رؤى جزائرية في التعامل مع ذاكرة الإرهاب (2002-2022) التعافي- التدين- الفنون


يتناول هذا الكتاب المحاولات والمبادرات والممارسات التي تبنتها الجزائر، لإدارة تداعيات العشرية الدموية (2002-1992) وأثرها على الذاكرة الجمعية الجزائرية، وكيفية التعاطي مع تبعات الإرهاب على المستويات القانونية والثقافية والتعليمية والنفسية، ويكثف تسليط الضوء على المحاولات المجتمعية والحكومية المشتركة لاستيعاب الصدمة، وتجاوزها عبر مساومات وتفاوضات محددة.

  وثّقت الدراسات خلفية العنف الإسلاموي وغطت انفجاره، وناقشت تعامل الجهات الرسمية معه، ولاحظت غياب مسارات الشفاء عن المناهج الدراسية وتغييب «المأساة الوطنية»، وركّزت على سجناء قضايا الإرهاب واستراتيجية مكافحته، وعرضت التدابير القانونية، والمبادرات التشريعية المتخذة، ورصدت مساعي تعزيز السلم في المنظومة التربوية، وإعادة بناء مناهج العلوم الشَّرعيَّة في الجامعات الجزائريَّة، واستكمالاً لتقييم مستويات الأمن الروحي دُرِّست التدابير الدينية، للقضاء على التطرف. ثقافيًا، طرحت المبادرات الثقافية لمكافحة الراديكالية، ودور الدراما التلفزيونية والسينمائية الجزائرية.


تم النشر في: September 2022


front171

قائمة الفصول


# اسم الكتاب سعر اشتري الآن
1 التجربة الجزائرية الأمنية والسياسية في درء خطر الإرهاب 45 د.إ
2 سياسة الذاكرة الجمعية الجزائرية (2022-2002) في التعامل مع ملف العشرية الدموية 45 د.إ
3 تجربة الجزائر مع التطرف في السجون (2022-2002) بعد العشرية الدموية 45 د.إ
4 الاستراتيجيات الجزائرية في مكافحة الإرهاب (2022-1999) 45 د.إ
5 التدابير القانونية والإجرائية لمكافحة الراديكالية وإعادة بناء الذاكرة في الجزائر (2022-2002) 45 د.إ
6 ترسيخ السلم في مناهج التدريس في المنظومة التربوية الجزائرية (2022-2002) بعد العشرية الدموية 45 د.إ
7 إعادة بناء مناهج العلوم الشّرعية في الجامعات الجزائريّة بعد العشريّة الدمويّة 45 د.إ
8 التدابير الدينية للقضاء على الراديكالية الدموية في الجزائر (2002-2022) 45 د.إ
9 دور المؤسسة الدينيّة في المصالحة الوطنية الجزائرية 45 د.إ
10 الحركات الجمعوية والزوايا والمنظمات التقليدية في ضوء القضاء على الراديكالية بالجزائر (2002 - 2022) 45 د.إ
11 المبادرات الثقافية لمكافحة الراديكالية في الجزائر (2022-2002) 45 د.إ
12 دور الدراما التلفزيونية الجزائرية في مكافحة التطرف وعلاج رواسب المأساة (2022-2002) 45 د.إ
13 تأثير أعمال أحمد بن مصطفى العلاوي على مبادرات السلم الجزائرية 45 د.إ
ملاحظة: الدراسات متاحة فقط كملف تنزيل في إصدار PDF.

شرح الكتاب


ملخص بحوث العدد (189) سبتمبر (أيلول) 2022

رؤى جزائرية في التعامل مع ذاكرة الإرهاب (2002-2022):

التعافي - التدين – الفنون

 

التقديم

تناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في مقدمة كتابه المعنون «رؤى جزائرية في التعامل مع ذاكرة الإرهاب (2002-2022): التعافي – التدين – الفنون» المحاولات والمبادرات والممارسات التي تبنتها الجزائر، لإدارة تداعيات العشرية الدموية (1992-2002) وأثرها على الذاكرة الجمعية الجزائرية، وكيفية التعاطي مع تبعات الإرهاب على المستويات القانونية والثقافية والتعليمية والنفسية، ويكثف تسليط الضوء على المحاولات المجتمعية والحكومية المشتركة لاستيعاب الصدمة، وتجاوزها عبر مساومات وتفاوضات محددة.

وثّقت الدراسات خلفية العنف الإسلاموي وغطت انفجاره، وناقشت تعامل الجهات الرسمية معه، ولاحظت غياب مسارات الشفاء عن المناهج الدراسية وتغييب "المأساة الوطنية"، وركّزت على سجناء قضايا الإرهاب واستراتيجية مكافحته، وعرضت التدابير القانونية، والمبادرات التشريعية المتخذة، ورصدت مساعي تعزيز السلم في المنظومة التربوية، وإعادة بناء مناهج العلوم الشَّرعيَّة في الجامعات الجزائريَّة، واستكمالاً لتقييم مستويات الأمن الروحي دُرِّست التدابير الدينية، للقضاء على التطرف. ثقافيًا، طرحت المبادرات الثقافية لمكافحة الراديكالية، ودور الدراما التلفزيونية والسينمائية الجزائرية.

التجربة الجزائرية الأمنية والسياسية في درء خطر الإرهاب

تناول الأكاديمي والباحث الجزائري، أستاذ القانون العام بجامعة قاصدي مرباح ورقلة – الجزائر "إسماعيل الأطرش" في دراسته ظاهرة الإرهاب في الجزائر وظهورها ومراحل وآليات التصدي لها، وسعى فيها إلى إبراز أهم مراحل الصراع بين النظام وأجهزة الدولة الأمنية ومختلف الجماعات الإسلامية المتطرفة، مشيرًا إلى أن الصراع شهد مرحلتين، الأولى تميزت بطابعها الأمني (1992-1999)، لما اتسمت به من أحداث دموية تمثلت في ارتكاب المجازر وعديد الجرائم الإرهابية، قابلتها مواجهة عسكرية وأمنية حازمة، لكن المواجهة المباشرة التي اعتمدتها الدولة الجزائرية في مقاربتها الأمنية للتصدي للعمليات الإرهابية نتج عنها خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، مما دفع بالنظام الجزائري آنذاك إلى تغيير استراتيجية محاربة الإرهاب الهمجي، بالانتقال إلى مرحلة ثانية (1999-2005) من الصراع عبر المساعي والحلول السياسية، دون التخلي نهائيًا عن العمليات العسكرية التي كانت تفرضها أحيانًا ظروف المواجهة، فجاءت مبادرات الهدنة والمفاوضات مع قيادة الأحزاب الإسلامية وقيادات الجماعات الإسلامية المسلحة المتطرفة، من أجل وضع السلاح والبحث عن حلول سياسية للأزمة، حيث اقترحت الدولة في هذا الصدد عدة قوانين ومبادرات: قانون الرّحمة سنة 1995 الذي تمّ اقتراحه من طرف الرّئيس اليمين زروال.

يشير الباحث إلى أن البعض رأى أنّ هذا المشروع، شكل الولادة الأولى لاستعادة السلم والأمن في الجزائر، وتمهيدًا لتغيير العقلية التي كانت تفكّر بها الجماعات الإسلامية في الجزائر، وأنّ النظام الجزائري يدعو إلى التّسامح أكثر مما يدعو إلى العنف، وهو ما دفع بالمشرّع الجزائري إلى تعميق مفهوم التّسامح وجعله أكثر رحابة.

يعرج الباحث على قانون الوئام المدني الذي تزامن طرحه مع اعتلاء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة سدّة الحكم بتاريخ 27 أبريل (نيسان) 1999، واعتُبر هذا المسعى الجديد أحد المشاريع السياسية الكبرى التي مهّدت للسلم والأمن في البلاد، أما ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، فجاء مكمّلاً لمسعى الوئام المدني، وتمّ الاستفتاء عليه شعبيًا بأغلبية مطلقة بتاريخ 29 سبتمبر (أيلول) 2005 بنسبة (97.38%).

تخلص الدراسة إلى أن تجربة مكافحة الإرهاب في الجزائر ظلّت مقرونة بالحذر ومواجهة التّحديات والعقبات، وبقيت في الوقت ذاته متمسّكة بخيار كسب معركة الإرهاب ومكافحته عبر تدعيم المقاربة التقليدية (أمنية- سياسية) بمقاربات أخرى متعددة (قانونية، اقتصادية، اجتماعية، عسكرية وأمنية، دينية وفكرية، وثقافية... إلخ) وفق ما يتلاءم ومتطلبات المرحلة، ولقد أثمرت كل الجهود المبذولة أخيرًا في تقليص حجم التهديدات الإرهابية، ممّا يدُل على نجاح الجزائر عمومًا في مكافحة ظاهرة الإرهاب، وتجاوز جميع المراحل الصّعبة والحرجة التّي عانت منها في السّابق ولعهد طويل.

سياسة الذاكرة الجمعية الجزائرية (2002-2022) في التعامل مع ملف العشرية الدموية

سعت دراسة أستاذ التعليم العالي في العلوم الاجتماعية بجامعة ورقلة- الجزائر "عبدالله لبّوز"، إلى إبراز أهم محطات ذاكرة الماضي العنيف الذي عاشته الجزائر خلال العشرية الدموية (1992-2002) وكيف أثر في التعامل مع الحلول والأزمات المختلفة، وما بذل من جهود من قبل الفاعلين لأجل تضميد الجروح والتئامها، وكيف تعافت الجزائر من عشرية طال أمد انتظارها وفُقدت بوصلتها وبصيص أمل الخروج منها لردح من الزمن، وكذلك العواطف التي تراكمت من هذه التجربة والدروس المستقاة من ذلك الماضي الذي أثرت ذاكرته بشكل مباشر في التظاهرات الشعبية بعد 22 فبراير (شباط) 2019، أو ما يسمى "الحَراك الشعبي" الذي غيّر مفاهيم كثيرة على المستويين الداخلي والخارجي. تنطلق الدراسة من إشكالية أساسية: كيف تعاملت سياسة الذاكرة الجمعية الجزائرية مع ملف العشرية الدموية خلال الفترة الممتدة بين عامي (2002-2022)؟ وكيف تعافت الجزائر من خلالها من جروح الإرهاب في تلك العشرية؟

يلفت الباحث إلى أن ذاكرة العشرية الدموية في الجزائر لعبت دورًا محوريًا في إنتاج شرعية النظام السياسي وتأطير تصورات المواطنين لنظام ما بعد تلك العشرية، وكذا الحلول التي تعافت البلاد خلالها من تلك الأزمة وعودتها إلى الحياة الطبيعية وإلى حظيرة المجتمع الدولي، في الوقت الذي شحت فيه البحوث والدراسات التي تناولت سياسة الذاكرة الجمعية بخصوص تلك العشرية، وكيف تم تمثيل تلك الذاكرة واستعادتها (أو إعادة بنائها) من قِبل المواطنين في عموم ما كُتب وما قُدم من تحليل وسرد عام، ومَسح وفَحص المنصات العامة، والمحادثات التي تناولت ماضي تلك الحرب الأهلية -كما نعتها البعض- في الجزائر، والإجراءات التي رافقت المطالبة بالعدالة الانتقالية، في ظل سياسات الوفاق المجتمعي والوئام المدني وإجراءات وتدابير تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وبسبب المجازر البشعة وارتفاع عدد الضحايا اضطر كلا الجانبين لوقف إطلاق النار من جانب واحد مع الحكومة عام 1997، ومع ذلك استمرت المجازر حتى مجيء الرئيس (عبدالعزيز بوتفليقة)، بمشروع مبادرة مصالحة أوسع وأشمل، فبدأت المفاوضات بشكل جديّ مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ وجناحها العسكري الجيش الإسلامي للإنقاذ، وحصل على موافقة مبدئية منها بنزع أسلحتها مقابل العفو عن المعتقلين الذين لم يرتكبوا أعمال قتل واغتصاب في حق المدنيين.

تلاحظ الدراسة أن الإرهابيين السابقين من "الجيش الإسلامي للإنقاذ" استفادوا على إثر قانون المصالحة الوطنية بالإضافة إلى العفو من منازل كبيرة، وعقارات وأنشطة تجارية هامة وتمتعوا بحصانة كاملة، بل أصبحوا يتمتعون بصلاحيات لم تكن لهم من قبل، كما تم تجاهل الفظائع الكبيرة التي ارتكبت ضد المدنيين من أي جهة كانت، وأكد الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة (1937-2021) أن اللجنة الاستشارية الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان (CCRH) يجب ألا تعتبر لجنة تحقيق تحل محل السلطات الإدارية والقضائية، ما أثار الجدل في عملية المصالحة الوطنية في الجزائر هو تحديد الضحية، ومن سيُحسب ضحيةً لا يزال محل جدل. لافتًا إلى أن الكثير من الجزائريين يعتبرون هذه المساواة بين "الضحايا" و"الجناة" استراتيجية لعرقلة "العدالة الانتقالية" أو إعاقة العدالة وتجنب المساءلة الاجتماعية وحماية الأطراف المتحاربة المتورطة في العنف. بالإضافة إلى ذلك هناك جهل تام بالذاكرة الجمعية للمأساة الوطنية سواء في المناهج التربوية لمواد العلوم الاجتماعية كالتاريخ، أو عند الباحثين الذين يسعون للتحقيق في الفظائع قد يواجهون قيودًا مختلفة، تجنبًا لإثارة الموضوع ورفعه للواجهة من جديد. ومن الجدير ذكره يلفت الكاتب إلى ما أعلن عنه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بأنه مستعد لعقد صفقة مع الإسلاميين، من أجل إحلال السلم والاستقرار في البلاد، منذ بداية حملته، ووضع المصالحة الوطنية في قلب برنامجه السياسي، بقوله: "أنا مصمم على صنع السلم، وأنا مستعد للموت من أجله".

يرى الباحث أن نهج المصالحة الوطنية الذي تبنته السلطة بعد العشرية الدموية، يحمل معضلة أثارت الكثير من الانتقادات بين المواطنين، حيث اعتبر أن جل الجزائريين هم ضحايا الصراع، فساوى بين من تسبّبوا في معاناة الأبرياء وبين من تكبّدوا مآسيها، ووصفهم جميعًا بأنهم "ضحايا المأساة الوطنية"، وكونه مبنياً على فكرة مركزية وهي "حفظ السلم من خلال نسيان الماضي المؤلم"، تقوم على النسيان الجمعي للذاكرة لما مضى (التناسي) وكبته، أي تبني "سياسة فقدان الذاكرة" وهو مشروع سطره وتبناه (بوتفليقة) خلال حملته الانتخابية الرئاسية 1999، واستخدم لغة القرابة والروابط الأسرية لتشجيع ثقافة النسيان: "أخواتي، إخوتي، دعونا نضع أيدينا على بعضنا البعض ونغفر ما حدث في الماضي"، كلمة "سامح" في خطابه تعني النسيان، والتخلي عن المطالبة بالعقاب والثأر، وعدم رفع ثقافة المساءلة والتحقيق المعمق والمساءلة والبحث عن الحقيقة، وما يخالفها وصف بأنه فتنة في الرواية والخطاب الرسميين. لذلك سعت السلطة إلى تبني نهج "فقدان الذاكرة" وعدم إدراجه في المناهج التعليمية عن قصد، بحجة تغليب المصلحة الوطنية.

تجربة الجزائر مع التطرف في السجون (2002-2022) بعد العشرية الدموية

تجيب دراسة أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم السياسية في جامعة قسنطينة (3)- الجزائر "عبداللطيف بوروبي" عن ثلاثة أسئلة أساسية: ما المقصود بالسياسة العامة الأمنية القطاعية في الجزائر؟ وكيف ترتب أولوية الملفات الأمنية؟ وكيف يمكن تجاوز تداعيات العشرية الدموية، سواء ما تعلق بمن يحمل السلاح، أو السجناء في قضايا الإرهاب؟

تستعين الدراسة بخطة تاريخية قامت على تطور تجربة التعامل مع التطرف في السجون الجزائرية منذ 2002، من خلال منظومة القوانين والنصوص التنظيمية، والآليات المحددة لذلك في الواقع الميداني، بالتركيز على مبدأ جوهري يتمثل في السيادة الوطنية، حيث أهمية بناء السلم والأمن الدوليين. وتعقد مقارنة بين مختلف المراحل التاريخية للتطور. وتهدف إلى الإحاطة والإلمام بالعوامل والمتغيرات المؤثرة في السياسة العامة الأمنية الجزائرية، حيث توفير الأمن ينعكس على مجال الإنتاج الاقتصادي، بنجاح الأسس والآليات في الحرب على الإرهاب وفق مقاربة براغماتية.

يقسم الدراسة إلى ثلاثة أقسام: أولاً: البراغماتية في التجربة الجزائرية للتعامل مع التطرف في السجون، ثانيًا: أثر الشراكة الأمنية الجديدة بعد 2001 في محاربة "الجريمة" الإرهابية على أمن الدول، ثالثًا: يدرس المحددات الداخلية للسياسة القطاعية الأمنية الجزائرية.

يلاحظ الباحث أن السياسة العامة الأمنية القطاعية في الجزائر تعرف تطورًا مستمرًا لتأثير المقتضيات الدولية على المحددات الداخلية، وفق مقاربة مرنة براغماتية، تقوم على أسس محددة بتجربة التطرف في السجون (2002–2022) بكونها لا تعمم نتائجها:

  1. يقوم التأصيل المفاهيمي على مفهوم جوهري يتمثل في "الجريمة" الإرهابية التي تعاقب عليها القوانين الدولية والداخلية، وهي تقاطع بين مفهوم الإرهاب ومفهوم الجريمة المنظمة وفق مقاربة براغماتية، ليست اجتماعية بقدر ما هي سياسية- اقتصادية لا أيديولوجية ولا دينية بل نفعية، حيث نجاح تجربة الحرب على الإرهاب في الجزائر انعكس على المسجونين في قضايا إرهابية.
     
  2. البعد الوظيفي- الاجتماعي للدولة الجزائرية في السياسة العامة الأمنية، والتي تتحول في الواقع الميداني إلى سياسة عمومية، وتوفير الخدمة وترشيدها مع تجربة التطرف في السجون، حيث السهر على تحقيق العدالة بين مواطنيها، بالمزاوجة بين الفاعل الحكومي وغير الحكومي. فبرغم عدم نجاعة القوانين والفراغ القانوني أحيانا، والإجراءات الاستثنائية التي عرفتها لحلحلة الأزمة الأمنية، فإن تراجع التنظيمات الإرهابية والإرهابيين أسهم في نجاح التجربة، ولا يمكن اعتبارها سياسة أو استراتيجية.
     
  3. تحقيق العدالة مرتبط بمقاربة شاملة لم يكن موضوع المحبوسين من الأولويات بقدر ما اهتم بموضوع المفقودين في ظل إشكالية السيادة والوطنية، ومبدأ عدم التدخل لتجاوز مأساة الوطنية، حيث نجاح تطور القوانين في ظل غياب تصفية أو انتقام في السياسة العامة الأمنية القطاعية ومنظومة القوانين والآليات الميدانية.
     
  4. تأثير ملف المفقودين على السياسة العامة الأمنية القطاعية وما تعلق بالمسجونين.

أما ملف المفقودين، والمحكوم عليهم غيابيا في حالة فرار، ومن بقي يعاني من مشاكل إدارية بسبب عدم إبطال الدّعوى العمومية، ومن اعتقل في قضايا إرهاب أم لا، مما انعكس على تنفيذ تدابير التعويض للضحايا أو عائلاتهم كملاحظات سلبية. بالمقابل هناك ملاحظات إيجابية تُثمَّن، إذ لم تسجل حالات انتقام ولا تصفية حسابات، برغم إشكالية تناقض المعلومات.

الاستراتيجيات الجزائرية في مكافحة الإرهاب (1999-2022)

سلطت دراسة المحاضِرة في كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر "عبير شلغم" الضوء على الاستراتيجية الجزائرية المنتهجة لمكافحة الظاهرة الإرهابية، من خلال استعراض التطور التاريخي لظاهرة الإرهاب في الجزائر عبر تقديم مختلف الحركات الإسلامية الإرهابية المحلية، وتحولها جغرافيا إلى العبر وطنية ما وراء الحدود الجزائرية.

ركّزت الدراسة على الاسترايجية الشاملة التي اتبعتها الجزائر بهدف القضاء على الإرهاب ومخلفاته، وذلك عبر سياسة السلم والمصالحة الوطنية التي جاء بها الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة سنة 2005، وكذا مشروع اليد الممدودة ولم الشمل الذي جاء به أخيرا الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون سنة 2022، مرورًا بمختلف الجهود الدبلوماسية الجزائرية سواء على المستوى الإقليمي العربي والأفريقي، وأيضا المستوى الدولي في الأمم المتحدة عبر تبني اتفاقية منع ومكافحة الإرھاب، ناھیك عن الدور الجزائري عبر إنشاء المركز الأفریقي للدراسات والبحوث حول الإرھاب مقره في الجزائر العاصمة منذ 2004، وأيضا مشروع قانون تجریم الفدیة وافق عليه الاتحاد الأفریقي في يوليو (تمّوز) 2010، كما صادق عليه مجلس الأمن الدولي، وكذلك مشاركتها كعضو مؤسس للمنتدى العالمي لمكافحة الإرھاب سنة 2011. بالإضافة؛ إلى إبرازها مختلف المبادرات الميدانية العملياتية وحتى العسكرية محليًا ودوليًا.

تقف الدراسة على تاريخ وخلفيات الجماعات الإرهابية في الجزائر: الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والحركة الإسلامية المسلحة، والباقون على العهد، والجبهة الإسلامية للجهاد المسلح، الجيش الإسلامي للإنقاذ، والجماعة الإسلامية المسلحة، والجماعة السلفية للدعوة والقتال.

تناولت الباحثة دور لجنة الأركان العملياتية المشتركة (CEMOC) بتامنراست في ظل تفعيل المشروع الأمن الإقليمي الجماعي، بين الجزائر، وموريتانيا، ومالي، والنيجر في 2009، مقرّها بتمنراست جنوب الجزائر، لافتة إلى أن سنة 2011 أصبحت تسمى بـ"دول الميدان"، مشيرة إلى أن المجموعة عرفت توسعا في نطاقها ليشمل -بالإضافة إلى الدول الأربع- كلاً من: ليبيا وتشاد وبوركينا فاسو. لتتكون اللجنة من (4) خلايا وهي: الخلية العملياتية، خلية الإشارة، الخلية المكلفة باللوجستيك، وخلية الاستعلامات. لتخلص إلى أن اللّجنة جاءت لسد النقص في مجالات التنسيق والتبادل المعلوماتي والاستخباراتي الذي تقتضيه المكافحة الميدانية للإرهاب، الذي -بدوره- يستلزم تضافر جهود الدول مجتمعة لمجابهته، وليس الاعتماد على دور كل دولة منفردة، فهو أصبح ذا نزعة عابرة للأوطان، هذا من جهة، كما تهدف الدول المنشئة للجنة لقطع مساعي التدخلات الخارجية من طرف الدول الكبرى في منطقة الساحل الأفريقي بشكل عام، من جهة أخرى. تختم الباحثة دراستها بالقول: إن الجزائر تعتبر من أبرز الدول النّاجحة في مجال مواجهة الظاھرة الإرھابیة؛ وقدرتها على احتواء الأزمة والتقلیل من آثارها والحد من انتشارها، واعتبارها مدرسة رائدة في هذا المجال وتداعیاته.

التدابير القانونية والإجرائية لمكافحة الراديكالية وإعادة بناء الذاكرة في الجزائر (2002-2022)

تناول الأكاديمي والباحث الجزائري بوحنية قوي دراسته طبيعة التهديدات الإرهابية والجريمة المنظمة التي سجلت على التراب الجزائري، وأثر ذلك على بنية استقرار الدولة الجزائرية، ورصد الجهود والمقاربات التي اعتمدتها الجزائر لتجاوز الراديكالية، وإعادة بناء الذاكرة الجمعية الجزائرية وفق هندسة السلم الداخلي والخارجي وذلك بعد العشرية الدموية (1992-2002) التي مرت بها. ركزت الدراسة على استلهام الدروس التي تجسدت في محاربة الخطاب العنصري والجهوي وخطاب الكراهية، وهو ما تجلى في القوانين التي تمّ استصدارها منذ عام 1999 حتى انتخاب الرئيس عبدالمجيد تبون عام 2019.

لفت الباحث إلى أن الاستراتيجية الجزائرية لمكافحة التطرف العنيف تستند على محورين أساسيين: أولاً: الحفاظ على مستوى عالٍ من التعبئة واليقظة على مستوى المصالح الأمنية كافة أثناء قيامها بمهمتها المؤسساتية في حماية النظام العام وضمان أمن الأشخاص والممتلكات؛ ثانيًا: تطبيق سياسة شاملة للقضاء على الراديكالية، تمزج بين إجراءات سياسية واقتصادية وثقافية ودينية في الآن ذاته، وتشارك فيها المؤسسات كافة والمواطنون، وتخصص لها نسبة مهمة من موارد الدولة.

يشدد الباحث على أن عملية رفع حالة الطوارئ سنة 2011 أظهرت إرادة الدولة في تعزيز اختيار الشعب الجزائري للديمقراطية والتعددية السياسية. إن الأحكام التي وضعت في إطار القانون أسهمت على نحو فاعل في إبعاد الأفراد المتورطين في قضايا ذات صلة بالإرهاب عن الأفكار المتطرفة والمخططات الإسلاموية الراديكالية، من خلال التدابير الآتية: إجراءات لإسقاط الدعوى العمومية في حق الأفراد المتورطين في قضايا الإرهاب؛ استبدال وتخفيف العقوبات المفروضة على الأشخاص المحكوم عليهم نهائيًا، والذين لا يستوفون الشروط لإطلاق سراحهم؛ تقديم الرعاية لأسر الأشخاص الذين تعرضوا للقتل في إطار مكافحة الإرهاب؛ تدابير إقصاء في حق الأشخاص الذين قاموا بعمليات الاغتيال والاغتصاب وهجمات باستخدام متفجرات في الأماكن العامة.

يخلص الباحث إلى أن مكافحة الراديكالية والجريمة المنظمة لم تنته بعد العشرية الدموية، ولكن الجزائر استطاعت -إلى حد كبير- أن تقوض انتشارها، وهو ما جعلها تعتمد على مقاربات جديدة سواء قبل 2019 أو بعدها، أي بعد الحَراك الشعبي الذي عرفته الجزائر، الذي بموجبه تم إعادة النظر في كثير من المنظومات القانونية والسياسية، على اعتبار أنه تم انتخاب رئيس جديد في ديسمبر (كانون الأول) 2019، وما قام به من إجراءات مهمة في مجال الأمن واستقرار وإعادة الجزائر لمكانتها الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة، ومحاولة تصوير وتصدير صورة الجزائر كدولة مصدرة للأمن والاستقرار ورائدة في مكافحة خطاب الكراهية، وأيضًا الحفاظ على الذاكرة من خلال سن القوانين بهذا الشأن، ولعل من أهم هذه القوانين مكافحة خطاب الكراهية ودحضه ومكافحة الفساد بشتى أبعاده، وتعزيز دور المجتمع المدني على اعتبار أنه رافعة مهمة جدًا من شأنه تفعيل دوره وتعزيزه أن يعمل على إعادة صياغة الذاكرة وفق مقاربة متكاملة، يساهم فيها الجميع من مؤسسة الإعلام والمؤسسة الرئاسية والمؤسسة التشريعية، وأيضًا حركات المجتمع المدني.

ترسيخ السلم في مناهج التدريس في المنظومة التربوية الجزائرية (2002-2022) بعد العشرية الدموية

استكشفت دراسة مفتش التربية والتعليم الأساسي بالجزائر، "عبدالله صوالح" أهمية ترسيخ قيمة السلم في المناهج الدراسية بالجزائر بعد العشرية الدموية (1992-2002)، وركزت على جهود الجزائر التي نصبت سنة 2000 اللجنة الوطنية لإصلاح النظام التربوي، وكانت تحت الإشراف المباشر لرئيس الجمهورية، وعكفت هذه الأخيرة على إعادة النظر في كل مركبات النظام التربوي، بدءًا بالمرجعية الفكرية والفلسفية للسياسة التربوية ومن خلالها القوانين الناظمة، وصولاً إلى تصميم وبناء المناهج وتأليف الكتب المدرسية المقررة لكل المراحل التعليمية من مرحلة التعليم الابتدائي، مرورًا بمرحلة التعليم المتوسط، فالتعليم الثانوي، الذي يعتبر بوابة التعليم الجامعي.

يقدّم الباحث لمحة عامة عن الوثيقة التربوية المرجعية ومناهج التعليم، بمقاصد الإصلاح المرتبطة بغايات المدرسة الجزائرية، وتحدد المرجعيات والمبادئ: مرجعيات تتعلق بالأمة وقيمها والسياسة التربويّة، والمبادئ المنهجية المتعلقة بإعداد المناهج الجديدة. وألحّت هذه الوثيقة على تكوين ضمير المواطنة المرتكز على القيم الأساسية للأمة، والتي تظهر من خلال احترام الغير، والتضامن، والتعاون، وروح التسامح، حيث سعت هذه الوثيقة المرجعية، إلى أن تركز المناهج الجديدة على تحقيق الأهداف المتمثلة في نقل وإدماج القيم المتعلقة بالاختيارات الوطنية:

  • قيم الجمهورية والديمقراطية، قيم الهوية، القيم الاجتماعية - القيم العالمية؛
     
  • القيم الوجدانية والأخلاقية، القيم الفكرية والجمالية، القيم الإنسانية المنفتحة على العالم، حيث حرصت المناهج الجديدة على تبني مدخل القيم في تصميم وتنفيذ المناهج، للتمكن من تحقيق غايات ومرامي النظام التربوي، وترسيخ ثقافة العيش المشترك بين أفراد المجتمع في بعده المحلي أو العالمي، وهذا من شأنه تعزيز ثقافة السلم والتسامح ونبذ العنف والتطرف؛ ضمن منهج المواد المتكاملة والمنهاج المبني وفق المقاربة بالكفاءات في مواد عدة، ومن أمثلة ذلك:
  1. تنمية القيم الأخلاقية، مثل: روح الحق والتعاون، الحرية، العدل، الصدق، واحترام الحياة.
     
  2. الاحترام في علاقاته مع الأطفال الآخرين ومع الكبار على مبدأ الانتماء إلى الجماعة المدرسية، والمحلية، والوطنية والدولية.
     
  3. تنمية الإحساس بالواجب، التضامن والتعاون، التسامح على مختلف المستويات: المحلي، الوطني، الجهوي والشامل.

يقدم الباحث دراسة تحليلية لقيم السلم للكتب الخاصة بمادتي التربية الإسلامية والتربية المدنية في مرحلة التعليم الابتدائي، تكشف عن احتوائها على مجموعة من المواضيع ذات الارتباط الوثيق بترسيخ تلك القيم، خصوصًا قيم التسامح والتآخي، على غرار المواضيع التالية: التسامح، محبة الآخرين، التضامن، المواطنة حقوقها وواجباتها، الانفتاح على العالم، حقوق الطفل، الانتخاب، التأدب مع غيري، المسلم أخو المسلم، الجمال في الإسلام، احترام حريات الأفراد، احترام القانون، القيم الإنسانية (التبرع، التكافل الاجتماعي، المصالحة...)، الحقوق والواجبات، الانتماء للوطن، قواعد المناقشة، الديمقراطية وحقوق الإنسان، الهوية الوطنية والدينية، وفضائل العفو، التنوع الثقافي، لا أميز بين الذكور والإناث، أتعايش مع الآخر وأتقبله، آداب الكلام، أتفاوض مع زملائي...  أما مناهج التعليم المتوسط فنجد أنها تطرقت في مادتي التربية الإسلامية أو التربية المدنية إلى الأخلاق والآداب الإسلامية، حسن الجوار، المسارعة في الخيرات، احترام النظام والآداب العامة، المواطنة، التماسك الاجتماعي، التعاون، الصدق، الأمانة، الحوار وتنظيمه في المحيط الاجتماعي، الهوية والجنسية والمواطنة، العنف حجة الضعيف، تكافؤ الفرص، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم. أما مناهج التعليم الثانوي فنجد أنها تطرقت في مواد كالفلسفة والاجتماعيات واللغة والأدب العربي إلى موضوعات أبرزها العنف والتسامح، الحقوق والواجبات، الحرية، المسؤولية، الحياة بين التجاذب والتنافر، الشعور بالأنا والشعور بالغير، العدالة الاجتماعية، الديمقراطية، إقرار الحقوق والواجبات، مدح دعاة السلام، إقامة معارض في السلم وإنجاز مشاريع، قصائد في الحرية والتحرر، وتحرير مقالات في السلم والتسامح في إطار الكتابة الأدبية...

يخلص الباحث إلى أن موضوع ترسيخ ثقافة السلم في المناهج الدراسية الجزائرية بعد العشرية الدموية يكتسي أهمية بالغة، نظرًا للمآسي والآثار التي خلفها الإرهاب والعنف والتطرف على المجتمع الجزائري، إذ عزمت الدولة الجزائرية على استئصال جذور هذه الظاهرة الدخيلة على ثقافة المجتمع الجزائري والمعروف منذ القدم بالتسامح وقبول الآخر، وميله الواضح للتعايش السلمي ومناصرة كل القضايا العادلة، وهذا ما أدى بأجهزة الدولة للنهوض بواقع الفلسفة التربوية والفكرية المعتمدة كمرجعية أساسية للنظام التربوي الجزائري.

إعادة بناء مناهج العلوم الشّرعية في الجامعات الجزائريّة بعد العشريّة الدمويّة.. جامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلاميّة أنموذجًا

تُعالجُ دراسة الباحث الجزائري في الدِّراسات والشُّؤون الإسلاميَّة "عبدالرحيم بوقطة" إشكاليَّة إعادة بناء مناهج العلوم الشَّرعيَّة في الجامعات الجزائريَّة بعد أحداث العشريَّة الدَّمويَّة (1992-2002)، وتتناول جوانب تأثير تلك الأحداث على الجامعة الجزائريَّة، خَصصَتْ الدِّراسة بجامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلاميَّة لكونِها الجامعة الوحيدة في الجزائر التي تُدَرِّسُ العلوم الشَّرعيَّة، وما عداها هي كليَّات تأسَّس أغلبها بعدَها، ولكونِها كانت ميدانًا واسعًا لكثير من الأحداث التي جرت في تلك السَّنوات، كما أنَّ المنهج المتبع في الجامعات الجزائريَّة منهج موحد؛ لأنَّ كل الجامعات الجزائرية هي جامعات حكوميَّة تابعة لوزارة التَّعليم العالي والبحث العلميَّ.

يتناول الباحث الواقع الحركي للجماعات الإسلامية في الجزائر قبيل العشريَّة الدَّمويَّة وفي أثنائها، حيث انقسمت الحركة الإسلاميَّة في الجزائر في هذه المرحلة إلى عدد من التَّنظيمات المتباينة نسبيًا، أهمُها: جبهة الإنقاذ الإسلاميَّة، التي انقسمت بدورها إلى ثلاثة تيارات أساسيَّة هي: أولاً: التَّيَّار المتَّشدد، ثانيًا: التَّيَّار الذي يسمي نفسه بالإصلاحي ومثَّله عباسي مدني. ثالثًا: تيَّار "الجزأرة"، ومثَّله المثقفون المتأثرون بأفكار الأستاذ مالك بن نبي أمثال محمَّد سعيد وعبدالقادر حشاني الذي مثَّل التَّيَّار.

يلفت الباحث إلى أنَّ المواد العلميَّة التي قرَّرتها جامعة الأمير عبدالقادر كانت متنوعة ومفيدة للطَّالب، وتخدم تخصُّصه الشَّرعي، وتجعل لاختصاصه الدينيَّ صلة بالواقع الذي يعيش فيه، وصلة بكل جوانب المعرفة، فإذا نظر في مسألة أو أفتى فيها كان ذلك وفق نظرة شاملة لجوانبها، ولا أدلَّ على ذلك من إدراج مادَّة مقاصد الشَّريعة في كل التَّخصصات، لكن المواد العلميَّة التي كانت مقرَّرة في السَّنوات الأولى من عُمُر الجامعة، غابت بعد الإصلاحات الجامعيَّة ابتداء من سنة 1991، ولم يبق منها إلا مواد العلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة كعلم الاجتماع، وعلم النَّفس، والقانون في بعض التَّخصصات، ومادَّة حقوق الإنسان في تَخصُّص واحد فقط.

إن الأسلوب المتَّبع في تدريس علوم الشَّريعة في الجامعة الإسلاميَّة كالعقيدة وأصول الفقه، وعلوم القرآن، هو الأسلوب ذاته الذي يُلاحظ أيضًا في جامعات العالم الإسلاميِّ والعربيِّ، ويتمثَّل هذا الأسلوب في الاعتماد على المحاضرة بصفة أساسيَّة؛ أي طريقة الإلقاء، فلا يُعطى الطَّالب وقتا كافياً لإبداء رأيه، أو لتبادل النِّقاش والحوار داخل قاعة الدَّرس؛ وإنَّما يكون ذلك بشكل واسع في حصص الأعمال الموجَّهة.

وبالنَّظر إلى أهداف إعادة هيكلة المناهج في العلوم الإسلاميَّة، فإنها تصبو إلى تحقيق جملة من الأهداف أهمها:

  • بناء العقلية المتعلِّمة النَّاضجة القادرة على التَّحليل والمناقشة والتَّقويم لكل الأفكار التي تمرُّ بالمتعلِّم.
     
  • المرونة في التَّفكير بجعل الطَّالب يستوعب متغيرات العصر.
     
  • المساعدة على ربط التَّعليم بخطط التَّنمية في المجتمع.
     
  • بناء الطالب المتعلم والفرد الواعي بمتطلبات مجتمعه وأمَّته.

يخلص الباحث إلى أن واقع تدريس العلوم الإسلامية إبَّان العشريَّة الدَّمويَّة كان قائمًا على التقليد لمدارس فكرية اشتهرت في تلك الفترة، ولذلك كانت إعادة هيكلة المناهج في العلوم الإسلاميَّة ضرورة مُلحَّة فرضتها معطيات الواقع ومجريات الأحداث العالمية والإقليميَّة والمحليَّة، وبرغم التَّغيير في كثير من مناهج تدريس العلوم الإسلاميَّة، فإنَّها ما زالت تشتكي من نقص الجودة وعدم مواكبتها لروح العصر والتَّغيرات الاجتماعية.

التدابير الدينية للقضاء على الراديكالية الدموية في الجزائر (2002-2022)

درس الأكاديمي والباحث الجزائري عبدالقادر عبدالعالي أنماط المعالجة الدينية لمشكلة الراديكالية والتطرف الديني في الجزائر، وكيف تم التعامل معها، وتركز على التطورات اللاحقة التي طرأت على مخرجات هذه السياسة من حيث بروز تحديات جديدة، تستوجب إعادة تقييم السياسات الأمنية والدينية القائمة منذ عقود.

درس الباحث جذور الراديكالية الدينية في الجزائر، وسياسات التدبير الديني بعد سنة 1999، ومخرجات السياسات الدينية في الجزائر بين المخاطر والفرص، والبدائل المعتدلة للراديكالية الدينية، لافتًا إلى تصريح الجنرال محمد العماري (أحد القادة العسكريين الذين حاربوا الإرهاب في الجزائر) بأن "الراديكالية الإسلاموية تمت هزيمتها، لكن الأصولية الدينية بقيت سلمية"، مما يعد إقراراً باستحالة مهمة تغيير المجتمع وفق التصورات الأيديولوجية المرغوبة لدى السلطة. من تلك البدائل: راديكالية ناعمة ترفض الخروج على الحاكم، التدين الإصلاحي لجمعية العلماء المسلمين، التصوف الطرقي واستعادة الموروث الروحي، رابطة علماء وأئمة ودعاة الساحل ودبلوماسية التعاون الديني.

يرى الباحث أنه لإنجاح اجتثاث الحركات المتطرفة، ينبغي قبل اجتثاثها أمنيًا، التعامل معها فكريًا ودينيًا وإسقاط شرعيتها الدينية عند أتباعها، في حالة غياب مراجعات فكرية، أو الدفع بأتباعها إلى ذلك، وأن أحد السبل الفعالة لمواجهة الحركات الراديكالية هو تشجيع بدائل منافسة لها أيديولوجيا ومن منبتها وتوجهها نفسه، ومحاولة توظيف التدين الشعبي والأهلي بالاستعانة برجال الطرق الصوفية، مع إعادة السيطرة المؤسساتية على الساحة الدينية، بإعادة بسط الأئمة والخطباء الموظفين في الشؤون الدينية.

لقد نجحت هذه السياسة العامة في تدبير الشأن الديني -إلى حد بعيد- في تراجع الأفكار المتطرفة التي تشجع على العنف، وقد تجسد هذا في النسبة المنخفضة للجزائريين الذين انضموا إلى حركة داعش في مناطق التوتر والنزاع، مقارنة بجنسيات مجاورة مثل: تونس ومصر والسعودية. لكن هذه السياسة التدخلية المؤدية إلى تكريس نوع من الإسلام الرسمي، كان لها جوانب سلبية، لعل أهمها، فقدان التجانس الفكري والديني داخل إطارات الشؤون الدينية والمؤسسات المرتبطة بها، مما جعلها ساحة صراع داخلي خفي، حال دون بروز مؤسسات للمرجعية الدينية، فهذا الوضع المتسم بانقسام إطارات الوزارة والأئمة والمكونين داخلها، وإطارات التربية الوطنية: بين توجهات دينية متضاربة: إخوان، سلفية، أتباع جمعية العلماء، طرقية، حال دون الإجماع على شخصيات دينية يمكن أن تشغل منصب مفتي الجمهورية، والجانب الثاني هو طغيان الجانب الأمني والسياسي في الاهتمام بتوظيف الجمعيات الدينية والطرقية في التأييد السياسي، على حساب تصميم سياسات تربوية وتكوينية، مما أدى إلى توليد نوع من "رهاب الطوائف الدينية" في المجتمع الجزائري، وأدى إلى المساس بحرية المعتقد، حيث أصبح الإعلام والرأي العام يتوجس خيفة من أي حركة أو مذهب جديد يبرز فيه أتباعه ممارسة غير مألوفة بالنسبة للمجتمع الجزائري، وقد أثارت الملابس الغريبة التي كان يرتديها أتباع الطريقة الكركرية الكثير من السخرية والمخاوف في المجتمع الجزائري.

دور المؤسسة الدينيّة في المصالحة الوطنية الجزائرية

ناقشت أستاذة التعليم العالي ورئيسة قسم الفلسفة في جامعة معسكرعقون مليكة في دراستها تجاذبات المؤسسة الدينيّة بين الأطراف المتصارعة، ودورها التوفيقي في إدارة الصراع لصالح مشروع المصالحة الوطنيّة، واستشرفت تحديات ما بعد المصالحة في الجزائر وتداعياتها المختلفة على التعايش المذهبي للمواطنين. وبحثت في قدرة المؤسسة الدينيّة على استيعاب دورها في حماية المرجعية الوطنية، وتحقيق المصالحة الكاملة مع مختلف الأطياف للاستمرار في احتواء أطراف الصراع.

طرحت الدراسة ثلاث فرضيات:

  1. ساهمت المؤسسة الدينية في تحقيق الانسجام المجتمعي مع مشروع المصالحة الوطنية، وشكّلت في مرحلة ما ملاذًا للتائبين بواسطة خطاب المنابر ودروس الوعظ وتكوين المرشدين الدينيين.
     
  2. لعبت المؤسسة الدينيّة دورًا تبريريًا وثيق الصلة بمشروع المصالحة الوطنية من خلال توظيف قيم العفو والتسامح لتجاوز مرحلة المأساة.
     
  3. تغوُّل لاعبين جدد في المجال الديني يتمتعون بعلاقات قوة ضمن هرم السلطة، أدّى إلى إضعاف وتراجع دور المؤسسة الدينيّة نسبيّا.

تخلص الباحثة إلى أنه لا بد من مدونات قانونية جديدة تمنع الكراهية الدينية وازدراء الأديان والتكفير. تحتاج الجزائر إلى تنظيمات أخلاقية ملزمة، تلزم -مثلا- رجال الدين الذين يتواصلون عبر الميديا، يلتزم ضمنها السني بأن لا يسب الشيعي والعكس، أي إننا نلزم الناس بعدم ازدراء الآخر، في شكل تعهدات أخلاقية "اعتبارية"، ربّما يتيح هذا الإجراء تنظيم استعمال شبكات التواصل الاجتماعي. وإنّ النمط الاحتكاري والإقصائي في الوقت ذاته للدين واللغة، لم يكن أبدا لبنة صالحة لبناء الدولة أيّا كانت طبيعة نظامها، ففي الدول العربية، يجب ألاَّ يصبح "ابن الأقلية مضطهداً مرّتين، مرة كمواطن، وأخرى كابن أقلية"!

الحركات الجمعوية والزوايا والمنظمات التقليدية في ضوء القضاء على الراديكالية بالجزائر (2002-2022)

تناول الأكاديمي والباحث الجزائري "عبدالكريم عشور" الحركات الجمعوية والزوايا والمنظمات التقليدية في ضوء القضاء على الراديكالية، لافتًا إلى أنه بعد استرجاع الاستقرار الأمني في الجزائر إثر المواجهة العسكرية للدولة مع التيار الإسلاموي العنيف خلال ما يعرف بالعشرية الدموية (1992-2002) ظهرت الحاجة في الألفية الثانية إلى اتباع سياسة جديدة، لها منظور استراتيجي يعمل على تطويق الراديكالية فكرًا وممارسة، عبر استنهاض قوى أخرى تشارك في تجفيف منابع الخطر الراديكالي، ومحاصرة بيئته السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، ومن هذا المنطلق جاءت التجربة الجزائرية معتمدة على العديد من الفواعل، لمنع رجوع هذا التيار تمثلت في الجمعيات الوطنية، والزوايا والمدارس القرآنية، ومختلف التنظيمات التقليدية التي هي محور تركيز هذه الدراسة.

أشار الباحث إلى أن الدولة الجزائرية حرصت على الاعتماد على فواعل مختلفين للتضييق ومنع عودة التيار الراديكالي بعد تجربة صعبة، وهنا كانت الجمعيات الوطنية، والزوايا والمدارس القرآنية والمساجد والتنظيمات التقليدية، الفواعل الأهم ضمن فواعل أخرى اعتمدت عليها السلطة في تجفيف منابع هذا الفكر. لذلك جاء الاعتماد على الحركية الجمعوية، بإفساح المجال أمام الجمعيات الوطنية، ذات الطابع الثقافي لمواجهة الراديكالية، من خلال دعم العمل الجمعوي للمكون الثقافي والاجتماعي، بتنظيم التظاهرات والمهرجانات الثقافية، الداعية إلى تكريس وقبول التنوع والتعدد الثقافي وحوار الثقافات، وعدم الإقصاء لكل مكونات التركيبة المجتمعية، والدفاع عن قيم الإنسانية جمعاء.

يجد الباحث أن الزوايا والمدارس القرآنية والمساجد، أدت دورًا محوريًا في الدعوة إلى التسامح ونبذ الخلاف ودعم القيم الإسلامية، وتثبيت الالتزام بمنهج الاعتدال، الرافض للتعدي على الأرواح والمذاهب، ولـتغذية الفكر الطائفي والتفرقة بين فئات المجتمع، والحريص على نشر السلام والسلم والمصالحة الوطنية، ظهر ذلك من خلال المناسبات الدينية بالزوايا التي مثلت فرصة لنشر قيم التعاون والإخاء، وتبين خطورة الاعتداء على حرمة الغير، كما عملت منابر المساجد في خطبها ولجانها الدينية على دعم الاستقرار، وحذرت من خطورة الفتاوى الدينية مجهولة المصدر، التي لا تراعي مرجعية الإسلام، كدين يقوم على نبذ التطرف والإكراه والتعصب للرأي، فعملت السلطة السياسية على إعادة تنظيم الفتوى الدينية بإنشاء مجالس علمية ومحلية للفتوى، وإصلاح ذات البين، مرجعيتها الدين الإسلامي والرجوع في إصدار الفتوى إلى منهج الوسطية والاعتدال، وثوابت الأمة، وأعرافها وتقاليدها الصحيحة التي لا تعارض تعاليم الإسلام، وكل ذلك من أجل غلق باب الفتاوى التحريضية والتطرف الديني باعتباره آلية للراديكالية.

المبادرات الثقافية لمكافحة الراديكالية في الجزائر (2002-2022)

تناول فوزي بن دريدي أبرز المبادرات الثقافية لمكافحة الراديكالية في الجزائر لافتًا إلى أن المؤسسات الجزائرية، ومؤسسات في العالم الإسلامي عملت على مكافحة الراديكالية والتطرف، من خلال مجموعة من المبادرات منها: «الإعلان الإسلامي حول التنوع الثقافي» المعتمد من المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة (الجزائر، ديسمبر/ كانون الأول 2004)، و«الإعلان الإسلامي حول الحقوق الثقافية» الذي اعتمده المؤتمر الإسلامي الثامن لوزراء الثقافة (المدينة المنورة، يناير/ كانون الثاني 2014)، و«خطة عمل حول تجديد السياسات الثقافية في الدول الأعضاء ومواءمتها مع المتغيرات الدولية» المعتمدة من المؤتمر الإسلامي الخامس لوزراء الثقافة (طرابلس، نوفمبر/ تشرين الثاني 2007)، و«خطة عمل للنهوض بدور الوساطة الثقافية في العالم الإسلامي»، المعتمد من المؤتمر الإسلامي التاسع لوزراء الثقافة (مسقط، نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، و«الإطار العام لبرنامج العمل للرد على حملات التشويه الإعلامي للإسلام والحضارة الإسلامية» المعتمد من المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة في الجزائر عام 2004.

دور الدراما التلفزيونية الجزائرية في مكافحة التطرف وعلاج رواسب المأساة (2002-2022)

درس الأكاديمي والباحث جزائري، أستاذ التعليم العالي في علوم الإعلام والاتصال في جامعة محمد خيضر، بسكرة – الجزائر "زكرياء بن صغير" دور الدراما التلفزيونية الجزائرية في مكافحة ظاهرة الإرهاب والتطرف؛ وذلك من خلال رسائل إعلامية وتعبيرية وفنية وجمالية مباشرة وغير مباشرة، تنقلها في مشاهد درامية توضح أن الإرهاب يستهدف ترويع الآمنين وسفك دماء الأبرياء، وتدمير المنشآت الحيوية، وتعديل سلوك الجمهور المناهض للغلو والتطرف، والكشف عن كيفية علاج الدراما التلفزيونية الجزائرية لظاهرة التطرف ورواسب المأساة الوطنية؛ مع محاولة معرفة أهم القيم الإيجابية والسلبية التي تمت معالجتها من خلال المشاهد الدرامية لمجموعة أعمال أفلام أو مسلسلات خلال الفترة الممتدة بين عامي (2002-2022).

يخلص الباحث إلى أن الدراما التلفزيونية الجزائرية تناولت ظاهرة العنف والمأساة الوطنية، التي ضربت في الصميم الأسس الفكرية والثقافية، وحاولت زعزعة البنى الاجتماعية للمجتمع، مما ترك أثرًا كبيرًا على سيكولوجية الفرد، حينها فقط أثبتت الدراما التلفزيونية الجزائرية تفاعلها مع الظاهرة ودورها المؤثر والمفصلي في تحديد المفاهيم الدقيقة للتطرف، برفع الغطاء عن دوافعه والكشف عن حقيقته الإجرامية أمام المشاهد، فمعظم الأعمال الدرامية الجزائرية ناقشت بشكل كلي أو جزئي، علني أو ضمني مختلف الرهانات التي تواجه مكافحة التطرف وعلاج رواسب المأساة الوطنية. وعلى الرغم من الدور الفعال للأعمال الدرامية، لقيت بعض الأعمال الأخرى الكثير من الانتقادات بسبب مهاجمتها غير البريئة للخلفيات الثقافية والدينية للمجتمع الجزائري، مكرسة بذلك نظرة الغرب تجاه مجتمعنا، كما أساء البعض منها بصفة صريحة أو ضمنية لمعتقدات الشعب الجزائري وللدين الإسلامي، لذلك كانت ممنوعة من العرض على القنوات الوطنية. وإن أهم ما يمكن الحديث عنه في الختام هو غياب استراتيجيات إعلامية لمكافحة التطرف ومعالجة المأساة الوطنية، وهذا ما جعل معظم الأعمال الدرامية، ضمن مبادرات فردية لمنتجيها، وليست نابعة من استراتيجيات إعلامية وطنية واضحة تتبنى هذا الهدف، على الرغم من الدعوات المتكررة لضرورة بناء استراتيجية إعلامية لمواجهة خطر التطرف إعلاميًا، كما توصلت الدراسة إلى وجود مساهمة فعالة للقوة الناعمة ممثلة في الدراما التلفزيونية الجزائرية في مكافحة التطرف، ومعالجة المأساة الوطنية خلال فترة الدراسة (2002-2022).

تأثير أعمال أحمد بن مصطفى العلاوي على مبادرات السلم الجزائرية

تقصى الباحث المغربي المتخصص في الحركات الإسلامية "منتصر حمادة" في دراسته الأسباب المتشعبة وراء استعانة السلطات الجزائرية بالتراث الديني الصوفي؛ وتحديداً أدبيات رجل الدين أحمد بن مصطفى العلاوي (1869-1934)، على هامش الترويج لمشروع المصالحة الوطنية، بُعيد مرحلة الحرب الأهلية التي مرت بها الجزائر في العقد الأخير من القرن الماضي. ومع أن تلك الأدبيات كانت من أسباب تبني مبادرة صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ خلال ديسمبر (كانون الأول) 2017، في سياق إعلان يوم 16 مايو (أيار) من كل سنة "يوماً عالمياً للعيش معاً بسلام"، ركزت الدراسة على التأثير المحلي للأدبيات نفسها، على مشروع السلم في الجزائر.

يشير الباحث إلى أنه خلال الاشتغال على التأثير الإيجابي لأعمال الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي على مبادرات السلم الجزائرية، عزز المسؤولون "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" بالتدين التقليدي على اعتبار أن هذا المشروع كان موزعاً على جبهات عدة، حقوقية وسياسية واجتماعية وغيرها. كما يوضح أن الأدبيات التراثية الصوفية بالتحديد، تعرضت في حقبة زمنية طويلة خلال العصر الحديث، خصوصاً في حقبة ما بعد الاستقلال، للتهميش والحصار، بما ساهم في صعود المعضلة الإسلاموية التي اتضحت معالمها في جبهات سياسية مع عدة أحزاب سياسية إسلاموية، أو في جبهات جهادية، كانت سبباً مباشراً ضمن أسباب أخرى، وراء الحرب الأهلية الجزائرية التي اصطلح عليها عالمياً بالعشرية الدموية. لافتًا إلى أنه صحيح قد غابت أسئلة عدة في سياق الاشتغال على أسباب العودة الرسمية والشعبية للتصوف في الجزائر؛ إضافة إلى وجود ممانعة دينية وبحثية تجاه التصوف، خطاباً وممارسةً، إلا أن هذه العودة المتأخرة للتصوف، ساهمت في إضفاء الشرعية على مبادرة السلم سالفة الذكر، كما ساهمت في رد الاعتبار لمكون تراثي إسلامي، لم يعرف عنه إجمالاً التورط في فتن وصراعات، لأنه يراهن على قضايا إصلاح الذات على الصعيد الفردي والمحلي، وقضايا المشترك الإنساني على الصعيد الإقليمي والدولي، وهذا أحد أهم أسباب العودة الجزائرية المتأخرة لأعمال الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي.