التعصب الحركي واختطاف المجتمعات: النازيون والفاشيون والإخوان


يدرس هذا الكتاب نماذج من الجماعات والتنظيمات السياسية والحركية المتشددة، التي تسيطر بخطابها على فئات اجتماعية عريضة، وتسمم السّلم المجتمعي، باستخدام محفزات للتشدد؛ تفضي إلى إبادة الآخر، فاهتم بالمقارنات من جهة، واستخلص الدروس التاريخية والراهنة للتعامل مع الحركات المتعصبة، ونزع التطرَّف الجماعي والفردي، مستلهماً نماذج لسياسات الذاكرة، وبرامج التعافي من آثار النازية والفاشية واليمين المتطرف والتشدد الإسلاموي.


تم النشر في: August 2021


front176

قائمة الفصول


# اسم الكتاب سعر اشتري الآن
1 عقيدة النَّازي الدِّينيَّة لجواد عليّ 45 د.إ
2 تأثير النازية في تنظيم الإخوان المسلمين وفكرهم 45 د.إ
3 أربعة خطابات متنافسة حول مقابلة الإسلاموية بالفاشية 45 د.إ
4 المظلوميّة وتشريع العنف: قراءة في حركة التوّابين 45 د.إ
5 ما وراء ظهور الحركات الإسلاموية المتطرفة في العالم العربي 45 د.إ
6 دور العنف الرمزي في نشر الكراهية: دير شترومر أنموذجاً 45 د.إ
7 مقاومة النازية في صربيا: دوريك ونيديلجكوفيك أنموذجان 45 د.إ
8 ما الذي يحفز العلماء غير اليهود في ألمانيا على دراسة معاداة السامية؟ 45 د.إ
9 هزيمة الفاشية في الحربين العالميتين والدروس المستفادة 45 د.إ
10 «الأولاد الفخورون» (Proud Boys) الأميركيون: الأيديولوجيا والممارسة 45 د.إ
11 التطرف اليميني والخروج منه: خبرات وتأمّلات 45 د.إ
12 خطابات حقوق الإنسان الدينية وفرص إندماج المسلمين في أوروبا 45 د.إ
ملاحظة: الدراسات متاحة فقط كملف تنزيل في إصدار PDF.

شرح الكتاب


ملخص بحوث العدد (176)

«التعصب الحركي واختطاف المجتمعات: النازيون والفاشيون والإخوان»

(أغسطس/ آب 2021)

 

دبي

يدرس مركز المسبار للدراسات والبحوث في هذا الكتاب نماذج من الجماعات والتنظيمات السياسية والحركية المتشددة، التي تسيطر بخطابها على فئات اجتماعية عريضة، وتسمم السّلم المجتمعي، باستخدام محفزات للتشدد؛ تفضي إلى إبادة الآخر، فاهتم الكتاب بدراسة المقارنات من جهة، وباستخلاص دروس تاريخية وراهنة لعلاج الحركات المتعصبة، من النازية والفاشية والإخوان وحركات اليمين المتطرف في ألمانيا والولايات المتحدة.

عقيدة النَّازي الدِّينيَّة لجواد عليّ

جاء المقال في مفتتح الكتاب؛ بتقدمة بقلم المؤرّخ العراقي وعضو هيئة التحرير، رشيد الخيُّون، الذي اقترح إعادة نشر مقال المؤرخ العراقي جواد علي (1907-1987)، المنشور عام 1939 في مجلة الرسالة، وفيه لاحظ النسخة النازية من المسيحية؛ التي رفعتها رايةً ضد الأحزاب المعارضة، متهمةً إياها بالتهاون، ورمتها بنشر نسخة غير أصيلة من المسيحية؛ بينما زعم النازيون احتكار الحقيقة الدينية عبر «الحزب الوطني الاشتراكي» حامي المسيحية!

يشير جواد علي إلى أن النازية فرضت ما أسمته «ضريبة الكنيسة» على «كل ألماني وألمانية حضر صلاة الكنيسة أم لم يحضر» وأخضعت المجتمع والدين لأيديولوجيتها المتطرفة؛ التي قلبت الفكر والمفاهيم.

لاحظ الخيُّون أنّ عقيدة النازي الدينية ليست بعيدة عن عقيدة الإسلام السياسي ووصوله إلى السلطة، فرأى أنّ وصولهما إلى السلطة أدى إلى نفور المؤمنين من الدين، «حتى أخذت نسبة الإلحاد بالتصاعد»، فـ«الإسلامويون يؤسسون لدين آخر، مثلما حاولت النازية تأسيس مسيحية أخرى غير التي يتعبد بها العالم المسيحي»!

تأثير النازية في تنظيم الإخوان المسلمين وفكرهم

درس الباحث الإيطالي "توماسو فيرجيلي"، فرضية ما إذا كان الإخوان أصدقاء أم أعداء في مكافحة التطرف، فتناول أثر الجوهر المشترك للأيديولوجيات الشمولية، وقدم مقارنة أيديولوجية «الإخوان المسلمون» بالماركسية والفاشية والنازية، موضحًا السمات التي تشترك بها، على الرغم من الاختلافات الواضحة فيما بينها، في مبادئ حاسمة وطوباوية شمولية متماثلة تتعارض تعارضاً تاماً مع القيم الديمقراطية الليبرالية.

يعرج الباحث على مفهوم الديمقراطية وأثره في تجارب الإسلامويين، ويعرض تجربة حماس في فلسطين، والعدالة والتنمية في تركيا، وتجربة الإخوان في مصر، ثم تجربة حركة النهضة في تونس. ويرسم خريطة العنف المتأثر بمفهوم الجهاد، فهو يرى أنه لا يمكن اعتبار أي مجموعة أو فرد تتعارض أجندته مع القيم الديمقراطية الليبرالية، بغض النظر عن الوسائل المستخدمة، حليفاً في مكافحة التطرّف. وهذا يعني مراقبة تلك الجماعات عن كثب، ومنع تمكينها أو إضفاء الشرعية عليها. أما محاولة استمالة الإسلامويين في الحرب على التطرف، أو محاولة استرضائهم في طلباتهم، فستكون مماثلة لاستمالة النازيين غير العنيفين أو استرضائهم بوصفهم حلاً لتطرّف أقصى اليمين. فلا يمكن محاربة أيديولوجية راديكالية باستخدام شكل أكثر اعتدالاً من النوع نفسه، لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى زيادة انتشارها. كما أن الأيديولوجية الشمولية، كما أظهر التاريخ بقسوة، تعتبر الاسترضاء انتصاراً أولاً وإشارة إلى ضعف الطرف المقابل. ولا يؤدّي ذلك إلا إلى تقوية إرادة الراديكاليين ودفعهم إلى المطالبة بالمزيد.

ويخلص الباحث إلى أن رفض الإسلام السياسي والإسلامويين لا يعني رفض الإسلام والمسلمين، محذراً من الوقوع في الفخ التكفيري الذي نصبه الإخوان المسلمون، الذين يصوّرون أنفسهم بأنهم المبعوثون الوحيدون الحقيقيون للإسلام، ومن ثم فإن كل من ينتقدهم «كارهون للإسلام». وأنه يجب أن تتبع معايير التمييز بين الإسلاميين والمسلمين غير الإسلاميين بشكل طبيعي: الرفض غير المشروط للإرهاب، بغض النظر عن الدولة والغرض؛ قبول أفضلية قانون الدولة؛ والاعتراف بالمساواة الكاملة بين المسلمين وغير المسلمين والرجال والنساء؛ واحترام كل الخيارات الروحية.

أربعة خطابات متنافسة حول مقابلة الإسلاموية بالفاشية

يقترح تمير بارون -أستاذ وباحث في كلية العلوم الاجتماعية في معهد مونتيري للتكنولوجيا والتعليم العالي- اتباع تصنيف رباعي في دراسة العلاقة بين الإسلاموية والفاشية، محدداً أربعة أنواع من الخطاب إزاء الفاشية والإسلاموي تتمثل في المناهج أو المقاربات الآتية: «الامتناع عن المقارنة» و«الفاشية الإسلاموية» و«الفاشية الإسلاموية بوصفها نعتًا أو كنية» و«التجرؤ على المقارنة».

يصر الاتجاه الأول على استحالة المقارنة بين الفاشية والإسلاموية. ويصل الاتجاه الثاني إلى نتيجة مفادها أن الإسلاموية شكل من أشكال الفاشية. ويرى الاتجاه الثالث أن الفاشية الإسلاموية نعت يقصد به الانتقاص من الإسلامويين وتبرير الممارسات الاستعمارية الجديدة للولايات المتحدة والغرب. أما الاتجاه الرابع فيقارن الفاشية والإسلاموية بصفتهما مذهبين فكريين، ولكنه يخلص إلى أنه على الرغم من تشابههما في الممارسات والأهداف، فإن الإسلاموية تختلف في كونها مذهبًا متميزًا بشموليته.

المظلوميّة وتشريع العنف: قراءة في حركة التوّابين

درس نادر الحمّامي -باحث تونسي، أستاذ الحضارة العربيّة والإسلاميّة في جامعة قرطاج (تونس)- خطاب المظلوميّة في السياقات الإسلاميّة المبكّرة وكيفيّة اعتماده ركنًا مهمًّا في تأسيس حركات سياسيّة- دينيّة عنيفة للخروج على السلطة المركزيّة، وذلك اعتمادًا على قراءة في حركة التوّابين، مع إمكانيّة الانتباه لاحقًا إلى أنّ هذا الأنموذج التاريخي سيتمّ استثماره باستمرار في حقب لاحقة لدى حركات سياسيّة دينيّة ذات اتّجاهات مختلفة، بل حتّى لدراسة الجماعات الهوويّة المغلقة بصورة عامّة. مرّ بداية على تعريف المظلومية، ثم تناول المظلومية في الإسلام، لينتقل بعدها إلى دراسة أنموذج حركة التوابين وسردية المظلومية التاريخية في ثلاثة أقسام: نواة السرديّة: التوبة والإحساس بالظلم، النصّ في خدمة أيديولوجيا الجماعة، والثأرُ فرضًا دينيّا مزعوماً.

حاول الباحث أن يبين جانباً من جوانب الأسس الّتي قامت عليها حركة التوّابين، باعتبارها جماعة خرجت على السلطة المركزيّة. وأقام تحليله على تفكيك تلك الجوانب، انطلاقًا من عدد من النصوص الكاشفة عمّا اعتبره سرديّة تاريخيّة، مفترضاً أنّ حركة التوّابين، كغيرها من الحركات الّتي تسمّى حديثًا حركاتٍ انفصاليّة عنيفة، تصنع سرديّة تاريخيّة خاصّة، تميّزها عن بقيّة الجماعات، وبحثًا عن الشرعيّة الاجتماعيّة، استنادًا إلى شرعيّة هوويّة سواء كانت دينيّة أو غيرها.

يتنبه الباحث إلى أنّ حركة التوّابين، وما شابهها من حركات تاريخيّة أخرى، وإن من توجّهات مختلفة، لم تبق في سياقاتها التاريخيّة المخصوصة، فالملاحَظ أنّها أصبحت أنموذجًا لحركات وتيّارات سياسيّة ودينيّة حديثة ومعاصرة، ممّا يمَكِّن من النظر في تمثّلات حركة التوّابين والتشريع للعنف في أزمنة وتوجّهات مختلفة. ويرى أن اللافت للنظر أنّ تلك التمثّلات لهذه الحركة لم تكن من جانب الحركات الشيعيّة وحدها، بل تجاوزتها حتّى إلى حركات أخرى مختلفة مذهبيًّا وتاريخيًّا، وحسبنا الإشارة -هنا- إلى مقال لأحد رموز الإسلام السياسي، والّذي يعتبر مرجعًا بالنسبة لتنظيم القاعدة: هاني السباعي، حول التوّابين، وقد مجّد فيه الحركة بشكل لافت للنظر. فبعد إخراج التوّابين من المعنى المتداول للشيعة يقول في بداية مقاله: «فأمير هذه الجماعة صحابيّ اسمه سليمان بن صرد، وكان من شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وآل بيته، وإنّ التوّابين ليس لهم صلة بشيعة هذا الزمان».

ما وراء ظهور الحركات الإسلاموية المتطرفة في العالم العربي

يرى الباحث والأكاديمي الإماراتي عبدالله جمعة الحاج، أن مناقشة علاقة الحركات الإسلاموية المتطرفة بالحركات الغربية الفاشية والاشتراكية تطرح إشكاليات عدة؛ لأنها تغوص في أعماق جملة المصاعب التي يواجهها العرب والمسلمون، تتمثل بسطو الجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية العنفية، على الإسلام الذي يعتنقه أكثر من مليار ونصف المليار مسلم.

يؤكد جمعة أن الجماعات الإسلاموية المتطرفة أثبتت أنها عامل عدم الاستقرار في الدول العربية حالياً، فأطلقت شعارات متطرفة تعمل على تنفيذها على أرض الواقع. وتدعي أن نظام الحكم الذي تريد إقامته يستمد شرعيته من الإسلام، وأنه سيكون الحامي الأول والأقوى للإسلام ذاته كدين وللأمة الإسلامية. وهي في هذا الشأن ترد على مناوئيها؛ الذين يريدون إقامة مجتمع مدني يكون فيه الإسلام -حسب تفسير الإسلامويين- مجرد أداة تستخدمها «النظم العلمانية» لتسيير شؤون الدولة والمجتمع!

يرى جمعة أن الحركات الإسلاموية المتطرفة تركز على أن النظام المدني دائماً ما يستعين بالإسلام لتبرير سياساته، وتهدئة العامة المسلمة عن طريق إضفاء شيء من الشرعية الإسلامية على الأوضاع القائمة، وهي طريقة تم تكرار الاستعانة بها من قبل نظم كل من أنور السادات في مصر وجعفر النميري في السودان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وبهذه الطريقة الإقناعية تمكنت العديد من الجماعات والمنظمات الإسلاموية المتطرفة من إقناع العامة بأن هذا الاستخدام الرمزي للإسلام من قبل الأنظمة السياسية، هو عبارة عن محاولة سطحية للسيطرة على المواطنين واستغلالهم.

في أعقاب الفوضى التي ألمت بالعديد من الدول العربية وسقطت فيها النظم الحاكمة، تمكنت جماعة الإخوان من الوصول إلى السلطة لفترة وجيزة في كل من مصر وتونس، ونتيجة لذلك زعم التنظيم أنه يعمل على إقامة نظم حكم مستقر؛ لأنه يعود إلى تراث معروف يمكن للمسلمين أن يرونه بسهولة أنه أمر يخصهم وهو ينتمي إليه.

لاحظ جمعة أن هذا الطرح الإسلاموي وجد أصداء له لدى العديد من أفراد المجتمع، وكان طرحاً ناجحاً ومقنعاً، فالعامة العربية المسلمة لم تتخل قط عن الإسلام، حتى بالنسبة لأولئك الذين تأثروا في فترات معينة بالأفكار الحديثة. وهذا يعني أن التعاليم والولاءات الإسلامية أمور دائمة الحضور في أذهان العرب.

إن العديد من النظم العربية، في إطار اضطلاعها بعمليات التحديث ارتأت أنها تستطيع الإفادة سياسياً من أجزاء من تعاليم الإسلام وتوظيفها كآليات جاهزة تتحدث من خلالها إلى شعوبها. لذلك فإن الإخوان في مصر وجماعة النهضة في تونس ركزوا كثيراً على تعزيز النظم التي أقاموها، وفي مخاطبة الفئات الاجتماعية المصرية والتونسية، على أن للإسلام لغته المميزة ومعانيه المنفردة، التي تخلق شرعية أكثر أصالة وعمقاً في المجتمع العربي المسلم.

يشير جمعة إلى أن هذه الجماعات تدعي المظلومية، فتضع نفسها كرافعة لصوت المظلومين والمغلوبين على أمرهم، سواء في الدول العربية أو دول العالم، ولو أتيحت لها الفرصة في الوصول إلى السلطة فإنها تدعي أنها ستكون عامل استقرار، وأنها ستعمل على خلق شرعية إسلامية مهمتها بسيطة ومقبولة ومريحة لدى المواطنين. لكن مثل هذا الطرح لا تعززه الممارسات العملية لجماعات التطرف والإرهاب كافة، فهم حتى الآن باعث لعدم الاستقرار والدمار الذي تولد في الدول العربية كافة التي ظهروا فيها، وجميعهم يمثلون طرحاً كاشفاً للعلاقة المتردية بين الدولة الوطنية الحديثة وبينهم، وجميعهم مدانون بأنهم حركات أصولية متطرفة تمارس الإرهاب والقتل السياسي وتكفير الآخرين.

يشير الباحث إلى أن الهدف من هذه الإشارات التاريخية السريعة لمسار الجماعات والتنظيمات الإسلاموية المتطرفة يرمي إلى أمرين: الأول: توضيح عداء هذه الجماعات للدولة الوطنية الحديثة التي يريدون السيطرة عليها، والثاني: توضيح أنهم لم يتولوا السلطة السياسية الفعلية، على الرغم مما حدث في مصر وتونس، فهذه الجماعات؛ تشكل حركات تمرد سياسي طوال فترات وجودها في الحياة السياسية للدول العربية، وشتان بين تولي السلطة الفعلية على أسس شرعية وبين التمرد.

دور العنف الرمزي في نشر الكراهية: دير شترومر أنموذجاً

يرى فينيسيوس ليبل -باحث وأستاذ مشارك للتاريخ المعاصر في جامعة ريو دي جانيرو الاتحادية (UFRJ)- أن العنف يتبدى بطرق مختلفة، في قسوة التعذيب، أو في أهوال الإبادة الجماعية، أو في التفاصيل المهمّة للحياة اليومية، أو في العروض الصغيرة للعدوان المقدمة -على سبيل المثال- في ضروب معيّنة من الفكاهة. وهذا هو محور دراسته، التي تبحث في التمثيلات المعروضة في الرسوم الكاريكاتورية السياسية لصحيفة «دير شتورمر» النازية، وتبحث عن أدلة لفهم نوع معيّن من العنف، وهو عنف يتخلّل الجماعة التي تتداول هذه الرسومات، ويمكن أن يكون له عواقب ذات صلة على المجتمع المعني. وتتعامل هذه العواقب في جوهرها مع التوازن بين حرية التعبير وعنف خطاب الكراهية.

يضيف الباحث أنه عند التفكير في هذه المصادر المحدّدة، أي الرسوم الكاريكاتورية السياسية، من المتعذّر فصل فعلها في المجال السياسي عن ناقلها الإعلامي، وعن الصحف والمجلات التي تنشر فيها. وبهذا المعنى، من الممكن أن تعدّ الرسوم الكاريكاتورية السياسية داعية ومناصرة حقيقية للأيديولوجيات ووجهات النظر العالمية، لأن رسائلها ترتبط بمفاهيمها وعواطفها التي يقدّرها القرّاء ويستوعبونها. بعبارة أخرى، إن تداول الصحيفة (وبالتالي الرسم الكاريكاتوري السياسي) يشكل -بحدّ ذاته- شبكة اجتماعية محدّدة، شبكة تعزّز رابطة ذاتية (مشتركة) بين القرّاء الذين يدركون الخصائص الكامنة في الرسوم الكاريكاتورية بوصفها ملازمة أيضاً لمجموعتهم الاجتماعية. وبناءً على استهلاك هذه المعلومات والخطابات، يمكن تشكيل جماعة على أساس الموقف أو الطبقات الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية عن طريق تشارك المعلومات والعواطف والخيال، الذي تكون فيه الصور الكاريكاتورية جزءاً أصيلاً وتؤدّي دوراً فاعلاً.

يلاحظ الباحث أن المجتمعات والبيئات التي يعتريها الخوف وتشهد أزمة، هي أكثر عرضة لخطاب الكراهية وتقبّله. ولكن إذا أثارت الرسوم الكاريكاتورية نقاشات جدلية ومثيرة للخلاف، وإذا شاركت المؤسسات البحثية والثقافية والإعلامية في عملية المراقبة والنقاش، فإنه يمكن عكس الهجمات والتشهير التي تظهر في الرسوم الكاريكاتورية، لا عن طريق الرقابة أو الحظر، ولا عن طريق الدفاع الذي لا يلين عن حرية التعبير، ولكن عن طريق الحوار والعقلانية، وفهم الجوانب العاطفية المعنية وتشخيص أسباب ظهور خطاب الكراهية. بعبارة أخرى، يمكن أن تحفز المناظرات والمناقشات التي تثيرها الرسوم الكاريكاتورية زيادة الحرية والتسامح في المجتمع بسبب هذه الإجراءات (المراقبة النقدية، من ناحية، والإيضاح التأمّلي، من ناحية أخرى). وبالمناظرة والنقاش وثقافة المعلومات والاعتراض على الأحكام المسبقة والتعميمات، يمكن اجتناب هذه الميول ورفضها، بالإضافة إلى إغراء الرقابة والقمع.

مقاومة النازية في صربيا: دوريك ونيديلجكوفيك أنموذجين

تتطرق دراسة رادوساف توكوفيك -باحث درجة دكتوراه في قسم التاريخ، جامعة بلغراد (University of Belgrade)- إلى شكلين مختلفين تماماً من أشكال المقاومة ضد النازية؛ وهما شكلان طرحهما فيلسوفان وأستاذان جامعيان في صربيا خلال الحرب العالمية الثانية. فمن ناحية، كان «ميلوس إن دوريك» (Milos N. Đurić) الذي أمضى سنوات الاحتلال في بلغراد تعرض لشتى ضروب الضغط والاحتجاز في معسكر للحجز والاعتقال. ومن الناحية الأخرى، انضمّ «دوسان نيديلجكوفيك» (Dušan Nedeljković) بحكم توجهه الشيوعي إلى جيش الحزب، وظل يقدّم إسهاماً فكرياً منذ التحاقه بالحزب وإلى أن وضعت الحرب أوزارها.

تنطوي الدراسة على تحليل لرد فعل الأيديولوجية النازية تجاه الشكليْن المذكوريْن آنفاً من أشكال المقاومة؛ وتخلص إلى استنتاجات في سياق الإسلام الراديكالي، متخذةً من جماعة الإخوان المسلمين مثالاً في السياق المذكور.

يخلص الباحث إلى أن أنموذج الأنظمة الاستبدادية خضع للعديد من التعديلات في آخر (120) سنة. يكمن جوهر نظام الحكم الاستبدادي في نزوع تلك التنظيمات السياسية إلى الإقرار والقبول الرسمي بالأفكار الواردة من زعامة الحزب بقمة الهرم، عبر التسلسل التنظيمي الهرمي للحزب. واختصاراً بسبب الدور المقبول مسبقاً، والذي بموجبه يحظى الأمر الصادر من المستويات التنظيمية العليا للحزب بالقبول غير المشروط، هنالك قدر من الكفاءة المبدئية الجيدة للأنظمة الاستبدادية. يكاد هذا النوع من أنظمة الحكم يجد المعارضة على الدوام من المثقفين. فالأشخاص الذين كرسوا حياتهم للعلم والتعليم لا يودون تقبل حقيقة أن يتم التحكم الكامل في حياتهم من قبل شخص واحد أو أقلية معينة. لذا يعمد الأفراد ذوو المستويات العلمية والتعليمية العالية، وبدافع من مبادئهم الأخلاقية والأدبية، إلى استغلال ملكاتهم وقدراتهم الفكرية لمقاومة هذا النظام من أنظمة الحكم، وللترويج لأفكار سياسية تحررية وديمقراطية مختلفة. ولمثل هذه المقاومة، تتخذ الحركات الاستبدادية إجراءات وتدابير قمعية تقوم على التخويف والترهيب، والفصل من الخدمة وزعزعة الوضع المالي والابتزاز وحتى الحبس والاعتقال. يهدف هذا النوع من الإجراءات إلى محاولة سحق التعددية وتقديم الأيديولوجية الاستبدادية بحسبانها الأيديولوجية الصحيحة الوحيدة.

ما الذي يحفز العلماء غير اليهود في ألمانيا على دراسة معاداة السامية؟

يرى غونتر جيكلي -أستاذ مشارك في الدراسات الجرمانية والدراسات اليهودية في جامعة إنديانا (Indiana University)- أن معاداة السامية والإسلام السياسي الراديكالي، يعادلان التصوّرات العالمية التي ثبت أنها تُحدث دماراً تامًّا، أينما اكتسبت السلطة السياسية. وفي حين أن الإسلام السياسي ظاهرة جديدة في العصر الحديث تشتمل على «نظريات مؤامرة» معادية للسامية، فإن معاداة السامية تغيّرت على مدار الألفي سنة الماضية، وبلغت ذروتها في أسوأ حالاتها حتى الآن في المحرقة المرتكبة بألمانيا النازية. غير أن معاداة السامية والإسلام السياسي أصبحا اليوم تحدّياً رئيساً للمجتمعات في أنحاء مختلفة من العالم. ومن يجرون أبحاثاً عن هذه المفاهيم العالمية، ويدركون أنها مفاهيم خاطئة خطيرة عن العالم، ربما يكونون قادرين على تزويد صانعي السياسات والمجتمع على العموم بالمعلومات التي تساعدهم في المكافحة الفاعلة لمعاداة السامية أو الإسلام السياسي.

يتساءل الباحث: ما العوامل التي تحفز الناس على مقاومة معاداة السامية أو الإسلام السياسي ومواجهة هذه التصوّرات العالمية؟ تأخذ هذه الدراسة خطوة إلى الوراء وتنظر في دوافع المتخصّصين الذين يدرسون معاداة السامية في ألمانيا والنمسا، اليوم لأنهم يرون أنها تمثّل مشكلة في مجتمعاتهم. قد يوفّر ذلك بعض المؤشّرات على كيفية تشجيع مزيد من المتخصّصين على دراسة المفاهيم العالمية المدمّرة في جوهرها، مما يدفع الباحث لإجراء مقابلات مع علماء متخصصين في دراسات معاداة السامية، وهم: كارِن ستوغنر، وصموئيل سالزبورن، وفولكر بِك، وسينا أرنولد، وماتياس جيكوب بِكَر، وغونتر يونِس جيكلي.

يدرس العلماء دوافع المشاركين في الخطاب والسلوك المعادي للسامية. وقد خُصّص جزء كبير من دراسات المحرقة لهذه المسألة منذ تسعينيات القرن العشرين على الأقل. وحُدّدت أنواع مختلفة من الجناة، من البيروقراطي المبتذل المزعوم إلى نقيضه، أي الجاني ذي الميول السيكولوجية. لكن أظهرت دراسات الحالة، حتى في هذه الفئات، مجموعة كبيرة ومتنوّعة من الدوافع. وغالباً ما توجّه الدوافع النفعية والانتهازية الدوافع اللاعقلانية والأيديولوجية وتسندها. وربما يستخدم السياسيون الدعاية المعادية للسامية؛ لاستغلال المشاعر المعادية للسامية لدى السكان، وتحويل أنظارهم عن مسؤولياتهم بلوم اليهود على مشاكل المجتمع. وقد يهاجم الجيران العنيفون المعادون للسامية اليهود ويطردونهم من مساكنهم للحصول على أمتعتهم. فمعاداة السامية هي أحد العوامل المحفّزة التي تؤدي إلى الفعل المعادي للسامية، وإن كانت عاملاً مركزيًّا في كثير من الحالات. وعند النظر في مصدر المواقف المعادية للسامية، يحدّد علم النفس الاجتماعي الإسقاطات المنسوبة لليهود بوصفها آلية أساسية للأفكار المعادية للسامية، ويقدّم التاريخ الطويل للعالم الغربي وتقاليد معاداة السامية مخزوناً كبيراً من العبارات المجازية المتاحة المعادية للسامية.

يشير الباحث إلى أن كل من قابلهم كانوا حسّاسين تجاه موضوع معاداة السامية بالمعنى الواسع، سواء أكان بالتجارب التي أوضحت فظاعة المحرقة وكيفية التعامل معها في ألمانيا والنمسا، أو بالإحساس القوي بالعدالة، أو بمشاهدة معاداة السامية في دوائرهم الاجتماعية. أو السياسية، أو باللقاءات الشخصية مع اليهود أو الإسرائيليين. وهم يشعرون بأن معاداة السامية لم تعالج بشكل كافٍ حتى الآن في سياقاتها المعاصرة.

هزيمة الفاشية في الحربين العالميتين والدروس المستفادة

يطرح المؤرخ البريطاني أرسطوتل كاليس الإشكالية الآتية: هل يمكن مقارنة فاشية ما بين الحربين بالتطرّف الديني المعاصر؟ يشير إلى الاعتراضات الأولية والكثيرة عليها، ويرى أنه في حين كانت الفاشية أساساً ظاهرة تاريخية أوروبية شهدها القرن العشرون، كانت علمانية في الغالب (مع بعض الاستثناءات المهمة)، وكانت ذات بنية أيديولوجية مفرطة القومية ومميّزة للغاية. وفي الوقت نفسه، من الصعب إغفال أوجه التشابه مع التطرف الإسلاموي: العداء للحرية الفردية والتعدّدية، وشيطنة الأعداء المتصوّرين، ورفض الحكم الديمقراطي، وتمجيد العنف الموجّه للمعارضين، واستخدام التكتيكات الإرهابية، واعتماد وسائل الإعلام الحديثة لأغراض الدعاية، والنزعة شبه العسكرية، وفرط الذكورة، وطقوس مهاجمة المعتقدات الدينية، بل حتى معاداة السامية... إلخ. لكن المقارنة بين الاثنين لا تعني الخلط بينهما. وإنما توحي بأن هناك رؤى مهمة يمكن اكتسابها من المقارنة بين مفهومين وظاهرتين سياسيتين مختلفتين.

يقارن الباحث بين الفاشية والإسلاموية، بوصفهما حركتين راديكاليتين لهما ميل قوي للعنف والإرهاب، ومثالين على السياسات المتطرّفة الحديثة مع التركيز على الجانب الأدائي/ الطقوسي للسياسة، بالإضافة إلى مجموعة من التقنيات المبتكرة والفاعلة للتواصل السياسي. لكنه يؤكد أن المقارنة المثمرة والأكثر إفادة بين الفاشية والتطرّف الإسلاموي، تتعلق بالطرق التي تكشف استغلالهما بفعالية مواطن الضعف في الأنظمة أو التيار السياسي السائد والاستياء العامّ الواسع منه. وعند النظر إلى الأمر من وجهة النظر الأخيرة، فإن المقارنة بين الفاشية والتطرّف الإسلاموي تتعلّق بأسباب وطرق نجاح كل منهما -بدرجات متفاوتة- في جذب الدعم العام والتعاطف في بعض الحالات باستغلال النقمة الشعبية الواسعة من السياسة السائدة، المحلية أو الوطنية أو العالمية.

يرى الباحث أن النجاح السياسي للفاشية في سنوات ما بين الحربين العالميتين، يسلّط الضوء على مدى هشاشة مشروع إحلال الديمقراطية وقابليته للانعكاس في ذلك الوقت. كما أن سرعة انهيار الأنظمة البرلمانية الليبرالية أمام الدكتاتوريات الاستبدادية في العشرينيات، وخصوصاً الثلاثينيات، تؤكّد قوة الفاشية العاطفية وهشاشة الدعم النخبوي أو الشعبي لليبرالية. فلا يمكن أن يحقّق أحدهما نجاحاً فاعلاً دون الآخر: أفاد الفاشيون من الميول الخفية القائمة إلى الاستياء والقلق والتوق إلى اليقين، التي لا تستطيع الهياكل المؤسسية لليبرالية السياسية معالجتها. الكثير تغيّر بطبيعة الحال منذ ذلك الحين، فأصبحت الديمقراطية أكثر ترسخاً مؤسّسياً، والوعي الديمقراطي أقوى بكثير في جميع أنحاء العالم اليوم مما كان عليه في أي وقت في النصف الأول من القرن العشرين، حيث كانت لا تزال تعدّ بدعة جديدة. غير أن تلك الثقة المتغطرسة في انتصار الديمقراطية الليبرالية المفترض الذي لا يمكن وقفه، التي أظهرها المنظّرون الغربيون في مراحل مختلفة من القرن الماضي، أحدثت بقعة عمياء تثير القلق عند تقييم الحالة الطبيعية الجزئية للتطرّف العنيف. وكما أشار عالم السياسة الهولندي كاس مود (Cas Mudde)، فإن التطرّف ليس مجرد مرض منحرف، منفصل تماماً عن المجتمع السائد، وإنما «حالة طبيعية مرَضية»! والتمييز مهم: التطرّف ليس نقيض تيار سائد مقدّس. بل هو مستمدّ من الأفكار والممارسات السائدة. لذا فإنه ليس «شيئاً» يمكن استئصاله من عقول الناس من دون معالجة ارتباطاته بالأفكار القياسية والمعتقدات والعادات والتحيّزات التي تمنحه قوته العاطفية وقدرته الجذرية على الانقلاب على الآخرين.

"الأولاد الفخورون" الأميركيون: الأيديولوجيا والممارسة

تطرقت دراسة جمانة مناصرة -باحثة فلسطينية في العلاقات الدولية، في مركز المسبار للدراسات والبحوث بدبي- إلى التطرف في الولايات المتحدة، فدرست جماعة «الأولاد الفخورون» (براود بويز) (Proud Boys) التي صنفها مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنها جماعة متطرفة، يعتقد أن لها جناحاً عسكرياً؛ يرى مُنظِّرها أن العنف هو السبيل الوحيد للقضاء على التحالف غير المقدس للعولمة والإسلام المتطرف والشيوعية.

تتبنى مجموعة «الأولاد الفخورون» أفكاراً يمينية مناصرة للأيديولوجية الفاشية الجديدة؛ وتشكل واحدة من الأيديولوجيات اليمينية البديلة المتنامية، والمتغيرة باستمرار في الولايات المتحدة. يروجون لكراهية النساء ومعاداة السامية والمسلمين. يؤمنون بالشوفينية الثقافية الغربية، ويتبعون أفكاراً مسيحية بشكل سطحي، ليس بينهم مؤرخون كلاسيكيون، ولا مؤرخون دينيون، إذ إن هناك عدداً قليلاً من أعضائها متعلمون تعليما جيدا أو يحملون مؤهلات علمية رفيعة. وفي معاداتهم للسامية وكراهية الإسلام وإعلانهم تفوق البيض، يظهر وعي المجموعة المحدود بالحضارة الغربية وكيفية بنائها.

تورد الباحثة شروط الانضمام الخمسة إلى المجموعة: إعلان الانتماء، وتسمية خمسة أنواع من حبوب الإفطار حيث يجب على العضو الجديد أن يسمح لأعضاء آخرين من المجموعة بضربه بينما يقوم بتسمية خمسة أنواع من حبوب الإفطار، والابتعاد عن المحتويات الإباحية والعادة السرية، والالتزام بعلاقات طبيعية من خلال السعي لإقامة علاقات مثالية مع أنثى، وممارسة العنف الجسدي من خلال انخراط الفرد في عنف جسدي مع أعضاء أنتيفا؛ حيث تحدد المجموعتان بعضهما البعض بوصفهما أعداء.

ترى الباحثة أن بروز المجموعة يأتي في الوقت الحاضر في رد فعل على العولمة، وقد ظهرت إلى جانب جوقة الأصوات البارزة لمواجهة الاختلاف. يمكن مقارنة تمرد «الأولاد الفخورون» مع حقبة وثقافة سابقة: عصر الذكورية الأميركية في القرن التاسع عشر وكره النساء كما نراه في كتابات هيرمان لملفيل وهنري ثورو ومارك توين، جميعهم كانوا حريصين على رفض ضوابط المجتمع الفيكتوري الذي حددوه على أنه أنثوي وخانق. وتشير أحداث الكابيتول هيل إلى مؤشرات سلبية يجب الانتباه لها، تستوجب المراقبة والاستجابة والمتابعة؛ إذ إن فهم أيديولوجيا «الأولاد الفخورون» واستراتيجياتها وأهدافها سيمكن صانعي السياسات من اتخاذ خطوات واقعية في مواجهة التطرف العنيف. كما لا يمكن إنكار الدور الذي لعبه الاستقطاب السياسي الأميركي في قيادة وتعبئة الحركات الاجتماعية عموماً، لا سيما الدور الذي لعبه ترمب في تعبئة اليمين، ضد منافسيه السياسيين والجماعات اليسارية مثل: أنتيفا، وحركة حياة السود مهمة، الأمر الذي أسهم في إبراز ظهورهم.

التطرف اليميني والخروج منه: خبرات وتأمّلات

يقدم برند فاغنر -باحث ألماني في دراسات اليمين المتطرف- نقطة بداية التطرف اليميني، مقدمًا ملاحظات تاريخية حوله، متناولاً الثقافة الديمقراطيّة، وتعريفها، وسبل نزع التطرّف، واستراتيجيات الخروج منه، وتطويرها. فمن وجهة نظر الحركة اليمينيّة المتطرّفة، تهدف استراتيجيّات إزالة التطرّف إلى إضعاف الحركة بأكملها ومكوّناتها كمعيار للنجاح يمكن تقسيمه إلى عوامل عدّة: أ- تخفيض عدد الشخصيّات الفاعلة في الوسط والمجموعات والشبكات والمنظّمات السياسيّة والمشاريع في العالم التناظريّ والرقميّ. ب- الحدّ من إمكانات العمل وعدد وكثافة الإجراءات لجميع أشكال العمل. ج- تخفيض عدد الأحكام وشدّتها والحدّ بشكل عامّ من العنف وقوّة السلطة في الحركة اليمينيّة المتطرّفة. د- ويجب، في الوقت عينه، تعزيز الثقافة الديمقراطيّة بأكملها، والتي يمكن أيضًا أن تُقاس نوعيًّا من حيث قدرتها على الاستقبال والاندماج. في المقابل يعدد الباحث الاستراتيجيات الموجهة من خلال خمس نقاط: -1 الوقاية الاستباقيّة من التطرّف وتكوين القيم الديمقراطيّة، -2 جهود التدخّل والابتعاد، -3 الشكوك والدافع وتحضير الخروج، -4 الخروج: القفزة، -5 الخروج: التوطيد والاندماج.

يخلص الباحث إلى أن سلوكيات التطرف اليميني لا تتوافق مع المثل الإنسانيّة التي تسمح بالذنب والتكفير، فضلًا عن فرصة تغيير المواقف والأفعال بناءً على البصيرة والخبرة. وليست الغطرسة الأيديولوجيّة والسياسيّة من وجهة نظر معادية للفاشيّة مناسبة، إذا ذُكر أنّ عمليّات القتل الجماعيّ والسجن والدكتاتوريّة ضدّ الأبرياء، التي كانت في سياقات هذه الحركة، هي قانون للحياة في الكثير من الأوقات والمناطق، كما هو الحال في الاتّحاد السوفيتيّ ودول الكتلة الشرقيّة الأخرى، وكذلك في جمهوريّة ألمانيا الديمقراطيّة التي أطاحت ببعض المناهضين للفاشيّة جسديًّا وعقليًّا. ولا ينبغي تكرار هذه الأخطاء الموجّهة ضدّ الإنسانيّة، كما يحصل على نحوٍ متزايد في الوقت الحاضر، كما أنّ اللاعقلانيّة في المزاج الهستيريّ آخذة في الانتشار، بينما يتمّ دفع اللحظة الاستراتيجيّة إلى الخلفيّة. وعلى العكس من ذلك، من المنطقيّ أن نفهم الخروج على أنّه شكل من أشكال مناهضة الفاشيّة التي لا تعارض «الإنسانيّة المدنيّة» وفكرة الحرّيّة والديمقراطيّة، لكنّه، بدلًا من ذلك، يجسّدها باستمرار.

خطابات حقوق الإنسان الدينية وفرص اندماج المسلمين في أوروبا

تناولت دراسة سونيا بولس -أستاذة مساعدة في القانون والعلاقات الدولية بجامعة أنطونيو دي نيبريجا (University of Antonio de Nebrija University) بإسبانيا- خطابات حقوق الإنسان الدينية وفرص اندماج المسلمين في أوروبا.

تشير الباحثة إلى أن ثمة تصوراً للإسلام ينتشر في أوروبا يقدمه كدين مناقض لقيم حقوق الإنسان. تُعقِّد مثل هذه التصورات مهمة إدماج الأقليات المسلمة في أوروبا. تُعدّ زيادة الاحترام لمعايير حقوق الإنسان بين مجتمعات المهاجرين عنصراً مهماً في أي سياسة إدماج، وينبغي عدم النظر إلى هذا الهدف من خلال إجبار جاليات المهاجرين على الالتزام بمعايير حقوق الإنسان القائمة على أسس علمانية بحتة.

إن تاريخ صوغ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو دليل مطلق على إمكانية تبرير حقوق الإنسان من وجهات نظر سياسية وفلسفية ودينية مختلفة. وتضيف الباحثة أنه في حين لا يمكن للدول الأوروبية تقديم تنازلات فيما يتعلق بالتزاماتها بحقوق الإنسان، حتى فيما يخص جاليات المهاجرين، فإنه ينبغي عليها السماح بظهور روايات أخرى حول أهمية حقوق الإنسان ومعناها.

تخلص الباحثة إلى أنه عندما يشكل الدين جوهر الرؤية الكونية الشاملة للشخص، ينبغي ألا يتوقع منه التخلي عن قيمه الأخلاقية باسم العلمانية، كشرط للاندماج الناجح في أوروبا. وهنا يصبح من الضروري التمييز الدقيق بين الفصل بين الدين والدولة، والفصل بين الدين والسياسة. وفي حين أن الأول هو سمة مركزية للنظام القانوني الأوروبي ينبغي عدم تعريضه للخطر أبداً، فإن الثاني يضمن حق الأفراد من مختلف العقائد الفلسفية والدينية في المشاركة على قدم المساواة في المداولات العامة بشأن أحد التحديات الرئيسة التي تواجه المجتمعات الأوروبية اليوم، أي الالتزام بمعايير حقوق الإنسان التي ينظر إليها على أنها مكون مركزي للقيم الأوروبية.