يقدم هذا الكتاب تجربة بلجيكا في مكافحة التطرف؛ لا سيما من داخل السجون، وفي متابعة العائدين من بؤر التوتر. وقد سعى إلى نقل هذه التجربة؛ بأقلام خبراء منخرطين في التعاطي مع الملف في بلجيكا. كما ناقش تجاهل الأسباب المعقدة للتطرف العنيف.
أشارت التجارب التاريخية الحديثة إلى أن المنضوين في الحركات الإسلاموية في مختلف الدول، أفادوا من السجون من أجل التجنيد، فتحولت إلى حواضن غير مرئية؛ للأشخاص المتطرفين بعيداً عن رقابة الدولة. إلاّ أن الأصعب في هذه القضية الحيوية: أن دولاً أوروبية عدة ومن ضمنها بلجيكا، تواجه معضلة عودة المقاتلين أدراجهم إلى أوروبا، فعلى الرغم من صدور أحكام بالسجن على الفور، ثمة مخاطر مرتفعة بأن يسعى أولئك إلى تجنيد عناصر جديدة داخل السجون، مما يضاعف من القلق الناجم عن هذه الظاهرة العالمية، إذ تظهر بعض الخلاصات أن الجيل الجديد من الإسلاموية؛ العابر للحدود الوطنية، والقارات من العائدين من بؤر التوتر في الشرق الأوسط، تحديداً من تجندوا في تنظيم داعش، هو أكثر عنفاً ودموية وخطورة، إذا ما قورن بالأجيال السابقة من المنتمين إلى الجهاد المعولم.
تم النشر في: February 2020
# | اسم الكتاب |
---|---|
1 | التطرف في بلجيكا.. مقاربة اجتماعية واقتصادية |
2 | مشروع تطوير القانون البلجيكي المُنظِّم لمؤسسة السجون والموقوفين في قضايا الإرهاب |
3 | استراتيجيات نزع التطرف في السجون البلجيكية |
4 | مقاربة سيكولوجية للموقوفين والمحتجزين: بلجيكا أنموذجاً |
5 | نحو منصة إلكترونية لمحاربة التطرف والإرهاب في السجون الغربية |
6 | التعايش من منظور أكاديمي: تجربة كلية مقارنة الأديان والأنسنة في بلجيكا |
7 | التطرف من منظور زمن ما بعد العلمانية |
8 | نزع التطرف عبر تصحيح المفاهيم: السلام والعنف والجهاد في القرآن |
9 | الإسلام والوجه الآخر: الروحانية في مواجهة الأصولية |
يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه "رؤى من بلجيكا لمكافحة التطرف والإرهاب" تجربة بلجيكا في مكافحة التطرف؛ لا سيما داخل السجون، ومتابعة العائدين من بؤر التوتر الأمني في الشرق الأوسط ومناطق أخرى. استندت الدراسات إلى تجارب خبراء منخرطين في التعامل مع هذا الملف الحيوي في بلجيكا. وقد ناقشت الأسباب المعقدة للتطرف العنيف، وقدمت تحليلاً لكيفية تعامل نظام العدالة الجنائية البلجيكي مع مشكلة الإرهاب وتطبيقاته، وحللت الأسباب النفسية الكامنة في نزوع الأفراد نحو الراديكالية -في التجربة البلجيكية. وقدم الكتاب نماذجَ لتفكير «المناصحين» في الأنموذج البلجيكي، وفهمهم للنصوص التي يحاورون بها المتطرفين.
ركزت دراسة هشام بشيري -مستشار قانوني وباحث في الشؤون الاقتصادية والتنمية المستدامة- على العوامل السياسية والدينية والاقتصادية، وتناولت الافتراضات العامة حول جذور التطرّف، وقد أتت خلاصاته بناءً على مقابلات أجريت مع مئات من الإرهابيين المتهمين بالتطرّف العنيف. درس الباحث التطرف العنيف وعناصر انفجاره، ودور الفقر والتهميش وجودة التعليم في احتمالات النزوع نحو الإرهاب، آخذاً بالاعتبار الأبعاد الاقتصادية وارتباطها بالسياقات العامة لانفجار العنف. خلصت الدراسة إلى أن النهُج الحكومية التي تتسم بقصر الأمد، والإفراط في القمع، وتتجاهل الأسباب المعقّدة للتطرّف العنيف، نادراً ما تنجح، وقد تعود بنتائج عكسية. لا يزال هناك نقص في التركيز على الوقاية والوسائل غير القسرية للتصدّي للتطرّف العنيف، والإسهام المحتمل للنساء والمربّين وقادة الفكر والمجتمع المدني ومجتمع الأعمال.
عرض والتر دامان -محامٍ متخصص في التطرف والإرهاب ويعمل في محكمة النقض والإبرام ببروكسيل- في هذه الدراسة لأبرز القوانين التي تتصدى عبرها بلجيكا للإرهاب، وتقوّم هذه القوانين، وتقدم مشروعاً لتطويرها مبنياً على خبرة الباحث. تهدف الدراسة إلى تقديم نظرة مكثفة، عن كيفية تعامل نظام العدالة الجنائية البلجيكي مع مشكلة الإرهاب، وماهية المجالات التي يمكن تحسينها. إذ تبدأ الخطوة الأولى بالاحتجاز أو الاعتقال قبل المحاكمة، ويتعلق ذلك بحرمان المشتبه به من حريته في سياق البحث الجاري وقبل الإدانة النهائية. يرى الباحث أن الهدف الوقائي هو منع ارتكاب الجرائم بدلاً من اللجوء فقط إلى المعاقبة عند ارتكابها، وهذا، لا يقتصر على مكافحة الإرهاب فقط، بل يشمل جميع الجرائم الأخرى. ومع ذلك، فإن التأثير الهائل للإرهاب على المجتمع ككل، بالمقارنة مع الجرائم الأخرى، يعزز ضرورة السماح باتخاذ التدابير اللازمة لحماية المجتمع، في إطار العدالة الجنائية ومرحلة الإدانة وعند تنفيذ العقوبة. يتناول دامان القانون الجنائي البلجيكي ومعاملة المشتبه بهم، وطرائق وأصناف الاحتجاز، ويتطرق إلى كيفية تعامل هذا القانون مع الإرهابيين، والتي من بينها عمليات التوجيه الداخلي للمديرية العامة للمؤسسات السجنية، وإلى العقاب على الجرائم الإلكترونية.
يدرس إبراهيم ليتوس -باحث في المركز الدولي للأبحاث وحقوق الإنسان في بروكسيل- طبيعة مؤسسة السجون والسجناء في بلجيكا، محدداً أنواعها وأهدافها، والنماذج الثلاثة لفهم ثقافة السجون، وهي: أنموذج الحرمان الشخصي، وأنموذج الاستيراد الذي يجلبه السجين معه من العالم الخارجي، سواء كان ذلك متمثلاً في حالته الاجتماعية أو في حالته الصحية... إلخ، والأنموذج التكاملي، الذي يأخذ كلا النموذجين بعين الاعتبار لفهم سلوك السجناء والتحكم فيها.
يتطرق الباحث إلى أسباب نمو التطرف العنيف، وكيف تتم الإدارة المتكاملة لنزع التطرف في الأنموذج البلجيكي، كما يعرض لمجمل التيارات الإسلاموية المتطرفة المؤثرة في بلجيكا، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين، والبرنامج المعتمد في المعالجة وفك الارتباط بالتطرف الأيديولوجي، والجلسات الوقائية المعتمدة في هذا المجال. يوجز ليتوس في دراسته الجلسات الفكرية العلاجية المرافقة لآليات نزع التطرف وفقاً للتجربة البلجيكية من خلال: اجتثاث المفاهيم المغلوطة وتصحيحها بأسلوب علمي مقنع، والاستمرارية في تهيئة السجين للحرية بعد إطلاق سراحه، والاندماج من جديد في المجتمع، وإشراك المؤسسات الدينية والآباء، وإيجاد محيط آمن وبث روح الأمل في الانصلاح، واعتماد خبرة التخصصات المتعددة، وتكون القرارات جماعية، واعتماد المنهج العلمي في المعالجة، والابتعاد عن العاطفة، واعتبار السجن فترة تأمل وإقلاع وتوبة، واستغلال الوقت بما يفيد، والتخلص من العادات السيئة، والاهتمام بالتدريب –تدريجياً- على الاندماج الاجتماعي، وأخيراً، تنوع الجلسات الأيديولوجية والنفسية من أجل ضمان التوازن بين حاجيات الأمن الفكري والنفسي والاجتماعي.
ترى ساندرا دواندلير -طبيبة متخصصة في علم النفس السريري- أن نشر الراديكالية يُعَدُّ بمثابة عملية ضخمة، تهدف إلى زيادة جرعات التشدد ورفع درجات التعنت والتصلب في المواقف والتصورات والتوجهات لدى أحد الأفراد أو إحدى الجماعات؛ وقد يتجلَّى ذلك في الرغبة في اللجوء إلى العنف وإدخال التغييرات الجذرية العميقة التي تستهدف قوام المجتمع ونظامه الديمقراطي ومنظومته القانونية؛ مع وارد الاحتمال لاستيعاب الأطراف الأخرى لهذا الغرض.
تطرقت الباحثة إلى الإرشاد والاحتواء النفسي، وكيفية الابتعاد عن ثنائية التفكير، وأشارت إلى أن الراديكالية عملية دينامية متجددة تنطوي على مراحل مختلفة؛ وهي ذات بُعْدٍ يستبطن قدراً كبيراً من التنوع والتميز. وتلاحظ أن السياق الاجتماعي يلعب دوراً جوهرياً، تكُوْن فيه العناصر المؤثرة بمثابة الأساس لتحقيق العدالة (الحرمان والتفرقة والتمييز) بينما تُعد العوامل الفردية (المهددات الملموسة للهوية الاجتماعية) وثيقة الصلة بما تقدم. أما التأثيرات الأيديولوجية الناجمة عن قرائن الأحوال ومجريات الظروف السياقية، فهي أيضاً تلعب دوراً في هذا المقام. وفي المرحلة الثانية من العملية الراديكالية، ترى الباحثة تحوُّل التركيز والاهتمام نحو العمليات الجماعية السابقة والبيئة الاجتماعية وعمليات تحقيق العدالة بعيدة المدى وبالغة التأثير. وبالمحصِّلة، تفضي عمليات التبرير المكثفة إلى تمكين بعض الأفراد من ارتكاب العنف؛ ويشتمل ذلك، ضمن أشياء أخرى، على أن الضحايا يوسمون بأنهم مذنبون، يكمن وزرهم تحديداً في أنهم لم يتمكنوا من المنافحة والمدافعة عن التوجه الأيديولوجي. تلاحظ دواندلير وجود معضلة مستَعصية وذات مظاهر سيكولوجية وظروف اجتماعية شائكة وبالغة التعقيد، مع إطار أيديولوجي يلتقي فيه الاستياء مع عدم الرضا على المستوى الفردي، وتتم فيه شرعنة الاستراتيجيات. وتميز بين ثلاثة أسس مهمة لها دور طويل الأجل في مختلف أطوار الخصائص الشخصية على المدى البعيد؛ المعايشة المفْرطة أو الإفراط في المعايشة والمخالطة، والاستقلال الذاتي المفرط (بحيث تكون هنالك معايشة قليلة جداً أو معدومة كليَّاً)، وثالثهما الجمع بينهما –صفات وملامح تنم عن أن من يجمع بينهما يكون قلقاً متوتراً ضيِّق الصدر ومكتئباً مغتمَّاً منقبض الصدر في آنٍ معاً.
يرى ناصر الجيلاني -باحث ورئيس «جمعية دعم العلاقات الأوروبية- العربية» في روما- في دراسته أنه تأتي في مقدمة خطوات المعالجة إقناع المتطرف بفساد أفكاره، وضرورة مراجعة مواقفه كبداية ضرورية للبدء في عملية المراجعات الفكرية، وهذا ما يفسر حدوث أغلب تلك المراجعات داخل السجون، أي في ظروف من الضغط، مما يطرح التساؤل حول ماهية الخطأ الذي قاد المتطرف إلى غياهب السجن، شريطة بدء السلطات المناقشات مع المتطرف حول فساد فكره المتطرف وإقناعه بحسن نواياها.
يقدم الباحث قراءتين في التجربتين المغربية والإيطالية، ويعرض خصوصية الحالة في السجون الأوروبية والمعوقات الأساسية التي تقف في طريق إنجاز علاج عميق لمشكلة التطرف فيها، حيث قام الباحث بزيارات ميدانية للسجون في البلدين وأجرى مقابلات مع قيادات أمنية، ومع مشرفين على برامج إعادة التأهيل، وكذلك مع "إرهابيين تائبين"، وسجل عشرات الملاحظات التي تقود إلى تحديد المعوقات في الحالة الأوروبية بشكل واضح. كما يتطرق إلى أزمة الثقة في الآخر، ومعوقات اللغة ونزع التطرف في السجون الأوروبية، وإشكاليات التطرف. يقترح في دراسته إنشاء منصة إلكترونية وبرنامج التعليم عن بعد الممكن توفيره لمعالجة التطرف داخل السجون الأوروبية، وخاصة في ظل عدم توافر ما يكفي من الكوادر القادرة على القيام بالمهمة بشكلها التقليدي، وكذلك الخطوط العامة الواجب مراعاتها عند وضع برنامج كهذا، مع طرح بعض التوصيات المتعلقة بكيفية الانتقال إلى تلك الآلية التي يمكنها أولاً: تحديد المواد المسموح بالاطلاع عليها في إطار التثقيف ومعالجة التطرف، وثانياً: تسمح بمتابعة ما يطلع عليه المسجونون خلال فترة حبسهم. كما تتضمن آليات وحلولاً غير تقليدية في تقديم المواد المنوط بها معالجة التطرف. وتعتمد في جزء أساسي منها على استخدام المواد المسموعة والمرئية، فضلاً عن استخدام برامج الذكاء الاصطناعي خاصة فيما يتعلق بتحديد مدى وعمق التطرف لدى الشخص المسجون، واقتراح البرامج التأهيلية. والتي ستكون في أغلبها إلكترونية، ويتم التعامل فيها عبر آليات التعليم عن بعد. وتتضمن هذه التوصيات تصوراً متكاملاً حول أفضل السبل لإنشاء هذه المنصة ومحتواها الفكري.
جاء مقال كريس فونك عميد كلية مقارنة الأديان والأنسنة في أنفرس (University of Antwerp)- بلجيكا. بمثابة «شهادة أكاديمية وعلمية»، تحدث فيها عن دور الدين وفهمه الصحيح في الحد من التطرف والعنف وتعزيز التسامح، مشيراً إلى أن الخطاب الأساسي في الإسلام هو خطاب السلام؛ فالمطلق هو الله، والله هو السلام، والمسلم يسعى لتحقيق السلام على الأرض والعودة أيضاً إلى «دار السلام»، أي الجنة، وخطوة الإنسان الأخيرة هي إلى الله بطبيعة الحال، كما يذكر القرآن. يقارن الباحث بين الإسلام والبوذية فالنيرفانا بمثابة طريقة أخرى للحديث عن مفهوم «الكشف والتجلّي الإلهي» في سياق العرفان الإسلامي أو معرفة الله أو الصوفية، وكذلك مفهومي «التخلية» أو تطهير النفس من الرذائل و«التحلية» أو اكتساب الفضائل بالإضافة إلى سياق الأخلاق الإسلامية.
يخلص فونك إلى أن المنهجية المنطقية والعلمية لفلسفة العلوم متّسقة تماماً مع العقلانية الإسلامية. بل إن «أدفيتا فيدانتا» (Advaita Vedānta) لسري شانكارا (Sri Shankara) في الفلسفة الهندوسية، حيث براهمان هو الحقيقة فحسب، في حين أن الخلق (جاغات) والكون (جاغات بمبا) زائفان أو وهميان، تشبه إلى حدّ ما «أصالة الوجود واعتبارية الماهيّة» للفيلسوف الإسلامي العظيم صدر الدين الشيرازي، وما شاكله.
سعى الباحث في شهادته إلى نقل تجربة كلية مقارنة الأديان والأنسنة في بلجيكا بوصفها تجربة علمية وأكاديمية لدراسة الدين، على اعتبار أن الفهم الأعمق للأديان وتجاربها يفتح المجالات أمام بناء مجتمعات مفتوحة على الآخر، ويحد من إمكانات التطرف والتمكين الأيديولوجي الإسلاموي عبر تظهير المقاصد الحقيقية للإسلام.
يتناول كون ماتسو -عضو البرلمان البلجيكي الفيدرالي- في دراسته الجهاد وعودة المقاتلين، والحرب الأيديولوجية في السجون البلجيكية، وأثر ظلال سيد قطب، والعلاقة بين الإسلام والغرب، ومحاولات فهمها"، ويرى أنه إذا كنا نريد فعلاً، أن نكون ناجحين في تقويض وتفكيك الخطاب الذي يهدد مجتمعنا، فيجب علينا أولاً أن ندرك أنها تتعلق بالأيديولوجية، وأنها مرتبطة بالقصة الدينية ونمط التدين، كذلك. وعندما نعترف بأن المشكلة أيديولوجية ودينية بطبيعتها، يمكن أن ينمو الوعي بأن حلها سيتعلق أيضًا بالدين والتعامل مع المشكلة بطريقة أو بأخرى، بغض النظر عن مدى صعوبة وظيفة الدين والتدين في فهم ذلك في الزمان (العلماني) أو الزمان ما بعد العلمانية. وأن والإرهاب ما بعد الحداثي، يتطلب منا مواجهته بقوانين وتقنيات وتحقيقات جديدة تشكل ضغطاً على التوازن بين احترام الخصوصية والمسألة الأمنية، لذلك شكلت العودة المحتملة لمجرمي الحرب والمقاتلين تحديًا لقانوننا الإقليمي والدولي لمحاكمتهم كمجرمين في العالم. وهم الذين يتجاهلون، ويريدون عمداً القضاء على القوانين الوطنية واختراق الحدود. لذا يجب محاكمتهم لكن بدون التخلي عن المبادئ الأساسية لنظامنا القانوني.
يدرس يان فان ريث -أستاذ محاضر في قسم الدراسات الشرقية والفيلولوجيا في جامعة أنفرس (University of Antwerp)– بلجيكا، تحديات وضع النصوص القرآنية والأحاديث النبوية في سياقها، ومواقع العنف والجهاد في القرآن لفهمها، متناولاً مفهوم الجهاد الروحي ومفهوم الانقطاع عن الحرب المقدسة.
يرى أن آفة الإرهاب تظل بمثابة كارثة، أدت إلى تشويه صورة الإسلام في نظر الرأي العام العالمي. أما الخطاب الصادر عن "الجهاديين الإسلامويين" لمحاولة إضفاء المشروعية الدينية على أفعالهم، فهو -في الغالب- جاء مبنياً على تفسير خاطئ للإسلام ونصوصه الأساسية المتمثلة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية (أي الكتاب والسنّة)؛ حيث يتم تجميع النصوص والاستشهاد بها بطريقة مبتسرة، فتُنْتَزَع من سياقاتها انتزاعاً، بصورة من شأنها تمكين الشخص من إثبات كل شيء تقريباً. أما الأمر الذي يستحوذ على نصيب الأسد من الإشكاليات الشائكة في هذا العرض الأصولي المتطرف، فيتمثل في الجمع بين مضامين النصوص القرآنية ودلالات المتأخرة المتأتية عن الحقب الإسلامية التقليدية، كالعصرين الأُموي والعباسي. وهكذا أقيم صرح مجتمع خيالي مثالي لا وجود له البتة على أرض الواقع؛ وكأنما كان العهد النبوي وما قبله عبارة عن حقبة ذات وحدة تاريخية وأيديولوجية واحدة.
يتعزز هذا المجتمع المكتسي بثوب المثالية –كما يبين الباحث- ويترسخ أكثر فأكثر بالتفسيرات التي تنطوي على المفاهيم العصرية، والرؤى المعاصرة والآراء الحديثة المضمَّنة في المفاهيم والرؤى والآراء التاريخية -وفق طريقة احتواء تفسيري يطلق عليها باللغة الألمانية مسمى («Hineininterpretierung»)- أي عملية تفسير النص بطريقة تقدم فرضيات الفرد الخاصة. ولأجل إعادة اكتشاف النص الأصلي للإسلام والقرآن الكريم، يتعين علينا –وفق وجهة نظره- إمعان النظر فيه، وأن نستوعبه بمعزل عن الاستطرادات المذهبية والفقهية التي ظهرت في الفترات المتأخرة.
تتمثل الطريقة الوحيدة لتحقيق ما تقدم في إجراء التحليل الدقيق المتأني للنصوص ذات العلاقة. وفي جميع الأحوال، في الحالات القليلة لاستخدام كلمة جهاد على غرار استخدامها في القرآن الكريم، لم يتم استخدامها بتاتاً بالمعنى الفني لمصطلح الحرب المقدسة. ويجوز لنا أن نضيف –كما يلفت ريث- إلى هذه الملاحظة، كخلاصة استنتجناها من تحليلنا، أن المدلول القرآني لكلمة «جهاد» كان شيئاً مختلفاً تمام الاختلاف عمّا أصبح يعرف بالمفهوم التقليدي للحرب المقدسة حسب تطوره في أثناء الأيام الزاهية للإمبراطوريتين الأُموية والعباسية. ولهذا لا يمكن بأي حال أن تمثل مبرراً وفق المفهوم الإسلامي للطغيان والظلم، أو الموقف غير المتسامح مع الغير وغير المتحمل للآخرين. {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (سورة البقرة، الآية 256). وإلا فإن هذا النوع من المعارك أو الحروب لن يكون محاطاً بهالة القدسية والتقوى. ولن يكون جهاداً بمدلوله القرآني الأساسي.
يشير خالد محمد عبده -باحث مصري متخصص في الحركات الصوفية– إلى أن بعض المفكرين المسلمين في الغرب يرون أنه من الواجب علينا أن نناضل بذكاء ضدّ هذه الأشكال من التطرف، أو بالأحرى ضد هذين الشكلين: (التطرّف الإسلاموي، والتطرّف اليميني)، ومن هنا يحاول جاهدًا الفيلسوف الفرنسي وعالم الإسلاميات إيريك جوفروا (Éric Geoffroy) تقديم أنموذج مغاير لما هو منتشر عن الإسلام في الغرب، فيكتب في فرنسا عن تجديد الفكر الإسلامي من خلال التجارب الصوفية، راصدًا واقع الطرق الصوفية في مصر وسوريا، ومسلطًا الضوء على تجارب النساء الصوفية في العالم الإسلامي، ومقترحًا حلولاً كثيرة للخروج من مأزق الإسلام الحركي الأصولي العنيف، معتمدًا في ذلك على قراءة عصرية للتراث الإسلامي، ومستعينًا بكتابات المصلحين والمجددين في الإسلام، على اختلاف مشاربهم. إن مشروع جوفروا يقدّم لنا بالفعل صورة ووجهًا مختلفًا للإسلام، يبتعد عن الصراع السلفي/ الصوفي، والعلماني/ الإسلامي، وعن المذهبية والاختزالية الدينية، ويفيد من المعارف كافة دون أن يتبنّاها أو يخاصمها، كما هو الشأن في الكتابات الإسلامية المعاصرة. تستحق أمثال هذه القراءات للإسلام أن يكشف عنها ويتعرّف القارئ على شكلٍ من أشكال مواجهة التطرّف بالكشف عن وجوه أخرى للإسلام، ومن هنا رأى الباحث أن يقدّم في هذا المقال رؤية إيفا دوفيتري ميروفيتش، الباحثة الفرنسية التي تلقّت تعليمها الديني في الغرب، وصقلت معارفها بالعلوم النظرية والتجريبية، ثم فُتنت بعد ذلك بعالم الإسلام، لتعكف طيلة حياتها على تقديم رسالة الإسلام للأوروبيين، بالوجه الذي آمنت به ورأت أنه الأنفع للإنسان في وقتنا الراهن. إن مثل هذه النخب المتمسكة بطقوسها في الغرب هي ما لا يركز عليها؛ لأنها لا تخدم الاستثمار في الخوف من الإسلام. أفادت إيفا كثيرًا من صحبتها للمستشرق ماسينيون، فكما أخلص هو لدراسة التصوف الإسلامي عبر أحد أبزر أعلامه (الحسين بن منصور الحلاج) ووهب حياته كلها في سبيل تقديم هذه الشخصية إلى العالم، فعلت إيفا كذلك.
أتت دراسة العدد هذه في سياق تقديم فهم روحاني للإسلام من وجهة نظر صوفية، وذلك للحد من التطرف ولتبيان النماذج المتسامحة في التاريخ الإسلامي ومن تأثر به من مفكرين ومستشرقين، على نقيض الصورة السلبية الخطرة التي يعممها الإسلاميون في الغرب حول أصالة العنف عند المسلمين.