داعش بعد البغدادي


يرصد هذا الكتاب التطورات والتحولات الأيديولوجية التي مر بها تنظيم داعش الإرهابي، وتأثيرها في تماسكه التنظيمي؛ خصوصاً بعد مقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي. قدم قراءات جديدة في فهم التنظيم، بالتركيز على محتوى السجالات العنيفة الجارية داخله، وتحليل جذورها العميقة، وأثرها في هيكليته، وأجرى مقارنة بين استراتيجيات التعامل مع خطره وامتداداتها على المدى المتوسط..

ناقشت الدراسات المخاض الأيديولوجي العسير الذي مرّ به التنظيم، في تكوّنه الأول بين فكر سيد قطب ونظريات تنظيم القاعدة؛ ثم تشكل تيارات جديدة داخله، تتنافس فيما بينها في التطرف والتكفير، واستحضرت الأبعاد المساهمة في احتمال بزوغ جماعات جديدة تنتهج فكراً إرهابياً أكثر تطرفاً، تطوي صفحة «داعش» لتبدأ حقبة جديدة في تاريخ الإرهاب.


تم النشر في: March 2020


front159

قائمة الفصول


-->
# اسم الكتاب
1 الفكر الحركي «الداعشي» بعد البغدادي وأثره في التنظيم
2 التيارات المتصارعة في تنظيم داعش: التأثير واحتمال الاستمرار
3 استراتيجية تنظيم داعش: من «الخلافة المكانية» إلى «العنقودية»
4 الاستراتيجية الأمريكية بعد مقتل البغدادي.. المحددات والتوقعات
5 مجتمع داعش: شهادات من الداخل بعد سقوط التنظيم
6 الإعلام الجهادي الافتراضي بعد البغدادي: الطرق والمخاطر
7 الصراع على النفوذ.. الحرس الثوري وداعش بعد مقتل سليماني
8 الكتاب: Daech la suite

شرح الكتاب


ملخص بحوث العدد (159)

داعش بعد البغدادي

مارس (آذار) 2020

دبي

يرصد مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه "داعش بعد البغدادي" التطورات والتحولات الأيديولوجية التي مر بها تنظيم داعش الإرهابي، وتأثيرها في تماسكه التنظيمي؛ خصوصاً بعد مقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي. قدمت الدراسات قراءات جديدة في فهم التنظيم، بالتركيز على محتوى السجالات العنيفة الجارية داخله، وتحليل جذورها العميقة، وأثرها في هيكليته، وأجرت مقارنة بين استراتيجيات التعامل مع خطره وامتداداتها على المدى المتوسط.

الفكر الحركي «الداعشي» بعد البغدادي وأثره في التنظيم

يتناول أحمد سلطان -كاتب وباحث مصري- في هذه الدراسة التطورات والتحولات الفكرية التي مر بها تنظيم داعش، وأثرها في تماسكه التنظيمي بعد مقتل البغدادي عام 2019، متبعاً منهج الدراسات الوصفية الذي يُعنى بوصف وتحديد الظاهرة، ورصد التحولات التي مرت بأفكار التنظيم وتأثيرها في وحدته وتماسكه التنظيمي. تستند الدراسة بالأساس إلى كتب، ووثائق، وإصدارات أنتجها تنظيم داعش في فترات زمنية مختلفة، وإلى عدد من التقارير الإخبارية المنشورة عبر شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت).

درس الباحث السجالات التكفيرية في داعش، والخلافات التكفيرية بعد وصوله إلى سوريا، وبيّن تمايز التيارات الداعشية، وصراعها داخل التنظيم، محاولاً تحديد الفكر الجديد لدى التنظيم. ويخلص إلى أن داعش يمر في الفترة الحالية بمخاض فكري عسير، قد يؤدي لاضمحلاله واختفائه بوصفه فاعلاً مؤثراً في ساحة الجهاد المعولم، إذ إن التنظيم يعاني من خلاف منهجي هو الأعنف منذ تأسيس نواته الأولى (جماعة التوحيد والجهاد) عام 2003. وأنه لم يكن انهيار تنظيم داعش وخسارته لمعاقل سيطرته في العراق وسوريا، سوى نتيجة متوقعة لتصدع المنظومة الفكرية التي قام عليها منذ بدايته، وصراع التيارات الذي استنزف التنظيم، وأضعف قواه في مواجهة خصومه وعلى رأسهم التحالف الدولي لحرب داعش.

يرجح الباحث أن أبا إبراهيم الهاشمي (الزعيم الجديد لداعش) يبدو غير قادرٍ –حتى الآن- على حسم الخلاف الفكري الضارب بجذوره في أعماق التنظيم، كما لم يفلح سلفه أبو بكر البغدادي في الأمر نفسه، على الرغم من كاريزميته التي اكتسبها كخليفة للتنظيم الإرهابي في العراق وسوريا. لقد تحول تنظيم داعش منذ خسارته لمعاقله في سوريا والعراق إلى منظمة عصابات شبه عسكرية، تعمل في وسط مضطرب داخل سوريا والعراق، ولا يبدو أنه قادر على الاستفادة –في الفترة الحالية- من الأوضاع في البلدين كما فعل سابقًا، وسط انشغاله بالخلاف الفكري بين تياراته. قد يؤدي الخلاف الفكري لبزوغ فجر جماعات جديدة تنتهج الفكر الجهادي، وبالطبع ستستقطب الجماعات الناشئة –إن وجدت- المئات من مقاتلي داعش الحاليين، وهو ما سيؤدي إلى تشظي وتفكك التنظيم، وربما انتهاء حقبة داعش وبدء حقبة جديدة في تاريخ الإرهاب.

التيارات المتصارعة في تنظيم داعش: التأثير واحتمال الاستمرار

قسّم عبدالغني مزوز -باحث مغربي متخصص في الحركات الجهادية- التيارات المتصارعة داخل تنظيم الدولة إلى أربعة، تمترس كل تيار منها خلف منظومة من الأفكار والقناعات العقدية التي لا تقبل الجدال، محاولة كل منها فرض عقيدة رسمية للتنظيم وإلزام الجميع بها، موظفاً كل تيار ما تحت يده من وسائل وإجراءات، حسب ما يخوله له الموقع الذي يسيطر عليه في هرم التنظيم والبيروقراطية. هذه التيارات هي: «التيار الحازمي» و«تيار الفرقان» و«تيار البنعلي والقحطاني» و«تيار الحجاجي».

يحاول الباحث إيجاز التعريف بكل تيار من هذه التيارات، عارضاً آراءه ومواقفه من هذه الصراعات الحركية التي كانت سبباً في النزاع والسجال، وما نتج عنها من الانقسامات الأيديولوجية داخل تنظيم داعش، وما تلاه من خسارة جغرافية لكل معاقله ولمعظم قادته، مما أنتج فوضى عارمة عصفت بكيانه وبددت ما راكمه من رساميل رمزية، على مدار سنوات من البروباغندا الاحترافية التي صدَّرت للعالم صورة لتنظيم منسجم وموحد ومهاب الجانب.

كانت هذه الفوضى بمثابة المخاض الذي أسفر عن ميلاد مرحلة جديدة سيعيش على إثرها التنظيم مفككاً، وسينشق عنه الكثير من الكوادر والعناصر الذين سينخرطون –بدورهم- في مداولات البحث عن البديل. وسيبدؤون التأصيل والتنظير لمشروع جماعة أخرى تستوعبهم، و«أمير» يلم شملهم. خسر تيار الفرقان كثيراً بعد الانقلاب الذي حدث داخل اللجنة المفوضة، وما أعقب ذلك من قتل واعتقال لمعظم قادته ورموزه، وخسر أيضاً بعد حل الدواوين، وتحويل «الولايات» إلى ولايات أمنية، فمعقلهم الحصين «ديوان الإعلام المركزي» لم يعد ذلك الديوان الذي يشتغل على مدار الساعة لإنتاج الأفلام المرئية بوتيرة شبه يومية، ويخرج المجلات والمنشورات متعددة اللغات بشكل دوري، والذي كان يوظف مئات الكوادر من مختلف التخصصات، فقد الكثير من فعاليته بعد هزائم التنظيم المتتالية. لكن ما زال عشرات المؤيدين لأبي محمد الفرقان وأبي ميسرة الشامي يحتفظون بمواقعهم داخل التنظيم، ممن لم تكن تعنيهم تلك المسائل العقدية المثيرة للجدل، بينما انشق آخرون وخرجوا من مناطق التنظيم إلى وجهات أخرى. إذا كان الحسم الأمني الصارم قد حيد «التيار الحازمي» وأنهاه مبكراً، ثم فقد بعده «تيار الفرقان» تأثيره ونفوذه إثر التطورات والانقلابات التي حصلت داخل التنظيم؛ فإن «تيار البنعلي والقحطاني» استطاع الحفاظ على وجوده على الرغم من مقتل الكثير من رموزه.

يخلص الباحث إلى أن دينامية الانقسام والتشظي داخل تنظيم الدولة الإسلامية أفضت إلى تبلور سرديتين جهاديتين متنافستين، تمترست الأولى -وهي سلطة الحجاجي- خلف «شرعية القوة»، وتمترست الثانية -وهي تيار الشرعيين- خلف «قوة الشرعية». وعلى وقع هذه المفارقة الحادة يتعمق مأزق تنظيم داعش، فالحجاجي بدمويتهم وسطوتهم وتمرسهم في المعارك لا يستطيعون تأمين الشرعية الدينية للتنظيم من أجل الاستمرار واستقطاب العناصر الجديدة، فهم مجموعة من ضباط الجيش العراقي السابق، ولا تزال رواسب التنشئة البعثية كامنة في بنيتهم اللاشعورية، ويفتقرون إلى المعرفة الشرعية اللازمة. أما تيار الشرعيين المتخم بالتأصيلات والفتاوى الشرعية، فلا يمتلك ما يكفي من القوة والموارد لفرض نموذجه على الأرض. الثابت الوحيد الآن أن تنظيم الدولة لن يرجع أبدا كما كان، مهما راودت أتباعه أوهام «باقية وتتمدد».

استراتيجية تنظيم داعش: من «الخلافة المكانية» إلى «العنقودية»

يعرض محمد الزهراوي -أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بالمغرب- في دراسته الأدبيات المذهبية والعقائدية التي ينهل منها تنظيم داعش تصوراته ومعتقداته، ومحددات تناميه وانتشاره، وكيفية انتقاله من «الخلافة المكانية» إلى الخلافة العنقودية، مسلطاً الضوء على إكراهات ومحددات البناء الثالث لهذا التنظيم، ومستقبله في ظل التحولات الجيوسياسية التي تعرفها المناطق التي تشكل مركز الثقل أو القيادة وفق أدبياتها. صاغ الباحث بعض الفرضيات التي شكلت المنطلق والأرضية في هذه الدراسة: الفرضية الأولى: تعتبر مقتل أبي بكر البغدادي حادثاً عادياً وعرضياً داخل تنظيم «داعش»، لذلك، فتأثير موته يظل محدوداً بالنظر إلى أسباب عدة، أهمها أن استراتيجية «داعش» قارة ومرتبطة بأهداف تتجاوز الأشخاص، حيث إن ولاء الأفراد والتنظيمات والخلايا التي تشكلت في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، خصوصاً في بعض الدول العربية، هو في جوهره ولاء عقائدي وفكري أكثر منه تنظيمي أو شخصي، كما أن مبايعة البغدادي من طرف معظم التنظيمات القطرية والإقليمية هي في الأصل مبايعة لمرجعيات وتصورات وأهداف محددة. وانطلاقاً من ذلك، يظل تأثير مقتل البغدادي محدوداً بالنظر إلى استراتيجية هذا التنظيم التي ترتكز على مستويين: مستوى يتعلق بالمنهج والعقيدة السلفية التي ينهل منها رؤيته وتصوراته؛ ومستوى جيواستراتيجي يرتبط بالجغرافيا والفضاء العام الذي يتحرك ضمن هذا التنظيم. أما الفرضية الثانية التي يطرحها الباحث فمفادها: أن مقتل البغدادي يشكل ضربة قاضية لتنظيم «داعش»، وذلك بالنظر للمكانة المركزية التي كان يحتلها داخل التنظيم، لا سيما وأن التنظيمات الإسلامية الراديكالية هي تنظيمات يغلب عليها التنظيم الهرمي/ التراتبي/ الرئاسي. فعلى غرار تنظيم «القاعدة»، يعتبر موت الزعيم محطة مفصلية في تاريخ ومستقبل التنظيمات المتطرفة، إذ سرعان ما يتلاشى التنظيم ويفقد بريقه وزخمه الأيديولوجي والفكري والتنظيمي. بناءً على هذا المتغير المرتبط بوفاة الزعيم أو الأب الروحي للتنظيم، يرى الباحث أن مرحلة البناء الثالث لـ«داعش» تعتبر صعبة، وتبقى مجرد محاولة فاشلة لإعادة الروح له؛ فهو يمر بمرحلة من الاحتضار أو الموت السريري.

يخلص الزهراوي إلى أنه إذا كان تنظيم «الدولة الإسلامية» ازدهر في العراق تحت ذريعة «الخلافة الإسلامية» الموالية للسنة والمناهضة للمشروعين الصفوي الإيراني والأمريكي، حيث لقيت ترحيباً ودعماً سنياً وعشائرياً في البداية، إلا أن هذا التنظيم عرف تراجعاً وانكماشاً في العراق وسوريا خلال السنوات الأخيرة؛ وأن فشل في داعش في تعبئة الجماهير المسلمة السنية ضد «الغزو الصليبي- الشيعي» -كما يروج في أيديولوجيته المتطرفة- سببه انحرافه عن شعاراته وارتكابه مجموعة من الأخطاء كقتل المسلمين السنة. بالإضافة إلى ذلك، فقد أخفق تنظيم «الدولة الإسلامية» في خلق صورة إيجابية مثلما كان الأمر في الأول في الموصل، وانعكس هذا الفشل على تمدده الإقليمي في سوريا.

يطرح الباحث سيناريوهين في استشراف مستقبل تنظيم داعش: الأول: أن مرحلة البناء الثالث ستكون صعبة ومعقدة، نظراً لمجموعة من التحديات والصعوبات التي باتت تهدد تماسك ووحدة التنظيم، لا سيما وأن إيجاد خليفة للبغدادي يحظى بالإجماع، يعتبر رهاناً مستعصياً في ظل تعدد وتنافر الأجنحة داخل قيادة التنظيم. لذلك، فداعش بات مهدداً بالانشقاق والتمزق، مما سيؤدي إلى عودة بعض قياداته إلى تنظيم «القاعدة» وباقي التنظيمات الأخرى أو تأسيس تنظيم جديد. السيناريو الثاني: استمرار التنظيم سيكون مشروطاً بتغيير رؤيته الاستراتيجية، والتخلي عن «الخلافة المكانية» والتحول إلى تنظيم أيديولوجي شبكي، يتشكل من تنظيمات قطرية وإقليمية مستقلة في توجهاتها وقراراتها على شاكلة الخلايا والتنظيمات التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة. وبالتالي، وفي إطار حرب الاستنزاف، سيحاول داعش تركيز ونقل معاركه عبر التنظيمات القطرية والإقليمية إلى مناطق أخرى، خصوصاً في أفريقيا وأوروبا، من خلال جماعة بوكو حرام في نيجيريا، ومنطقة الساحل والصحراء، والقرن الأفريقي، وشمال أفريقيا في ظل الفوضى الموجودة في ليبيا، وذلك لمحاولة البحث عن السيطرة المكانية التي من المتوقع أنها ستصبح في المستقبل لتنظيم القاعدة بفضل حركة شباب المجاهدين في منطقة القرن الأفريقي، ولتنظيم داعش في المنطقة المغاربية وبالتحديد في ليبيا، لا سيما في ظل التنافس الإقليمي والدولي والانقسام العربي الذي فتح الباب أمام الأتراك للتدخل في المنطقة بشكل يعيد إلى الأذهان السيناريو المريب لانتقال «المجاهدين» إلى سوريا.

الاستراتيجية الأمريكية بعد مقتل البغدادي.. المحددات والتوقعات

يتناول منتصر حمادة -باحث مغربي في الحركات الإسلامية- في هذه الدراسة أهم معالم الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم «داعش». تركز الدراسة من ناحية على معالم الاستراتيجية في حقبة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، دون فصلها عن معالم الاستراتيجية ذاتها في مرحلة حكم الرئيس السابق باراك أوباما.

يؤسّس الباحث الدراسة على فرضيتين: الأولى: أنه لا يمكن فصل أهم معالم التدبير الاستراتيجي لصناع القرار في البيت الأبيض لملف الظاهرة الجهادية، من قبيل تدبير التعامل مع تنظيم «داعش»، عن بعض مميزات الفلسفة السياسية الأمريكية، والتي تلخص في النهل من المرجعية البراغماتية، أو النزعة البراغماتية التي تجسدها مواقف الإدارة الأمريكية في تدبير العديد من قضايا الساحة العالمية، ومنها قضايا الساحة العربية والعالم الإسلامي، وبالتالي لا يخرج الخيط الناظم للتعامل الأمريكي مع الظاهرة «الداعشية» عن استحضار هذا الأفق البراغماتي الصرف. أما الفرضية الثانية، أنه بموازاة ما يمكن أن يصدر عن صناع القرار في الإدارة الأمريكية، لا يمكن اختزال هذا التعاطي الاستراتيجي الأمريكي مع الظاهرة الداعشية عمّا يُميز المشروع الإسلامي الجهادي بشكل عام، والذي يعرف تحولات وتطورات عدة في العقدين الأخيرين، وخصوصاً منذ منعطف اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في الديار الأمريكية.

قسم الباحث دراسته لأربعة محاور: أولاً: محور أولي توقف فيه عند معالم تفاعل الولايات المتحدة مع الظاهرة الجهادية بشكل عام، سواء مباشرة بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن، وبالتحديد التفاعل مع ظاهرة تنظيم القاعدة»، أو معالم التفاعل ذاته، في العقدين الأخيرين، أي بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) بداية ومرحلة ما بعد «الربيع العربي» لاحقاً، قبل التوقف عند معالم التفاعل ذاته في مرحلة ما بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية. ثانياً: محور مخصّص للتوقف عند معالم أداء الحركات الإسلامية الجهادية، مع التركيز بالتحديد عند أداء الظاهرة «الداعشية»، باعتبارها الأكثر تهديداً والأكثر حضوراً مقارنة مع باقي الحركات الإسلامية الجهادية، بما في ذلك تنظيم «القاعدة»، والتركيز أكثر على مرحلة ما بعد مقتل زعيمها السابق أبي بكر البغدادي. ثالثاً: يلخص هذا المحور أهم الرؤى التي من المفترض أن يخلُصَ إليها المتتبع عند استحضار مضامين المحورين الأول والثاني على حد سواء، أو قل استعراض بعض الخلاصات التي تجمع بين محددات المحورين الأول والثاني من الدراسة. أما المحور الرابع والأخير، فجاء تجميعاً لأهم خلاصات الدراسة، انطلاقاً من مضامين المحاور السابقة، مع تركيز على طرح رؤى استشرافية ذات صلة بمستقبل الظاهرة «الداعشية» في المنطقة والعالم.

يخلص حمادة في دراسته إلى أن عمر هذه الظاهرة أطول مما يتوقع أغلب المتفائلين، بسبب تشابك ثنائية القراءة النظرية الاختزالية، والتعامل الميداني المرتبك، وليس المُحدد الخارجي المُجسد اليوم في القوى الأجنبية إلا عامل من العوامل المغذية لعمر الظاهرة، ولا يحول دون الانتباه إلى العوامل الذاتية الخاصة بنا. وإذا كانت ظاهرة الخوارج التي بزغت في حقبة الصحابة، دون أن تكون المنطقة حينها محاصرة بنظام دولي أو صدام قوى عظمى، فلنا أن نتخيل المشهد اليوم في سياق إقليمي أصبحت فيه المنطقة مقاماً من مقامات الحروب والصراعات، بما فيها قلاقل «الفوضى الخلاقة». لم يكن ظهور تنظيم «داعش» الحالة الختامية لاستراتيجيا مشروع «إدارة التوحش» الذي وضعه الجيل الثاني للجهاديين، وألفه الجهادي أبو بكر ناجي، بل هو كتاب منهجي دائم يمكن تطبيقه كلما توافرت شروطه الموضوعية وظروفه الواقعية، وهذا عينُ ما يُميز العديد من أوضاع الساحة، في المنطقة العربية والأفريقية، دون الحديث عما هو متوقع من ظاهرة «الذئاب المنفردة» في الحالة الأوروبية.

لاحظ أحد الباحثين المؤرخين للظاهرة الجهادية –كما يلفت حمادة- أن المشروع الداعشي مؤسّس على «مفهوم المخزون، ويتجلى في المخزون العقائدي للأدبيات الجهادية خلال نصف قرن من التفكير والتنظير والتأليف، ويأتي المخزون البشري ممثلاً لأجيال من الشباب الذين يبحثون عن التحرر والفعل التاريخي الخارق، ولا بد للمشروع الجهادي من مخزون مالي حتى تتوافر له الإمكانات في الحركة والتنظيم والفعل الميداني. وبين هذه المخازن يكون المخزون التنظيمي من الخلية إلى القيادة المركزية عملاً متراكماً لتجارب ثلاثة أجيال جهادية على مدى النصف الثاني من القرن الماضي، ونجاح المشروع الجهادي هو نتيجة حتمية كلما التقت هذه المخازن الأربعة ضمن تصور شمولي تؤسّسه الأفكار ويصنعه الرجال». وأنه لا يمكن فصل الحالة «الداعشية» عن المشاريع الإسلامية بشكل عام والمشاريع الإسلامية الجهادية بشكل أدق، وهي مشاريع تأسست منذ عقود مضت، في نصوص سيد قطب، وصالح سرية، وشكري مصطفى، وعبدالسلام فرج، وعبود الزمر، قبل تفعيل مقتضيات تلك النصوص على أرض الواقع، قبل وبعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وقبل وبعد أحداث «الربيع العربي»، وما زالت مفتوحة على كافة الاحتمالات، من كثرة البؤر الداعشية والقائمة اليوم، أو البؤر المعرضة لأن تصبح كذلك. تجسد أحداث «الفوضى الخلاقة» أو «الربيع العربي»، أحداثاً مفتوحة على عدة احتمالات، ومنها خيار تكريس فشل «الدولة الإسلامية» أو «الدولة المستحيلة» بتعبير المستشرق الكندي وائل حلاق، ويقصد بالتحديد فشل الدولة الإسلاموية وليس الدولة الوطنية، ومعلوم أن حُلم «الدولة الدينية» قائم في مخيال العقل الإسلامي الحركي، حيث يلعب عامل الحُلم دوراً كبيراً في شحن مخيال أتباع تنظيم الحركات الإسلامية بشكل عام، وخاصة الإسلاميين الذين يطرقون باب الجهاد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن محدد الحلم هذا حاضر أساساً في مخيال المسلم، على غرار حضور الشعر أو الموسيقى، لولا أنه يتم استغلاله بشكل سلبي جداً من طرف الجهاديين عبر الشحن الأيديولوجي واتخاذ القرارات. تتقاطع الخلاصات سالفة الذكر مع الاتجاه العام في الدراسات والأبحاث الصادرة عن المراكز البحثية الأمريكية، المقربة من دائرة صناعة القرار، وليس صدفة أن يكون العدد ما قبل الأخير لمجلة «شؤون خارجية» الأمريكية، الذي تزامن صدوره مع مقتل أبي بكر البغدادي، وكان ملفه للمصادفة مخصصاً لتعامل الرئيس الأمريكي مع ملفات الشرق الأوسط، متضمناً مقالات في هذا السياق، أي استمرار أزمات الشرق الأوسط من جهة، واستمرار الحرب المفتوحة على تنظيم «داعش» والحركات الإسلامية الجهادية من جهة أخرى.

مجتمع داعش: شهادات من الداخل بعد سقوط التنظيم

يعرض مهدي مبارك -صحافي مصري- في هذه الدراسة لشهادات ممن عاشوا في الأراضي التي استولى عليها داعش في العراق وسوريا، وتهدف للكشف عن الفظائع التي ارتكبها عناصر التنظيم عبر شهادات لأشخاص من نساء ورجال عاشوا في ما يسمى «دولة الخلافة» والتي كثرت بعد سقوطه. ويختتم في دراسته بأن مجتمع داعش، الذي حبسه التنظيم طوال سنوات احتلاله للموصل والرقة، تفشى فيه الزيف والكذب والخداع، ومارس القهر والظلم والكيد والعدوان، وبان بجلاء أن شعارات قادته ليست سوى وهم يُسوِّقه التنظيم. فهم يخالفون أخلاق الإسلام، وينفرون الناس منه.

الإعلام الجهادي الافتراضي بعد البغدادي: الطرق والمخاطر

تناول رشيد العزوزي -باحث مغربي متخصص في الإعلام التفاعلي- إعلام داعش واستراتيجيته وطرق ترويجها على وسائل التواصل الاجتماعي بعد مقتل البغدادي، وواقع الآلة الحربية الإعلامية الافتراضية لتنظيم الدولة، وكيفية تشكُّل علاقة الإعلام بالسياسة عند هذا التنظيم، وما حجم تأثير الهزائم العسكرية على خطه التحريري، وتغيير طرق الترويج على وسائل التواصل الاجتماعي، وقيمة وحدود تضليله الإعلامي، ومقومات البروباغندا الداعشية بعد مقتل البغدادي، وسبل مواجهة الإرهاب السيبراني الداعشي.

تحاول الدراسة تسليط الضوء على طرق ترويج إعلام أخطر تنظيم إرهابي عرفه التاريخ المعاصر، بهدف الوقوف على المتغيرات في الإعلام الداعشي وخطابه على وسائل التواصل الاجتماعي. ويخلص الباحث إلى أن محاربة أسباب التطرف مدخل أساسي للقضاء على الإرهاب السيبراني، أما الغلق واستعمال القوة وتشديد القبضة الأمنية فتبقى حلولاً ترقيعية، لا يمكن لها إلا أن تزيد من نزوع بعض الشباب العربي والغربي إلى الجماعات الإرهابية، لذا لا بد من معالجة جادة تأخذ بالاعتبار مجمل العوامل الاجتماعية والدينية والسياسية لسد المنافذ على المتطرفين. ومن المفيد أن يطور الخطاب الإسلامي المعتدل من حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي، كي يحاكي الجيل الجديد، ويحد من حضور الجهاديين والتكفيريين في الفضاء الديني.

الصراع على النفوذ.. الحرس الثوري وداعش بعد مقتل سليماني

يدرس محمود جابر -كاتب وباحث مصري- كيفية انعكاس مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني على المنعطف الخطير في التصعيد الأمريكي- الإيراني في العراق، وهل يصبح مسرح المواجهة المباشرة بين أمريكا والحرس الثوري من أسباب عودة تنظيم داعش. تنقسم الدراسة إلى ثلاثة محاور: المحور الأول: الحرس الثوري.. المهام والأدوار وأماكن الانتشار في عهد سليماني، المحور الثاني: معارك الحرس وداعش، المحور الثالث: الحرس وداعش ومرحلة ما بعد سليماني.

يخلص الباحث إلى أن «داعش» الآن في طور إعادة التنظيم، بالتعاون مع فروعه، وفي الوقت نفسه، تجري عملية إعادة تنظيم استراتيجيّة في نظام تحالف القاعدة. ومن المنطقي أنْ نفترِض أن المعسكريْن: القاعدة وداعش، سيُواصِلان العمل من أجل الحفاظ على الأجندة السلفيّة الجهاديّة وحتى تعزيزها، من خلال جملة أمور، عبر استخدام العمليات المنفردة والتخطيط الطويل، مع التكيف مع التحديات والآفاق التي يفرضها الواقع الجديد بناءً على الصبر الاستراتيجيّ الذي يقوم عليه مبدأ الجهاد، بحسب تعبيرهم. وإن مقتل البغدادي وسليماني ما هو إلا شكل من تبديل الوجوه لتوسيع رقعة الصراع وتجددها في المنطقة، ونرجح أن الولايات المتحدة لن تواجه تنظيم داعش بقدر ما تواجه الحرس الثوري وقد تلجأ من أجل الحد من نفوذه إلى خلط العديد من الأوراق.

قراءة في كتاب: ( : la suite Daech ) "داعش التتمة"

يقدم علي اليوسفي العلوي قراءة في كتاب (Daech: la suite ) «داعش التتمة» لمؤلفه سيباستيان بوسوا الذي يدحض الأفكار التي يروج لها بعض الإعلاميين والمتخصصين في الحركات الإسلامية والسياسيين، والتي مفادها أن «انهيار الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) سنة 2019 يعلن عن تجاوز المرحلة الأصعب، وأن العائدين من صفوف داعش ليسوا كثيرين، وبالتالي لا يشكلون تهديداً».

يفند بوسوا هذا الرأي ويرى أن أصحابه ينسون، أو يتناسون، أن جهاديي داعش إنما يختبئون في أماكن أخرى في انتظار أيام أفضل، ويستدل على ذلك بأن العشرين سنة الأخيرة قد برهنت، على أن أية حركة إرهابية إسلامية لا تنتهي إلا لتترك مكانها حركة أخرى ترثها وتطورها، ولنا في الحركات الجهادية من أفغانستان إلى الساحل وفي شبه الجزيرة العربية خير مثال على قدرة هذه التنظيمات على التحول وإعادة هيكلة نفسها. يضاف إلى ذلك أن الأيديولوجيات الجهادية استطاعت دائماً جذب الشباب من مختلف أنحاء العالم، ووجدت لنفسها مناطق تحتلها أو تزعزع استقرارها، لأنها تُعِد لبؤر جديدة عندما تفقد مواقعها القديمة. إن الخطر الحقيقي -يقول الكاتب- لا يتمثل اليوم في المقاتلين، وإنما تحديداً في جنود الخفاء الذين ما زالوا يمتحون من أيديولوجيا نشيطة يومياً على مواقع الإنترنت، والذين يتحسرون لأن مشروع الدولة لم يتجسد لأكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة. يضاف إلى ذلك أن مواقع الجهاد أصبحت كثيرة، وتُروج لمشاريع واعدة كما هو الشأن بآسيا.