يهتم هذا الكتاب بتاريخ الحركات الإسلاموية في عدد من دول أميركا اللاتينية، ويحدد أدوات نفوذها الديني والاجتماعي والاقتصادي، والتحديات التي تفرضها على المجتمعات المسلمة والدول، جراء أنشطة جماعات الإخوان وحزب الله، والحركات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة.
تناولت الدراسات مظاهر الإسلام المتنوّعة في كولومبيا والمكسيك والبرازيل وتشيلي والبيرو والأرجنتين والباراغواي والإكوادور وفنزويلا وبنما، وركزت على المخاطر الناجمة عن شبكات الإرهاب وتأثيرها السلبي في تصاعد «رهاب الإسلام»، وما تفرضه من تحديات أمنية، وكشفت عن العلاقة الوطيدة بين الإسلامويين فيها وفروعهم في الشرق الأوسط.
عرض الكتاب اقتصاديات الحلال، والنفوذ القوي للإسلام السياسي في قطاعاتها، راصدًا نشاط حزب الله في المثلث الحدودي، ومواقف الإسلامويين من قضايا الشرق الأوسط وتأثيرها في الجاليات المسلمة.
تم النشر في: November 2023
دبي
يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في هذا الكتاب، من خلال تسع دراسات وتقديم، لباحثين متخصصين، تاريخ الحركات الإسلاموية في عدد من دول أميركا اللاتينية، ويرصد أدوات نفوذها الديني والاجتماعي والاقتصادي، ويناقش التحديات التي تواجهها المجتمعات المسلمة؛ والدول جراء أنشطة جماعات الإخوان وحزب الله، والحركات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة.
سعت دراسة باتيست برودار (Baptiste Brodard)، باحث وأكاديمي سويسري متخصص في الدراسات الإسلامية في جامعة فيراكروز (Veracruzana) – المكسيك، إلى استكشاف الحركات الأيديولوجية والدينية؛ داخل المجتمعات المسلمة في كل أنحاء أميركا اللاتينية. تهدف الدراسة إلى تسليط الضوء على مظاهر الإسلام المتنوّعة في هذا المجال الجغرافي والثقافي المتنوّع؛ وتنقسم إلى ثمانية مباحث: أولاً: التنوّع الأيديولوجي في المجتمعات المسلمة. ثانيًا: مسألة تصنيف الطوائف المسلمة. ثالثًا: الاتجاهات الأيديولوجية في أميركا اللاتينية. رابعًا: الشبكات السلفية. خامسًا: السلفية المشفّرة أم ما بعد السلفية؟ سادسًا: الحركات السنّية التركية في أميركا اللاتينية، منها: حركة النور، منظمة السليمانية وبرنامجها للتعليم الديني، حركة فتح الله غول، الطريقة النقشبندية. سابعًا: من الإسلام السنّي التقليدي إلى الصوفية. ثامنًا: الشيعية في كولومبيا وما وراءها: شيعة المهجر اللبناني، والشيعة الكولومبيون من أصل إفريقي في بوينافينتورا.
استكشفت المباحث أبعادًا محدّدة للتنوّع الأيديولوجي والديني بين الجماعات المسلمة في أميركا اللاتينية، من المسارات التاريخية التي شكّلت هذه المجتمعات إلى التحدّيات والفرص المعاصرة التي تواجهها. وتتطلّع من خلال الفحص الدقيق لهذه القوى المحرّكة، إلى المساهمة في فهم أشمل للمجتمعات المسلمة في أميركا اللاتينية ومكانها داخل المشهد الإسلامي العالمي.
يخلص الباحث إلى أن الوجود الإسلامي في أميركا اللاتينية يشهد تفاعلًا ديناميكيًّا بين المجتمعات المهاجرة والمعتنقين المحليين للإسلام. تتعايش مجتمعات المسلمين المهاجرين مع الجماعات التي شكّلها السكان الأصليون الذين اعتنقوا الإسلام. وغالبًا ما ترحّب جماعات المسلمين في المنطقة بكل الوافدين من الدول ذات الغالبية المسلمة أو أميركا الشمالية أو أوروبا، بالإضافة إلى مسلمي أميركا اللاتينية المحليين. وتظل حاليًا قيادة هذه الجماعات، باستثناء جماعات السكان الأصليين، بيد الأئمة والدعاة الأجانب الذين ينشرون المعايير الإسلامية المكتسبة في الخارج، وخاصة في بلدانهم الأصلية. ونتيجة لذلك، لا تزال الخطابات المعيارية عن الإسلام في أميركا اللاتينية تخضع لتأثير التيّارات الأيديولوجية الأجنبية، أكانت تتوافق مع السلفية أم الإسلام السنّي المتمسّك بالتقاليد أم التشيّع.
غير أن الجماعات المسلمة المحلية تؤكّد على نحو متزايد حقها في إنتاج خطابات إسلامية متجذّرة في سياقاتها المحلية. وينبع هذا الدافع لاستعادة الخطاب الديني من عاملين رئيسين: أولهما: أدّى تولي الأئمة الأجانب قيادة العديد من هذه الجماعات في الماضي إلى شعور بين المسلمين المحليين بأن المعايير الدينية تُفرض من الخارج، مما أثار مخاوف بشأن تأثير العناصر الثقافية الأجنبية على التعاليم الإسلامية. وردًّا على ذلك، ثمة مطالبة متزايدة بأن يستعيد القادة المحليون والأهليون السيطرة على الخطاب الإسلامي، لأنهم أكثر انسجامًا مع المجتمع المحلي وفروقاته الدقيقة؛ أما ثانيهما: فيحثّ التباين السياقي الكبير بين مجتمعات أميركا اللاتينية والمجتمعات ذات الغالبية المسلمة، على إعادة التفكير في انسجام المعايير الإسلامية مع الوقائع في المجتمع المحلي والتحدّيات التي تواجهه.
ومع أن الهدف هو التمسّك بفهم «قويم» للإسلام، فإن العديد من القواعد والمعايير تخضع للنقاش، سواء فيما يتعلّق بتطبيقها في السياق المحلي أو منح الأولوية لبعض المعايير الإسلامية على أخرى. على سبيل المثال، يخضع تحريم لحوم الحيوانات غير المذبوحة للنقاش: تميل الجماعات المسلمة التي يقودها الأجانب في كولومبيا والمكسيك إلى التحريم الصارم لاستهلاكها، بينما يتخذ القادة المحليون -في الغالب- موقفًا أكثر تساهلًا بالسماح باستهلاك اللحوم باستثناء لحم الخنازير. وتظهر اختلافات مماثلة في المناقشات بشأن ارتداء المرأة للحجاب وقواعد الفصل بين الجنسين. باختصار، غالبًا ما يؤدّي انتقال الإسلام إلى سياقات اجتماعية ثقافية جديدة إلى إعادة تعريف بعض المعايير، أو على الأقل، منح الأولوية للقواعد الجوهرية على تلك التي تقل أهمية. وربما تفيد دول أميركا اللاتينية، مثل كولومبيا، بوصفها أرضًا خصبة للتغيّرات والتعديلات الدينية ذات الصلة بالسياقات المتطوّرة التي تواجهها عملية التوسّع الإسلامي. فالتفسيرات الأيديولوجية والدينية داخل الجماعات المسلمة، تتطوّر بمرور الوقت استجابة للوقائع المحلية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي يواجهها أتباعها. فالمسلمون الأميركيون اللاتينيون يميلون إلى تجاوز التسميات الطائفية، واعتناق هوية إسلامية عالمية تحت المرجعية المقدّسة للأمّة. ويمتنع العديد منهم عن التأكيد على الانتماءات الأيديولوجية أو العقائدية المحدّدة ذات الصلة بالتسميات الطائفية، مفضّلين التماهي مع الإسلام في جوهره الكوني والفريد.
تسترشد دراسة تروي إي سبير (Troy E. Spier)، أستاذ مساعد في اللغة الإنجليزية واللسانيات في جامعة فلوريدا إيه آند إم (Florida A&M University) ، بثلاثة أسئلة بحثية: كيف يمثّل المسلمون في الصحافة الإكوادورية من خلال المقالات المنشورة في صحيفة «إل كوميرسيو» (El Comercio)؟ ما المتلازمات الأكثر شيوعًا في المقالات التي تشير إلى المسلمين؟ كيف يرشد تحليل المشاعر هذه، المناقشة على نطاق أوسع؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، يدرس الباحث خلفية الهجرة إلى الإكوادور، ووجود العرب والمسلمين فيها. كما يسترشد بالمنهجية الحسابية التي تستند إلى مجموعة من نصوص منشورة، وتبني نتائجها ومخرجاتها الأولية على التحليل اللغوي الاجتماعي والخطابي، مع التركيز على المقاييس اللغوية الحسابية التقليدية، والتكرّر المعجمي والتوزيع، وتحليل المشاعر. وأخيرًا، يعرض الباحث الأفكار الختامية، ومجالات البحث المستقبلية في هذا الموضوع. ويقسم دراسته إلى أربعة أقسام: أولاً: «الأتراك » والمسلمون في المجتمع الإكوادوري، ثانيًا: المنهجية ومجموعة الكتابات، ثالثًا: تحليل البيانات الكمّية، رابعًا: تحليل البيانات النوعية.
يخلص الباحث إلى أنه في دولة عدد المسلمين فيها قليل جدًّا، ليس من المستغرب أن صحيفة «إل كوميرسيو» تولي تركيزًا واسعًا على سلوكيات من هم خارج البلاد. لكن إذا كان هناك مثل هذا القلق الكبير بشأن إمكانية التعايش السلمي بين المسلمين وغير المسلمين في الإكوادور، فمن الممكن -بطبيعة الحال- إيلاء مزيد من التركيز على تسليط الضوء على القضايا المحلية، الإيجابية والسلبية على حدٍّ سواء. ومع أن هناك ما يقرب من ألفي مسلم فقط في الإكوادور، فإن لهذا البلد تاريخًا من الهجرة من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، وقد يعدّ كثيرون التأثير الإيجابي الذي أحدثه ذلك أمرًا مفروغًا منه. كما أنه بتوافر المساجد في المدن الثلاث الأكثر اكتظاظًا بالسكان، فإن من الممكن الدخول والمراقبة والتعلّم. لكن إذا لم يكن ذلك ممكنًا للفرد، فإن في وسع المحرّرين في صحيفة «إل كوميرسيو» أن يدركوا أن المسلمين موجودون ويعيشون بسلام في الإكوادور ويسلطون الضوء على ذلك. غير أن التركيز حصريًّا على القضايا التي يسبّبها المسلمون أو تؤثّر عليهم في أجزاء أخرى من العالم، يعني تجنّب توطين جزء من السكان الذين يتميّزون في مجتمعاتهم بخلاف ذلك.
يرى الباحث أن المسلمين يواجهون العديد من التحدّيات داخل الإكوادور، ليس بسبب التمثيل الصحفي فحسب، وإنما بسبب تصوّرهم الأوسع أيضًا. إذا شعر الإكوادوريون، سواء أكانوا متديّنين اسميًّا أم لا، أن دينهم هو الأنسب (أي الكاثوليكية) وأنهم يشعرون بمستويات كبيرة من عدم الثقة بمن يتبعون معتقدًا مختلفًا، فإن الوصول إلى المسجد وحده لن يخفّف من هذا الانعدام للثقة. وعلى نحو ذلك، إذا كان عدد كافٍ من الإكوادوريين يعيدون إنتاج خطاب كاره للإسلام في الفضاءات الإلكترونية، وهي بيئة يمتلك الكوكب بأكمله إمكانية متسقة للوصول إليها، فسيصل ذلك بانتظام كافٍ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتأكيد التحيّزات القائمة، والاعتراض على وجهات النظر السائدة حاليًا، وفرض قصة واحدة. لافتًا إلى أن هناك بالتأكيد مجالات يمكن توسيع نطاق هذا البحث فيها. على سبيل المثال، مع أن هذه الدراسة تتناول -على وجه التحديد- المقالات المنشورة في صحيفة «إل كوميرسيو» (El Comercio)، توجد صحف أخرى واسعة القراءة داخل البلاد، مما قد يتيح «عدسة» مختلفة يمكن من خلالها فهم المسلمين. كما أن الدراسة الحالية تنظر فقط في التوسّل المعادل لكلمة «مسلم» في اللغة الإسبانية وليس المصطلحات الأخرى ذات الصلة. على سبيل المثال، مع أن معظم الإشارات إلى الإسلام تتم باستخدام خطاب غير مباشر (الدين الإسلامي)، فإن هناك شهادات على البند المعجمي المفرد «الإسلام» الذي يظلّ غير خاضع للمناقشة. وفي السياق نفسه، ربما يؤدّي فحص أكثر استهدافًا في مجال معيّن (مثل الكلمات باللغة العربية أو الأسماء الجغرافية) إلى نتائج مثيرة للاهتمام أيضًا. أخيرًا، تفحّص هذا الفصل على وجه التحديد مقالات تشمل في عنوانها و/أو محتوها كلمات «مسلم/ مسلمة/ مسلمون/ مسلمات»، غير أن ربط معاملتها وتكرار الإشارة إليها في مجموعة أكبر تحتوي على مقالات عن أي موضوع، يمكن أن يشير إلى مقدار بروز المسلمين في أذهان الصحفيين.
تقدم آمنة مصطفى دلّة -أستاذة مُحاضرة بقسم العلوم السياسيّة في جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف بالجزائر- قراءة نقديّة لأبرز التحديات الأمنيّة التي تواجّه دول أميركا اللاتينية والكاريبي، خصوصًا الحرب على التطرف والإرهاب ودورها في التأطير الأمني للمسلمين، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، وتتناول مكافحة الجريمة المنظمة والمخدرات، فتستعرضها في قسمين: أولاً: الحرب الأميركيّة على الإرهاب في أميركا اللاتينية والكاريبي، ثانيًا: الجماعات الإجراميّة والحرب العالميّة على المخدّرات.
خلصت الباحثة إلى أنه في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2023، أصدرت (19) دولة من دول أميركا اللاتينية والكاريبي بيانًا مشتركًا، أقرت فيه بالحاجة إلى إعادة التفكير في الحرب العالمية على المخدرات، والتركيز بدلًا من ذلك على «الحياة والسلام والتنمية»، وأضافت أنّها وفي ظلّ المقاربة العِقابيّة التي تكرّسها هذه الحرب، لم تُحقّق النتائج المرجوة من مكافحة مشكل المخدرات العالمي، مما أدى وفي كثير من الأحيان إلى عدم تسوية المشاكل الكامنة، واستغلال واستفحال مكامن ضَعف مجتمعاتنا وأراضينا. لا تعبر هذه التصريحات عن خيبة أمل القادة اللاتينيين والكاريبيين من «المقاربة الأمنيّة التي كرّستها الحرب العالميّة على الإرهاب وفشلها في تحقيق الأمن والاستقرار في دولهم، بقدر ما تُؤكّد أهميّة الأخذ بعين الاعتبار الشواغل المحليّة كأساسٍ لأيّ هندسة محتملة للأمن في هذه الدول. ولعلّه الافتراض الذي حاولنا توضيحه على طول المحور.
لفتت الدراسة إلى أن الباحثين الأمنيين اللاتينيّين والكاريبيّين يتحدّثون حاليًا عن العَسكرة المُفرطة للفضاء العام، كنتيجة مباشرة للحروب التي شنّتها دول أميركا اللاتينيّة والكاريبي على الجريمة والإرهاب، وكيف أنّها ساهمت في تقويض مؤسّسات الدولّة من خلال استنفاد مواردها الماليّة والبشريّة، وفي تقويض دعائم أيّ حكمٍ ديمقراطيّ بسبب حالة الاستثناء الدائمة التي تفترضها، وكيف أنّها دمّرت التجانس المجتمعي للشعوب اللاتينيّة والكاريبيّة من خلال أمننتها المتكرّرة لمجموعات بعينها، أكانوا السود الأفارقة أو المسلِمين أو ساكِنة مناطق العمليّات الخاصة التي تستهدفها حروب هذه الدول. والأسوأ من ذلك أنّها تُكرّس وعلى نحوٍ عكسيّ دوامة من العنف لا يساهم في استفحالها عُنف الجماعات التي صنّفتها هذه الدول «إجراميّة»، ولكنّه عُنف الدولة الرسميّ المشروع بلغة الدولة الحديثة.
تناولت دراسة ماهر فرغلي -باحث مصري متخصص في الحركات الإسلاموية- الشبكات الإسلاموية المتطرفة في أميركا اللاتينية وانتشارها، فركزت على المؤسسات الخلفية الحاضنة للتطرف، وقوائم الشبكات المتطرفة، وتأثيرها في مستقبل هذه الشبكات.
يرى الباحث أن تنظيمات مثل القاعدة وداعش وحزب الله نجحت في بناء قاعدة كبيرة لها في دول أميركا اللاتينية عبر مؤسسات العمل الاجتماعي والدعوي، وبناء شبكة من المدارس والجمعيات، التي تتقاطع مع مؤسسات رئيسة رسمية متصلة مع العالم الإسلامي، دون أن ينظر لها الجميع بأي ريب، إلا أنها نجحت في العمل بين الأقليات الدينية ونجحت في التخفي والكمون. كما اخترق التيار السروري مؤسسات عدة، ويحرص على إنشاء مؤسسات كثيرة، وهناك شخصيات ليست تنظيمية، عملت من أجل «البيزنس وتجارة الحلال». وبيّن فيها كيف استغل عناصر من المنضوين في التنظيمات الإسلاموية في أميركا اللاتينة الحريات بعد حصولهم على الجنسية، وأثّروا في طريقة تفكير الجاليات المسلمة، وسعوا إلى التواصل مع النخب المسلمة وغير المسلمة العاملة في وسائل الإعلام والحكومة والأكاديميات، ووفروا الخدمات الاجتماعية للعائلات المتواضعة ماديًا من المسلمين أو غير المسلمين. ومع الوجود الإخواني الكبير في أميركا اللاتينية، تمكنت مؤسسات الجماعة من حماية الإخوان الهاربين، بعضهم موضوع على قوائم الإرهاب الدولية، وأصبحت أميركا اللاتينية تمثل ملاذًا آمنًا لعناصر هاربة، ومكّنتهم قوانينها من الحصول على جنسية بعض الدول، مما يمكن أن يشكل خطرًا مُستقبليًّا.
يستنتج الباحث أن التنظيمات الإسلاموية المتطرفة تستغل الحريات في دول أميركا اللاتينية في سبيل بناء مؤسسات ونشر أيديولوجيتها. ومن أجل مواجهة هذا الخطر، من المهم أن تقوم الدول بوضع لوائح واضحة للمنظمات والشخصيات الإرهابية، وأن يتم دعم مُؤتمرات دعاة الوسطية، والتنسيق مع الدول بالقارة، وإنشاء هيئة مسؤولة عن تنسيق العمل الدعوي والاجتماعي، والتدقيق في ملفات المسافرين إليها. ومن المهم الفصل بين مؤسسات البيزنس، التي تتخذ الدعوة الدينية وسيلة للكسب، والمؤسسات الدعوية، التي تستغل الدعوة في تمويل عمليات التجنيد والاستقطاب، وأخيرًا، توعية الجاليات المسلمة على مخاطر الإسلامويين.
تناولت أحمد زغلول شلاطة -باحث مصري متخصص في الحركات الإسلاموية- اقتصاديات الحلال في دول أميركا اللاتينية، محددًا أبرز أسباب نموها، فضلًا عن موقع الإسلام السياسي في تلك القِطاعات وأبرز أزماته في تلك المنطقة. تحاول الدراسة الإجابة عن سؤال أساسي: إلى أي مدى يمكن أن تصبح أميركا اللاتينية واقتصادياتها الحلال بيئة لوجستية بديلة للتيارات الإسلاموية في ظل الموقع المُتقدم لبعض دول المِنطقة على خريطة الاقتصاد الحلال العالمي؟ يقسم الباحث دراسته إلى ثلاثة أقسام: أولاً: الاقتصاد الحَلال: معالم أولية؛ يبحث فيها: عوامل نمو سوق الحلال، وطبيعة السوق ومُكوناته، وشَهادة الشركات والفرص. ثانيًا: اقتصاديات الحلال في أميركا اللاتينية، ويبحث فيها: طبيعة المُنتجات الغِذائية الحَلال، والصّادرات اللاتينية إلى الدول الإسلامية. ثالثًا: الإسلام السياسي واقتصاديات الحلال، فيقدم نموذجي البرازيل، والباراغواي.
على الرغم من تنامي الاقتصاديات الحلال، لأسباب اقتصادية وشرعية نتيجة لتلبية احتياجات المُسلمين، سواء في المُجتمعات الغربية أو الإسلاميّة، فإن وتيرة نموها -على الجَانب الآخر- تَسارعت لأسباب أيديولوجيّة. بَدا ذلك في اشتباك الإسلام السّياسي مع الاقتصاد الحَلال عبر عقود لأهداف عدة أبرزها أنه القِطاع الذي:
يرى الباحث أنّ المَسار السياسي الذي اتّخذته الباراغواي بحظر الإخوان المُسلمين، وإن كان لأسباب سياسيّة -مُتعلقة بدرجة كبيرة بالإصلاح السّياسي والأمني الدّاخلي- فإن هذا القرار قد يكون مَدخلًا على المديين المتوسط والبعيد لإعادة نظر السلطات المحلية -سواء في الباراغواي أو غيرها من الدول اللاتينية- في الشركات العاملة في قطاعات الحلال، في سبيل تفكيك بنية الإرهاب ومُؤسساته الداعمة، عبر تجفيف مصادر التمويل التي تعود إلى التنظيمات الإٍسلامية المعولمة، والعاملة في الداخل اللاتيني سواء تلك المُنخرطة في المؤسسات التي تصدر شهادات الحلال، أو الشركات المختلفة الأحجام العاملة في تلك القطاعات، فضلًا عن المؤسسات الوسيطة.
يعتقد الباحث أن أهم ما يُعيق تفعيل تلك التجربة وتكرارها في دول أخرى -على الأقل في المدى المنظور- هو أن استمرار الأزمات السّياسية والاقتصادية، وضَعف القَانون في كثير من الدّول اللّاتينية يَجعلها بيئة مُناسبة لمُختلف الأنشطة غير المَشروعة، ومَسارًا مُناسبًا للأنشطة المالية المَشبوهة، وبالتالي فُرصة خِصبة للإسلام السّياسي الذي يسعى دائمًا إلى تعظيم استفادته من تلك البيئات بأي صورة، ليكون الحل الفعلي لمكافحة تلك المسارات البديلة، هو في وجود توجه محلي من الأنظمة الحاكمة ومُجتمعاتها للإصلاح السياسي، ومكافحة مُختلف الأنشطة غير الشرعية بهاـ وتَنظيم حركة الأموال منه وإليه، بالتوازي مع دعم المجتمع الدولي لذلك، في ظل الحرب الدولية على الإرهاب.
رصد عبدالإله سطّي -باحث وأكاديمي، أستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة ابن زهر- أكادير المغرب- خريطة انتشار حزب الله بدول أميركا اللاتينية، فأبرز العوامل المؤدية إلى ذلك، وحدد الآليات التي يستخدمها الحزب في توطيد هذا الحضور، وأخيرًا، يستشرف البحث مستقبل الحزب، في ظل تزايد عدد دول أميركا اللاتينية التي تصنفه ضمن خانة المنظمات الدولية الإرهابية. مقسّمًا دراسته إلى أربعة أقسام: أولاً: خريطة انتشار حزب الله بأميركا اللاتينية في فنزويلا والمنطقة الحدودية الثلاثية، ثانيًا: الدوافع العقائدية والمصالح الاستراتيجية، ثالثًا: شبكات التّطرف والتجارة غير المشروعة، رابعًا: مستقبل حزب الله بدول أميركا اللاتينية.
يخلص إلى أن الوجود والنّشاط واسع النطاق لحزب الله وراعيته إيران بدول أميركا اللاتينية، يظهر تجاوزه المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية والعقائدية، إلى مستوى التعبئة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية. حيث يبدو واضحًا دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية واستراتيجيتها في خلق قاعدة أتباع ونفوذ بارز بدول أميركا اللاتينية، مع توفير الغطاء الدبلوماسي في توسع وانتشار خريطة حزب الله. وقد أخذ هذا الوجود أشكالًا وغايات ووسائل متعددة: أولاً لأنه يأخذ مظهرًا دينيًّا عبر التّعبئة الشّعبيّة للمذهب الشّيعي، ومَبادئ الثّورة الخُمينيّة، والتي تسعى إلى خلق منصة نفوذ قارة بالمنطقة؛ لما توفره جغرافية دول أميركا اللاتينية من مكانة استراتيجية خلف العدو الكلاسيكي لإيران، المتمثل في الولايات المتحدة الأميركية.
ثم ثانيًا يأخذ هذا الوجود مَظهرًا اقتصاديًّا وتجاريًّا، لما توفره دول أميركا اللاتينية من إمكانية التّمدد الاقتصادي، خُصوصًا في المنطقة الحُدودية الثلاثية كمنطقة حرة آمنة للتّحرك والنّشاط التجاري بمختلف أنواعه: المشروع وغير المشروع، مما يُمكن الحزب من توسيع موارده المالية، وتجديد مَكاسبه ومَنافعه الاقتصادية.
أما ثالثًا، فقد مكّن التلاقي الموضوعي بين حزب الله ودول أميركا اللاتينية، في مُعاداة الدّول اللّيبرالية والتّوجه الرأسمالي، من تَجسير أواصر التّعاون وفتح قنوات التّواصل بين الطّرفين، مما ساعد الحِزب على بَسط نفوذه في العديد من دول المنطقة. لافتًا إلى توسع خريطة انتشار حزب الله بدول أميركا اللاتينية، منذ الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) مع وصول أعداد كبيرة من المهاجرين اللبنانيين؛ حيث استغل كل من حزب الله وإيران هجرة اللاجئين عن طريق زرع العديد من العملاء، وتجنيد المتعاطفين من بين المهاجرين العرب والمسلمين في القارة.
لقد أسفرت جهودهما عن إنشاء خلايا تابعة لهما في جميع أنحاء المنطقة، مما مكنهما من بناء شبكات واسعة من الدعم من العائلات وأبناء الشتات من المهاجرين في جميع أنحاء أميركا الوسطى والجنوبية، وكذلك منطقة البحر الكاريبي. وكانت النتيجة إنشاء كل من خلايا حزب الله، شبكات متبلورة نسبيًّا من أفراد من أصل لبناني، وخاصة المسلمين الشيعة، الذين قدموا قدرًا معتبرًا من الدعم المالي لحزب الله. مشيرًا إلى أنه مع نمو المجتمع المسلم في منطقة الحدود الثلاثية (TBA)، المعقل الأصلي والمركزي للحزب -إلى جانب فنزويلا- زادت أيضًا حاجته إلى المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية التي تلبي احتياجات المجتمعات العربية والإسلامية المحلية. مما أدى إلى بلورة استراتيجية لنشر التشيع وفق العقيدة الإيرانية الملالية، عبر إنشاء مراكز دينية وثقافية في العديد من البلدان التي وفرت غطاء مناسبًا للمد الشيعي بالمنطقة، مما خلق أتباعًا ومتعاطفين جددًا للحزب. كما رأى أن عمل الحزب، في أحيان أخرى، من أجل تنويع موارده على الانخراط في الأنشطة غير المشروعة؛ وإبرام صفقات ومعاملات تجارية مع كارتيلات إجرامية بدول أميركا اللاتينية، وكل ذلك من أجل توفير موارد مالية للتعبئة ودعم هياكله التنظيمية. ونشير هنا -على سبيل المثال- لما لعبته منطقة الحدود الثلاثية، حيث تلتقي حدود البرازيل والأرجنتين والباراغواي عند شلالات إجوازو الشهيرة، التي توصف بــ«الأمم المتحدة للجريمة»، حيث هناك، وجد حزب الله منطقة تجارة حرة تعاني من نقص التنظيم -إلى حد كبير- وجاهزة للاستغلال وبسط نفوذه التنظيمي.
قدّم عبدالقادر عبدالعالي -باحث وأكاديمي جزائري، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الطاهر مولاي بالجزائر- في دراسته إحاطة بأنشطة الإسلامويين، وتداعياتها الأمنية على الجاليات المسلمة في دول أميركا اللاتينية، مستكشفًا حدود تأثير الإسلامويين وقضايا الشرق الأوسط في وضعية هذه الجاليات، وواقع التعايش وصورة الإسلام. جاءت الدراسة في أربعة أقسام: أولاً: مسلمو أميركا اللاتينية: التاريخ والخلفيات؛ ويبحث فيه: التنوع الثقافي والديني لمسلمي أميركا اللاتينية، والمجموعات الصوفية، وجماعة التبليغ، والأحمدية، والوجود الشيعي الاثنا عشري والعلوي. ثانيًا: الإسلامويون في أميركا اللاتينية ومعضلاتهم، المتمثلة في: النشاط الإسلامي بين الاندماج والحفاظ على الهوية، وتصدير قضايا الشرق الأوسط إلى المجتمعات الجديدة، والانقسامات العميقة ومحدودية العمل السياسي، ومظاهر الإسلاموفوبيا ومضايقة المسلمين. ثالثًا: الإسلامويون بين الدعوة إلى الإسلام وتصدير الإرهاب، متناولًا: الإسلامويين والعمل الإسلامي والدعوي، والإخوان المسلمون والتنظيمات الحركية، وتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش في أميركا الجنوبية، وحزب الله ونشاطه. رابعًا: الإسلامويون في أميركا اللاتينية والاندماج، ويتناول فيها: السياسات الأمنية، وإعادة التنشئة الاجتماعية للإسلامويين في أميركا اللاتينية، وأنشطة الحوار بين الأديان والتسامح والانفتاح.
يرى الباحث أن خطاب التطرف كأحد مخرجات وجود الإسلامويين، وتوظيفهم لقضايا الشرق الأوسط، يتطلب حلولًا عملية تتمثل في الاعتناء بالجاليات المسلمة، التي تحتاج إلى أئمة ومرشدين دينيين يتسمون بالاعتدال ونبذ التطرف، ومراقبة نشاط الجمعيات والمراكز الإسلامية تحت مظلة هيئات معتمدة ومعترف بها دوليًّا، على غرار رابطة العالم الإسلامي ومؤسسة الأزهر، كما أن واقع المجتمعات اللاتينية التي تتجه نحو الديمقراطية والاعتراف بالتعددية الدينية وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وتأسيس المدارس والمنظمات الدينية، تعد بيئة جديدة يصادفها الإسلاميون والجماعات الدينية الإسلامية، مما يدفعهم لتعديل خطابهم الديني، وهو ما تجسد في ظهور دعاة إسلاميين جدد يعبرون عن بيئة أميركا اللاتينية، وينتبهون إلى خطورة تصدير مشكلات الشرق الأوسط وقضاياه إلى بيئة المسلمين في أميركا اللاتينية.
جاءت دراسة إسحاق كارو (Isaac Caro) -أستاذ في قسم السياسة في جامعة ألبرتو هورتادو (Alberto Hurtado University) بتشيلي- في أربعة أقسام، يتناول الأول الخلفية المعاصرة للحركة النازية الجديدة في تشيلي، والحركة الوطنية الاجتماعية المتهمة بالنازية. ويشير القسم الثاني إلى الإطار النظري للتوصيفات التي تفرِّق بين الحزب والحركة وأحزاب الحركات والنازية. ويشرح القسم الثالث الإطار المنهجي، بناء على دراسة حالة. ويعرض القسم الرابع النتائج.
ثمة سوابق مهمة لفضاء النازيين الجدد في تشيلي -كما يلفت الباحث- تعود إلى فترة الرايخ الثالث، حيث كانت هناك منظمة نازية وأحزاب سياسية، ومستعمرة ألمانية مهمّة، كانت جزئيًّا مدخلًا للأيديولوجية النازية. وفي حالة تشيلي، فإن افتراض وجود «عرق تشيلي»، كان يعتبر متفوّقًا، أدى إلى تطوير مفهوم «النازية» المتكيّف مع السياق التشيلي. وإلى جانب ما سبق، فإن ما يسمى «مذبحة سيغورو أوبريرو» يعد حدثًا أساسيًا تتذكّره حركة النازيين الجدد، بالإضافة إلى قادتها الرئيسين، ممثّلين بميغيل سيرانو وإروين روبرتسون وألكسيس لوبيز.
ظلّت باتريا نويفا سوسيداد ما يزيد على عقد من الزمان (2000-2010) الحركة الرئيسة لعالم النازيين الجدد في تشيلي. ويعود تفكّكها جزئيًّا إلى فشلها في تثبيت نفسها حزبًا سياسيًّا. وهنا يبرز طموح مهم للحركات السياسية النازية الجديدة: أن تصبح أحزابًا سياسية، ومن ثم تصبح منظمات مؤسسية. غير أن ذلك لم يكن ممكنًا. ويرجع ذلك جزئيًّا إلى وجود قانون مكافحة التمييز، وهو القانون رقم (20.609)، المؤرخ سنة 2005.
على أنقاض باتريا نويفا سوسيداد، تنشأ حركات جديدة، من أهمها الحركة الوطنية الاجتماعية، التي قادها وأسّسها بِدرو كونستمان سنة 2017، تحت شعار «الله، الوطن، العائلة». هذه الحركة، التي تعارض بشدّة «أيديولوجية النوع الاجتماعي»، لديها قادة مهمّون من اليمين المتطرّف الأوروبي بمثابة مرجعيات دولية. ويستند دعمهم إلى أيديولوجيتهم القومية، ومكافحة الهجرة ومعارضة الليبرالية. المرجعيات الدولية الرئيسة للحركة الوطنية الاجتماعية ليست حركات نازية جديدة أخرى، بل قادة اليمين الراديكالي الجديد. فلاديمير بوتين هو أحد القادة الدوليين الرئيسين، ويحظى بالتقدير لدعمه للأسرة، ومعارضته لمجتمع الميم، والولايات المتحدة وحلفائها، والليبرالية الجديدة. ومع بدء الحرب في أوكرانيا، تعزّز التقييم الإيجابي لبوتين وروسيا، من أجل مواجهة أوكرانيا المرتبطة بكل «الانحرافات الجنسية» القادمة من الغرب.
سالفيني وأوربان ولوبان قادة آخرون لليمين الراديكالي الأوروبي الجديد، يحظون بتقدير كبير من الحركة الوطنية الاجتماعية. فهم يقدّرون لمكافحتهم للهجرة والجريمة؛ ومعارضتهم للنزعة التقدّمية والعولمة، ممثّلة بالولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي؛ ودعمهم للقومية والتقاليد والأسرة.
وفي حالة أميركا، فإن الزعيم الرئيس المذكور هو بوكيلة، الذي يقدّر مرارًا وتكرارًا لمكافحته الجريمة. وهناك عدد أقل من الإشارات الإيجابية إلى ترمب وبولسونارو. من ناحية أخرى، هناك زعيمان آخران من اليمين الراديكالي الجديد، كاست وميلي، يحظيان بتقدير سلبي من الحركة الوطنية الاجتماعية: ينظر إلى النضال الصغير ضدّ الهجرة واقتراح تقليص الدولة، على التوالي، بأنهما يتعارضان مع الموقف القومي، ودعم السيادة الوطنية.
قّدمت "وحدة الرصد والترجمة" في مركز المسبار ترجمة للمحاضرة السنوية (التاسعة والخمسين) في مؤسسة ديتشلي (Ditchley Foundation)، التي قدمها مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA)، وليام بيرنز (William Burns) في يوليو (تموز) 2023، حدد فيها اتجاهات الأمن العالمي، بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، لا سيما بعد الحرب الروسية -الأوكرانية، وركّز على التحديات الآتية من الصين بالنسبة لبلاده، والتنافس بين واشنطن وخصومها في إفريقيا وأميركا اللاتينية، وشرح المخاطر الناجمة عن الأمن السيبراني والإفادة من الثورة التكنولوجية.
حددت المحاضرة نجاح الأميركيين على قدرتهم على الإبحار في عالم بثلاث سمات مميزة:
أولاً: التحدي المتمثل في المنافسة الاستراتيجية من الصين الصاعدة والطموحة، ومن روسيا التي تذكرنا باستمرار بأن القوى المُتراجعة يمكن أن تكون مُدمرة، على الأقل مثل القوى الصاعدة.
ثانيًا: المشاكل المرتبطة بمستقبل البشرية، مثل: أزمة المناخ والأوبئة العالمية، والتي يصعب على أي دولة معالجتها بمفردها، والتي تزداد تطرفًا ومخاطر وجودية.
ثالثًا: الثورة في التكنولوجيا، والتي تغير طريقة عيشنا وعملنا ومقاومتنا ومنافستنا، مع الاحتمالات والمخاطر التي لا يمكننا استيعابها بالكامل حتى الآن.
تلفت المحاضرة إلى أن هذه التحديات تتعارض أحيانًا مع بعضها البعض، حيث يكون التعاون بشأن المشاكل العالمية المشتركة أكثر حيوية وصعوبة، وغالبًا ما يكون ضحية للمنافسة الاستراتيجية. أما الثورة في مجال التكنولوجيا، فهي ساحة رئيسة لتلك المنافسة، وهي ظاهرة تكون فيها بعض الشراكة الأساسية ضرورية لوضع قواعد على الطريق، لتعظيم فوائد التقنيات الناشئة وتقليل مخاطرها. قبل أن يشير إلى أن التحدي الجيوسياسي الأكثر إلحاحًا لوحدة النظام الدولي اليوم، هو غزو فلاديمير بوتين الشامل لأوكرانيا (أكبر حرب في أوروبا منذ جلس ونستون تشرشل في غرفة نومه هنا في ديتشلي، وهو يملي رسائل زمن الحرب على فرانكلين روزفلت)- حسب وصفه.