القوميات في إيران وإكراهات الهوية المركزية


يتناول هذا الكتاب التعددية القومية في إيران، والتي تضم الفرس والأذريين والأكراد والبلوش والبختيارية واللرية. تقدم الدراسات رصداً للتركيبة السكانية وتوزيعها القومي والجغرافي، مع عرضٍ لمختلف الصعوبات التي تعترضها من ناحية التمثيل السياسي والحقوقي، ولصراعها مع استراتيجية إكراه الهوية التي تنتجها السلطة الحاكمة في إيران، ليس في التاريخ المعاصر فحسب بل في فترات تاريخية أبعد. وقد أخذ الكتاب على عاتقه تحليل إشكاليات الشرعية والدمقرطة والأزمات الإقليمية وأثرها على القوميات غير الفارسية، بهدف درس انعكاساتها على شكل الدولة الإيرانية وسبل تعاملها معها.


تم النشر في: January 2019


front145

قائمة الفصول


# اسم الكتاب
1 القومية الفارسية والهيمنة السياسية في إيران
2 القوميتان اللرية والبختيارية في إيران
3 القوميتان الأذرية والتركمانية في إيران بين الواقع والطموح
4 الآفاق المستقبلية لشكل الدولة الإيرانية
5 البلوش في إيران.. اضطهاد قومي وطائفي
6 الأكراد في إيران.. نضالهم ومستقبل قضيتهم
7 أزمات النظام الإيراني الإقليمية وتدخلاته الخارجية
8 إشكاليّات الشرعيّة والدمقرطة في النظام الإيراني وأثرها في استقراره
9 التنظيمات الإثنية والعرقية في إيران والمؤسسات الداعمة

شرح الكتاب


ملخص بحوث العدد (145)

القوميات في إيران وإكراهات الهوية المركزية

يناير (كانون الثاني) 2019

يتناول كتاب المسبار الشهري «القوميات في إيران وإكراهات الهوية المركزية» (الكتاب الخامس والأربعون بعد المئة، يناير/ كانون الثاني 2019) التعددية القومية في إيران، والتي تضم الفرس والأذريين والأكراد والبلوش والبختيارية واللرية. تقدم الدراسات رصداً للتركيبة السكانية وتوزيعها القومي والجغرافي، مع عرضٍ لمختلف الصعوبات التي تعترضها من ناحية التمثيل السياسي والحقوقي، ولصراعها مع استراتيجية إكراه الهوية التي تنتجها السلطة الحاكمة في إيران، ليس في التاريخ المعاصر فحسب بل في فترات تاريخية أبعد. وقد أخذ الكتاب على عاتقه تحليل إشكاليات الشرعية والدمقرطة والأزمات الإقليمية وأثرها على القوميات غير الفارسية، بهدف درس انعكاساتها على شكل الدولة الإيرانية وسبل تعاملها معها.

القومية الفارسية والهيمنة السياسية في إيران

يرى جعفر الهاشمي -محامٍ عربي وباحث متخصص في الشؤون العربية والإيرانية- أن إيران تواجه تحدّياتٍ جمّة منذ انتصار «الثورة الإسلامية» عام 1979، تُنذر بتفكك الدولة، مما يتطلب تغيير حكم الملالي بما يشكله من تهديد للأمن الإقليمي والصراعات في الشرق الأوسط. إن الصراعات العرقية والطائفية الخفية، والتي تسيطر عليها السلطة الإيرانية بالحديد والنار، تُشكّل أبرز التحديات الخطيرة التي تواجه «الجمهورية الإسلامية»، والتي يعجز النظام والدولة والمعارضة عن معالجتها، ويخشون التقرّب منها كمشكلة متجذّرة في مفاصل الدولة والمجتمع. يصنّف علماء الاجتماع، المجتمعات في إيران، على أسس مختلفة، منها الطبقة، والجغرافيا، والمذهب، إلّا أن ما يعتمده الباحث في هذه الدراسة هو القومية ليس بمعناها الوطني العام، بل بمعنى الهوية القومية التي يُعتبر العرق فيها أبرز مقوماتها. وإذ يتّهمُ بعض نخب الشعوب التي كانت جزءاً من إيران التاريخية كأفغانستان وطاجيكستان، وبعض نخب القوميات غير الفارسية في إيران، الفُرْس الإيرانيين بمصادرة موروثهم الحضاري، والاستيلاء على مقدّراتهم، واختزال الهوية الوطنية بالفارسية، تدافع النخب الفارسية عن صلابة هوية الدولة والمجتمع الوطنيين، فتزعم بأنها أصبحت منيعة وموحّدة، وإن تضمنت في ثناياها أقليات أخرى اندمجت بالفارسية في الهوية الوطنية الإيرانية. شهد الاهتمام المعرفي بالقوميات في إيران، تطوّراً نسبياً نتيجة التغيرات السياسية والاجتماعية الأخيرة، إلّا أن نتاجاته تبقى متواضعة بالنسبة لحجم التحدّيات، لا سيّما وأن جلّها يأتي كاهتمامات فردية لطلبة الجامعات الإيرانية، في ظل أجواءٍ أمنية وسياسية قاسية تحول دون إجراء دراسات ميدانية، أو توفير إحصاءات شبه رسمية، ناهيك عن طغيان النتاج المعرفي الرسمي المتّهم بعدم الحيادية، والرامي لتعزيز سياسات السلطة.

تسعى القومية الفارسية إلى اختزال الهوية الوطنية عبر طرح نفسها ممثلاً أصيلاً ومتسلطاً على بقية الهويات العرقية في إيران والشعوب الأخرى. لكن يبقى سعيها مرهوناً بمصير مستقبل السلطة السياسية وكيفية تعاطيها مع واقعها الإقليمي والداخلي، فإن ضعفت أو فقدت بوصلة التعاطي السياسي معه، فإن ذلك قد يرشحها إلى تبدد وانهيار كارثي محتمل، لا يعصف بهوية القومية الفارسية فحسب، بل بالهوية الوطنية والدولة الإيرانية على حد سواء.

القوميتان اللرية والبختيارية في إيران

تناول كاظم الوالي -باحث في شؤون الشرق الأوسط وإيران- القوميتين اللرية والبختيارية، وهما مجموعتان عرقيتان غير فارسيتين تعيشان غرب وجنوب غرب إيران، لا يوجد إحصاء دقيق لعدد قوميتي اللر والبختياريين في إيران، لكن يقدر عددهم ما بين خمسة إلى ستة ملايين نسمة. هناك فرضية قوية تفيد بأن البختياريين هم مجموعة فرعية من القومية اللرية لغةً وثقافةً وأسلوبًا في العيش المشترك. فبسبب تداخل مناطق العيش والارتباط الثقافي والقبلي تتحدثان كلتاهما اللغة اللرية التي يعتبرها القوميون الفرس لهجة ريفية أو بدوية للغة الفارسية.

يرى الباحث أن البحث عن الهوية العرقية عند بعض من شباب اللر والبختيارية الذين تلقوا تعليمهم باللغة الفارسية، دفعهم إلى تصديق نظرية القوميين الفرس حول جذورهم وارتباطهم بالأمة الفارسية، كما دعم أيضًا هذه النظرية –وبقوة- بعض زعماء القبائل البختيارية المؤثرة من أمثال سردار أسعد بختياري (١٩١٧-١٨٥٩) الذي شغل مناصب سياسية عديدة كمنصب رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع في فترة حكم السلالة القاجارية. وإن الشعور بالانتماء الفارسي بين اللر والبختياريين تعزز بعد زواج شاه إيران محمد رضا بهلوي من ثريا إسفندياري بختياري، التي كانت ابنة خلیل إسفندیاري (الشخصية السياسية البختيارية وسفير إيران في ألمانيا الغربية آنذاك). حاولت الحكومات الإيرانية المتعاقبة استخدام اللر والبختياريين ضد عرب الأحواز في جنوب غرب إيران، حيث يوجد هناك تداخل جغرافي ما بين العرب والبختياريين، ودعمتهم الحكومة أيضاً في الهجرة إلى الأحواز لتغيير التكوين الديموغرافي في المدن العربية. لكن هذه الممارسات لم تثنِ بعضًا من اللر والبختياريين عن المطالبة بحقوقهم القومية. ودفعت بعض أفراد هاتين القوميتين نحو الانخراط في الحراك الشعبي ضد النظام وتأسيس أحزاب سياسية والمطالبة بإنهاء نظام الولي الفقيه، وإنشاء نظام سياسي ديمقراطي فيدرالي في إيران، يضمن جميع حقوق الجماعات العرقية في إيران. يستعرض الباحث في دراسته أيضا مرحلة اكتشاف النفط في المناطق البختيارية، والعلاقات البختيارية مع بريطانيا وإمارة عربستان، ويسلط الضوء على مناطق اللر في عهد رضا بهلوي، وأوضاع اللر والبختياريين في دولة إيران الحديثة، ويتناول التنظيم السياسي للقوميتين اللرية والبختيارية.

القوميتان الأذرية والتركمانية في إيران بين الواقع والطموح

استعرض محمد حطاب -كاتب وإعلامي أحوازي مقيم في النمسا- القوميتين الأذرية والتركمانية في إيران بين واقعهما وطموحهما، حيث يحظى إقليم أذربيجان الجنوبي بأهمية كبيرة نظراً لموقعه الجغرافي الذي يربط إيران بدولتي أذربيجان وتركيا، وكذلك باعتباره منفذ إيران الوحيد إلى أوروبا. كما أن الأذريين يعدون ثاني قومية من حيث الكثرة العددية بعد القومية الفارسية في جغرافيا إيران. لعب الأذريون دوراً مهماً على مر تاريخ إيران، إذ كانت لهم الغلبة في حكم إيران لقرون عدة، بدءًا من السلاجقة في القرن العاشر للميلاد، وانتهاء بالدولة القاجارية في بداية القرن الماضي. تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على القوميتين الأذرية والتركمانية من زوايا مختلفة، بغية تقديم صورة واضحة للقارئ العربي عن طبيعة هذين الشعبين ومستقبلهما في جغرافيا إيران المأزومة. فيتناول في دراسته الموقع الجغرافي والوضع الديموغرافي مقدماً نبذة تاريخية، ثم يعرّج على الوضع الاقتصادي والحالة الاجتماعية، ويتناول الدين والمذهب عند الأذريين، وعلاقة الأذريين مع السلطة المركزية، والثورة الدستورية 1906-1911 ثم يتطرق إلى إعلان دولة آزادستان في أذربيجان الجنوبي عام 1920، ويتناول أحوال الأذريين في العهد البهلوي، وإعلان دولة أذربيجان الجنوبي 1945-1946، ثم يمر بعهد الجمهورية الإسلامية (ولاية الفقيه)، وصولا إلى مطالب الأذريين والتركمان واستعراض آفاقها المستقبلية.

الآفاق المستقبلية لشكل الدولة الإيرانية

استعرض جمال عبيدي -كاتب وباحث أحوازي متخصص في الشأن الإيراني- الآفاق المستقبلية لشكل الدولة الإيرانية، ويمر بداية على القوميات غير الفارسية، ثم يشير إلى تنوع نضالات القوميات وتأثيره في مستقبل إيران، ويدرس طموح إيران وأيديولوجيتها التوسعية، ويجيب عن التساؤل التالي: كيف تحدد رغبات الإقليم مستقبل إيران؟ كما يذكر السيناريوهات المتوقعة لمستقبل إيران. ويشير إلى أن إيران تتكون -بالإضافة إلى الشعب الفارسي المستحوذ على مقاليد الحكم ومفاصل الدولة ومناصبها الهامة منذ تسعة عقود- من مجموعة شعوب وقعت ضحية احتلال من قبل رضا بهلوي المدعوم من بريطانيا –آنذاك- وهم الأذريون الأتراك والعرب والكرد والبلوش والتركمان، وشعوب أخرى لم تتجلَ بعد هويتها الوطنية ومطالبها نتيجة فعل الاحتلال طيلة القرن الأخير، وممارساته المستمرة لطمس هوية الشعوب الأخرى. فسياسة تعميم اللغة الفارسية وتزوير الحقائق التاريخية الخاصة بالشعوب غير الفارسية التي انتهجتها الأنظمة الفارسية المتعاقبة على سدة الحكم، وخصصت لها برامج ومشاريع، تسببت في ضياع هويات وثقافات متعددة في إيران، وألحقت أضراراً كبيرة في قطاعات واسعة من مواطني الشعوب.

يخلص الباحث في دراسته إلى أن مستقبل إيران، وبناء على الوضع الداخلي المتأزم اقتصادياً واجتماعياً، والفساد المالي والإداري، وإهدار المال العام في حروب وأزمات لا تعني المواطن الإيراني، ونمو مضطرد لنضالات الشعوب غير الفارسية، وسلوك خارجي لنظام لا يعير اهتماماً للقانون الدولي، ولا يحترم معاهدات حسن الجوار، ونمو غير طبيعي لمؤسسة الحرس الثوري على حساب مؤسسات الدولة الأخرى، وعلى حساب حياة المواطنين وحقهم في العيش الكريم، ينبئ بحدوث تغيير كبير في إيران في المستقبل المنظور، قد يكون في صالح الشعوب غير الفارسية والشعوب المجاورة المتضررة من إيران، وبالأخص الشعوب العربية، إذا لم يكن هذا التغيير مجرد تغيير للنظام، بتغيير النظام وحده، ستعاد الكرة وتستمر المنطقة في الحالة نفسها المليئة بالتوتر والأزمات، لكن بشكل مختلف قد يكون غير الشكل المذهبي المطروح حالياً، وسيتغير الشكل ويبقى المضمون كما هو.

البلوش في إيران.. اضطهاد قومي وطائفي

يقول هادي الطرفي -باحث وصحفي أحوازي مقيم في لندن-: إن البلوش يعدون أحد أبرز القوميات؛ ويخوضون صراعاً منذ عقود طويلة ضد السلطات الإيرانية المتعاقبة؛ ولمعاناتهم طابع قومي وديني، إذ لا تعترف السلطات بحقوقهم القومية، مثل الحق في التعليم باللغة الأم، كما تمارس تمييزاً دينياً ضدهم، ذلك أنهم من أهل السنة. يناضل البلوش للحصول على عدالة اجتماعية وسياسية واقتصادية وتشكيل إدارة ذاتية وإلغاء القوانين التمييزية التي تستهدفهم خصوصاً ما يتعلق بالدين؛ إذ ينص الدستور الإيراني على أن المذهب الرسمي في البلاد هو المذهب الشيعي، وتتبنى الحكومة على هذا الأساس سياسات التهميش والإذلال ضد البلوش، حيث يواجه أهل السنة تمييزاً في التعيينات والتوظيف وتولي مناصب عليا في البلاد، كما يواجه المواطنون العاديون في بلوشستان مضايقات في شتى المجالات. أدت تلك السياسات إلى نمو الوعي القومي؛ إذ بدأ بشكل تقليدي وعلى أساس تمرد قبلي، لكن البلوش تفاعلوا مع التطورات الإقليمية والعالمية، وتبنى النشطاء عقائد سياسية مختلفة منها دينية وعلمانية ويسارية.

يسعى هذا البحث إلى تسليط الضوء على جذور القضية البلوشية في إيران وإرهاصات النشاط القومي بينهم، وتعامل السلطتين ضدهم في عهد البهلوي الأب (رضا شاه) والابن (محمد رضا شاه) وكذلك معاناتهم منذ تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية عام 1979.

الأكراد في إيران.. نضالهم ومستقبل قضيتهم

يدرس كاوه آهنكري- كاتب وباحث أحوازي- نضال الأكراد في إيران ومستقبل قضيتهم. ويقول: إن الأكراد يعانون في كل من الأجزاء التي قسمتها الحروب والسياسات الاستعمارية من أنواع مختلفة من المضايقات والانتهاكات. يركز هذا البحث على الجزء الشرقي من كردستان الذي يقع ضمن حدود إيران الحالية في الحدود مع تركيا والعراق وتبلغ مساحته (111679) كيلومتراً مربعاً. أي ما نسبته (8%) من مساحة إيران. لا توجد إحصاءات دقيقة تبين عدد الأكراد في إيران، حيث تتجنب السلطات إجراء إحصاءات على أساس عرقي، فتنظر إلى القوميات غير الفارسية كتهديد لأمنها القومي. لكن يقدر الخبراء والباحثون عددهم بسبعة ملايين نسمة، ما يشكل (10%) من مجموع عدد السكان في إيران.

يتطرق الباحث في دراسته إلى الشعب الكردي وتاريخه السياسي والوضع الاقتصادي، والاجتماعي، ومستقبل كردستان، وتوجهات التنظيمات الكردية المسلحة، ومستقبل الجغرافيا السياسية في إيران. والتي فيها يرى أن مستقبل إيران ليس بمعزل عن مستقبل الشرق الأوسط، ومن جانب آخر لا تعيش المنطقة في جزيرة منعزلة عن العالم، بل تتأثر بالموجات العالمية في المجالات المختلفة، منها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مما يجعلها أمام ولادة تاريخية في المستقبل. هذه الولادة ستكون منقطعة النظير، أما التعايش السياسي وحده فيستطيع تقليل أثمان هذا التغيير على أساس بعد النظر والديمقراطية. في غير مثل هذه الأحوال لا يمكن تصور مستقبل إيران والمنطقة. وكما يبدو، هناك عاملان تاريخيان سيتركان تأثيراً كبيراً على مستقبل الجغرافيا السياسية والأوضاع في إيران والمنطقة. مستقبل القضية الفلسطينية والقضية الكردية. وإلى جانب الأكراد في إيران، للترك والعرب والبلوش والتركمان واللّر والكيلكيين -إلى حد ما- مطالب بتحقيق حقوقهم القومية، فإذا لم تتغير إيران من ناحية الشكل، فإنها ستشهد حتماً تغييرات أساسية في المضمون والمحتوى.

أزمات النظام الإيراني الإقليمية وتدخلاته الخارجية

يقول أحمد مظهر سعدو -كاتب وباحث سوري-: إن أزمات النظام الإيراني تتعدد وتتشعب، فيما تنتقل الأزمات هذه، من الداخل إلى الخارج، حيث تنتشر في الإقليم، كما تتركز أكثر عبر تدخلاته الكثيرة، من العراق إلى سوريا إلى اليمن إلى لبنان، بينما يعتبر المتابعون أن هذه التدخلات، هي الظاهرة للعيان بينما تتعدى تدخلاته ذلك إلى مناطق جغرافية أخرى، لا تتمظهر بشكل واضح، وإنما تقبع في تحركات وسلوكيات كثيرة، ليس أولها ما حصل من انغماس في الأوضاع الداخلية في المملكة المغربية، والتي أدت إلى قطع العلاقة الدبلوماسية بينهما، إضافة إلى امتدادات أخرى ذات طابع طائفي، في كل من الجزائر، ومصر، والعديد من بلدان أفريقيا ذات الأكثرية المسلمة. يأتي ذلك في سياق محاولة الربط بين الأزمات الحالية للنظام الإيراني وتدخلاته في سوريا واليمن ولبنان والعراق، استنادًا إلى العقيدة الخمينية الأساسية القائلة بتصدير الثورة وتطور العلاقات وتغيرها، بينه وبين المحيط الإقليمي، التي اتسمت بتغول الإسلام السياسي الشيعي وتجيير ذلك لمصالح قومية فارسية، ومشروع فارسي قديم/ حديث يتستر بالإسلام، في محاولة منه للتمدد ضمن الواقع العربي، وصولًا إلى إقامة إمبراطورية الفرس المزعومة، ومن ثم الولوج في الواقع العربي المنتشر والمحيط، ضمن سياسات إيرانية طامحة إلى إنجاز ما عجزوا عن إنجازه خلال المراحل التي خلت، واتكاءً على استراتيجيا طويلة الأمد تحاول الإمساك بناصية الهيمنة، وصولًا إلى تطبيق المشروع الإيراني الفارسي/ الطائفي للمنطقة برمتها، فيما لو سنحت أو سمحت الظروف في ذلك، وفق المعطيات التي تعمل عليها الدولة الإيرانية منذ زمن طويل.

ويرى الباحث أن النظام الإيراني يستند عبر تمدده في المحيط العربي، إلى بعد ذرائعي حاول دائمًا الإمساك بمضامينه، والاحتماء به، مفاده أن الثورة الإسلامية الإيرانية الخمينية، قامت في ظل واقع عربي وإسلامي، مرتهن للسياسة الأمريكية (الشيطان الأكبر) وقد جاء (المنقذ الإيراني) ذو الطابع (الثوري الإسلامي) المفترض، لينقذ هذا الواقع مما هو فيه، كبديل قد يكون مقبولاً من بلد لعب في السابق دور الشرطي في الخليج العربي والمنطقة. إضافة إلى المشجب الآخر الذي ما برح النظام الإيراني معلقًا عليه جل تحركاته في المنطقة، وهو لافتة تحرير القدس ودعم الثورة الفلسطينية و(المقاومة اللبنانية) من أجل تحرير فلسطين من رجس الاحتلال الصهيوني.

يدرس الباحث الذرائعية في التمدد الإيراني الإقليمي، وتدخلات إيران الخارجية، والآثار السلبية للتدخلات الإيرانية في الخارج، ويخلص في خاتمته إلى أنه إذا كانت الدولة الإيرانية، قد استندت في نظرتها إلى محددات حكم ولاية الفقيه، فإنها عجزت بحق عن الوصول إلى جملة معطيات معقولة ومستندة إلى الدين الإسلامي الحنيف والمعتدل، خصوصاً حين جيرت كل ذلك لأهداف مصلحية نفعية بعيدة عن الدين الطامح للعدل بين الناس. فكانت الهوية الإسلامية التي تبني عليها بلا مشروعية، ولا منطقية وغير متساوقة مع المآل الإسلامي المتنور في عصر الحداثة وما بعد الحداثة إذ إن «ما يُكسب الهوية الإسلامية مشروعيتها هي الأرضية الشرعية التي تستند إليها. إن هوية مغايرة للشرع الشريف هي أصل كل شر وسبب كل سوء. ولا بد من إدراك المرء من ينتمي من خلال هويته، فالوصول إلى وعي الانتماء أمر أساسي، والأرضية الشرعية هي أول ما علينا التساؤل عنه لدى تحديد الهوية. لقد كان عدم الوضوح في الفهم الأصح للدين الإسلامي، ومن ثم التخبط عبر سياسات غير جاذبة، بل نابذة لكل ما هو بلدان مسلمة، وعبر التمترس وراء أطماع فارسية قديمة، وصولًا إلى إعادة إحياء المشروع الإمبراطوري الفارسي/ الحلم، لإعادة بناء دولة الإمبراطورية، التي سادت ثم بادت، وبحماية فكر ملالي، غير مقبول في المحيط العربي والإسلامي، هو ما أدى إلى فشل آني ومستقبلي لمجمل هذه الطموحات والتوجهات، التي باتت لا تدفع بإيران إلا إلى الهاوية، فيما لو أرادت الاستمرار بها، وإذا ما تابعت الولوج إلى متاهات غير محسوبة النتائج، وضمن سياق دولي رفض -وما زال يرفض- كل مشاريع الدولة الإيرانية، التي أنتجت إقليمًا يعج بالاضطرابات، ويسهم في تقويض أركان الأمن والسلام الدوليين، وهو ما سوف يكون مرفوضًا على مدى الأيام القادمة، عربيًا وإسلاميًا، ودوليًا، وهو ما تشهد إيران نتائجه الكارثية على اقتصادها، وعلى مجتمعها، وعلى سياساتها البائسة، والتي تؤدي إلى هلاك الدول وأولها دولة إيران ومعها دولة الأسد، وكذلك دويلة الحوثيين، ودويلة حزب الله في لبنان. ولعل التدخلات الخارجية الإيرانية المستمرة وغير الصائبة، والمهددة لأمن وسلامة المنطقة برمتها، هي التي باتت مقلقة ليس للمحيط الإقليمي فقط، بل كذلك للوضع الدولي بكليته.

إشكاليّات الشرعيّة والدمقرطة في النظام الإيراني وأثرها في استقراره

يقول عبدالقادر نعناع -باحث وأكاديمي سوري- في دراسته: إن الشرعيّة تُعتَبر أحد أهمّ مقاييس دراسة استقرار النظام السياسي، ومدى اتّساقه مع البنى المجتمعيّة، وبالتالي حجم الحاضن الاجتماعي الذي يَسنِد السلطة أو النظام أو الفرد الحاكم. ومنه، فإنّ انتقاص تلك الشرعية أو قيام افتراقٍ بينها وبين حواضنها، أو تأخُّرِها عن تلبية متغيّرات المجتمع، وعجزها عن أن تكون تعبيراً عن مصالحه، هو بالمحصلة إيذانٌ بأنّ السلطة تفقد حواضنها المجتمعيّة الداعمة لاستمراريتها. وعليه فإنّ هذا المسار، في حال عدم تصحيحه، هو بالحتميّة التاريخيّة يتّجه نحو تقويض النظام، وتفكيكه وصولاً إلى إسقاطه أو سقوطه من داخله. لذا خصص الباحث دراسته متناولا إسقاطات مفهوم الشرعيّة على النظام الإيراني، وإشكاليات الديمقراطية في إيران، والقياس الإجرائي لتلك الإشكاليات، ويقدم تقييماً لاستقرار النظام على المدى القصير.

يميز الباحث بين شرعيات سيكولوجية عدّة استند إليها النظام الإيراني: الشرعيّة الفارسيّة-الشيعيّة، وهي التي تُشكِّل الحاضن الأساسي والمرتكز الاجتماعي الأوّل للنظام. الشرعيّة الشيعيّة، وهي وإن كانت قد نجحت في فترات سابقة في الحفاظ على ائتلاف الجماعات الشيعيّة (على اختلافاتها القوميّة) حول النظام، إلّا أنّ إحساسها اللاحق بالغبن والإهمال، بل وإدراك بعضها لحجم الاستنزاف الذي يطالها لصالح الفئة الأولى، جعلها تسحب شيئاً فشياً تلك الشرعية عن النظام. وتبقى الشرعيّة الثالثة، مختصّةً بالقوميّات غير الفارسية عامّة، وبشكلٍ أخصّ تلك القوميّات غير الشيعيّة، والتي قد تتداخل مع الفئة الثانية هُوِيّاتياً، لكنّها تتمايز عنها سياسيّاً، وهي في الأساس لم تُقِرّ بهيمنة السلطة على أقاليمها، بل يمكن القول: إنّها في حالة نضال سياسيٍّ متقطع منذ قيام دولة إيران ذاتها، وهو ما ستختَصّ به بحوثٌ لاحقة في هذا الكتاب. كما يُحاول النظام استقدام شرعيّةٍ خارجيّة، من خلال تدخّلاتٍ عسكريّةٍ (تحت شعاراتٍ مذهبيّة)، وَفَّرَت له في بعض الأحيان ما يلزمه من اجتماعٍ داخليٍّ حوله، لكنّها هي الأخرى بدأت تشهد استنزافاً حادّاً مع تراجُعٍ مضطردٍ في مستوى المعيشة في الداخل، وهو ما ستختصّ به أيضاً بحوثٌ لاحقة.

غير أنّ الإسناد الفعّال للنظام، لن يكون إلا عبر شرعية الأداء، وهنا تتَّجِه الدراسة إلى تناول جملةٍ واسعةٍ من المؤشِّرات الاقتصادية والسياسية، وبناءِ نمطٍ يُوضِّح مسار هذه الشرعيّة (قياس كمي). وهنا بالضرورة، لا بدّ من تفنيد حُججِ النظام حول الدمقرطة، وتبيان الأزمة التي تحوّلت إلى إشكاليّة ضمن جملة إشكاليّاتٍ في بِنيَة النظام، غير قابلةٍ للحل. أي إنّ هذه الدراسة تحاول توضيح النقاط التالية: إشكاليّة الشرعيّة الأيديولوجيّة للسلطة. إشكاليّة شرعيّة الأداء للسلطة (مؤشِّراتٌ سياسيّةٌ واقتصاديّة). إشكاليّة الدمقرطة واستعصاؤها في ظلّ النظام الحالي. وحيث تكاد تغيب شرعية النظام الإيراني بالمطلق عن الأقاليم القومية، وتتراجع تدريجياً في المركز الفارسي، فإنّه يمكن الاستدلال في المرحلة القادمة بجملة مؤشّرات، تدلّ على بداية انهيار متسارعٍ لهذه الشرعية، ومن ذلك، على سبيل المثال: ازدياد الإضرابات والاعتصامات. بداية الانتقاد العلني للنظام، ورفض الانصياع للقرارات والمؤسّسات الإدارية. ظهور تكتّلات معارضة جديدة من ضمن بِنيَة النظام، وداخل إيران، عدا عن ازدياد نشاط المعارضة الخارجية الفارسية والأقوامية. ارتفاع حدّة المعارضة من شخوص النظام أنفسهم (انشقاقات داخلية)، وما يترافق معه من ارتفاع وتيرة الاعتقالات أو الإقامات الجبرية، كما حصل سابقاً. ارتفاع مستوى الجريمة وتخريب المال العام. ازدياد معدلات الهجرة -إن أمكن- إلى خارج إيران. ازديادٌ في نوع وكمّ العمليّات العسكرية ضدّ مؤسّسات الحرس الثوري خاصة، أو عموم المؤسّسات الحكومية.

التنظيمات الإثنية والعرقية في إيران والمؤسسات الداعمة

تناول محمد حسن فلاحية -باحث وأكاديمي أحوازي، مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية- التنظيمات الإثنية والعرقية في إيران والمؤسسات الداعمة لها، مستعرضا أبرز التنظيمات والحركات الأذرية، الأحوازية والبلوشية، والتركمانية، ويقدم نقدا لمؤتمر شعوب إيران الفدرالية، كما يتناول الحضور الشعبي لتنظيمات القوميات غير الفارسية.

يخلص الباحث في دراسته إلى أن التعامل مع ملف شديد التعقيد مثل ملف الشعوب غير الفارسية في إيران، يحتاج تعمقاً ودراسة مفصلة لمعرفة الملابسات والظروف التي تمر بها الشعوب غير الفارسية عبر تاريخ من نضال يستمد حركته من تعاطف جماهير الشعوب غير الفارسية، ودعم منظمات حقوقية في العالم وكذلك تعاطف الدول التي ترى في ملف الشعوب غير الفارسية في إيران مظلومية واضطهاداً قل نظيره، تمارسه السلطات في قمعها للشعوب غير الفارسية في إيران.

إنّ مستوى وعي الجماهير الشعبية للقوى الوطنية للشعوب غير الفارسية وكوادرها ومنظومتها الإعلامية والقانونية في المحيط الإقليمي والدولي، بدأ يسير نحو اتجاه لا يسر النظام الإيراني بسبب طرح هذا الملف في الأوساط الدولية، وتبني بعض القوى والجهات الدولية له. فاليوم لم تبق ملفات الشعوب غير الفارسية طي النسيان بفضل التواصل الإعلامي والثورة المعلوماتية والعولمة الاتصالاتية. فقضايا الدول الداخلية تحولت من قضايا محلية إلى قضايا دولية، وهذا الأمر لا يستثني القضايا التابعة للشعوب غير الفارسية، شاء النظام الإيراني أم أبى.

إن الشعوب غير الفارسية في إيران، والتي تشكل معظم سكان هذا البلد، تعاني حرماناً واضطهاداً منقطعي النظير، فالشعوب التي تمتد في جغرافيا ما تسمى إيران إضافة إلى إثنياتها العربية، البلوشية، التركمانية، التركية الأذرية والكردية، والتي تشكل أكثر من خمسين مليونًا من مجموع سكان إيران البالغ عدده (٨٥) مليوناً، هنالك إثنيات وأعراق أصغر حجمًا ومنصهرة. وأفراد هذه المجموعات البشرية يواجهون -على أقل تقدير- قضيتين مرتبطتين بالمسائل الأمنية للدولة الإيرانية؛ الأولى مرتبطة بالتعامل الأمني التقليدي من قبل الحكومة للشعوب، وتتعمق هذه النظرة داخل منظومة الحكم والتوظيف في وظائف عسكرية وسياسية وسيادية تعتبرها الحكومة الإيرانية حكرًاً على العنصر الفارسي، وأما الثانية فهي سياسية حيث ترتكز الدولة في إيران في تعاملها مع أبناء الشعوب غير الفارسية على القهر والتمييز وسياسة حرمان الشعوب من حقوقهم، والنظر لهم بنظرة مواطنين من الدرجة الثانية.

ولّدت هذه القضية لدى الشعوب غير الفارسية في الداخل حالة الابتعاد عن الانتماء للدولة التي يعيش فيها الفرد، والاتجاه نحو تنظيم الذات لتكتل لا ينصهر بتوجه الحكومة، ومن يمثل هذا التوجه الحكومي الذي عرف بنزعته الاتجاهية نحو صهر هذه الشعوب في بوتقة العنصر الفارسي والمذهب الشيعي الموالي لولاية الفقيه.

أما القضية الأخرى التي باتت تؤرق السلطة من قضايا الشعوب غير الفارسية، فهي تتعلق بالتضاريس الجغرافية والفضاءات المحيطة والبيئة الحاضنة بمناطق تلك الشعوب. وغالبًا ما تكون بالقرب من الحدود الإيرانية مع الدول الأخرى مثل باكستان والعراق ودول الخليج العربي، ومع مرور الزمن أصبحت منطقة ترانزيت لتجار المخدرات والتهريب وتجفيف الأنهر، وتدمير البيئة لجعلها غير ملائمة للعيش كي يتسنى للنظام تنفيذ خطته القاضية بصهر الشعوب في بوتقة السياسة الاحتلالية.

لمعالجة قضية الشعوب في إيران، يجب على دول العالم وضع حد لطموحات النظام الاستعلائية تجاه الشعوب غير الفارسية في إيران، وكبح جماح الملالي لكي يعترف بمطالب الشعوب، والحد من الصراعات والانقسامات العرقية والقومية على المستويين المحلي والإقليمي. وللوصول إلى هذا المبتغى الذي يتطلب وقتًا غير محدد، يجب فيه الاستثمار طويل الأمد كي يتسنى قطف ثماره في أمد ما.