تطويع المحافظة، الأوراسيون، الإسلاموية، الغرب


يتناول هذا الكتاب الاستجابات المتباينة لفكرة المحافظة والتقاليد والتحولات الاجتماعية والسياسية في المجالين الروسي والأميركي، ويتعمّق في دراسة تنظيرات التيار الأوراسي الصاعد، وما ارتبط به من نظريات، واستراتيجيات. وبينما يُعاد النظر إلى النزعة المحافظة الأميركية اليوم، بتوجس في إطار إعادة بناء القيم الأميركية، التي يدعو إليها الرئيس جو بايدن، تبدو الفكرة في المسار الروسي أكثر شراسة وتماسكًا، وسعيًا مكشوفًا لمقاومة «الليبرالية الغربية» ووراثة السطوة الأيديولوجية، وتحويلها إلى حزمة أفكار تنفيذية بديلة، تجمع شتات الاتحاد السوفيتي، وتقدم لورثته وثاقاً بديلاً يقوم على الاقتصاد والروح التقليدية المطورة. شارك في الكتاب منظرو التيارات الرئيسة، وأبرز نقادهم.


تم النشر في: January 2021


front169

قائمة الفصول


# اسم الكتاب سعر اشتري الآن
1 المثلّث الروسي: النظام الاجتماعي، الجغرافيا السياسية، الأيديولوجيا 45 د.إ
2 المحافظون الجدد في الولايات المتحدة: تيار متجدد وتأثير مستمر 45 د.إ
3 الثقافة الروسية الاستراتيجية والجيوبوليتيك 45 د.إ
4 عالم النسيان الغريب للنزعة المحافظة الأميركية 45 د.إ
5 «النظرية السياسية الرابعة» والعالم الإسلامي.. الهيمنة الليبرالية والصوفية السياسية 45 د.إ
6 ألكسندر دوغين ونظريته الأوراسية في مرمى النقاد الغربيين 45 د.إ
7 الأوراسية بين التحديات ومستقبل روسيا التوسعي 45 د.إ
8 الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في موسكو وموقفها من النظرية السياسية الرابعة 45 د.إ
9 رؤية النظرية السياسية الرابعة لموقع العالميْن العربي والإسلامي 45 د.إ
10 تحالف الإسلاموية والأوراسية الجديدة.. الخطر الأعظم 45 د.إ
11 المسلمون الروس في جامعة الأزهر خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين 45 د.إ
12 المرأة في روسيا المعاصرة: الدور والمكانة والتقاليد 45 د.إ
13 محافظة جديدة: تحرير اليمين من أرثوذكسية السوق الحرة 45 د.إ
ملاحظة: الدراسات متاحة فقط كملف تنزيل في إصدار PDF.

شرح الكتاب


ملخص بحوث العدد (169)

تطويع المحافظة: الأوراسيون - الإسلاموية – الغرب

يناير (كانون الثاني) 2021

دبي

يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه "تطويع المحافظة: الأوراسيون - الإسلاموية – الغرب"، (الكتاب التاسع والستون بعد المئة، يناير/ كانون الثاني 2021)، الاستجابات المتباينة لفكرة المحافظة والتقاليد والتحولات الاجتماعية والسياسية في المجالين الروسي والأميركي، ويتعمّق في دراسة تنظيرات التيار الأوراسي الصاعد، وما ارتبط به من نظريات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، واستراتيجيات وتحالفات قارية، اتخذت مساراً تصاعدياً مع سعي روسيا في عهد بوتين لاستعادة "عظمتها الإمبراطورية".

المثلّث الروسي: النظام الاجتماعي، الجغرافيا السياسية، الأيديولوجيا

يلقي أندريه فورسوف -مؤرخ روسي، مدير مركز الدراسات الروسية في جامعة موسكو للعلوم الإنسانية- نظرة على البُنَى التاريخية الثلاث (الإقطاعية، القيصرية، الاتحادية)، للتاريخ الروسي، وأوجه التشابه والاختلاف بينها. إذ يُخلط بينها في كثير من الأحيان لنقص في المعرفة أو عن عمد لأغراض أيديولوجية.

كانت روسيا القيصرية، إمبراطورية أوراسية، مجتمعاً شبه إقطاعي وشبه رأسمالي متكاملاً على نحو متزايد، مع النظام الرأسمالي العالمي بوصفه مورداً تابعاً للمواد الخام. وكان الدين (المسيحية الأرثوذكسية) الشكل الروحي السائد فيه. كان الاتحاد السوفيتي مجتمعاً اشتراكيًّا، أي مجتمعاً شاملاً مناهضاً للرأسمالية؟ ولأنه دولة أوراسية، فقد كان نظاماً عالميًّا اشتراكيًّا بديلاً للنظام الرأسمالي، ولم يكن الدين الشكل الروحي السائد فيه، بل الأيديولوجيا –أي الماركسية اللينينية (الشيوعية) هي السائدة. أما الاتحاد الروسي، فإنه ليس نظاماً عالميًّا أو إمبراطوريةً. بل هو قوة إقليمية أوراسية رأسمالية يحظر دستورها رسمياً أي أيديولوجيا، لكن الليبرالية أصبحت أيديولوجيا مجموعاته النخبوية.

على الرغم من هذه الاختلافات، ثمة أوجه تشابه مثيرة للاهتمام مشتركة بين البنى الثلاث. أولاً: تقدّم كل البُنى المواجهة في مجال الأفكار، بين من يعتقدون أن الغرب هو الطريق التقدمي الوحيد للتنمية، وأن على روسيا أن تتغرّب لتصبح حديثة، من ناحية، ومن يدافعون عن مسار تاريخي خاصّ للتنمية الروسية، متوازٍ مع الغرب، لكن لا يتطابق معه، من ناحية أخرى. والأخير لا يساوي بين التحديث والتغريب، بل يعامل الثاني بأنه كارثة لروسيا. ويستمر هذا الجدل »الأيديولوجي« في البنى الثلاث للتاريخ الروسي تحت مسمّيات مختلفة، بغض النظر عن النظام الاجتماعي -شبه الإقطاعي أو الرأسمالي أو المناهض للرأسمالية.

المفارقة الثانية -التي يشير إليها الكاتب-: أن الحكومات الروسية في كل البنى التاريخية الثلاث كانت تتوجّه نحو الغرب -إلى حدّ ما- وتدعو للتغريب، سواء أكان ذلك القيصر أم لينين أم ستالين أم يلتسين أم بوتين. مع ذلك فإن المنطق الجيوسياسي دفعهم في كل مرة إلى اتباع خط المسار الفريد للتنمية الروسية بهذا الشكل أو ذاك: "قومية" ألسكندر الثالث (1881-1894) ونيكولاس الثاني (1894-1917)؛ و"الاشتراكية في بلد واحد منفصل". (وتلك بدعة من وجهة نظر الماركسية الغربية التي تنظر إلى الاشتراكية بوصفها ظاهرة عالمية فحسب، تنطلق من البلدان الرأسمالية المتقدّمة لا من روسيا شبه الرأسمالية)؛ وموقف بوتين الليبرالي المحافظ والمعادي للغرب بعد خطابه في ميوني (2007)، وخاصة بعد إعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع روسيا. تتصل المفارقة الثالثة بجدلية الوطني والدولي في تكوين أشكال أيديولوجية ناجحة وفاشلة في التاريخ الروسي. ومما يثير الدهشة أن أقوى الأشكال الأيديولوجية للدولة الروسية لم يكن قومياً بالمعنى الضيّق للكلمة، بل كانت فوق وطني وفوق دولتيّ.

المحافظون الجدد في الولايات المتحدة: تيار متجدد وتأثير مستمر

يتناول الأكاديمي والباحث السوداني عبده مختار موسى "تيار المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة، فيتطرق إلى تاريخهم ومواقفهم السياسية واتجاهاتهم تجاه القضايا والملفات المحلية والدولية.

في تعريفه لـــ"المحافظة السياسية" الأميركية يشير الباحث إلى تعدد التعريفات؛ "ثمة اتجاه يرى أن المحافظة الجديدة هي حركة سياسية وُلدت في الولايات المتحدة في ستينيات القرن العشرين، وسط صقور الليبراليين الذين وجدوا أنفسهم محبطين من سمة المهادنة، التي اتصفت بها السياسة الخارجية للحزب الديمقراطي، وكذلك بتصاعد اليسار الجديد والثقافة المضادة في تلك الحقبة، لا سيما معارضي حرب فيتنام. وقد تساءل البعض عن المعتقدات الليبرالية على مستوى السياسة الخارجية في ما يتعلق بـ"المجتمع العظيم". يؤمن المحافظون الجدد بضرورة تعزيز الديمقراطية والتدخل في الشؤون الدولية وفرض السلام عن طريق القوة. كما أنهم يحتقرون الشيوعية والتطرف السياسي.

يلفت الباحث إلى أن الخطوط الأساسية للمحافظة الجديدة تتجلى بأوضح صورها على خلفية منافستها المحافظتين المتمثلتين بالنزعة الليبرالية والتقليدية، حتى المحافظين المتدينين والشتراوسيين تحالفوا مع المحافظين الجدد، وساهموا أيضاً في صياغة نبض المحافظة الجديدة. هذه المقاربات الثلاث –التقليدية، الليبرالية والمحافظة الجديدة– بدأت أولاً تتخذ الشكل الذي تبنته بُعيد الحرب العالمية الثانية. غير أن لكل منها جذوراً تاريخية وفلسفية أعمق أيضاً، فالتقليديون يستلهمون إدموند بورك (Edmund Burke)، ودعاة التحرر يتطلعون إلى آدم سميث أو فريديريك هايك، والمحافظون الجدد يسترشدون بأفكار ألكسيس دو توكفيل.

يعرض موسى الانتقادات الموجهة للمحافظين الجدد، مركزاً على موقف فرانسيس فوكوياما منهم، فهو يرى أن المحافظة الجديدة أفشلت أميركا، بسبب أن قادة أميركا لم يستوعبوا بصورة صحيحة المبادئ الجوهرية التي قامت عليها هذه الفلسفة. وقد وجّه فوكوياما انتقاداً شديداً للمحافظة الجديدة في كتابه "أميركا على مفترق الطرق: الديمقراطية والسلطة وإرث المحافظين" فوكوياما في الأصل من المحافظين الجدد، لكنه يرى أن الساسة الأميركان انحرفوا عن قيم هذه الفلسفة أو شوهوها. وقال: إن أفضل وصف لسياسة أميركا الخارجية اليوم هي أنها "ولسونية واقعية".

الثقافة الروسية الاستراتيجية والجيوبوليتيك

تقدم دراسة ليونيد سافين -باحث ومحاضر أوكراني روسي- تحليلاً لبنية الفكر السياسي في روسيا المعاصرة، والعوامل الإثنية والقومية والدينية والاقتصادية والحزبية المؤثرة فيها. وتطرح الأسس التاريخية لتشكل وتطور الثقافة الروسية الاستراتيجية، المؤثرة في اتخاذ القرارات ووضع الأطر المحددة في مجال السياسة الخارجية، بما في ذلك فهم الشركاء وأطراف النزاعات الراهنة والمحتملة. وتدرس آليات التفاعل بين مراجع الخبرة من جهة، ومؤسسات السلطة من جهة أخرى، في ما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية، مع التشديد على الاستشراق. وتركز على رؤية روسيا للعلاقات الثنائية مع بعض البلدان، كتركيا وإيران، وغيرهما من دول الشرق الأوسط وحوض المتوسط، وتقترح استراتيجية بديلة لحل النزاعات والاحتكاكات، وذلك من موقع "الأوراسية"، حيث بوسع روسيا أن تضطلع بدور ريادي، في ظل ظروف معينة.

يدرس الباحث مراحل تطور استراتيجية السياسة الخارجية الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي التي نظر إليها بمثابة انهيار للأيديولوجيا الماركسية ككل، بما في ذلك نظرية العلاقات الدولية التي بُنيت على الصراع الطبقي بوصفه أساسًا تاريخيًا، وعلى التدبير المبرمج في الاقتصاد، وعلى وقوف الشيوعية (الاشتراكية) في مواجهة الرأسمالية، كخطاب سياسي أساسي. ومن جانب آخر، كان يُنظر إلى نجاحات البلدان الغربية كأنموذج يحتذى، فصارت النظريات التي تميزت بها بلدان الديمقراطية الليبرالية، تبدو كمسطرة معيارية -على الأقل- عند عدد من مجموعات النفوذ ذات التطلعات الغربية، داخل روسيا. في هذه الظروف المعقدة كانت ولادة ونشوء أنموذج بديل، أصرّ على الأصالة، وإن اتسم ببعض خصائص أحد اتجاهات الفكر الغربي، أي مدرسة الواقعية في العلاقات الدولية.

عالم النسيان الغريب للنزعة المحافظة الأميركية

تناول الأكاديمي والمؤرخ الأميركي آدم غارفنكل (Adam Garfinkle) النزعة الأميركية المحافظة التاريخية والمعاصرة، التي تشترك بسمات مشتركة مع أنواع أخرى من النزعات المحافظة، وسمات مختلفة أيضاً ترجع إلى الظروف الخاصة لأصولها وتطوّرها، فما الذي يحدّد هذه السمات المشتركة والمختلفة؟

يرى الباحث أنه من حيث المبدأ، فنظراً إلى أن جوانب الطبيعة البشرية شاملة، فإن تحديد القواسم المشتركة بين جميع أشكال النزعات المحافظة، أمر نتعلّم عنه من العلاقة بين الفلسفة والأدب والتاريخ وعلم النفس، واختلاف المجتمعات والثقافات يحدّد ما لا تشترك فيه الأشكال المختلفة للنزعة المحافظة. كما أننا نتعلّم عن المجتمعات والثقافات من علم الاجتماع والأنثروبولوجيا على التوالي، ويعكس هذان الاختصاصان الواقعَ، بأن كل الحضارات البشرية تعرّف من خلال خاصيتين تفاعليتين: البنية الاجتماعية والثقافة.

هذان ليسا أمراً واحداً، ويمكن أن يتغيّرا بمرور الوقت. لذا فإن قابلية تغيّر النزعة المحافظة –وبطبيعة الحال قابلية تغيّر البنى الفكرية الأخرى مثل الليبرالية والفوضوية والاشتراكية- يمكن وصفها بين المجتمعات المختلفة في الوقت نفسه وداخل المجتمع نفسه في أوقات مختلفة. مثال ذلك: من الواضح أن المجتمعات ذات الهياكل الاجتماعية الموروثة -بما في ذلك البنى القبلية على سبيل المثال لا الحصر- لن تعرّف النزعة المحافظة بالطريقة نفسها التي تحدّدها المجتمعات ذات الهياكل الاجتماعية الحديثة المقسّمة إلى وحدات: مجتمعات العار ومجتمعات الشرف، لأن علماء الأنثروبولوجيا الذين يميّزون أساساً بين أغلبيات نوع الشخصية الموجّهة إلى الآخر والموجهة إلى الداخل، لن يحدّدوا النزعة المحافظة بالطريقة نفسها أيضاً.

على مستوى مختلف، يرى غارفنكل أنه يمكن أن يُحدِث مزيجٌ من الجغرافيا والتاريخ أحياناً اختلافاً نوعياً في تطوّر الثقافة السياسية. الثقافتان السياسية البريطانية والأميركية هما الثقافتان الرئيستان الوحيدتان اللتان تتعاملان مع السلطة بوصفها مشكلة يجب تقسيمها وفصلها وتوزيعها؛ خشيةَ أن تُصبِح تهديداً للمجتمع المدني العضوي والحرية الشخصية والدينية. وكانت كل مرحلة حضارية رئيسة أخرى أكثر اهتماماً بكيفية تركيز القوة لاستخدامها بشكل أكثر فعالية.

النظرية السياسية الرابعة والعالم الإسلامي.. الهيمنة الليبرالية والصوفية السياسية

عرض ألكسندر دوغين، -كاتب وباحث وفيلسوف روسي، مؤسس الحركة الأوراسية- لنظريته حول "النظرية السياسية الرابعة" وعلاقتها مع العالم الإسلامي.

ولدت النظرية السياسية الرابعة -حسب تعريفه- نتيجة إدراك عمق القصور الذي تعانيه أيديولوجيات مذهب الحداثة السياسية في حل المهام الأكثر أساسيةً، الماثلة اليوم أمام شتى المجتمعات البشرية، وفي المقام الأول المجتمعات غير الغربية (الشرقية، الأوراسية، الأفريقية... إلخ)، بل والمجتمعات الغربية التي باتت، هي الأخرى، ضحية النماذج العلمو- سياسية المصطنعة.

يرى دوغين أن النظرية السياسية الرابعة تكتسي أهمية خاصة جراء «أزمة الليبرالية» التي تزداد جلاء، علماً أن «هذه الليبرالية» غدت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي أيديولوجيا عالمية بديلة، تدعي حق الاحتكار المطلق في هذا الميدان، ولا تسمح بأية بدائل أخرى. بعد معارك القرن العشرين الأيديولوجية التي أسفرت عن انتصار الديمقراطية الليبرالية، و«الرأسمالية الأنغلوسكسونية»، على الخصوم الأيديولوجيين، أي على الفاشية والنازية أولاً، ثم على الشيوعية، صارت الليبرالية تُحسب فلسفةً سياسية أثبتت حقها بتحديد صيغة معيارية للتفكير السياسي يؤثر على صعيد البشرية جمعاء. وفي سياق العولمة، بدءًا من تسعينيات القرن الماضي، بات يُنظر للعالم كله، لا للغرب وحسب، كمساحة واحدة، انتصرت فيها الأيديولوجيا الليبرالية انتصاراً تاماً، فغدت السائدة، والحاكمة، والوحيدة، التي ترسم منظومة القيم، والمؤسسات السياسية، والممارسة الاقتصادية. ومنذ ذلك الحين أصبحت الديمقراطية البرلمانية العلمانية الصيغةَ الشرعية الوحيدة للتنظيم السياسي؛ وغدت رأسماليةُ السوق الحر النموذجَ الاقتصادي الأوحد؛ وصارت نظريةُ حقوق الإنسان -بغض النظر عن القومية والدين والجنس- الأيديولوجيا الوحيدة؛ وبات التقدم التقني، والكوسموبوليتية، والفردية، المنظومةَ الوحيدة للقيم.

ينتقل دوغين إلى موضوع عن إمكانية أن تتناسب «النظرية السياسية الرابعة» مع مصر ومركزها الديني (الأزهر)، وعلى نطاق أوسع، مع التيارات الإسلامية المحافظة. يقول: هنا ينبغي التحفظ فوراً، فالإسلام المحافظ (السني بالدرجة الأولى)، مع كل تنوع تياراته وصيغه، ومقارنةً بمرحلة «الحرب الباردة»، قد غيَّر نوعيا دوره الجيوسياسي والأيديولوجي في العقود الأخيرة، أي في مرحلة العولمة ومحاولات إقامة ديكتاتورية ليبرالية على صعيد الكوكب.

ألكسندر دوغين ونظريته الأوراسية في مرمى النقاد الغربيين

تعرض دراسة الباحث اللبناني هيثم مزاحم لأبرز الانتقادات الغربية الموجهة لــ"ألكسندر دوغين"، بشيء من التفصيل. لقد تمحور النقد الغربي لدوغين ونظريته السياسية الرابعة على أنها «فاشية جديدة» واعتبر النقاد الأيديولوجية الأوراسية الجديدة خطيرة؛ إذ تدعو إلى عودة الإمبراطورية الروسية– السوفيتية والتوسع الإمبريالي في كل الاتجاهات، وأن الهدف الأساسي لهذه الأيديولوجيا هو هزيمة الليبرالية، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية.

ووجهت «الأوراسية الجديدة» التي يروج لها دوغين، والنظرية السياسية الرابعة، التي وضعها في مقابل النظريات الثلاث العالمية: الليبرالية والاشتراكية والفاشية، بنقد شديد من قبل المفكرين والباحثين الغربيين، حيث قام بعضهم بتشريح النظرية الرابعة أو كما تعرف بــ«الثورة المحافظة»، وجذور الأوراسية وتطورها معه، فضلاً عن تحولاته الفكرية والسياسية.

كتب أنطون بارباشين (Anton Barbashin) وحنّة ثوبورن (Hannah Thoburn)، دراسة مشتركة بعنوان «دماغ بوتين: ألكسندر دوغين والفلسفة الكامنة خلف غزو بوتين للقرم»، نشرت في مجلة «فورين أفيرز» الأميركية في 31 مارس (آذار) 2014، قالا فيها: إنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، بحثت روسيا دون جدوى عن استراتيجية كبرى جديدة –عن شيء لتحديد من هم الروس وإلى أين يتجهون. وقال الرئيس الروسي بوريس يلتسين بعد عامين من انهيار الاتحاد السوفيتي: «في التاريخ الروسي خلال القرن العشرين، كانت هناك فترات مختلفة: الملكية، الشمولية، البيريسترويكا (Perestroika) ، وأخيراً مسار التنمية الديمقراطي». وتابع: «لكل مرحلة أيديولوجيتها الخاصة، ولكن الآن، ليس لدينا أي منها».

يرى بارباشين وثوبورن –كما يلفت مزاحم- أنه «على غرار الأوراسيين الكلاسيكيين في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، فإن أيديولوجية دوغين مناهضة للغرب، ومناهضة لليبرالية، والشموليّة، والإيديوقراطية (Ideocracy) وتقليدية اجتماعياً. فقوميتها ليست سلافية المنحى (على الرغم من أن لدى الروس مهمة خاصة تتمثل في الاتحاد والقيادة)، إلا أنها تنطبق أيضاً على الدول الأخرى من أوراسيا. وهو يصنّف العقلانية بأنها غربية، وبالتالي يعزز الروحانية والصوفية والنظرة العاطفية والمسيانية للعالم».

تختلف الأوراسية الجديدة لدوغين اختلافاً كبيراً عن الفكر الأوراسي السابق. يتصوّر أن أوراسيا أكبر بكثير مما فعل أسلافه. فمثلاً، في حين اعتقد سافيتسكي أن الدولة الروسية الأوراسية يجب أن تمتد من سور الصين العظيم في الشرق إلى جبال الكاربات إلى الغرب، يعتقد دوغين أن دولة أوراسيا يجب أن تضم جميع دول الاتحاد السوفيتي السابق وأعضاء الكتلة الاشتراكية، وربما حتى إنشاء محمية على جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي. وفي الشرق، يقترح دوغين التوسع بقدر ما، بحيث تشمل الدولة منشوريا وشينجيانغ والتيبت ومنغوليا، حتى إنه يقترح الاتجاه إلى الجنوب الغربي باتجاه المحيط الهندي.

الأوراسية بين التحديات ومستقبل روسيا التوسعي

تناول الباحث المصري المتخصص في التاريخ والسياسة الدولية، أحمد لطفي دهشان، التنوع العرقي والقومي، والديني واللغوي في روسيا التي يوجد فيها حوالي (88) عرقية رئيسة. وقد شكل «السلاف» النواة الرئيسة التي على أساسها نشأت الدولة الروسية الأولى، وكانوا وما زالوا القاعدة الرئيسة لها دون إلغاء لباقي القوميات والأعراق الأخرى، والسلاف مجموعة بشرية تشترك في اللغة والإثنية، وُتنسب لغتهم لمجموعة اللغات الهندو أوروبية. ينتشرون اليوم في وسط وشرق أوروبا وأوراسيا الشمالية، وهناك خلاف تاريخي حول موطنهم الأصلي، والمرجح أنهم يعودون إلى وسط أوروبا. وقد تعرض مجتمعهم للتفكك في القرن السادس الميلادي، ونشأ عن ذلك انقسامهم لمجموعات ثلاث وفقاً لمواقع تمددهم الجغرافي. وهم:

  1. السلاف الجنوبيون: (البوسنيون – الكروات – الصرب – البلغار – المقدونيون – المونتينيغريون – السلوفينيون الغوراني)؛
     
  2. السلاف الغربيون: (البولنديون – التشيك – السلوفاك – الصرب – المورافيون الكاشوبيون)؛
     
  3. السلاف الشرقيون: (الروس – الأوكرانيون – البيلاروسيون الروسينيون).

قدم الباحث لأبرز أعلام وطروحات الفلسفة الأوراسية الجديدة من بينهم: ليف نيكولايفيتش غوميليوف (Lev Nikolayevich Gumilyov) ؛ فيسلافي إيفانوفيتش زورين (Veslavi Ivanovich Zorin)؛ فاديم فاليريانوفيتش كوجيناف (Vadim Valerianovich Kuzhinov) وألكساندر غيليفيتش دوغين (Aleksandr Gelyevich Dugin).

يهدف مشروع «الأوراسية الروسية» -كما يوضح الباحث- بالأساس لخلق اتحاد كونفدرالي كبداية يتطور فيما بعد لفيدرالية كاملة، يقوم على التكامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والعسكري والثقافي. تكون روسيا مركزه السياسي، والسُّلاف قاطرته القومية الأكثر نفوذاً فيه دون استثناء لباقي القوميات الأخرى، والمسيحية الأرثوذكسية الشرقية الأساس لمنظومة قيمه الأخلاقية، وموسكو القائد الأعلى لها عبر العالم. مع مراعاة الحقوق الدينية لباقي الأديان، وبالتالي تحقق «الأوراسية الروسية» ما تسمى «رسالة روسيا الخالدة» كما يؤمنون بها، وتجمع عناصر القوة التي امتلكتها في حقب عظمتها الثلاث الكبرى. روسيا القيصرية، والإمبراطورية الروسية، والاتحاد السوفيتي. فتجتمع هذه النماذج بكل ما فيها من عظمة. مع تلافي كل ما كان فيها من أوجه قصور وعيوب أدت في النهاية لسقوطها وتفككها، وتحفظ العالم من الضياع على يد الليبرالية والرأسمالية الغربية المتوحشة -كما تصفها. ويضم بلدان آسيا الوسطى السوفيتية السابقة، ذات الأغلبية المسلمة، وبلدان جنوب القوقاز وشرق أوروبا، وشبه جزيرة البلقان ذات الأغلبية الأرثوذكسية، وهي البلدان المحيطة بها، والمرتبطة معها تاريخياً وثقافياً، وتمثل مجال نفوذ روسيا الطبيعي، وعبر هذه التشكيلة يحافظون في هذا الاتحاد على التوازن القومي بين السلاف، والترك، والأديغة -الشركس– بجانب الديني بين الأرثوذكس والمسلمين.

يتوقع الباحث أن يؤثر المشروع الأوراسي على العمق الحقيقي لروسيا، وأياً كان من سيكون على رأس السلطة في الكرملين مستقبلاً فسيحتاجه. إن «الأيديولوجية الأوراسية» روسية، ومرتبطة بالمستقبل، ولكنها بحاجة لتتحول من مجموعة أفكار محصورة بالنخبة إلى الإطار الشعبي لتشكيل قواعد تدافع عنها، وهو ما يمكن أن يحدث مستقبلاً في ظل سلطة روسية جديدة، لديها وعي بالدور الجماهيري.

الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في موسكو وموقفها من النظرية السياسية الرابعة

يؤرخ الباحث والأكاديمي الروسي فاليري كوروفين لدور «الكنيسة الروسية الأرثوذكسية- بطريركية موسكو» وتأثيرها في العالم المعاصر، وتمثل ذلك من موقع «النظرية السياسية الرابعة»، فينطلق من تحديد مفهوم «المعاصرة» التي تعمي التصور الذي يتحدد في الفلسفة بمفهوم «الحداثة» حصراً، وليس «عصرية» الأحداث والتطورات العالمية الجارية.

يقول الباحث: إن النظرية الرابعة تتجاوز أطر الحداثة، أي إنها لا تعترف بمعصوميتها. ولا تكتفي بذلك، بل تضع موضع الشك مجمل إبستيمولوجيا الحداثة مع بديهيتها وثوابتها المفاهيمية ويقينياتها العقيدية. وفي جوهر الأمر، ترى «النظرية الرابعة» أن استنفاد الحداثة كان نتيجة خطأ منظومي ارتكبه فلاسفة الغرب عندما وضعوا الإله «خارج القوس»؛ بل وقبل ذلك، أي منذ شكوك ديكارت الأولى بمطلقية الإلهي، الأمر الذي أدى في المحصلة بالحضارة الغربية إلى وضعها الراهن، الذي يتحدد من وجهة نظر يقينية العقيدة المسيحية، بمفهوم «أبوستاسيا» أي ارتداد عام 1965، أي الارتداد عن الحقائق المسيحية. وإلى ذلك، فإن «النظرية الرابعة» تحاول استعادة مقولة الأبدية، أي تقييم ما يجري تقييمًا ثابتًا، لا يتغير، خارجًا عن الزمن، ناجمًا عن طبيعة البداية الإلهية.

لقد اتخذت الكنيسة في روسيا مواقف محافظة وحذرة من الحداثة والنظريات الفلسفية الغربية الداعية إلى الفردية وتأليه الإنسان، واقتربت كثيراً من خلاصات فلاسفة النظرية السياسية الرابعة. وعموماً، إن مجرد السكوت عن المواضيع الإشكالية في الكنيسة الروسية يؤدي إلى إثارتها بأشكال حماسية مفرطة، ولكن قيادة «الكنيسة الروسية الأرثوذكسية- بطريركية موسكو»، في جوهر الأمر، تسير في مجرى النظام السياسي الروسي الحالي، الذي يتلخص هدفه الرئيس بتأجيل حل أية مسائل معقدة، والمحافظة على الاستقرار إلى أجل غير محدد. والأكثر من ذلك، أن الامتثال التام والولاء غير المشروط لكل الإصلاحات الاجتماعية، التي نفذتها الدولة في مراحل مختلفة من التاريخ الروسي، جعلا الكنيسة الروسية تزج بنفسها في التحديث، أي في الانشقاق بدايةً، ثم في مرحلة السينودس التي قبلت بها مستكينةً، ثم «سيرغيانية» المرحلة البلشفية، والآن في مرحلة العقلية التوفيقية التامة «للكنيسة الروسية الأرثوذكسية- بطريركية موسكو» إزاء التجربة الليبرالية المستمرة في روسيا منذ لحظة انهيار الاتحاد السوفيتي، مع تكييف اللاهوت بما يتلاءم وعقلانية الحداثة. وهذا ممكن وصحيح، تكتيكيًا، من وجهة نظر المصالح اللحظية؛ ولكن لا من وجهة نظر الحقيقة والدين.

رؤية النظرية السياسية الرابعة لموقع العالميْن العربي والإسلامي

تتناول الباحثة والصحفية الروسية صوفيا ميتيلكينا التعددية القطبية وتطبيق النظرية السياسية الرابعة في الشرق الأوسط على مستويات مختلفة -أيديولوجية ودينية، وسياسية وجيوسياسية، واقتصادية وعسكرية. وتشير إلى أنه إذا كان بمقدور الدول العربية والإسلامية المحافظة على هوية متوازنة، وتحقيق الاستقرار الداخلي وتشكيل قطبيتها الخاصة بها فهذا من شأنه تحديد توازن القوى وتقرير حالة الحرب أو السلم في العالم.

تدرس ميتيلكينا كل مستوى على حدة، من خلال إلقاء الضوء على العوامل التي تؤدي إلى ترسيخ الأوضاع غير المستقرة، وتمدها بأسباب الديمومة والاستمرار في الدول العربية والإسلامية؛ وبالمقابل، العوامل التي تسهم في تحقيق الاستقرار واستتباب الأمن بتلك الدول وفي تلك المناطق. وقد اجرت تحليلها استناداً إلى وقائع التاريخ، ومن واقع المقارنة بين النظريات السياسية الثلاث (أي الفاشية والشيوعية والليبرالية)، ومن خلال استكشاف الآفاق المحتملة للنظرية السياسية الرابعة، كبديل للنماذج الحديثة المطروحة على بساط البحث والتحليل.

تبين الباحثة أن النظرية السياسية الرابعة تقوم على أساس الاعتراف بالتعددية والإقرار بأصالة الحضارات وعراقتها، وتمتُّع كل منها بذاتيتها المتفردة وصفاتها المميِّزة لها دون سواها؛ إذ إن لكل منها ما يخصها من تاريخ وثقافة ودين واقتصاد، وما تختص به من مزاج اجتماعي وأسلوب عيش جماعي. وتشدد النظرية السياسية الرابعة على تعددية الحضارات، وعلى أن لكل منها أصلها الذي تقوم عليه بطريقة تختص بها، وتستمد منه وجودها بطريقة تخصها، وتمثل مسار تطورها عبر التاريخ؛ وهي البوتقة التي تنصهر بداخلها جملة من الثقافات والمجتمعات، وتتحدد فيها سيرورتها وتتقرر صيرورتها. فليس بالضرورة أن يكون ما هو حسن في إحدى الدول العربية مناسباً لمعطيات الواقع الروسي؛ وليس بالضرورة أن يكون ما يستهوي الفرنسيين مستلطَفاً لدى الصينيين. أما الأمر المشترك الوحيد الذي يجمع بين الأقطاب في عالم متعدد القطبية ويوحد تلك الأقطاب، فهو رفض دعاوى العولمة ومقولات الهيمنة العالمية الشاملة «للقِيَم» الليبرالية والطبيعة الإلزامية العامة لمبادئها!

تنطوي النظرية السياسية الرابعة أيضاً على أسس فلسفية لمسار التعددية القطبية أو الأقطاب المتعددة. وعلى هذا فإذا كان المفهوم المركزي يتمحور في الليبرالية حول «الفرد» وفي الشيوعية حول «الطبقة» وفي القومية حول «القوم» (أو «العنصر أو العرق»)، فإن «ألكسندر دوغين» يقترح أن يتم الاستناد في النظرية السياسية الرابعة على المفهوم الذي صاغه الفيلسوف الألماني «مارتن هيدجر» (Martin Heidegger) -الكينونة والوجود والحق في الحياة.

تحالف الإسلاموية والأوراسية الجديدة.. الخطر الأعظم

يرى وائل صالح الباحث المصري المتخصص في الحركات الإسلاموية، أن العلاقات التركية- الروسية مرت بالكثير من العداوات ولكنها عرفت في بعض الأحيان تحالفات كانت ضرورية. وإلى وقت قريب، كان يبدو أن الدولتين تقعان على طرفي نقيض حيال جل المسائل –تقريباً- في جوارهما المشترك، وكذا بدا الأمر في بنية التحالفات المحلية والإقليمية التي اعتمدتها الدولتان. وكانت طموحات روسيا الجيوسياسية، خصوصاً حيال شرقي المتوسط، من أهم العوامل الأساسية التي دفعت تركيا إلى العمل على الانخراط في تحالفات غربية متنوعة . وتمر العلاقات بين الدولتين منذ 2016 بتحالف مدهش، حير الكثير من الباحثين.

إن علاقة روسيا بتركيا، بعد تصالح إسقاط الطائرة الروسية عام 2015، وفشل ما يسمى المحاولة الانقلابية، تحتاج إلى بحوث متعمقة، ليتبين ما المدى الذي وصلت إليه، فهل وصلت لمرحلة التحالف؟ وما المكاسب الجيوسياسية والاستراتيجية للتحالف، وما الأسس الفلسفية القائمة عليه، وما مدى متانته، وإلى متى سيصمد، وما تداعياته على العالم العربي؟ هل هو تحالف بين روسيا وتركيا فقط، أم يمتد ليكون تحالفاً بين الأوراسية والإسلاموية؟ سعى صالح للإجابة عن هذه التساؤﻻﺕ، التي من شأنها أن تسد جزءاً من الفراغ في الدراسات العربية حول هذا الموضوع الهام والحيوي، الذي من الممكن أن يحدد شكل الإقليم والعالم في العقود القادمة.

أشار صالح إلى المخاطر والخطأ الاستراتيجي الناجم عن التحالفات المحتملة بين المشروع الأوراسي والإسلام السياسي، لا سيما أن منظري النظرية السياسية الرابعة يتجهون إلى بناء تحالفات مع الحركات والتنظيمات الإسلاموية، وهذا الرهان السياسي –حسب الباحث- خطير، لأن هؤلاء المنظرين وعلى رأسهم دوغين لا يدركون خطورتها على النسيج المجتمعي والدولة والدين.

يرى الباحث أنه "في كلام دوغين حول الإسلام السياسي الكثير والكثير من التعميم من جانب، وعدم الإلمام ببعض القضايا الأساسية المتعلقة بتناقضات ظاهرة الإسلام السياسي وتاريخه. كما أن الأوراسية على صعيد الدبلوماسية العملية، ظاهرة لا تزال في حاجة إلى المزيد من النضج السياسي والمأسسة".

المسلمون الروس في جامعة الأزهر خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين

يركِّز بحث رينات إسلاموف (رئيس قسم التعليم والعلم والثقافة في معهد موسكو الإسلامي، التابع للإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية) ودامير مخيتدينوڤ (فقيه ورجل دين روسي، ونائب مفتي موسكو وعموم روسيا للشؤون الخارجية) على دراسة تأثير جامعة الأزهر الإسلامية الرائدة على ممثلي الإسلام الروسي، وتشكيل طريقة تفكيرهم، وكذلك الكشف عن دور هذه الجامعة في العمليات الاجتماعية والثقافية والاجتماعية والسياسية، التي شملت المجتمع الإسلامي في روسيا في منتصف القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والمرتبطة في المقام الأول وقبل كل شيء، بإصلاح التعليم الديني وتشكيل طبقة المثقفين.

يخلص الباحثان إلى أنه في ظروف التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي حدثت في روسيا والعالم في القرنين التاسع عشر والعشرين، أصبحت البرجوازية تدرك بشكل كبير الحاجة إلى البحث عن نظام جديد لإعداد النخبة، والاعتماد بشكل أساسي على أصول التدريس الروسية والأوروبية التقليدية، حينها بدأ المسلمون الروس في السفر إلى المراكز التعليمية الإسلامية مثل إسطنبول والقاهرة. أدت الحروب الروسية–التركية –كما يلفت إسلاموف ومخيتدينوڤ- بالإضافة إلى رغبة مسلمي روسيا في دراسة الإسلام باللغة العربية، والرغبة في الحفاظ على التواصل مع المسلمين والقرب من مركز العلوم الإسلامية، إلى زيادة شعبية مصر وخاصة جامعة "الأزهر" كمؤسسة تعليمية تقليدية لها تاريخ طويل يمتد لقرون. من خلال دراسة مفصلة للعديد من السير الذاتية للمواطنين الروس، استنتجنا أن عملية الحصول على التعليم من قبل مواطنينا في مصر كانت -في الغالب- مجزأة وغير منهجية في بدايتها.

المرأة في روسيا المعاصرة: الدور والمكانة والتقاليد

تقدم الباحثة والأكاديمية الروسية أليسا سافينا في دراستها توصيفاً لدور المرأة الاجتماعي والسياسي في المجتمع الروسي المعاصر؛ وتحليلاً تاريخياً مقارناً في سياق التغيّرات التي طرأت على نظام الدولة السياسي، من وجهة نظر محافظة.

تتضمن الدراسة رصداً للتحولات التي شهدتها مؤسسة الزواج وعادات الزفاف والأعراس التقليدية، بما في ذلك التنوع الإثني وطابع التعددية الدينية في روسيا. فضلاً عن ذلك تناولنا الأنموذج الجندري لسيناريو بديل، بالتوافق مع "النظرية السياسية الرابعة" تحديداً. وقمنا بتحليل ما قد تمارسه من تأثير في المجتمع الروسي، الأفكار السياسية الغربية ذات الصلة بالمعطى الجندري، كالنظريات النسوية، ومأسسة الزيجات المثلية، وغير ذلك من الظواهر التي قد تهدد الثقافة الأسرية التقليدية، طبقاً للفهم المحافظ.

استندت الدراسة إلى معطيات الأبحاث الاجتماعية التطبيقية المتعلقة بتقسيم العمل، وانتشار الصور النمطية، وإبراز أسباب عدم المساواة بين الجنسين. واعتمدت على منهج علم اللاهوت المقارن والمنهج التاريخي، والوظائفي، والأكسيولوجي (القيمي) في نظرية العلوم السياسية. واستعملت قاعدة بيانات المنشورات العلمية حول موضوعات الجندر، وتلك المتعلقة بالمرأة مباشرة في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة.

محافظة جديدة: تحرير اليمين من أرثوذكسية السوق الحرة

قام مركز المسبار للدراسات والبحوث بترجمة مقال أورين كاس، المدير التنفيذي لمؤسسة (American Compass)، الذي جاء تحت عنوان "محافظة جديدة: تحرير اليمين من أرثوذكسية السوق الحرة"، تناول فيه الأزمة السياسية للمحافظة في الولايات المتحدة وكيفية استجابة الأحزاب السياسية لها. وفي السياق يرى كاس أن يمين الوسط، الذي لا يكون محافظًا ولا يستجيب لمشاكل الناس، غير قادر على لعب دوره الحيوي كمُنفذ لدوافع الأمة المحافظة والثقل الموازن لدوافعها التقدمية، ولن يفوز بالعديد من الانتخابات.

دعا الكاتب المحافظين لإعادة تأكيد مطالبهم بحق الوسط في الولايات المتحدة وبقية العالم، إذ تتطلب المشاكل الخطيرة التي نشأت عن غياب التيار المحافظ القوي: حلولاً محافظة. في هذه الأثناء، أصبحت التقدمية مهووسة بشكلٍ متزايد بسياسات الهوية وقلق النخبة المتعلمة، يجعلها هذا قادرة على المنافسة بشكلٍ فريد، عبر حملها رسالة أيديولوجية تركز على المخاوف التي يشاركها فيها معظم الأميركيين، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم، حول أسس عائلاتهم ومجتمعاتهم.