يتناول الكتاب مسارات التطورات في حركة طالبان، إثر الانسحاب الأميركي من أفغانستان، ويساجل فرضية «التحوّل»، عبر تقصي جذور الفكرة الإسلاموية، والموقف من المرأة، ومبررات احتضان الجماعات المتطرفة، ويقدم مقاربة أوليّة لتأثير التحول المفترض على علاقة الجوار الأفغاني.
طرحت الدراسات نشأة حركة طالبان، ودخول الإسلام السياسي عليها وتأثيره في «عقيدتها القتالية» وأخذها بمفهوم الحاكمية المودودي والقطبي، والثوابت في موقفها من المرأة، وعلاقتها بالتنظيمات الإرهابية المجاورة لها سواء القاعدة أم داعش، ورؤيتها للعلاقات الدولية، وأجابت عن مجموعة من الأسئلة: هل تصبح أفغانستان مستقرًا للحركات الانفصالية الموجهة ضد الصين وروسيا؟ وأيّ أثر يتركه تسويق عودة طالبان على الجماعات المتطرفة البعيدة مثل بوكو حرام في نيجيريا، لا سيما وأنهما ينهضان على الطابع الهيكلي القبائلي؟
تم النشر في: September 2021
يدرس الكتاب مسارات حركة طالبان إثر الانسحاب الأميركي من أفغانستان، ويساجل فرضية «التحوّل» عبر تقصي جذور الفكرة الإسلاموية، والموقف من المرأة، ومبررات احتضان الجماعات المتطرفة، ويقدم مقاربة أوليّة لتأثير التحول المفترض على علاقة الجوار بأفغانستان التي باتت في قبضة طالبان.
رصد الباحثون تحركات متلازمة داخل الإسلام الحركي عشيّة عودة طالبان: في الأول تنافست التيارات الإسلاموية على تسويق الانسحاب الأميركي، باستخدام مصطلحات تجييشية دينية تعتبر ما جرى فتحًا، ونصرًا. وتواردت التهنئات التنظيمية الإخوانية والقاعدية وكل الطيف الإسلاموي للجماعة الجديدة، أمّا التحرك الثاني فكان محاولة جادة لتصوير وإعادة تسويق الحركة على أنها «قطاع تمرد»؛ وحركة تحرر وطني تعادي المحتل الأميركي. وجرى في المستوى الثالث تعميق لفكرة أنّ طالبان ليست سوى حركة مقاتلة تعتمد على جذر تقليدي لم تتأثر بالإسلام السياسي بقدر ما تأثرت بالتفكير النصي السلفي. والتحرك الرابع كان يرتكز على خطاب إسلاموي «واقعي» يدعو الجميع إلى الانتظار قبل الحكم على «طالبان الجديدة»، وترقب رؤيتها والحكم على تصرفاتها.
رصد نور الهدا فرزام -باحث وكاتب أفغاني متخصص في الدراسات الإسلامية- في دراسته عناصر مفهوم الحاكمية عند أبي الأعلى المودودي وسيد قطب في أفكار وأعمال طالبان؛ ومدى تأثر الحركة بتلك الفكرة وعناصرها. محاولاً الإجابة عن الأسئلة الآتية: هل نادت طالبان بالحاكمية؟ وإذا صح ذلك؛ فهل أخذتها من سيد قطب والمودودي أم هي مختلفة عنهما؟ وإذا لم تطالب بها؛ فهل هناك عناصر ومفاهيم من هذه الفكرة موجودة لدى طالبان؟ فإذا كانت موجودة؛ فمن أين وصلت إليهم؟ وما علاقة طالبان بالمودودي وسيد قطب في فكرة الحاكمية؟ هل هي متأثرة بهما أم لا؟ وما طرق التأثير؟
يدرس الباحث تطور أيديولوجيا حركة طالبان وطبقاتها التي قسمها إلى قسمين: طبقة القادة، وطبقة المحاربين. ثم يمر على المراحل التاريخية التي مرت بها طالبان التي صنّفها إلى: المرحلة الأولى: من النشأة إلى السيطرة على كابل 1996، المرحلة الثانية: السيطرة على كابل وسقوط طالبان (1996-2001)، المرحلة الثالثة: من السقوط عام 2001 إلى 2021.
يخلص الباحث إلى أن أعضاء طالبان يدعون أنهم حنفيو المذهب، ويتبعون مذهب الإمام أبي منصور الماتريدي في العقيدة، غير أن الفكر الطالباني أخذ من أكثر من مذهب وحركة، فتجد فيه فكر الخوارج وفقه الحنفية ومفهوم الحاكمية عند المودودي وسيد قطب. وإن العقيدة عند طالبان تختلف في كل مراحل تشكلها، كما تختلف في طبقتيها وهما: طبقة القادة وطبقة المحاربين. مشيراً إلى أنه قد يتناقض قول طالبان مع عملهم، وأن حركة طالبان تنظيم حركي قتالي إسلاموي ليس لها منابع خاصة تعبر عن فكرها إلا أعمالها. كما يرى أن طرق وصول مفهوم الحاكمية إلى طالبان كانت إما عن طريق تعاملهم مع تنظيم القاعدة، وهو –بدوره- أخذه عن عبدالله عزام المتأثر بسيد قطب، وإما عن طريق قراءة أفكارهم بشكل غير مباشر من خلال بيئة المدارس الدينية، وإما عن طريق التعامل مع أجهزة المخابرات، أو عن طريق المقاتلين ضد الاتحاد السوفيتي.
تسلط دراسة الباحثة الأفغانية بيبي فاطمة حكمت، الضوء على نضال النساء الأفغانيات، في سبيل نيل الحقوق والحريات، ومعاناتهن في ظل حكم طالبان الأوّل (1996-2001)، ومكاسبهن في العقدين الأخيرين (2001-2021)، والتحديات التي تواجه حقوق المرأة الأفغانية في عهد طالبان الجديد عموماً، مع التركيز على إبراز مخاوف الأفغانيات المتحررات والموظفات السابقات من النظام الجديد. مستعرضة موقف الأفغانيات المتحررات والموظفات من عودة طالبان.
توصلت الباحثة إلى أن نضال الأفغانيات لأجل الحصول على حقوقهن وحرياتهن على الرغم من عنف طالبان، يأخذ مساره وطريقه. إذ تأمل النساء أن تغير الحركة في رؤيتها وبرنامجها للمرأة، وأن تحترم حقوقها وحرياتها المشروعة حيث تعتبر قضية النساء أكبر تحدٍّ لطالبان؛ أمام المجتمع الدولي؛ حتى تستطيع أن تحصل على الاعتراف الدولي والمساعدات، وبغير ذلك لا يمكن لها الصمود كثيرًا في الانزواء السياسي والعزلة الدولية.
سجلت الباحثة جملة من النتائج، منها: أن نشاط المطالب الداعية لمنح النساء الأفغانيات الحقوق، ومنها الحراك النسوي الأفغاني، بدأ منذ مئة عام. وأشارت إلى أن أوضاع الأفغانيات تغيرت باختلاف الحكومات والدستور والزمان، وعشن أسوأ أيام حياتهن في ظل الحكم الأول لحركة طالبان. فيما اعتبرت الباحثة أن العشرين عاماً الماضية، مثلت المرحلة الذهبية بالنسبة للمرأة الأفغانية بسبب حصولها على حقوقها وحرياتها. وتشير إلى أن الأفغانيات المتحررات والموظفات رفضن نهج حركة طالبان العنيف تجاه المرأة، وعبرن عن رفضهن في شتى الطرق والوسائل بعد الانسحاب الأميركي عام 2021.
درس منير أديب -باحث مصري متخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي- الصراع العسكري السوفيتي- الأميركي والإرهاب، وتاريخ أفغانستان الحركي باعتباره الملاذ الآمن للإرهابيين، كما تناول دور الغزو الروسي والأميركي فيها في خلق الملاذات الآمنة للحركات الإرهابية، باعتبار أفغانستان أضحت بيئة حاضنة للإرهاب، ليمر على العلاقة بين القاعدة وطالبان ومبايعة الأخيرة للأولى في علاقة وصفها الباحث بـ"التخادم".
يخلص الباحث إلى أن الولايات المتحدة الأميركية فشلت خلال العشرين عامًا الماضية في تفكيك حركة طالبان أو حتى تنظيم القاعدة، الذي اتخذت أفغانستان مقرًا لاختباء قياداته على مدار تلك السنين. وأنه خلال هذه الفترة وُجِد تنظيم القاعدة بقياداته في جبال تورا بورا، ومارس نشاطه ضد المصالح الأميركية، ووجّه هجماته ضد القوات الأميركية في أفغانستان وخارجها. ويرى أن قيادات القاعدة ما زالت موجودة في أفغانستان، ولم تخرج منها، ولم تسمح طالبان للولايات المتحدة بالتفاوض على خروج هذه القيادات أو حتى بتنفيذ عملية ضد زعيمها أيمن الظواهري، تفضي إلى اعتقاله أو قتله، ولكن اكتفت بتحجيم التنظيم، وألا يستخدم الأراضي الأفغانية في مواجهة أميركا ومصالحها. فيما مثّل الانسحاب الأميركي بصورته الفوضوية، وبشروطه التي لم ترتقِ إلى مواجهة حركة طالبان وتنظيم القاعدة، فرصة لتوفير ملاذ آمن للقاعدة ولكل تنظيمات الإسلام السياسي، الأقل تشددًا من القاعدة، وهنا أصبحت أفغانستان ملاذًا آمنًا لهذه التنظيمات، ومفرخة جديدة للإرهاب بما يقوض جهود مكافحته، ويفرض تحديًا جديدًا يهدد أمن وسلامة العالم.
استعرض باسل ترجمان -باحث تونسي متخصص في الحركات الإسلاموية- في دراسته نشأة حركة طالبان والمنهج الذي تسير عليه، مركزاً على الدور المحوري الذي لعبه المقاتلون في الحركة. ليعرج بعدها على دور مجلس "لويا جيرغا" (Loya jirga) شورى القبائل في تشكيل التحالفات والولاءات، كما درس طبيعة التحالف بين طالبان والقاعدة، وأثر الاستقطاب الاستراتيجي في صنع فراغ. فبعد عشرين سنة من الحرب، فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في فهم الواقع الجيو سياسي والاجتماعي الأفغاني، ومثل كل حروبها السابقة انطلقت من السعي لفرض رؤيتها، وتكرار فرض منظومة سياسية تعتبرها المثل الأعلى للحكم «الديمقراطية» على شعوب ما زالت في ظل الفقر والجهل وانعدام الاستقرار لعقود طويلة؛ وارتفاع دور النظام القبلي الذي شكل الحماية الحقيقية لمنظومتها المجتمعية المحافظة والتقليدية من محاولات التفتيت والتغيير المفروض بالقوة ممن يعتبرونهم أعداء دينهم ودنياهم، الرؤية الفوقية التي ترى بها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بقية شعوب العالم، وتعتبر أن واجبها إلزامهم بالسير بحسب رؤيتها، يعبر عن حجم النقص والعجز في فهم الآخر، وعدم إيلاء القضايا الرئيسة في هذه المجتمعات الأهمية، مما تسبب في إلحاق الفشل بكل تدخلاتها العسكرية لتغيير الأنظمة الحاكمة؛ وفرض الديمقراطية بالقوة وصولاً لانتقالها لمرحلة الهزائم العسكرية، في مواجهة قوى لا تتناسب معها في الحجم والقوة.
يخلص الباحث إلى أن طالبان تعتبر انتصارها خطوة في الطريق نحو تثبيت اللبنة الأولى للدولة الإسلاموية، وهذه الخطوة ستكون بوابة للانتقال في محيط أفغانستان المباشر، ورسالة لكل الأطراف التي تؤمن بذلك، أن كل ما حققته يمكن تكراره في ظل غياب رؤية عقلانية واقعية لمواجهة وتفكيك قواعد هذا الفكر المتطرف.
تقيّم دراسة عارف رفيق -باحث باكستاني، غير مقيم في معهد الشرق الأوسط- التغيّرات الأيديولوجية والدينية والسياسية التي شهدتها حركة طالبان منذ سقوط نظامها سنة 2001. وتزعم أن طالبان تحوّلت إلى جهة فاعلة دبلوماسية وعسكرية أكثر براغماتية وقدرة، لكن المؤشّرات على تطوّر الأيديولوجية السياسية للجماعة قليلة.
يخلص الباحث إلى أن سيطرة طالبان على أفغانستان ليست راسخة، حيث شهدت البلاد العديد من الحكّام منذ أن خلع داود ابن عمّه الملك ظاهر شاه سنة 1973. وجاءت قوتان عظميان إلى أفغانستان وذهبتا. وكان الصراع هو الثابت الوحيد.
وأكد الباحث أن أفغانستان لن تعرف الاستقرار إلا عند قيام حكم يضمن حقوق الجميع وببناء اقتصاد مزدهر، وعندما تتجنب أفغانستان ودول المنطقة التدخل في شؤون بعضها البعض. لتحقيق مثل هذه الدولة يتطلب من طالبان إجراء تغييرات تبدو غير مستعدة لها في الوقت الحالي؛ لأنها قد تتحدى الاستقرار الداخلي للمنظمة. من المرجح أن تمضي طالبان ببطء في تحديد نظام الحكم ودمج شخصيات من غير طالبان في التكوين السياسي.
قدّمت سهير الشربيني -باحثة وأكاديمية مصرية متخصصة في العلوم السياسية- دراسة عن خريطة الجماعات الإرهابية في منطقة آسيا الوسطى: حركة طالبان ، تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، تنظيم القاعدة. ودرست علاقة طالبان بتنظيمي القاعدة وداعش، وتفاعلاتها وفرص التعاون والتنافس فيما بينهم.
وضعت الباحثة ثلاثة سيناريوهات ربما تحكم العلاقة بين طالبان والتنظيمات الإرهابية الأخرى في أفغانستان:
السيناريو الأول: تنازل طالبان لصالح التنظيمات الإرهابية.
السيناريو الثاني: توحيد طالبان الجهود في القضاء على داعش.
السيناريو الثالث: إبقاء طالبان علاقاتها سرية بالقاعدة ومحاولة احتواء داعش.
تشير الباحثة إلى أن أفغانستان تقف على مفترق طرق بعد سيطرة طالبان على كابل، وانسحاب القوات الأميركية نهائيًا من الأراضي الأفغانية، في ظل زيادة فرص صعود الجماعات المسلحة في أفغانستان، واحتمال عودة البلاد لتتصدر المشهد الإرهابي العالمي. وترى أن الطريقة التي ستختارها طالبان لإدارة الدولة سيكون لها بالغ الأثر على مستقبل الجماعات الإرهابية في أفغانستان، بل يتوقف عليها مستقبل الدولة بأكملها، وهو ما يضع الحركة أمام تحديات جمة قد تحد من قدرتها على التصدي للتهديدات الأمنية المحيطة بها. مشيرة إلى أن طالبان تحتفظ بعلاقات تاريخية مع القاعدة تجعلها غير قادرة على التضحية بحليفها، وتلتزم بتعهدات قد تخسر بها حلفاءها في حال قدمت تنازلات ضدهم وضد ثوابت أيديولوجية تؤمن بها، مما قد يعرضها إلى خطر الانشقاق. وعليه فإن فرص تنظيم داعش في التقدم وتنفيذ هجمات إرهابية في الغرب ربما تزداد، في ظل حالة التخبط التي تواجهها طالبان بين الالتزام بتعهداتها والثبات على مبادئها، ذلك التخبط الذي يفرض على القاعدة التقيد بمصلحة حليفها، أمام حركة واسعة اكتسبها تنظيم داعش بانسحاب القوات الأميركية من الأراضي الأفغانية.
تسعى دراسة أحمد سلطان -باحث وصحافي مصري، متخصص في شؤون الحركات الإسلاموية ومكافحة الإرهاب- إلى استشراف مستقبل العلاقات الطالبانية- الإيغورية، ورسم السيناريوهات المتوقعة لتعامل الحركة الأفغانية مع العرقية الإيغورية، في ضوء الحديث عن التقارب الطالباني- الصيني الواضح، أخيرًا، بجانب إيضاح التأثيرات المتوقعة للتنافس والصراع الجيوساسي بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية الصين الشعبية على أفراد الإيغور الموجودين في أفغانستان، وانعكاس هذا الصراع على النشاط الحركي للمجموعات الإيغورية المسلحة التي يوجد أفرادها في أفغانستان كالحزب الإسلامي التركستاني/ حركة تركستان الشرقية الإسلامية. من تلك السيناريوهات المستقبلية التي يتوقعها الباحث للعلاقات بين حركة طالبان وأبناء عرقية الإيغور الموجودين في أفغانستان: الاحتواء والتعايش، التحجيم والاستئصال، الحياد وغض الطرف.
يخلص الباحث إلى أن العلاقات الطالبانية- الإيغورية تقف أمام اختبار مرحلي حاسم، فمع أن جذورها ترجع لأكثر من عقدين من الزمان، فإن المتغيرات الطارئة على الساحة الأفغانية، عقب الانسحاب الأميركي من البلاد، تلقي بظلالها الثقيلة على هذه العلاقات، وتمهد لسلوكها مسارًا جديدًا في الفترة المقبلة. وأنه لا تملك حركة طالبان وحلفاؤها الإيغوريون خيارات عدة، للتعاطي مع الواقع الجديد، فالحركة الأفغانية تُدرك أن عليها الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع جمهورية الصين الشعبية، التي تعول عليها كطوق نجاة وإنقاذ للاقتصاد الأفغاني، الذي يعاني ويئن تحت وطأة العقوبات وتجميد الأرصدة الأجنبية، الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، على طالبان عقب سيطرتها على السلطة في البلاد. وبدورها، تدرك الصين أن بيديها أوراقاً حاسمة ستؤثر في مستقبل الأوضاع في أفغانستان، لذا فهي توظف هذه الأوراق في تأمين مصالحها الذاتية وضمان أمنها القومي، والتركيز على أولوياتها في مكافحة الانفصالية الإيغورية، التي تنظر لها كتهديد حقيقي للأمن الصيني.
يشير الباحث إلى أن التفاعلات الطالبانية الداخلية، والتفاعلات الطالبانية- الصينية، والصراع والتنافس الجيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، سوف تساهم في صوغ مستقبل الوجود الإيغوري في أفغانستان، الذي سيبقى خاضعًا لتقلبات رياح السياسة الإقليمية والدولية.
درست دينا توفيق -باحثة وطالبة دكتوراه بجامعة ملبورن في أستراليا، متخصصة في مكافحة التطرف والإرهاب- المصالح المشتركة بين القبائل والجماعات الإرهابية ، وتعقيدات المشهد القبائلي في أفغانستان، ودور البشتون بين أفغانستان وباكستان ، ثم عرجت على نشأة بوكو حرام وعلاقتها بعرقية الكانوري. لتستخلص أن السبب الرئيس في تنامي وتوطيد العلاقة بين العنصر القبائلي والجماعات المتطرفة والإرهابية هو غياب مؤسسات الدولة النيجيرية، وفشلها في استيعاب النسيج الاجتماعي المرتبط بعرقيات وقبائل متعددة ومتشعبة، ومن ثم إخفاقها في احتواء النزاعات والاشتباكات القائمة بين هذه العرقيات والقبائل.
وفي المقابل، نجحت جماعات مثل طالبان في أفغانستان وبوكو حرام في نيجيريا في استغلال العنصر القبائلي كعامل محوري في تعزيز سلطتهم، واكتساب شرعيتهم داخل البلاد والبلاد المجاورة. حيث تدرك هذه الجماعات التركيبة القبائلية والدينية لمجتمعاتهم، ومن ثم تجيد استغلال هاتين الورقتين في تعزيز نفوذهم.
ترى الباحثة أن العنصرين اللذين تحدث عنهما ابن خلدون وهما: «العصبية القبلية» و«الأيديولوجية الدينية»، هما عماد دولة طالبان، فيلاحظ المتابع بسهولة أن تلك الدولة هي في الأساس قبائلية، ولكنها تتخذ من الدعوة الدينية غلافًا دعائيًا يصلح للاستخدام في كل وقت، وتستدل على ذلك، بأن هناك من يؤيد حركة طالبان ويتعاطف معها دون أن يكون لديهم الحد الأدنى من المعرفة الحقيقية عن الحركة، ولكنهم يؤيدونهم فقط لأن الحركة تزعم تطبيق الشريعة الإسلامية والحفاظ على الهوية الدينية. والأمر ذاته بالنسبة لبوكو حرام، حيث استغلت الطائفية الدينية والنزاعات القبائلية لتأسيس حركتها وتوسيع أنشطتها خارج حدود نيجيريا، من خلال التحالف مع قبائل الكانوري المتمركزة في شمال شرق نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد.
تضيف الباحثة في خلاصتها أن النظام القبائلي يوفر هيكلاً قوياً لدمج أفراد القبيلة أو العرقية الواحدة، بحيث يصعب اختراقها أو إضعافها، وبذلك توفر بيئة حاضنة للجماعات المتطرفة والإرهابية. على سبيل المثال، بعد إزاحتها من الحكم عام 2001، احتضن بشتون باكستان بشتون أفغانستان ووفروا لهم دعماً مادياً وعسكرياً، حتى تمكنت حركة طالبان من استجماع قواها لتعود إلى حكم أفغانستان عام 2021. وكذلك الوضع بالنسبة إلى بوكو حرام، حيث احتضنت الكانوري أفراد الجماعة، بعد الحملة الأمنية المشددة التي قادتها السلطات النيجيرية ضد الجماعة، والتي انتهت بإعدام قائدهم محمد يوسف وقتل العديد من أعضاء الحركة عام 2009.
تسلط دراسة منتصر حمادة -باحث مغربي، مدير مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث بالرباط- الضوء على كتاب مذكرات القيادي في حركة طالبان عبدالسلام ضعيف "حياتي مع طالبان"؛ فبالرغم من وزنه التنظيمي، وتجاربه السياسية والدبلوماسية، وسبقه في أن يكون من مؤسسي الحركة، لا يوجد له أي أثر في بعض الأعمال التي نشرت حول تجربة حركة طالبان في المنطقة العربية. أما في الأعمال البحثية الصادرة عن الأقلام الغربية، وخصوصاً الأقلام الأميركية، فبالكاد نقرأ إشارة عابرة عنه، ولكن ثمة تلميح له على هامش توسّط هذا الأخير في مارس (آذار) 2007، من أجل إطلاق سراح الصحفي الإيطالي دانيال ماسترو جياكومو (من صحيفة «الجمهورية» الإيطالية)، كما جاء في كتاب «طالبان وأزمة أفغانستان».
يتوقف الباحث عند أهم مضامين كتاب «حياتي مع طالبان» الذي حرّره إليكس ستريك فان لينشوتن وفيليكس كويهن، وهما باحثان وكاتبان يقيمان في قندهار، عملا في أفغانستان منذ 2006، وقاما بتغطية تمرد حركة طالبان، كما اشتغلا على تاريخ جنوب أفغانستان على مدى العقود الأربعة الماضية.
يتوقف الكتاب عند نشأة عبدالسلام ضعيف ودراسته في المدارس الإسلامية؛ ودوره في صد الحرب السوفيتية على أفغانستان، كما يستعرض ما خَبره من مفاوضات داخلية وخارجية، في المناصب المتعددة التي تبوأها ومنها نائب وزير الدفاع ونائب وزير المناجم والصناعة، كما توقف عند تبعات أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الملاّ ضعيف، وهي التبعات التي قلبت حياته وحياة بلده، كما توقف عند تسليمه للأميركيين من طرف السلطات الباكستانية، وتجربته في معتقل غوانتانامو، ليُصبح السجين رقم (306).
ثمة مجموعة ملاحظات على مضامين هذه المذكرات، يحصرها الباحث في النقاط الآتية:
- من الملاحظ أن المذكرات روجت صورة شبه مثالية حول حركة طالبان، تقترب من التنزيه، كأنها طوبى أو «نهاية التاريخ الأفغاني»، ويتضح ذلك مع الصورة المثالية التي كانت من نصيب الملاّ عمر، أمير الحركة، سواء في سياق التعريف به أو في سياق مقارنته مع قادة أفغان.
لم تعد أفغانستان نفسها اليوم مع عودة طالبان، وليس صدفة أيضاً أن هذه العودة تسببت في هجرة مئات الآلاف من الساكنة الأفغانية، خشية من تشدد نظام الحكم لدى حركة طالبان، بكل القلاقل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المصاحبة لهذه الهجرات المركبة، سواء كانت تهم الدول المجاورة لأفغانستان، أو تهم حالات آلاف هاجروا نحو الدول الأوروبية.
يقدم الزواوي بغوره -أستاذ في قسم الفلسفة في كليَّة الآداب بجامعة الكويت- قراءة في مفهوم السياسة الحيويَّة وتحوُّلاته في ضوء الفلسفة الاجتماعيَّة، متناولاً مفهوم الدولة القومية وتحديات الأمن والحرية وفق المقاربة الفرنسية حسب كل من: ميشيل فوكو في مفهوم السياسة الحيويَّة، وديديه فاسين في أنثروبولوجيا الأخلاق، و غيوم لو بلو في أخلاق الحياة. ثم يتناولها الباحث وفق المقاربة الأميركية- الإنجليزيَّة، من حيث: العرق، وإعادة الإنتاج، والطب الجينومي. أما في المقاربة الإيطاليَّ، فيستشهد ببروبرتو إيسبوزيتو حول إعادة النظر في مفهوم الجماع، وموريسيو لازاراتو في الاقتصاد الحيوي.
تطرح السياسة الحيويَّة بوصفها إحدى جاهزيَّات الدولة الحديثة في تحقيق الأمن الصحِّي للسكان، على الأقل مشكلتين أساسيَّتين هما: مشكلة العدل والحرية، ويبدو واضحًا أن مختلف المقاربات تعتمد في قراءاتها للسياسة الحيوية على أربع خطوات أساسيَّة: أولاً: العودة إلى مفهوم فوكو نفسه. ثانيًّا: نقد بعض جوانب المفهوم. ثالثًا: محاولة صوغ تصوُّر جديد. رابعًا: محاولة تطبيقه أو توظيفه في مجال البحث المقصود. وبهذا المعنى يمكن القول: إنَّ ثمة، بالفعل، مرحلة جديدة من التحليلات يصح الاصطلاح عليها بـ: ما بعد السياسة الحيويَّة. ويخلص إلى أن هذه القراءات تشير بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى أن السياسة الحيويَّة في ارتباطها بالسُّلطة، والدولة، والسكان، والمجتمع، تتحوَّل إلى سياسة ذات جوانب إيجابيَّة وأخرى سلبيَّة. فإنَّ هذه القراءات على اختلافها تؤكِّد أن مفهوم السياسة الحيويَّة مفهوم ثنائي القيمة، وليس أحادي القيمة كما حاول وصفه فوكو. وعنى الباحث بذلك أن المفهوم له وظائف سلبيَّة تتمثَّل في ضبط السكَّان ومراقبتهم، وقد تؤدِّي إلى القضاء عليهم كما هو الحال في النظم الشموليَّة، إلاَّ أنَّ للمفهوم وظائف إيجابيَّة، وهو ما حاولت أن تكشف عنه مختلف القراءات التي درسها الباحث، ولم تجعلها عائقًا أمام حريَّة المواطنين أو السكان أو المجتمع، وإنَّما جعلتها شرطًا لتنميته وازدهاره.