على شكوك كاذبة بأنهم يذبحون البقر أو يرتكبون جرائم أخرى منافية للهندوسية. والتهديد الثاني يتميز بقضايا الإرهاب الهندوسي، التي تنطوي على عنف وتفجيرات واسعة النطاق. لذلك على الحكومة أن تفهم أسباب هذا التهديد المزدوج وحدوده. يعتقد المسلمون أن حزب بهاراتيا جاناتا حزب هندوسي للهندوس. ومع ذلك، لم يتغيّر نسيج الهند إذ تبقى الهند جامعة لمختلف الأديان والثقافات. ولا يزال التعصّب محصوراً في هوامش المجتمع الهندي. وإن هناك العديد من الزيجات المختلطة. بل ثمة حالات اعتنق فيها بعض الرجال الإسلام للحصول على عمل بينما ظلّت بقية العائلة هندوسية. وهناك أيضاً نساء مسلمات يعبدن آلهة هندوسية. فالمسلمون الآسيويون يعيشون في ظل مجتمعات غير إسلامية كبيرة، ويقدّرون الاعتدال والتسامح والتعايش مثل الهندوس. وبما أن (14.2%) فقط من الهنود مسلمون، فإن التحدي ليس مستعصياً على الحل. ويتعيّن على المفكرين والقادة والبيروقراطيين الهنود مواجهة تحدي إدارة الإثنية والتديّن بفاعلية.