يقدّم هذا الكتاب دور القيادات الدينية المسلمة في المجتمعات الأوروبيّة، ويتتبع آليات ودورات تعليمها وتدريبها، مع استصحاب التجارب السابقة في الدول الأوروبية، سواء المجتمعية أو الرسمية أو المختلطة، مناقشًا عوامل ضعفها؛ وملامح التحديات ومسرد النظريات التي يبني عليها الباحثون رؤى لتدريب الأئمة في فضاء أوروبي القيم، ويقدمون مقترحات تقنية لتطويره؛ ودليلاً فلسفيًا لتحديث سياقه، بغرض تحقيق الكفاية الروحية للمسلمين في أوروبا، والتخلص من إكراهات التطرّف والانعزال والإقصاء والإسلاموفوبيا. ويطرح فكرة «تمدين» الإصلاح الديني للنقاش، فيوفر بذلك مادةً أوليّة؛ يمكن البناء عليها، في معالجة ملف تدريب، وتأهيل، وتكوين، القادة الدينيين المسلمين، في سياقٍ أوروبي.
تم النشر في: May 2022
يتناول الكتاب تجارب صناعة القادة الدينيين في أوروبا وبرامج تدريب الأئمة والمرشدات. استُهل بعد التقديم، بالبحث في دور الإسلام المؤسساتي في مشاريع تدريب الأئمة والمرشدين الروحيين في أوروبا، مقدّمًا لمحة تاريخية عنها ضمن ثلاثة نماذج: الفرنسي، والأنجلوساكساني، والبلجيكي، ثم يتطرق إلى التجربة الهولندية، دارسًا أسباب تعثر المبادرات واستمرار برامجها، ثم يعرض النظريات والدراسات السابقة حول الأئمة في أوروبا الغربية، ويفحص مهنة الإمامة بين التأهيل والتطوع ودورها في المجال الأوروبي، راصدًا برامج تدريب الأئمة في الفضاء العلماني والعصر الرقمي، ومقدّمًا مقترحات تقنية لتطوير قدرات الأئمة التواصلية وبناء الخطب في المساجد.
تضمن الكتاب مقاربة فلسفية لمناهج تدريب المرشدين الروحيين، وكشف عن دور الأئمة في مكافحة تطرّف الشباب في المجال الأوروبي، مبرزًا المخاطر والفرص، والتحديات والمقترحات لتحديث الفكر والخطاب الديني الإسلامي في أوروبا. كما ناقش جدلية علمنة الإصلاح الديني في أطروحات المفكر التونسي محمد الحدّاد، وخاتمة الدراسات كانت عن التطور الاجتماعي والسياسي لمملكتي السويد والنرويج.
يشير تقديم الكتاب إلى أنه يأتي استكمالاً لجهد تراكم منذ أربعة عشر عاماً، ومواصلةً لإسهامات الكتاب الشهري لمركز المسبار للدراسات والبحوث في دراسة الإسلام الأوروبي، وتأهيل الفواعل والقيادات الدينية، وتأثير محاولة اختطاف تمثيل المجتمعات المسلمة الأوروبية.
يطرح الكتاب قضايا الرعاية الروحية، والإسلام الفردي، والتطرف المؤسسي، والتدخل الأجنبي، لينتهي بدراسةِ مقترحات تطوير مناهج تدريب تعتمد على الخطاب المحلي، ضمن سياقٍ احترافي يقوم على الموازنة بين الأصول والفروع، دون تسييسٍ للقيم الروحية واحتياجاتها.
حاول الكتاب -وفقاً لما أورده التقديم- تجذير فهم دور «القيادات الدينية» المسلمة في المجتمعات الأوروبيّة من أئمة ومرشدات روحيات، وتتبع آليات تدريبها، مع استصحاب التجارب السابقة في الدول الأوروبية، سواء المجتمعية أو الرسمية أو المختلطة، مناقشًا عوامل ضعفها؛ والنظريات التي يبني عليها الباحثون رؤىً لتدريب الأئمة في فضاء علماني، ويقدمون مقترحات تقنية؛ ودليلاً فلسفيًا لتطوير لغة الخطاب وتحديث سياقه، بغرض تحقيق الكفاية الروحية، والتخلص من إكراهات التطرّف والانعزال والإقصاء، ويطرح فكرة «تمدين» الإصلاح الديني للنقاش. فيوفر بذلك مادةً أوليّة؛ يمكن البناء عليها، في معالجة ملف «تدريب، وتأهيل، وتكوين، القادة الدينيين المسلمين، في سياقٍ أوروبي»، مقدمًا لمحة عن أفكار الدراسات المشاركة التي حملها الكتاب بين ثناياه.
يقدم إبراهيم ليتوس -باحث وأكاديمي بلجيكي، أستاذ باحث ومدير قسم التطرف العنيف والراديكالية بمركز بروكسل الدولي للأبحاث وحقوق الإنسان- لمحة تاريخية تقود لأهمية الإسلام المؤسساتي، يتوقف عند طبيعة العلاقة التي تحكم الديني والمدني أي العلاقة بين الدين والدولة السائدة في أوروبا. التي يقسمها إلى ثلاثة نماذج: النموذج الفرنسي، النموذج الأنجلوساكساني والنموذج البلجيكي.
بدأ النموذج الفرنسي، عقب اندلاع الثورة الفرنسية سنة 1789؛ بنجاح الجمهورية الفرنسية في إقامة أول دولة «لا دينية» في أوروبا. تعتبر فرنسا اليوم، النموذج الذي تتجسد فيه العلمانية القصوى. أما النموذج الأنجلوساكسوني فهو على عكس النموذج الفرنسي، فملكة بريطانيا هي الراعية الحقيقية والفعلية للكنيسة الأنجليكانية في البلاد. أما في بلجيكا، فنموذجها مختلف، لأنه على الرغم من أن الدولة علمانية وديمقراطية؛ لكنها تمول الشؤون المادية لكل دين يتم الاعتراف به دستورياً، كما هو الشأن بالنسبة للاعتراف بالدين الإسلامي سنة 1974.
يشير الباحث إلى الفصل التاسع من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان الذي ينص على حرية المعتقد، ويشمل الدين الإسلامي أيضاً، فالمملكة البلجيكية، التي كان ملوكها ولا يزالون يدينون بالديانة الكاثوليكية، تتميز بالعلمانية «المخففة»، فاستطاعت بعد صراعها الطويل مع الليبراليين وبعد حصولها على الاستقلال سنة 1830، الحفاظ على هذا الطابع المزدوج؛ وأن تفرض على خصومها، نوعاً من الحياد وأن تتمسك بالطابع الكاثوليكي، يداً بيد مع مثيلاتها من الطوائف الدينية الأخرى، وتترك الفضاء مشتركًا بين الجميع وفق قواعد اللعبة السياسية بين الأحزاب ووفق ما يسمح به الدستور البلجيكي.
يحاول الباحث الإجابة عن مجموعة من الأسئلة: هل هناك فعلاً دور للمؤسسات الدينية في الدول الحديثة؟ وما صيغ المأسسة وشكل تنظيمها وشروطها؟ وما مدى قبول الدول الأوروبية الحديثة بتنظيم دروس وتكوينات دينية تحت رعايتها (لا سيما تكوين القادة الدينيين)؟ وهل يمكن تمويل الأديان من المال العام، بعد أن تحررت الدولة من السلطة الكنسية وهاجس الاحتراب الديني الذي دار بين الكاثوليك والبروتستانت وغيرهم من أبناء المعتقدات الأخرى؟
يلاحظ الباحث أن مفهوم المؤسسات الإسلامية لم يصل بعد إلى مستوى ما يسمى في علم السوسيولوجيا (الاجتماع) بـ«نظرية المؤسساتية الجديدة»؛ التي يفترض فيها أن تكون نظمها السياسية العمومية (الرسمية كالسياسات العامة) للدولة، وتكون مصدراً لإعمال القيود التي تؤثر في استراتيجيات وقرارات الفاعلين السياسيين. ويرى أن ثمة خيارات ثلاثة لتنظيم التعليم: أولاً: حينما يكون دين معين هو الدين الرسمي للبلاد، كما هو الحال للدول الإسكندنافية. وثانياً: في الدول التي أعطت الصلاحية لهيئة دينية خاصة للقيام بالتنظيم والتكوين لأتباعها، كما هو الشأن في هولندا وبلجيكا وبعض مناطق ألمانيا. والخيار الثالث يتمثل النموذج الفرنسي بالطبيعة العلمانية، والذي لا يسمح لأي تعليم ديني داخل المدارس الحكومية الفرنسية الرسمية.
يدرس الباحث فرص وتحديات الإسلام المؤسساتي؛ فيسلط الضوء أولاً على الإسلام الأوروبي، على اعتبار أن إحدى الآليات التي ستنتج لنا بعد تطبيق ذلك؛ هي الإسلام المؤسساتي المحلي، مشيرًا إلى أنه ما لم ترفق هذه الدراسات ببرامج عملية قابلة للتطبيق، ستظل هذه الغايات التجديدية محدودة وحبيسة لدى الأكاديميين في جامعاتهم ومعاهدهم. قبل أن يعرج إلى سُبل توطين الإمامة في أوروبا وتحدّياتها.
عمل عالم الأنثروبولوجيا الإسلامية بجامعة «رادبود» بنيميجين الهولندية مارتيان دي كونينغ ((Martijn de Koning، على تحليل قضية التعليم الإسلامي في هولندا وبرامج تدريب الأئمة التي تسهم الدولة فيها، باعتبارها «فضاء المسألة». إذ يشكّل سؤال تدريب الأئمة، محورًا وأرضية تمهيدية للأسئلة عن مدى التوافق بين الإسلام والمجتمع الهولندي.
تستَهلّ الدراسة بعرضٍ موجز عن النقاشات الهولندية، يناقش فيها الباحث صعوبة تحليل البرامج الهولندية في تدريب الأئمة، ضمن افتراض أنها تَنْتُجُ ببساطة وبصورة حصرية عن مداولات بين الدولة والدين. ومردُ ذلك أن الأمر المهم في ذلك الشأن يتمثّل في الكيفية التي ينظر بها إلى المسلمين في هذه الحالة، والمفهومية التي يُستنطَقُ السؤال عنهم عبرها، بما يؤدي ضمنيًا إلى تأطيرهم بوصفهم تهديدًا كامنًا.
يتعقّد ذلك –كما يلفت دي كونينغ- عبر ربط مختلف الفضاءات المتصلة بتلك المسألة على غرار التعليم الإسلامي، والاندماج وجهود مكافحة التحول الراديكالي، وقد صَنَعَتْ وضعية تتسم بتراتبية التواجه بين الإسلام والدولة- الأمة الهولندية ودور القانون فيها. مما يؤدي -ذلك الربط- إلى صُنع طُرق خاصة في انخراط المسلمين، إضافة إلى أنه يرسم مواضيع التفاوض بين المؤسسات الإسلامية الهولندية والسلطات الرسمية. وتتجسّد الحجة الثانية في أن ما ينجم عن هذا التشابك يشكّل عملية مقايضة دينية- عرقية تخوضها المنظمات الإسلامية والناطقون باسمها. إذ إن تلك الأطراف الأخيرة لا تستطيع تلبية رغباتها في الحصول على برامج لتدريب الأئمة تسهم الدولة فيها، إلا عبر الانخراط في تحويل فضاءات المسألة إلى صيغ عرقية تتعلق بالاندماج والأمن، مما يؤدي إلى جعلها (الأطراف الإسلامية المذكورة) خارج الوقت وخارج المكان وخارج القيود.
قدمت دراسة الباحث مصري في التاريخ والسياسة الدولية أحمد لطفي دهشان، ثبتًا ضم عشرين دراسة عالجت موضوع الإمامة، معتمداً على نقطة مركزيتها في صناعة "إسلام أوروبي" عصري، بتاريخها المُعقد في حدود تخصصات الدراسات الإسلامية، وفي ظل نحت مصطلحات "الفكر الإسلامي الأوروبي" و"الدراسات الإسلامية الأوروبية"، حيث أصبح دور الأئمة كوكلاء مقترحاً أثيراً لدى رواد "اللاهوت، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، والعلوم السياسية والقانون، ودراسات الهجرة والدراسات الدينية، والمقارنة بين الأديان"! يبحث المؤلف في جدلية تسمية الإمام، دارسًا الوضع الحالي للأئمة وأمكنة العبادة في أوروبا. شارحًا مفهوم أرض الإسلام، باحثًا في طبيعة الشكل المناسب للشريعة الإسلامية في أوروبا، ومدى إمكانية صناعة المرجعية الإسلامية في أوروبا، متسائلا إذا ما كان الإسلام في أوروبا تابعًا أم فضاؤه مختلفًا، متناولاً المتغيرات والتحديات التي تواجه تدريب الإمام في أوروبا، مناقشًا معضلة دراسة اللاهوت الإسلامي في الجامعات الأوروبية.
اعتمد هذا المسرد على كتاب: «الأئمة في أوروبا الغربية - التطورات والتحولات والتحديات المؤسسية». حيث يسعى كل من محمد حصحاص (Mohammed Hashas)، وجان جاب دي رويتر (Jan Jaap de Ruiter)، ونيلز فالديمار فيندينغ (Niels Valdemar Vinding)، في كتاب "الأئمة في أوروبا الغربية: التطورات والتحولات والتحديات المؤسسية" (Imams in Western Europe. Developments, Transformations, and Institutional Challenges) إلى تقديم "استفسار أكاديمي جامع عن السلطة الدينية الإسلامية المعاصرة مع التركيز على الأئمة والإمامة، التي لم يُكتب الكثير عنها حتى الآن باللغة الإنجليزية"، وقد حددوا طموحهم المستهدف من وراء هذا البحث، وهو "المساهمة بتحليلات أكثر عمقًا وإثمارًا للتغييرات والتحديات التي واجهها هذا المصدر للسلطة الدينية الإسلامية، في سياق المجتمعات الليبرالية العلمانية في أوروبا الغربية منذ الحرب العالمية الثانية، وما تلاها من موجات الهجرة واللاجئين". في الوقت نفسه يعمل هذا الكتاب «على تسليط الضوء على المؤسسات الليبرالية العلمانية وتكيفها أو عدم تكيفها، مع التعددية الثقافية التي تميز دول أوروبا الغربية» التي تعرضت لتحدٍ كبير متمثل في «الحقائق الاجتماعية للعولمة والهجرة عبر الوطنية، والتفسيرات المختلفة للعلمانية، وظهور الدين في المجال العام»، وقد تطلب هذا الأمر من السلطات الدينية «إعادة النظر في تنظيمها وحوكمتها وتسلسلها الهرمي الداخلي، ولم تكن السلطة الدينية الإسلامية استثناءً من ذلك».
تناول مصطفى دومان -أكاديمي وباحث في فقه الأقليات المسلمة في الغرب- دور المسجد ومكانة الإمام في المجال الأوروبي، وبحث في مشكلات الأئمة الوافدين والمتطوعين، بالإضافة إلى مشكلة بروز سمات الغلو والفكر الصدامي في التاريخ المعاصر، ويمر على الأزمات التي يواجهها الأئمة في أوروبا: أزمة الإرهاب الفكري؛ التكفير؛ أزمة الغلو في الدين؛ أزمة بناء الهوية؛ وأزمة الفتوى. ويستعرض تجربة النمسا وألمانيا في توظيف الأئمة وتدريبهم، مشيرًا إلى أن أبرز المعوقات التي تواجه الإمامة هي: ضَعف التكوين الواقعي والمعرفي بالمجتمعات الأوروبية لغةً وتاريخاً وثقافةً، مع قِلّة الإلمام بالعلوم الإنسانية، كعلم النفس وعلم الاجتماع، وغياب الفقه العميق للواقع الأوروبي بفلسفته وجذورها التاريخية وأفكاره وقيمه.
يخلص الباحث إلى أنه لا تزال هناك كثير من الحواجز أمام تكوين وتدريب الأئمة في أوروبا، بعضها يعود إلى المسلمين أنفسهم، والبعض الآخر إلى المجتمعات الأوروبية.
يعد عدم الاعتراف الرسمي بوظيفة الإمامة، وعدم التقدير المعنوي ولا المادي لها في كثير من البلدان الأوروبية، من الاختلالات في واجب الحكومات الأوروبية تجاه المجتمعات ذات التعددية الثقافية والدينية، وكذلك فإن عدم وضوح نوع وكيفية التدريب وتكوين الأئمة والمقصد الأساسي منه يُعدُّ من الحواجز.
إن النظر إلى مسألة تكوين وتدريب الأئمة في أوروبا، من ناحية الأمن القومي أو الاندماج الاجتماعي فقط، لن يكون مجدياً في التوصل إلى الحلول الصحيحة، ولن يجدي التكوين نفعًا في الاقتصار على تناول هذا الموضوع على أنه فكري وديني فحسب، مع تغافل حقائق الحياة الواقعية والاجتماعية وسياقه الأوروبي. لن نستطيعَ البحث عن سُبلٍ لحلِّ مشكلاتنا المشتركة إلا إذا كانت الأطراف المعنية على استعدادٍ لأن تتخلَّى عن الأحكام المسبقة القديمة، وأن يحترم كلٌّ منا الآخر، ويحترم ثقافتَه وموروثاتِه الدينية مع عدم تغافل حقائق الحياة الواقعية والظروف المحيطة، لأن قضية تدريب الأئمة وإن كانت تعتبر قضية المسلمين الداخلية من جهة، لكنها قضية أصحاب القرار الأوروبي من جهة أخرى كذلك. فهي مسؤولية مشتركة ولا بد من إشراك ممثلي الجمعيات والمؤسسات الإسلامية الأوروبية والعلماء الأكاديميين. ينتظر من الأئمة أن يبذلوا جهوداً كبيرة في التحصيل والتكوين، وأن يسعوا إلى التجديد والتطوير على المستوى الخطابي والمنهجي، والاستعانة بالمتخصصين في المجالات المختلفة للتوصل إلى حلول عملية ونافعة.
تناول عبدالحي بن عبدالله (Abdelhay Ben Abdellah) -باحث بلجيكي متخصص في التقنيات الرقمية وتسويق الخطاب الفكري على الوسائط- في دراسته الدين وتحديات العصر الرقمي، وواقع الإمام المحلي في أوروبا الغربية وإمكانات التغيير، دارساً الدعوات المنادية بتدريب الأئمة الأوروبيين، ومحاولات تسخير التحول الرقمي لها، قبل أن يمر على التوجهات الرقمية في تطوير برنامج تدريب الأئمة، وما يصاحبها من تداخل بين ما هو رقمي (افتراضي) وما هو واقعي (فعلي)، وطرق استخدام البيانات والتحليلات، ودراسة البنى التحتية ودينامية التطبيقات.
يخلص الباحث إلى أنه طالما أننا نعيش في هذا العصر الرقمي، فمن المهم أن تتحرك أشكال التعليم التي ظلت حتى الآن تصطبغ بالطابع المحافظ والتقليدي حتى تلحق بالركب الرقمي. وقل مثل هذا عن تعليم الأئمة وتدريبهم؛ حيث يفضَّل أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن. ولأجل الأداء الاجتماعي الجيد داخل أروقة المجتمع، من الضروري التعرف على العالم الرقمي. بيد أن هذا لن يكون ممكناً إلا إذا كانت البرامج التعليمية متوائمة ومتوافقة مع العالم الرقمي المذكور. لأجل إعداد الأئمة وتجهيزهم لهذا المستقبل يجب أن تكون المعرفة الرقمية (أو الإلمام بالتقنية الرقمية) ضمن المواد الدراسية في كل مقرر دراسي مستقبلي التوجه في مجال تعليم الأئمة وتدريبهم.
يقدم وِم فان آل (Wim Van Ael) -محاضر في العلوم الإسلامية وقواعد القرآن بكلية كامبريدج الإسلامية (Cambridge Muslim College)- شهادة عن تجربته الخاصة كمستشار ديني وخطيب جمعة سابق في بريطانيا.
اقترح في شهادته نماذج من الأساليب الفنية النبوية التي أثبتت جدواها وجدارتها وفعاليتها وجرى ضبطها بدقة وإحكام، مستشهدًا بأمثلتها عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ ومن تلك الأساليب: الإعلام بأشكاله المختلفة؛ استخدام الشعر؛ ضرب الأمثلة والتشبيه، الأسلوب القصصي في السرد؛ استغلال المناسبات وتوظيفها لإيصال الرسالة؛ تقديم الأمثلة العملية والتطبيقية؛ والألغاز لما تنطوي عليه من درجة عالية من الإثارة والتشويق الفائق والاستحواذ على الاهتمام، وهي ضرب من ضروب الرياضة الفكرية المفضية إلى قدح زناد الفكر وإيقاظ الذهن وإيقاد القريحة، وإيجاد بيئة صحية للتنافس بين المشاركين؛ وذكر وتناول الأحداث والوقائع المهمة؛ والمزح؛ وغيرها.
تخرج هذه الشهادة بمقترحين أساسيين: أولاً: يجب على المعتدلين أن يستعينوا أكثر من غيرهم بالأساليب الفنية للاتصال وبالموارد المتعلقة بوسائل التواصل الحديثة. فالابتكار أمر حضّ عليه القرآن الكريم وحثت عليه السنة الشريفة. وقد استخدم النبي محمد الكثير من آليات الاتصال ووسائل الخطابة والتواصل. وتعد خطبة الجمعة إحدى أهم وسائل الاتصال، ولهذا السبب تحديداً يجب أن تستخدم فيها مختلف الوسائل والأساليب الفنية. ثانياً: من المهم للغاية وجود جهاز يُعنى بخطب الجمعة في ضوء معطيات التقنية الحديثة.
قدّمت ورقة خيرت كورنيليس (Geert Cornelis) -باحث وأكاديمي بلجيكي، وأستاذ الفلسفة في كلية مقارنة الأديان بأنفرس- دراسة موجزة عن المقاربة الفلسفية للمعاملة بالمثل أو مبدأ "التبادلية"، وقارن بين الفلسفة وعلم النفس في هذا المجال.
تشكل هذه المقاربات إرشادات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند وضع منهج تدريب مخصص لـ"مقدمي الرعاية الروحية" من أديان مختلفة؛ الهدف منها التدريب على التواصل وقبول الآخر أو الحوار مع الناس من مختلف الآراء، من أجل تطوير المهارات اللازمة للدخول في حوار مع بعضنا البعض في سياق علماني، ويقود هذا إلى الحد الأدنى من التوافقات على القيم والمعايير؛ وإلى "الحد الأدنى من الإجماع أو التفكير المماثل" الذي يجب تحقيقه بين "أكبر عدد من المعارضين أو الذين نختلف معهم في التفكير".
يخلص الباحث إلى أن التعددية هي الأرض الخصبة التي يمكن أن تتعايش فيها فلسفات الحياة بسلام وتسامح. ويساعد تدريب القادة الروحيين في هذا المجال على الحوار المتصل والبنّاء الذي تشارك فيه مختلف المجتمعات والجماعات الدينية. تعني معاملة بالمثل، عندما يُحترم «الآخر»، وهذا يتطلب جرعة من «النسبية الذاتية»؛ وأن تضع نفسك في منظوره الصحيح، عندما تسمح للآخر بلعب دور في تجربتك وتفكيرك، وعندما يستطيع أن يشجعك على رؤية نفسك في سياق أشخاص يفكرون بشكل مختلف ويؤمنون بشكل مختلف.
تركز دراسة جوليان دي ويت (Julien De Wit) -باحث في مركز بروكسل الدولي للبحوث وحقوق الإنسان (Brussels International Center for Research and Human Rights)- على دور الأئمة في البيئة المعيشية للشبان المتطرّفين، وكيف يمكنهم التأثير في الشباب من أجل الخير. وتتناول تأثيرهم في عملية التطرّف وعملية مكافحة التطرّف، إذ إن الأئمة جزء من المشكلة، لكنهم جزء من الحلّ أيضاً.
تطرح الدراسة دور الإمام في مكافحة التطرّف لدى الشباب. وتركّز على عملية التطرّف ونزع التطرّف ودور الإمام في السياق الغربي، وتأخذ دراسة حالة في هولندا وبلجيكا.
يقدّم القسم الأول من الدراسة وصفاً موجزاً لمهمّة الإمام في السياق الغربي، ويوضح بإيجاز الإطار العام لترتيب تمثيل المجتمعات المسلمة إزاء الحكومة، فلا بدّ من التأكيد باختصار أن هذا الترتيب غير كافٍ ويحتوي على العديد من الاختلالات الوظيفية، على الرغم من وجود تنظيم معيّن للمجتمعات الدينية الإسلامية وأئمتها في بلجيكا. ويرى الباحث أنه يمكن التوصّل إلى هذا الاستنتاج في هولندا ودول أوروبا الغربية الأخرى.
ثمة صعوبات هائلة تتعلّق بطريقة تمثيل المنظّمات الجامعة للمجتمعات الإسلامية. فنادراً ما تمثّل هذه المنظمات الرأي (الدقيق والمتوازن) للمجتمع الديني بأكمله. وتجدر الإشارة –كما تلفت الدراسة- إلى أن المشرّع في كل من هولندا وبلجيكا يتوخّى الحذر دائماً عندما يتعلق الأمر بتنظيم أي مسألة دينية، إذ يحظى الفصل بين الدين والدولة بتقدير كبير.
تتناول الدراسة دور الإمام الحاسم في العلاقة بين المسلمين وبلدهم الأصلي الذي قد يكنّون له مشاعر قومية ووطنية. وتنظر في طرق تفاعل الأئمة مع مجتمعاتهم الدينية. إذ يلاحظ في الوقت الحاضر أن بعض الأئمة الغربيين لا يتفاعلون مع مجتمعاتهم الدينية عبر الإنترنت إلا ما ندر. في نهاية الدراسة، أورد الباحث أن الإمام يقوم بدور مهمّ بوصفه شبكة أمان ضد المتطرّفين عند مكافحة تطرّفهم. فالمتطرّفون في حاجة إلى النصح في السجون أو المؤسسات.
تُظهر دراسات الحالة أن الإمام يمكنه القيام بدور كبير هناك أيضاً. فغالباً ما يتلقّى السجناء المتطرّفون مزيداً من التوجيه من الأشخاص الذين لديهم الكثير من المعرفة عن دينهم. غير أن من المهم تخصيص وقت كافٍ لعملية مكافحة التطرّف. ومن الأهمية بمكان متابعة المتطرّف السابق وأقاربه حتى بعد أن يطلق سراحه من السجن أو من المؤسسة الإصلاحية. وللإمام قدرات هائلة هنا، إذ يمكنه إنجاح إعادة دمج المتطرّفين السابقين أو إفشالها.
سعت دراسة سيرجيو سليم سكاتوليني (Sergio Saleem Scatolini) -باحث وأكاديمي، مسؤول البحوث في الأكاديمية الأوروبية للتنمية والبحوث، بلجيكا- إلى المساهمة في تعليم وإعداد قادة المجتمع الديني المسلم، أو الأئمة، بمناقشة بعض القضايا ذات الصلة، والنظر فيها من خلال الحاجة إلى هندسة أنظمة بيئية روحية متوازنة وتعاونية وتفاعلية.
يدعو الباحث إلى أن تكون خطابات المسلمين في الغرب عن الإسلام واسعة وشاملة للرؤى التي يقدّمها علماء الأنثروبولوجيا، وعلماء البيولوجيا، وعلماء الكون، وعلماء النفس، واللغويون والفنانون... إلخ. فحياتنا تدور حول إعادة تخيّل أنفسنا باستمرار في ضوء فهمنا المتزايد للخلق، أكثر مما تدور حول تعريف الله -فكيف بتبسيط فهمه! مضيفًا أن المسلمين في الغرب، وخصوصاً قادة المجتمعات، يسعون جاهدين إلى تعايش توحيدي عادل ومثمر بشكل متزايد مع الآخرين، ويجوز لهم أن يكونوا مختلفين في إطار نظم بيئية روحية متوازنة وتعاونية ودينامية.
يدرس يونس الأحمدي -أستاذ الفلسفة بجامعة شعيب الدكالي، الجديدة المغرب- أطروحات محمد الحداد في جدلية علمنة الإصلاح الديني، مشيرًا إلى أن الأكاديمي والباحث التونسي اشتغل على مدى ربع قرن، على قضايا التنوير والإصلاح الديني في عصر النهضة وفق منهجية نقدية وتحليلية تزاوج بين مطلب النقد التاريخي والتحقيق الفيلولوجي لنصوص نهضوية مهمة، وبين التحليل المفهومي والتأويل الفلسفي المركب لمشكلة الإصلاح الديني في التجربة الإسلامية. لافتًا إلى أن الزاوية المعرفية التي اعتمد عليها الحدّاد سعت إلى الكفّ عن تقديم الإصلاح الديني بوصفه حدثاً تاريخياً أقنومياً، وتتجاوز الاحتفاء بشخصياته وأعلامه، لتتجه صوب دراسة بنية الفكر الإصلاحي ومساءلة صلاحيته المعرفية من خلال تحليل آليات إنتاج الخطاب واشتغاله داخل المتن الإصلاحي وفحص وظائفه وحدوده؛ وتطمح إلى الارتقاء بمفهوم الإصلاح الديني إلى منزلة الظاهرة الثقافية ذات الأبعاد الأنثروبولوجية العامة والمشتركة بين مختلف الأديان الكتابية.
يخلص الباحث إلى أن مشروع الإصلاح الديني استمد قاعدته من ثيولوجيا كلامية، وأنه لم يَقم بإعادة إخراج المبادئ الاعتقادية الكلاسيكية القديمة إخراجاً جديداً، وبذلك ظل حبيس النسق الذهني الكلامي وإن تحرَّر من المضمون المذهبي. لقد تبين لنا أن بعض نصوص عبده كادت تلامس تخوم التنوير، غير أن جهوده تلك لم ترتسم وتتجذر لتشكل نسقاً رافداً لمشروع تنويري معلن. مضيفًا أن الإصلاح الديني لا يكتسب دلالته الجديدة إلا كتعقل للعالم الحديث، فلا يُختزل في مراجعة بعض المواقف والأحكام وتكييفها وإدماجها مع المتطلبات الذهنية والمادية التي يفرضها تطور أنماط العيش؛ فهذا هو المقتضى الذي يقوم عليه الاجتهاد كخطاب عملي يعبر عن حاجات عملية؛ أما الإصلاح الديني فيتحدد كمشروع فلسفي ينهض بواجب إعادة بناء التصور.
أما دِك هارِسون (Dick Harrison) -أستاذ التاريخ بجامعة لوند- فتناول في دراسة العدد التطوّر الاجتماعي والسياسي لمملكتي السويد والنرويج، من حيث الحياد والسلام، والاقتصاد، والهجرة، والديمقراطية، والرفاه، مشيرًا إلى أنه في الماضي، كان يحكم السويد والنرويج ملوك مشتركون في الغالب، وآخرهم بين سنتي 1814 و1905.
يلاحظ الباحث وجود أوجه تشابه ملحوظة بين البلدين من وجهة نظر ثقافية ولغوية. يرتبط السويديون والنرويجيون ارتباطاً وثيقاً بفترة بناء الدولة البدائية في العصور الوسطى، التي تُعرف باسم عصر الفايكنغ، عندما كان للمغامرين والتجّار والبحّارة الغزاة والملوك المحاربين في الدول الإسكندنافية تأثير قوي على تاريخ أوروبا الشمالية والغربية. يخلص فيها إلى أن السلام والتقدّم الاقتصادي والهجرة والديمقراطية اجتمعت معاً، في عملية مستمرّة جعلت القفز من الفقر إلى الرفاهية أمراً ممكناً. وأتاحت السياسة الخارجية الحذرة -قد يقول بعض الأشخاص إنها انتهازية– التي تسعى للسلام إطاراً اجتماعياً واقتصادياً آمناً وقدّمت مساهمة كبيرة في تطوير مناخ سياسي هادئ. ثم أتاحت الطفرات الاقتصادية، التي أذكتها الهجرة، تحديث الدولة وتمهيد الأرضية الاجتماعية للديمقراطية. أخيراً، أدى ائتلاف ثقافة الإجماع -مع التركيز على المفاوضات بدلاً من الصراعات المفتوحة- والنموّ الاقتصادي إلى تمهيد الطريق لدولة الرفاه.