الإرهاب في النقاش الفلسفي الفهم والثغرات


يتطرق الكتاب إلى النقاشات الفلسفية اليسارية الغربية المعاصرة حول الإرهاب، في ضوء التحوّلات العالمية الراهنة، أولاً؛ والهجمات الإرهابية التي شهدها القرن الحادي والعشرون، ثانياً. يُلاحظ أنّ الخلاصات التي خرجت بها النظريات الفلسفية المفسرة للإرهاب، هشّة وضعيفة، وليست متصلة بواقع الظاهرة وجوهرها، وطبقاتها العميقة. توحدت المواقف الفلسفية الرافضة للإرهاب، لكنّها في سياق بحثها عن فهمه، وقعت فيما يمكن وصفه -بقدرٍ من التحامل- قد يرقى إلى التبرير، دون قصد أو وعي. ليس من شكٍّ أنّ الفلسفة في جوهرها نفيٌ للعنف، ودفع نحو الكونية وإثارة دائمة للأسئلة حول الوجود والإنسان.


تم النشر في: August 2020


front164

قائمة الفصول


# اسم الكتاب
1 الإرهاب ودوافعه.. كيف يضللنا فهمه؟
2 جاك دريدا: التفسير الفلسفي للإرهاب
3 جان بودريار.. في سبيل فكر ما بعد الإرهاب
4 إدغار موران وتفسير الإرهاب: تشريح وتفكيك المولدات
5 هجمات باريس 2015: تفسير زمنية الإرهاب ورمزيته
6 حنّة أرندت والتفسير الفلسفي لــ«الشمولية» والعنف
7 الإرهاب في السجال الفلسفي الألماني المعاصر: تحليل يورغن هابرماس
8 الفيلسوفة الأمريكية جوديث باتلر: نقد العنف والإرهاب
9 الأصولية الإسلامية في قراءة سلافوي جيجك
10 مقاربات عربية في تشريح الإرهاب
11 جدل الإرهاب وما بعد الحداثة
12 داعش في زمن جائحة كورونا: تحديات راهنة وآفاق مستقبلية

شرح الكتاب


ملخص بحوث العدد 164

الإرهاب في النقاش الفلسفي: الفهم والثغرات

أغسطس (آب) 2020

دبي

يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «الإرهاب في النقاش الفلسفي: الفهم والثغرات» (الكتاب الرابع والستون بعد المئة، أغسطس (آب) 2020) أطروحات بعض الفلاسفة الغربيين حول الظاهرة الإرهابية المعاصرة؛ وتصدعات تفسيراتهم لها.

تعرض الدراسات للنقاشات الفلسفية الأوروبية والأميركية؛ وتجلياتها العربية، في قراءة الإرهاب، محاولةً تفكيكه وفهمه. من بين الفلاسفة الذين دُرِسوا: جاك دريدا (Jacques Derrida)، وجان بودريار (Jean Baudrillard)، وإدغار موران (Edgar Morin)، وحنة أرندت (Hannah Arendt)، ويورغن هابرماس (Jürgen Habermas)، وجوديث بتلر (Judith Butler)، وسلافوي جيجك (Slavoj Žižek).

الإرهاب ودوافعه.. كيف يضللنا فهمه؟

تناول الباحث السوداني عمر البشير الترابي - رئيس تحرير مركز المسبار للدراسات والبحوث- السِّجال القانوني والسياسي الدائر حول تعريف الإرهاب، محاولاً رسم حقله الدلالي، ويدرس الحاجة إلى تعريف للإرهاب، مبيناً العوائق السياسية أمام التعريف، مستعرضا تعريف الاتفاقية العربية للإرهاب، وشارحاً عناصر التعريف والمفاهيم ذات الصلة بالإرهاب ودوافع الإرهاب وخطه الزمني، وأسبابه. كما يتناول آليات معالجته، ويجري تمييزاً بين الفعل الإرهابي والتمرد والثورة والمقاومة.

تعرض الدراسة لنظريات سياسية وقانونية عدة في المجالين الغربي والعربي، وتدرس قضايا وإشكاليات الإرهاب والعنف في سياقها التاريخي والمعاصر، وتحاول وضع تسلسل زمني لموجات الإرهاب التي شهدها العالم.

يخلص الباحث إلى أن إضافة الإرهاب الحديث إلى فكرة التمرد، ومنافاة الدولة ومعاداتها، ورفض التضابط الاجتماعي، يُعد فكرةً حركية تتغذى من معين فكري يشترك فيه كثيرون، ولكنّها تصب كل هذا في مصبٍ واحد، يمكن الإمساك به بسهولة: فهي ضد الدولة بإطلاق، وضد التسامح بتمام، ودعوة للقتال المفتوح، أما ما يغيب فهو إرادة تبرير هذا التطرف التي لا تنتهي، لدى المتطرفين: إسلامويين، ويسارويين، يستغلون الثغرات التي ينتجها إهمال تعريف الإرهاب، وإغفال شروطه، والتعامي عن العلامات، والتغاضي عن المخرجات!

جاك دريدا: التفسير الفلسفي للإرهاب

ترى كريستين بونارد، الأكاديمية والباحثة الفرنسية في جامعة كوت دازور بفرنسا، أنه بعد مرور ستة عشرة سنة على وفاة دريدا (ت2004)، يظهر الإرهاب كعلامة، كعرض للأزمة الحاسمة التي تعرفها السيادة باعتبارها عقلاً معولماً في هيئة الليبرالية الجديدة (Néo Libéralisme)؛ لأن السلطة في وصفها تكنولوجية- سياسية- إعلامية، تتجسد اليوم على نحو أنموذجي في الهندسة الجينية (Le Génie Génétique)، في العلوم التقنية الرقمية الممثلة في الشاشات وفي غوغل، وآبل والفيسبوك وأمازون ومايكروسوفت (GAFAM)، وتدمير الطبيعة، هي أيضاً السلطة الفعلية، والعنف الفعلي، والإرهاب الفعلي.

يغدو من الضروري حينها التفلت من هذه الدائرة المجنونة من السيادة والسيادة المضادة، لصالح الدائرة الفاضلة لمتطلب إيتيقي يضع في المنظور المسائل التى تخص المواطنين، متحمليّ مسؤولية إدارة العيش معاً في الديمقراطية. وهذا يؤدي إلى التفكر على نحو مشترك في الاهتمامات الكبرى في الحياة، فقدان الحس المشترك، السلطات الشمولية، والأزمات، الأنظمة الاقتصادية والرهانات المناخية، السياسية، وبالتأكيد الإرهاب.

في لحظة حيث -ولأول مرة في تاريخها- تجد البشرية نفسها موصولة ببعضها بعضاً، ولكنها –وللمفارقة- عاجزة عن تنمية وعي مشترك وشامل. يقترح دريدا، في النهاية، التفكير في ما هو مشترك، في ما نحن مدينون به، بمثابة واجب بإزاء الكل. ديمقراطية مستقبلية، دائماً في طور البناء. وهذا لا يتحقق إلا بمساعدة عدالة متصورة في غير وجه التسامح، أي موقف الغالب، مجرد حق للأقوى، ولكن كقيمة أرقى للغاية من الحق، ضيافة غير مشروطة ترقى بكل بشري إلى رتبة الفرادة، إلى مقام حيث لا يمكن استبداله، خارج عن أي حكم بالغيرية. «يغريني أن أطلق لفظ فيلسوف، في المستقبل، على أي شخص يفكر بطريقة مسؤولة في هذه المسائل ويحاسب أولئك المكلفين بالكلام العمومي، باللغة ومؤسسات القانون الدولي».

جان بودريار.. في سبيل فكر ما بعد الإرهاب

تسعى دراسة شارلي غاليبرت، أستاذ الفلسفة والأنثروبولوجيا في جامعة كوت دازور بفرنسا، لاستجلاء أهم العناصر الفلسفية التي انطلق منها بودريار في تحليله لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 والإرهاب الناتج عن زمن ما بعد الحداثة. حيث يرى أن بودريار محقاً؛ فالإرهاب ليس قضية مواجهة -حتى ولو كانت حضارية- ولكن الإبانة عن «عولمة ظافرة في خصام مع نفسها». حيث أدرك بودريار، على الوجه الأكمل، الطابع الذي لا يمكن إدراكه للإرهاب المرتقب. واستحالة المواجهة تلخصها على هذا النحو، الصيغة الآتية: «كل القوة المرئية لا تستطيع شيئاً ضد الموت البسيط، ولكن الرمزي، لبعض الأفراد». فالمواجهة، لذلك خاسرة سلفاً: فماذا بإمكان هذه البُنية المنظمة المؤسسة على التحكم العقلاني في الواقع، التي هي الدولة، أن تفعل في مواجهة المنظمات أو الأفراد الراغبين: «نقل الصراع إلى الدائرة الرمزية، حيث القاعدة هي التحدي، والارتداد والمزايدة». أصبح العالم بودريارياً.

لم يعد الإرهاب ضرورياً ولا مفيداً في نظام قد أدمجه داخله. ويرى بودريارد أنه في "مواجهة الرقمية والصور" المُعممة للبربرية، سواء كانت دينية أم سياسية أم تكنولوجية، التي باتت قدرنا، كيف لنا تصور مآل نهاية العالم الذي أصبح واقعاً فائقاً، ومآل محاكاة رعب نهاية الأزمنة، والذي أصبح رعباً للمحاكاة، إلا في حال وجود واحد آخر قد جرى تخيله وكتابته بواسطة وفي نظام يتضمن النظام المضاد والنظام المعادي وإمكانية الخروج منه، وإلا بواسطة شيء لا يمكن تخيله يبقى علينا أن نجده، متابعة لهذا المفكر المهتم بما لا يمكن إدراكه وغير المعقول، الذي كان عليه بودريار.

إدغار موران وتفسير الإرهاب: تشريح وتفكيك المولدات

يرى زهير الخويلدي، أستاذ وكاتب فلسفي وباحث أكاديمي في الجامعة التونسية، أن الفيلسوف الفرنسي إدغار موران حمّل الهمجية التي اتسمت بها الثقافة الأوروبية في العصر الحديدي الكوكبي جميع المآسي التي لحقت بالعالم، وخصوصاً الحروب والاستعباد والاستعمار والتمييز العنصري، الناتج عن التمركز وحب التملك والاستحواذ على الرموز، وإرادة التحكم في الكون، والهيمنة على بقية الشعوب، وأقر بضرورة ربط الماضي والحاضر والمستقبل، واعتبر القرن العشرين قرن الأزمات والاحتضار للضرر الفادح الذي أصاب الثقافة والقيم والدولة والعائلة والحياة الحضرية والقروية والإنسانية جمعاء، وبروز تلازم طردي بين التقدم والتقهقر، وقد أدى ذلك إلى فقدان الماضي وخسارة الحاضر وضياع المستقبل.

حول هذا الموضوع يصرح موران قائلاً: «إننا لا ندري ما إذا كان كل شيء قد انتهى، أو أن لا شيء قد تم. لا وجود ليقين، وبالخصوص لا وجود ليقين بالنسبة للأفضل، لكن أيضاً بالنسبة للأسوأ. وفي الليل وفي الضباب يجب علينا أن نراهن». بيد أن موران دعا إلى ولادة جديدة عن طريق الإيمان بشرعية التطلعات الشبابية نحو التغيير الاجتماعي والإصلاح الفكري، والجهد النضالي للتحرر، وإعادة تشغيل فكرة الثورة التي تم تدجينها وتتفيهها بواسطة التجارب الشمولية والرأسمالية، عندما بدأ البعض ينادي بحتمية نهاية التاريخ، ويتبنى فكرة الحل الأقصى.

طالب موران بالقيام بإصلاح المثقفين، وذلك عن طريق تصحيح الأدوار التاريخية التي يقومون بها في مجتمعاتهم، وفسح المجال أمامهم لكي يعملوا على تشييد الهوية الكوكبية، ونحت المصير وبناء الوعي المدني وتحفيز الإرادات، وشحذ العقول نحو القيام بالثورة الثقافية والتغيير الجذري للذهنيات، والتخلص من الكثير من الأوهام والأخطاء التي تم ارتكابها، والوقوع فيها على طول القرن العشرين. لم يتوقف موران عند وصف الظاهرة العنفية وتحديد مفهومها وشرح أسبابها بصورة ميتافيزيقية، ولكنه تعدى ذلك نحو تشريح الظاهرة وتفكيك المولدات التي تقف وراءها والاستتباعات التي تنجر عنها، وبحث في الشروط التي تحد منها والطرق الكفيلة بمقاومتها، ونبه إلى أهمية نشر الفعل الإيكولوجي والديمقراطية.

هجمات باريس 2015 : تفسير زمنية الإرهاب ورمزيته

يرى سريل بريت، فيلسوف فرنسي وباحث متخصص في الشؤون الجيوسياسية، أن الجدل في تفسيرات زمنية الإرهاب ورمزيته كان على قدر من الأهمية لدرجة أن السلطات العامة في فرنسا خلال هجمات باريس الإرهابية عام 2015، رغبت في إدراج أعمالها بإطار حربي. وبالطبع فإن تعبير «حرب» يُستخدم لحشد الجماعة الوطنية. وبالتأكيد، فداحة العنف تعيد إلى الأذهان على نحو متزايد أننا في ساحة معركة وليس في مجتمع يعيش في سلم.

يرى الباحث أن إعلان «الحرب على الإرهاب» بحجة أن التفجيرات هي «أعمال حرب» يحمل أخطاراً واضحة على محاربة الإرهاب. فتشبيه الإرهاب بالحرب، يعني أن نضفي على المجموعات الإرهابية الوضع الذي تطمح إليه: أي في كونها لاعباً سياسياً دولياً، في وضع يمكن مقارنته بذلك الخاص بدولة. فالخطر جليّ كما يراها الباحث: فالشبكات الإجرامية، مهما كانت عنيفة، لا يمكن تشبيهها بدولة، دون إضفاء الشرعية عليها في عيون قسم من الرأي العام، بسبب هذا العمل. فالخطر مضاعف حين يتعلق الأمر بـ«داعش». فالتنظيم ولد، تحديداً، من رغبة في التفوق على «القاعدة» في المشهد الدولي: بخلق شبه دولة على أجزاء من أراضي سوريا والعراق، حيث لم تعد الدولة مُحتكِرة للعنف الشرعي، وحاول «داعش» أن يتظاهر بما ليس عليه، أنه فاعل ذو سيادة في العلاقات الدولية. وأكثر من ذلك يتساءل بريت: أين نقطة المقارنة الممكنة بين خط الجبهة الذي يتواجه فيه عناصر جيش مسلحين في ميدان المعركة، وإطلاق النار على مدنيين عُزل في شوارع مدينة يسود فيها السلام. إن 13 نوفمبر (تشرين الثاني)، هو مجزرة بحق، وليس مشاهد حرب ثكلت شوارع العاصمة.

حنّة أرندت والتفسير الفلسفي لـــ «الشمولية » والعنف

يلقي جوزيف خوري، باحث لبناني في فلسفة الدين والتعددية الثقافية والدينية، الضوء على مقاربة أرندت للإرهاب النازي، متوقفاً في قسمٍ أوّل من دراسته عند بُعدِه الأيديولوجي العنصري المتعلّق بالدعاية الشموليّة، وفي قسمٍ ثانٍ عند انعكاساته العمليّة الحتميّة المرعبة من خلال البوليس السرّي ومعتقلات الإبادة. وفي القسم الثالث يدرس تنظيراتها حنّة أرندت حول العنف.

يشير الباحث إلى أنّ مقاربة حنّة أرندت للإرهاب الشمولي لم تنتهِ صلاحيّتها، فالفكر النازي ليسَ محصورًا بزمان ومكان معيّنين، بل هو نزعة انحرافيّة مدمّرة للإنسان قائمة دومًا في البشريّة، كما الفكر الإنساني المقاوم لها. صحيح أنّها هُزِمت وزالت من الوجود في شكلها المباشر، لكنّ روحها لم تختفِ يوماً من التاريخ، بل تحاول باستمرار أن تتقمّصه بأشكال متجدّدة من خلال بعض المجموعات والسياسات داخل الدول وخارجها. فالتعامل مع الإنسان باعتباره شيئًا مجرّدًا من المعنى ما زال يطبع بقوّة الزمن الحاضر وفي المجالات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، ومعتقل أوشفتز الذي يستعيد العالم ذكراه المرعبة الخامسة والسبعين، يتوارثه أحفاده بأسماء مختلفة في أكثر من مكان.

إنّ تشتيتَ الناس وفصْلهم عن بعضهم البعض على أسس عرقيّة أو دينيّة أو اقتصاديّة أو مرَضيّة، شكّل القاعدة الثابتة للشرّ والإرهاب منذ بدايات البشريّة مرورًا بالنازية وما بعدها. ولا ننسى في هذا الإطار أنّ كلمة الشيطان في اللغة اليونانيّة القديمة تعني الذي يقسم أو يفرّق. ويختتم دراسته بأن الاستبداد والفقر والنرجسية القومية والعرقية والدينية، تنتج الإرهاب بكل أنماطه وأشكاله، وتتغذى الأيديولوجيات الفاشية الهدامة التي عرفها التاريخ المعاصر من عوامل كثيرة. إن النظام الشمولي الذي درسته حنة أرندت في نسخته النازية، طبع القرن العشرين وترك ندبة وجرحاً في جبين الإنسانية.

الإرهاب في السجال الفلسفي الألماني المعاصر: تحليل يورغن هابرماس

يدرس رضوان السيد، أكاديمي وكاتب لبناني متخصص في الدراسات الإسلامية، تمايز الإرهاب عن أنواع وأشكال العنف الأُخرى، ويشرح إرهاصات التفسيرات السوسيولوجية والفلسفية له، ويستعرض النظرية التواصلية عن الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس، ويفرق بينها وبين النظرية الأخلاقية الكانطية، معتبراً أنه نتاج العقل المتعالي، عقل الواجب، بينما تعالج الفاعلية التواصلية الحقيقة بين الأفراد بوصفها سيرورة للبرهان والمحاججة، من منطلق القضايا اللغوية المتبادلة بينهما فلا يقرّ لها معنى إلاّ بتحققها، وتالياً لا تستقيم الحقيقة دون تقديم البرهان عليها. إذ هي التي تتم إذا توصل الفرقاء إلى اتفاقٍ دائمٍ على شروط اللغة المعيارية.

وهكذا فإنّ هابرماس حافظ على القواعد الكبرى للأخلاق الكانطية. لكنه يقترح أن يجعل تأسيس المعايير الأخلاقية على «مبدأ البينذاتية» ، وهو مبدأ يجعل المعايير الأخلاقية مؤسسة على أخلاق المناقشة.

يشير السيد إلى إلى أن هابرماس ينضوي ضمن تيار المنظّرة السياسية الألمانية حنة آرندت، فعلى غرارها ينظر إلى الالتزام السياسي على أنه مرتبطٌ بالتزامه الفلسفي. فكلاهما يعتنق الفلسفة ويتصدى لمشكلاتها ضمن سياق جراح تاريخ أوروبا في القرن العشرين، أي النزعة الاستعمارية. وليس بالوسع التخيل أن تصير جريمة سبتمبر (أيلول) 2001 فعلاً سياسياً مفهوماً أو مقبولاً. على أي حال، فهابرماس يعتبر قرار الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بالدعوة إلى حربٍ على الإرهاب خطأً جدياً على المستويين المعياري والبراغماتي. وهي إضافةً إلى أنها تساعد تنظيم القاعدة وغيرها بشكلٍ ما، فهي من جهةٍ أُخرى غير مقنعة باعتبارها دفاعاً، وتوشك أن تُنسي الفعل الشنيع وغير الأخلاقي.

ويخلص السيد إلى أنه لا ينبغي أن يُفهم هذا باعتباره تقليلاً من هول الجريمة المرتكبة. فقد لاحظ هابرماس أنّ حدث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ربما كان قد أنهى مصطلح «الفعل التواصلي» الذي طوَّره في نظريته أو أنه فقد اعتباره كلياً.

الفيلسوفة الأمريكية جوديث باتلر: نقد العنف والإرهاب

تناول بابلو آرغاراتي، أستاذ جامعي ورئيس معهد اللاهوت المسكوني والأرثوذكسية الشرقية والآبائية في جامعة كارل فرانتس بالنمسا، في بداية دراسته موضوع العنف وتمثلاته الفلسفية والسياسية، ثم استعرض أبرز أعمال جوديث باتلر(Judith Butler).

يلفت الباحث إلى أنه منذ أعمالها المُبكّرة الأولى التي ميّزت فيها بين الجنس والجندر، شدّدت المُنظِّرَة والفيلسوفة الأمريكية الذائعة الصيت باتلر على الطابع التمثيلي للجندر، والدور الذي تؤديه المعياريَّة في ذلك التمثيل. وبذا، يبرز الجندر بوصفه منظومة ثقافية، فيكون ناتجًا من التأكيد الطقوسي للقيم.

وفي رؤاها، تحدّت باتلر السرديّات البيولوجية عن ثنائية الجنس، وكذلك الطابع البطريركي والمواقف النسوية السياسية. إذا كان الجنس تمثيلًا، تكون الهوية مسألة حرية. من جهة أخرى، وبالإشارة إلى المعياريّة، أبرزت باتلر العنف المفروض من الخارج، مبديةً تأييدها لحركات المثليّة الجنسيّة (السُحاق واللواط). في ذلك المعنى، يتّخذ العنف مكانة مهمة في كتاباتها المبكّرة عن الجندر. وقد قفز العنف والقضايا السياسية العريضة، إلى المقدمة منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

يخلص آرغاراتي إلى أن باتلر استهلت بحوثها مع نظرية الجندر وحققت اختراقًا في تمييزها بين الجنس والجندر استنادًا إلى الطابع الأدائي للأخير. ثم ابتدأت في التركيز على العنف بالطريقة التي يؤدى بها كمعيار اجتماعي. وفي أعقاب 11 سبتمبر (أيلول) 2001، عملت على تعميق تلك البؤرة من التفكير، بتركيزها على الأسئلة السياسية، خصوصًا بشأن العنف الممنهج الذي يتضمن العنف الجسدي لكنه يتعداه. إذ يستند ذلك العنف الممنهج على تمييز جذري في القيمة، بين حياة أولئك الذين يشبهوننا «نحن»، وبين حياة من يكون «الآخر»، فلا يحسب لها حساب.

يقول الباحث إن أولئك «الآخرين» الذين لا تنطبق عليهم معاييرنا، يُفهمون ويرتسمون باعتبارهم «الآخر»، والتهديد الذي يتوجب حمايتنا وتأميننا منه. يبرز في تلك الحرب من أجل الأمن، الدلالة التي تحملها سلطة تعريف وتسمية ما يكون عنفًا، وما يكون إرهابًا. وبذا، توصم المُغايرة والمقاومة بالعنف أو العنف المُضاد، ما يحتاج إلى تحويله معيارًا مِنْ قِبَل الدولة. ويقودنا ذلك إلى سؤال أول عن مصدر العنف في المجتمع، وسؤال ثانٍ عن إمكانية تبرير العنف وشرعنته. حتى لو بدا أن مروحة الطيف السياسي بأكملها تبرّر ولو بعض الاستعمال للعنف في الأقل، بشكل رئيس ما يُسمّى دفاعًا عن الذات؛ إلا أن باتلر تحاج لمصلحة قضية اللاعنف، استنادًا إلى مصادر مختلفة، خصوصًا إيمانويل لفيناس وإصراره على أصالة الصلة بين تكوين ذات الفرد من جهة، والآخر من الجهة الأخرى؛ وكذلك أصالة الاعتماد المتبادل بين الكائنات الإنسانية وتضامنها مع بعضها بعضًا. بذا، يكون اللاعنف مقاومة شرسة للامساواة الجذرية، وتأكيدًا أن كل حياة تحتسب ويعتد بها.

الأصولية الإسلامية في قراءة سلافوي جيجك

يبحث جميل خضر، الباحث والأكاديمي بجامعة بيت لحم في فلسطين، الأصولية الإسلامية في قراءة سلافوي جيجك، الذي يرى أن الفيلسوف السلوفيني وضع في أعماله تفسيراً ماديًّا جدليًّا استفزازيًّا للإسلام بوصفه الدين الأكثر تسييساً اليوم، عارضاً حلولاً مختلفة لحسم الجمود في مداخلة هيغل عن الإسلام، دون الوقوع في فخ الخطابات الاستشراقية أو المتمركزة حول أوروبا أو المعادية للإسلام.

يرى الباحث أن جيجك أصرّ من ناحية على إبقاء الإسلام منفتحاً على إعادة التسمية، لأن استخداماته السياسية لا تزال غامضة (جماعات أصولية، اشتراكية، تسيطر عليها الدولة، معادية للدولة، وسواها). من ناحية أخرى، زعم جيجك أن عالمية الإسلام الحقيقية، كما قال في حالة مالكوم إكس (1925-1965)، يمكن أن تتيح للمضطهدين إمكانية إعادة ابتكار أنفسهم وتشكيل هوية جديدة وأكثر عالمية من الشكل الغربي المهيمن للعالمية المحايدة والمجردة. مع ذلك، يمكن إضفاء طابع سياسي أكثر إنتاجية على عالمية الإسلام وإرثه التحرّري، بمواءمته مع نظرية جيجك الراديكالية ورؤيته لعالمية جديدة، يشير إليها باسم «عالمية ملموسة». وفي الاختيار بين «الأب أو ما هو أسوأ»، رفض الإسلام الأب، بتعليق السلطة الأبوية. غير أن الإسلام لم يصدّق على «الأسوأ» تماماً، أو ما تبقى من النظام الرمزي. وسيكون من المهم استرجاع الأنوثة المنكرة في الإيماءة التأسيسية المكبوتة للإسلام بمثابة أساس لنفي الوهم بأن الآخر الكبير يمكن أن يضمن هوية المرء. وبهذا المعنى يصبح في وسع المسلمين اختيار «الأسوأ» وربط نضالاتهم بنضالات «الأسوأ حالا»، تلك المجتمعات ذات الفائض البشري الذي يمكن التخلّص منه، في نضال مشترك في النظام الرأسمالي العالمي في كل أنحاء العالم.

مقاربات عربية في تشريح الإرهاب

يدرس عفيف عثمان، أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية، مقاربات عربية في تشريح الإرهاب، وترمي الدراسة إلى استكناه موقف مُشتغلَيْن بالفلسفة من هذه الظاهرة العنفية هما: علي حرب، وأدونيس العكرة. إذ عاين الأول الإرهاب الجديد في أنموذجه الأبرز، وهو الهجوم على برجيّ التجارة العالميين في الولايات المتحدة عام 2001، أما الثاني فقد فحص الإرهاب السياسي الذي انتشر وعمّ في السبعينيات من القرن العشرين المنصرم، وحاول تتبع نشوئه وارتقائه.

خلص الباحث إلى أن بداية الفلسفة وهدفها الأخير هو القضاء على العنف، والفيلسوف الأصيل هو من يبحث ويجد قاعدة للتواصل بين الأفراد، فهو حتى عندما يقوم بصوغ مذهب، فإن ذلك المذهب يكون مفيداً للحوار. كما يمكن أن يشكل نقطة تلاق بين أفراد مشتتين، إن الفيلسوف وهو يتكلم لغة تخصه إنما يبحث عن لغة كونية، وهو بذلك يعد الوسيط الأساسي بين البشر.

جدل الإرهاب وما بعد الحداثة

يقدم حسن مجيد العبيدي، باحث وأكاديمي عراقي، تعريفًا لمصطلحات جدل والإرهاب وما بعد الحداثة، ويرى أن عنوان البحث يشي بإشكالية معرفية ومنطقية، تتأطر بإطار فلسفي قيمي –سياسي.

يقوم هذا البحث بدراسة وتحليل الإرهاب والجدل حوله، من خلال ما طرحته تنظيرات ما بعد الحداثة من آراء فيه، بعد أن أصبح الإرهاب ظاهرة معولمة، أسهمت في قيامه أسباب عدة وغذته مجموعة من العوامل الرئيسة في الغرب والعالم العربي، لا سيما إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 وتوسع خريطة التنظيمات الإسلاموية في الدول المأزومة.

أظهر مسار البحث خلاصات مهمة، كشفت عن كيفية تفسير فلسفة ما بعد الحداثة للإرهاب، بوصفه ظاهرة عابرة وليس أزمة عالمية يمكن أن تنتهي بانتهاء مسبباتها، فالإرهاب عندها له بنى تاريخية ومعرفية ودينية (أصولية) وأخلاقية ونفسية، وهذه البنى ممن حفلت بها السياسة الراهنة اليوم، فضلاً عن العولمة التي ساعدت على تفكيك الهويات الصغرى والإثنيات وطمست معالمها؛ تدفع الجماعات الإسلاموية المنغلقة نحو الإرهاب، بحجة حماية المفهوم الكلي للأصل الديني الذي تنطلق منه تصوراتها حول العالم، طبقاً لفهم انعزالي واقصائي، لاسيما أن الإسلامويين يستندون على تفسير متطرف للنص الديني، كما أن العولمة المدعومة بالإعلام والميديا ووسائل التواصل الاجتماعي ترى في الآخر، ولاسيما دول العالم الثالث، بأنها دول تصلح لأن تكون العولمة نظاماً مناسباً لها لحل مشكلاتها على الصُعد كافة، بإزاء الأيديولوجيات التي تحكمها، سواء أكانت قومية أو وطنية، أو غير ذلك. تعاملت فلسفة ما بعد الحداثة مع الإرهاب بصفته حالة نفسية أو ميتافيزيقية ما ورائية، وهو ما أكده الفيلسوف جاك دريدا في مقابلته مع جيوفانا بورادوري. ولربما في هذا الأمر ما يشكل وجهة نظر تحمل معاني عدة، تتصل بأنماط نظم الحكم ونوع السلطات السياسية التي تحكم السياسات العامة لتلك البلدان، فضلاً عن حضور الديمقراطية وحقوق الإنسان والتسامح والضيافة للأفراد من غير بلدانها في الدول التي تقيم النظم الديمقراطية وتطبق سياسة التسامح على نطاق واسع.

داعش في زمن جائحة كورونا: تحديات راهنة وآفاق مستقبلية

تتضمن دراسة العدد لحسنين توفيق إبراهيم علي، الباحث المصري والأكاديمي في جامعتي زايد والقاهرة، أربعة أقسام. يتناول القسم الأول، تفسير تنظيم داعش لجائحة كورونا من حيث أسبابها، وسبل التعامل معها، وكيفية استغلالها لتعزيز دوره. ويناقش القسم الثاني، مظاهر تصاعد دور التنظيم، وطبيعة التغيير في استراتيجيته وأساليبه، وذلك من خلال رصد وتقييم ملامح أبرز العمليات الإرهابية التي نفذها اعتبارًا من مطلع عام 2020. ويحلل القسم الثالث، بعض تأثيرات جائحة كورونا، وكيف استغلها تنظيم "داعش" لتصعيد عملياته الإرهابية. ويستشرف القسم الرابع، مستقبل التنظيم في ضوء الآثار الكارثية التي خلقتها جائحة كورونا، والتي يحتاج التعافي من بعضها إلى فترة زمنية ليست بالقصيرة.