يقدّم الكتاب التجربة المغربية في التعامل مع التطرف والإرهاب، ببعديها الرسمي والمجتمعي، فيختبر أثر التفاعل الديني المؤسساتي، ويعيد دراسة برنامج المصالحة داخل السجون، ويبحث مواقف الأحزاب السياسية المتباينة من تدبير التطرف، ويقرأ المنتوج الفكري المغربي سواء الذي اضطلعت به المراكز البحثية ومختبرات التفكير، أو الذي قام به المفكرون في رسم مواجهة التطرف العنيف. كما رصد الكتاب تفاعل صنّاع السينما مع الظاهرة، عبر مراحل، ما قبل تفجيرات الدار البيضاء 2003، وبعد ظهور تنظيم داعش عام 2013 الذي نقل الأزمة المغربية إلى خطوط جديدة في مواجهة سفر مجموعة من الشباب إلى مناطق النزاع ثم معالجة مسألة عودة التائبين.
تم النشر في: May 2023
يواصل مركز المسبار للدراسات والبحوث في هذا الكتاب دراسة التجربة المغربية في مكافحة التطرف، ويبني على كتابيه السابقين «السلفيون في دول المغرب العربي» (الكتاب التاسع والأربعون، يناير (كانون الثاني) 2011) و«الإسلام السياسي والتطرف في المغرب 2011 - 2021» (الكتاب السابع والثمانون بعد المئة، يوليو (تموز) 2022)، ويخصص هذا الكتاب؛ لمقاربة تعامل المؤسسات الدينية والقانونية والإصلاحية والحزبية والفكرية والإعلامية والدرامية المغربية مع التطرف والإرهاب، فيختبر أثر التفاعل الديني المؤسساتي، ويعيد دراسة برنامج مصالحة، ويبحث مواقف الأحزاب السياسية من التطرف، ويقرأ المنتوج الفكري المغربي سواء الذي اضطلعت به المراكز البحثية ومختبرات التفكير، أو الذي قام به المفكرون المغاربة في مواجهة التطرف العنيف.
رصد الكتاب التغطية الإعلامية المغربية لملف الإرهاب، وكيفية تفاعل صنّاع السينما مع الظاهرة، عبر مراحل، ما قبل تفجيرات الدار البيضاء 2003، وبعد ظهور تنظيم داعش 2013 الذي نقل الأزمة المغربية إلى خطوط جديدة لسفر مجموعة من الشباب إلى مناطق النزاع.
تمحورت دراسة منتصر حمادة -باحث مغربي متخصص في الحركات الإسلاموية- حول الشق الديني المؤسساتي الخاص بالسياسة العمومية المخصصة لمكافحة التطرف العنيف في المغرب، ومواجهة المخاطر المرتبطة بهذه المعضلة، التي كانت وما زالت موزعة على جبهات أو حقول عدة، من قبيل الجبهة السياسية، وعنوان ذلك إعادة النظر في أداء الحركات الإسلاموية المنخرطة في العمل السياسي، والجبهة الاجتماعية وجبهات أخرى. تناولت دراسته أربعة محاور: أولًا: التفاعل الديني المؤسساتي ومنعطف إعادة الهيكلة، ثانيًا: التفاعل النظري للمؤسسات الدينية مع التطرف العنيف، ثالثًا: مراجعات التفاعل الديني المؤسساتي مع التطرف العنيف، رابعًا: النقد الديني المؤسساتي للتطرف العنيف: ملاحظات نقدية.
يخلص الباحث إلى أن المؤسسات الدينية، تعاملت مع ظاهرة التطرف العنيف في المغرب في محطات عدة، وأنتجت مبادرات عدة، بناءً على تدخل صنّاع القرار الذي اتخذ بداية عنوان "إعادة هيكلة الحقل الديني"، بما في ذلك تبني رؤى ميدانية ونظرية مغايرة في سياق التصدي للتطرف العنيف، قبل المرور لاحقًا من مرحلة مراجعات بخصوص هذه الرؤى، بما أفضى أيضًا إلى أن التجربة المغربية في هذا السياق، أصبحت تحظى بتنويه مجموعة من القوى الإقليمية والدولية، بما يُفسر توصل المغرب ببعض الطلبات من الخارج قصد الاستفادة من خبرته في هذا السياق. وعلى صعيد آخر، اتضح للباحث أن هذه الجوانب الإيجابية في التجربة المغربية ضد التطرف العنيف، لم تخل من بعض النقاط السلبية، أَوْهَنَت أداء بعض الفاعلين في المؤسسات الدينية، من قبيل تأخر الوعي بأهمية مواقع التواصل الاجتماعي، قصد محاربة التجنيد الإلكتروني، إذ كان على المسؤولين في المؤسسات الدينية المعنية الانتباه إلى أهمية الحضور الديني في العالم الرقمي منذ عقد ونيف على الأقل، إلاّ أنه اتضح أن أغلب الفاعلين في هذه المؤسسات الدينية بعيدون عن العالم الرقمي، ومتأخرون في التفاعل الإيجابي والنوعي مع الخطاب الإسلامي المتطرف والمتشدد في مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بالرغم من الإمكانيات المتوافرة، والضوء السياسي الأخضر الذي أمامها من أجل العمل الرقمي مما جعل الفكر المقابل يملأ هذا الفراغ، ويستغل هذا التأخر في ولوج العالم الرقمي. ولكن الشاهد هنا أن هناك وعيًا متصاعدًا بتلك النقاط قصد استدراكها وتثمين تجربة أصبحت رائدة بشكل أو بآخر إقليميًّا على الأقل.
تركزت دراسة عبدالله الشرقاوي -باحث قانوني مغربي- على قوانين مكافحة الإرهاب في المغرب، الصادرة بعد أحداث الدار البيضاء سنة 2003، حيث أُقرت في 28 مايو (أيار) 2003، فرصدت نماذج مختارة من محاكمات المعتقلين الإرهابيين وخلفياتهم وكيفية التعامل معهم في المحاكم المغربية، وما طرح خلالها من سِجال قانوني حولهم.
جاءت دراسته في ستة محاور: أولًا: تكييف الجرائم الإرهابية في القانون المغربي، ثانيًا: نماذج من محاكمات الإرهابيين، ثالثًا: سِجال قانوني وفقهي، رابعًا: المتهمون بالإرهاب: شباب وأميّون، خامسًا: الإرهابيون والسلفيون... حدود التقاطع العقائدي، سادسًا: المحكومون في الجرائم الإرهابية.
يلفت فيها إلى أن الظاهرة الإرهابية بالمغرب لم تبدأ مع الأحداث المفجعة بمدينة الدار البيضاء سنة 2003؛ وإنما سبقتها؛ إذ أكد وزير العدل الأسبق محمد بوزوبع أن تقديم مشروع قانون مكافحة الإرهاب كان بناء على ارتكاب جرائم لم تكن في مستوى البشاعة والشناعة التي عرفتها أحداث 16 مايو (أيار) 2003 بالدار البيضاء، مشيرًا إلى الأحداث الإرهابية لفندق «أطلس أسني» في أغسطس (آب) 1994، واعتقال أفراد من خلية تابعة لتنظيم «القاعدة» أواسط سنة 2002، وغيرها.
لافتًا إلى أن عددًا من المحامين طرحوا خلال جلسات محاكمة المتهمين الذين التحقوا ببؤر التوتر، خصوصًا بالساحة العراقية -السورية السند القانوني لمتابعة موكليهم، خصوصًا أنه ليست هناك جهة مشتكية، أو متضررة، بل إن الأفعال الجُرمية، إن ثبت ارتكابها، فإنها تمت خارج أرض الوطن. وفي هذا الخضم جاء مشروع القانون رقم (86.14) المتعلق بتجريم الالتحاق، أو محاولة الالتحاق، بشكل فردي أو جماعي، في إطار منظم أو غير منظم، أو جماعات إرهابية، ولو كانت الأفعال الإرهابية لا تستهدف الإضرار بالمملكة المغربية.
سعت دراسة لمياء العمراني -باحثة مغربية في العلوم السياسية- إلى مساءلة مشروع المصالحة السياسية وضمنها برنامج "مصالحة" بين الدولة والمعتقلين المتطرفين بالمغرب، وتحققت من مدى وصوله لأهدافه بالدفع بفئة عريضة من أقطاب الجهادوية نحو تغيير أفكارها المتطرفة، وقبولها بقواعد اللعبة الديمقراطية من خلال إقبالها على الانخراط في العمل السياسي والمدني. تعتمد الدراسة على محورين أساسيين، يروم الأول تقديم قراءة في مسار مشروع المصالحة السياسية بين الدولة ومعتقلي التطرف؛ ويهدف الثاني إلى التعرف على مضمون برنامج "مصالحة" وأبعاده، ويجري تقييمًا أوليًا لهذه التجربة من خلال عرض رؤية كل من المعتقلين والدولة لمآلات ونتائج برنامج "مصالحة".
لفتت الباحثة إلى أن علاقة الدولة المغربية بالتيار المتشدد عرفت تحولات عديدة منذ بداية تشكله، لكن التحول المفصلي كان بعد الأحداث الإرهابية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء بتاريخ 16 مايو (أيار) 2003، وخلفت وراءها خسائر بشرية، وزرعت الخوف في وسط صفوف الشعب المغربي، لا سيما وأن المملكة المغربية كانت في منأى عن الأحداث الإرهابية، وشكلت لسنوات طويلة استثناءً في هذا المجال. ومنذ ذلك الوقت عرف ملف محاربة التطرف العنيف في المغرب دينامية للتصدي، بدأت بشن السلطات المغربية حملة اعتقالات واسعة في صفوف المتطرفين، تلا ذلك اعتماد سياسة دينية جديدة تروم محاربة التشدد الديني والحرص على العودة إلى التدين المغربي، المعروف باتجاهه نحو الاعتدال ونبذه للعنف، ثم تبني بعد ذلك مقاربة أمنية استباقية تروم تفكيك عدد كبير من الخلايا الإرهابية وإحباط عملياتها.
تطرقت الدراسة إلى التحولات التي عرفها التيار المتسلفن بالمغرب، بشقيه التقليدي والجهادوي، نتيجة ارتباط نشاط بعض رموزه بظاهرة التطرف العنيف، قد ساهمت بشكل كبير في تغيير أدواره، وفي تشكيل ملامح علاقتها مع السلطة، التي يمكن القول: إنها اتسمت بالتوافق تارة، وبالتوتر والصدام، وبالتصالح تارة أخرى. ومن هنا يبدو أن علاقة الدولة بهذا التيار لم تكن يومًا ثابتة، ولا يمكن التكهن بمستقبلها لأنها ترتبط بمختلف التطورات والتحولات المرتبطة بالتيار المتسلفن من ناحية، وبالتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية من ناحية أخرى.
وهكذا، فإن تتبع سياسة المغرب، في مواجهة التطرف العنيف، يدفعنا إلى القول -كما تؤكد الباحثة-: إنها سياسة متنوعة ومتعددة المداخل، تميزت بتركيزها في البداية على البعد الأمني في محاولة لإمساك زمام الأمور، والتحكم في انتشار الخلايا الإرهابية وإحباط مخططاتها، وذلك في إطار التعامل الأمني الاستباقي مع الفعل الإرهابي، لتعرف بعد ذلك توجهًا نحو إعادة هيكلة الحقل الديني باعتباره مدخلًا أساسيًّا للحد من ظاهرة التطرف، ورفع كل التحديات التي يعرفها مجال الحقل الديني، ولتتوج في الأخير بمشروع المصالحة السياسية بين الدولة ومعتقلي التشدد.
تشير الباحثة إلى أن برنامج «مصالحة» التأهيلي يندرج في هذا الإطار؛ إذ يعتبر تتويجًا للمسار الطويل للمصالحة السياسية بين الدولة والمعتقلين المتطرفين، وتكريسًا لمجهوداتها في هذا الشأن، ونجاحًا كبيرًا للمغرب في مقاربته لملف المتطرفين في السجون، فقد استطاع بذلك أن يخلق نموذجًا تصالحيًّا خاصا به، هدفه الأساسي تسوية هذا الملف بكيفية هادئة، عبر العمل على نزع التطرف داخل السجون، والدفع بالمعتقلين نحو تصحيح مفاهيمهم وأفكارهم، ومنحهم فرصة من بناء حياة جديدة والاندماج في المجتمع، بل وحتى الانخراط في الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية.
رصد هشام الطرشي -باحث وكاتب مغربي في «مركز الأقصى للدراسات والأبحاث» بالمغرب- في دراسته مساهمة الأحزاب السياسية المغربية في الحد من الإرهاب والتطرف العنيف، بتقصِّي المؤشرات وقياس ما تحقق، وتقييم المساهمات النوعية؛ وتشريح الخلفية الأيديولوجية للأحزاب المنخرطة في مواجهة هذه الظاهرة الخطرة.
تتناول الدراسة الجانب السياسي والأمني لنهاية «الاستثناء المغربي» ضد الإرهاب، وتتفحص الأفق السياسي في تدبير المغرب للخطر الإرهابي، متتبعةً الاصطفافات السياسية المتباينة لمقاربات ثلاثة أحزاب: العدالة والتنمية، والنهضة والفضيلة، والأصالة والمعاصرة. وتناول ثلاثة محاور: أولًا: المواجهة الفكرية للتطرّف العنيف، ثانيًا: إرهاب 16 مايو (أيار) 2003 وبداية الإصدارات الفكرية ضد الإرهاب، ثالثًا: القراءة المغربية المضادة للإرهاب.. نماذج مختارة.
تبيّن للباحث أن الأحزاب السياسية المغربية كانت حاضرة في مواجهة الإرهاب والتطرف والعنف؛ لكن هذا الحضور كان نسبيًا لأنه لم يشمل كل الأحزاب السياسية، بقدر ما اقتصر على ثلاثة أحزاب سياسية، هي: حزب العدالة والتنمية الإسلاموي، وحزب النهضة والفضيلة، وهو المنشق عن حزب العدالة والتنمية، وحزب الأصالة والمعاصرة الذي اشتهر في بداية التأسيس بأنه منخرط في مواجهة الجماعات والأحزاب الإسلاموية على أرض الواقع، وعبر العمل الأهلي أو منظمات المجتمع المدني، وهذا ما قام به بالفعل من خلال الأدوار التي كرستها ثلاث منظمات أهلية، توسطت بين الدولة والمعتقلين الإسلاميين في قضايا الإرهاب والتطرف العنيف.
رصدت دراسة ياسين بوشوار -باحث في علم الاجتماع في المعهد الجامعي للدراسات الإفريقية والأورومتوسطية بجامعة محمد الخامس بالرباط- موضوع التطرف العنيف، في أعمال المراكز البحثية المغربية بعد عام 2010، وأدوارها ووظائفها؛ لافتًا إلى ازدياد الاهتمام بها بعد توالي الأحداث الإرهابية في العقدين الأخيرين، نتيجة تنامي الأفكار والاتجاهات المتطرفة في العالم، مما أدى إلى بروز مطالب حقوقية وسياسية واجتماعية، لفهم وتفسير هذه الظاهرة المقلقة، مما ساهم في تنامي اهتمام المختبرات والمؤسسات العلمية البحثية بها، والتي واكبها إنتاج علمي كبير. وتناولت الدراسة ثلاثة محاور: أولًا: المراكز البحثية وقضية التطرّف العنيف: الوظائف والتحدّيات، ثانيًا: خريطة المراكز البحثية في المغرب، ثالثًا: التطرف العنيف في أعمال المراكز البحثية المغربية، ولفتت الدراسة إلى أن المراكز البحثية المغربية، لها وظائف وأدوار متعددة، ولا تنحصر في مواجهة التطرف العنيف، بل ربما تشارك في صناعة القرار السياسي، من خلال أعمالها البحثية وخلاصاتها وتوصياتها ومقترحاتها التوجيهية.
يلاحظ الباحث مدى صعوبة الاشتغال على عملية رصد أعمال المراكز والمؤسسات البحثية في الحالة المغربية، سواء في موضوع التطرف العنيف أو غيره من المواضيع. كما أن التحديات المتراكمة، وغياب الاهتمام بالعنصر البشري والتكنولوجي يعقد أكثر من نجاح هذه العملية. ومهما كانت الانتقادات التي يمكن توجيهها إلى هذه المؤسسات والمراكز، يبقى العمل على تعزيز قدراتها بشكل كافٍ، سواء البشرية، أو اللوجستية أو المادية، أمرًا يبدو ملحًا، فهي تشكل موردًا لا يمكن الاستغناء عنه. ونعيد ونكرر ما افتتحنا به هذه الدراسة؛ أنه ليس هناك مجتمع بلا أفكار، وإنما الفرق يكمن في الإمكانات والقنوات المتوافرة أمام هذه الأفكار للتأثير إيجابًا على المجتمعات وتحقيق التغيير المطلوب. وأنه نظرًا لعدم وجود قاعدة بيانات توفر معطيات دقيقة حول قضايا التطرف العنيف داخل المنجز البحثي المغربي خلال فترة الرصد، فإن استخلاص استنتاجات مؤكدة، يبقى مغامرة كبيرة، خصوصًا أن قضايا التطرف العنيف والإرهاب لطالما فتحت آفاقًا بحثية واعدة، من لدن الباحثين المستقلين عن المؤسسات البحثية والجامعات، والذين يعتبرون الفئة الأكثر نشاطًا وإنتاجية في هذا الصدد. ويرى أنه لذلك، وقبل الحديث عن التطرف العنيف في مراكز الأبحاث والدراسات، يجب تأكيد أن هناك حاجة ملحة ومستعجلة لإيجاد حل لمشكلة هشاشة البيانات المتعلقة بالمؤسسات والمراكز والبحثية، خصوصًا داخل الجامعات والمؤسسات ذات النفع العام، سواء عبر العمل على تطوير قاعدة البيانات «توبقال»، أو تقديم بديل لها.
سعى يوسف شريف الميموني -باحث مغربي في الفلسفة- في دراسته إلى عرض التفاعل الفكري لعدد من الباحثين المغربيين مع ظاهرة الإرهاب والتطرف العنيف، خلال العقود الأخيرة، بعد تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية عام 2003، واختار نماذج من الكتب نقدت تنظيرات الإسلامويين أو تفاعلت معها. جاءت الدراسة في ثلاثة محاور: أولًا: المواجهة الفكرية للتطرّف العنيف، ثانيًا: إرهاب 16 مايو (أيار) 2003 وبداية الإصدارات الفكرية ضد الإرهاب، ثالثًا: القراءة المغربية المضادة للإرهاب.. نماذج مختارة.
على الرغم من التراكم الكمي والنوعي المعرفي لمواجهة الجماعات الإسلاموية التكفيرية، وبالموازاة مع ما كان منتظرًا أن تتطرق إليه الأدبيات الفقهية التي تنتقد التطرف العنيف والصادرة عن المؤسسات الدينية؛ انتظر الرأي العام المغربي ثلاث سنوات بعد اعتداءات الدار البيضاء الإرهابية، لكي يطلع على كتاب كان مرجعيًا في تفكيك جماعات التطرف العنيف بالمغرب. يتعلق الأمر بكتاب «طواغيت الخوارج بالمغرب بين الفتاوى التكفيرية والعمليات الإجرامية الانتحارية»، لمؤلفه الباحث علي بن صالح الغربي، حيث دافع عن تيار السلفية التقليدية أو السلفية العلمية، مقابل نقد السلفية المعتدية بالقتال، وقد خصص الفصل الأول من الكتاب للتعريف بالخوارج وما ورد في حقهم من الأحاديث وأقوال أهل العلم، ثم تبعه باب «الدعوة السلفية واعتقاد السلفيين في حكام المسلمين»، وباب آخر يحمل عنوان «السلفية الجهادية رواية صحفية»، ثم مبحث «المؤسسات الثلاث التي ساهمت في بروز طغاة الخوارج بالمغرب»، وخصَّ بالذكر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية والمجالس العلمية، وزارة الثقافة، ثم صحفًا يصنفها في خانة «التشهير».
يرى الباحث أن هذا التباين بين الحضور الكمي والتواضع النوعي، قد يكون أحد الأسباب التي دفعت عبدالحق الخيام، الرئيس السابق للمكتب المركزي للأبحاث القضائية، لدعوة المفكرين المغاربة إلى تفعيل دورهم في تفكيك التطرف، وذلك في مارس (آذار) 2017 أثناء مشاركته في الندوة «الجهوية والسياسات الأمنية»، منتقدًا غياب المفكر المغربي عن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة فكر التطرف، ومؤكدًا أن السلطات الأمنية تعالج الظاهرة من الناحية الأمنية، لكنها ظاهرة تنبني على أيديولوجية، والأيديولوجية يجب مواجهتها من طرف المفكرين، الذين يجب أن يعودوا إلى الرسالة المنوطة بهم، وهي محاربة جميع الأفكار المتطرفة، التي تزرع الكراهية في نفوس شبابنا.
رصدت دراسة سهيلة الريكي -إعلامية وسياسية، عضو سابق في المكتب السياسي بحزب الأصالة والمعاصرة- أبرز معالم التفاعل الإعلامي المغربي؛ خلال العقدين الأخيرين مع ظاهرة الإرهاب، لا سيما بعد تفجيرات الدار البيضاء في مايو (أيار) 2003، وهو مجال شديد الخصوصية واكبته تفاعلات إعلامية استمرت لسنوات، انعكست تأثيراتها على الخريطة الدينية والسياسية في المغرب. جاءت الدراسة في خمسة محاور: أولًا: المجال الإعلامي قبل تفجيرات الدار البيضاء 2003، ثانيًا: التفجيرات الإرهابية والتفاعلات الإعلامية المتباينة، ثالثًا: التداعيات المباشرة للتعاطي الإعلامي، رابعًا: الخريطة الإعلامية الدينية في المغرب قبل وبعد الاعتداءات الإرهابية، خامسًا: مراجعات المواكبة الإعلامية لقضايا الإرهاب.
تخلص الباحثة إلى أن المواكبة الإعلامية المغربية لقضايا الإرهاب، تعددت بين المواكبة الرسمية والمواكبة المستقلة. وفي المجال الخاص بمواكبة وسائل الإعلام الرسمية، هناك توجهان: يتعلق الأول بتوجه الإعلام العمومي، وهو الذي تضمن أهم المواكبات، وفي مقابل ذلك، هناك إعلام ديني رسمي، كان بعيدًا وغير معني بموضوع المواكبة المباشرة.
إن عدم تعامل الإعلام الديني الرسمي مع قضايا الإرهاب بشكل مباشر ليس مرده عدم اهتمامه به، وإنما لأنه منخرط بشكل غير مباشر في مواجهة الإرهاب من خلال تخصصه أو مهامه التي تقوم على التوجيه والوعظ والتثقيف الديني الذي يدافع عن الثوابت الدينية المغربية.
تطرقت الدراسة إلى المواكبة الإعلامية المستقلة في مواجهة الخطاب الإسلاموي المتشدد، وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت إليها، خصوصًا من صحف «الأحداث المغربية» و«الصباح» و«المغرب اليوم» (Aujourd'hui Le Maroc) الناطقة بالفرنسية، إلا أنها قامت بدور كبير في تلك المواجهة، وساهمت في توعية الرأي العام بقضايا الجماعات الإسلاموية وقضايا التطرف باسم الدين وقضايا الإرهاب.
ترى الباحثة أن أهمية المواكبة الإعلامية تكمن في نداءات وبيانات المنظمات الأهلية، بحيث إنها تتوسط بين هذه المنظمات التوعوية والرأي العام، بخصوص الانتباه إلى القضايا الحساسة الخاصة بخطر الإرهاب والتطرف والعنف.
تناولت الباحثة المغربية آمال الزيتوني، في دراستها حضور التطرف والإرهاب، في السينما المغربية، ورصدت أبرز الإنتاجات السينمائية المغربية، التي عالجت ظاهرة الإرهاب، وقرأت محتواها واقترحت مجموعة من الملاحظات لتطويرها.
تقدم الدراسة تحليلًا سينمائيًا لأفلام: «يا خيل الله» (2012)، و«المغضوب عليهم» (2013)، و«الطريق إلى الجنة» (2019) و«أوليفر بلاك» (Oliver Black) وغيرها. جاءت الدراسة في محورين: أولًا: الإرهاب في السينما المغربية: نماذج مختارة؛ ثانيًا: الإرهاب المغربي بعيون مغربية أقرب إلى العيون الاستشراقية.
خلصت الباحثة إلى أن أغلب الأعمال الدرامية المغربية عن الإرهاب انقسمت بين بعض الأفلام التي استعرضت أسباب هذه الظاهرة، مثل الأسباب الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو الدينية، مقابل فئة ثانية، لم تكن في المستوى المطلوب، لأنها كانت قريبة من القراءة الفنية الأحادية.
أبرزت سهام أبعير -أكاديمية وباحثة مغربية في «مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث» بالرباط- في هذه الدراسة الاستراتيجية المغربية في مكافحة الإرهاب على المستويات الدينية والأمنية والمؤسساتية، وتطرّقت إلى الاستفادة الإفريقية والأوروبية من التجربة المغربية من الناحيتين الأمنية والدينية.
جاءت الدراسة في ثلاثة محاور: أولًا: عناصر الاستراتيجية المغربية في محاربة الإرهاب، ثانيًا: تصدير التجربة المغربية ضد الإرهاب إلى إفريقيا، ثالثًا: اعتماد التجربة المغربية ضد الإرهاب في أوروبا.
خلصت الباحثة إلى أن استراتيجية المغرب في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، أظهرت بأبعادها المتعددة والشاملة نجاحًا إلى حد كبير، وفق مقاربة وقائية واستباقية تجمع بين ما هو أمني يتقاطع فيه الاجتماعي والاقتصادي والتنموي، وبين ما هو ديني روحي يتعدى دور الزوايا والطرق الصوفية التربوي، إلى ما هو مؤسسي ممنهج، يجمع بين رمزية إمارة المؤمنين على المستوى والأوروبي، وبين عمل المؤسسات الدينية الرسمية للحفاظ على ثوابت الأمة وفق سياسة عابرة للحدود، ولضبط الحقل الديني عبر تدبير. وإن هذا النجاح جعل العديد من الشركاء الأفارقة والأوروبيين يعقدون مع المغرب اتفاقيات وبروتوكولات تعاون مشترك، ذات بعد أمني ومخابراتي وقضائي ومالي وسيبراني وديني للحد من ظاهرة الإرهاب. تعاون تلتقي فيه مصالح كل الأطراف، لحفظ أمن الحدود وتجفيف الإرهاب من منابعه، باعتباره يشكل تحديا أمنيًا عابرًا للحدود، خصوصًا في حوض المتوسط ودول غرب إفريقيا والساحل جنوب الصحراء، وإن كان الجانب المستفيد بشكل أكبر هو الجانب الأوروبي الذي نجح في تحويل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتنموية لدول جنوب المتوسط، إلى مخاطر تهدد حدوده تقتضي حلولًا أمنية لمعالجتها. وترى أن استمرار ضبط الأجهزة الأمنية المغربية لخلايا إرهابية، وإلقاء القبض على عناصر تابعة لتنظيمات إرهابية أجنبية؛ وإن كان يأتي ضمن مقاربة أمنية استباقية ووقائية، لكنه يدل على محدودية التدابير الأخرى في تقليص تمدد الفكر المتشدد (الإصلاح الديني والبرامج التنموية)، مما يقتضي مراجعة لمختلف أبعاد الاستراتيجية ومقارباتها ودراسة النتائج والوقوف على الثغرات. وكذلك تجديد الخطاب الديني والانفتاح على تخصصات أخرى تعززه. وخلق فرص اقتصادية وتنموية تسهم في الإقلال من نسب البطالة لتحصين الشباب من الحركات الإرهابية، التي تنشط رقميًا وواقعيًا وتعيد هيكلة نفسها بعد انتكاستها في مناطق عديدة من العالم.
تناولت دراسة العدد للباحث المصري عبدالمنعم علي النفوذ الإيراني في القارة الإفريقية، وحددت أبرز أهدافه وأذرعه والاستراتيجيات التي تعتمدها طهران، التي بات لها خطة نشطة لتعميق وجودها في القارة منذ 1997، عبر نشر التشيع السياسي واللعب على التناقضات والتنافس الإقليمي، ودعم جبهة البوليساريو، وتسليح حركة الشباب الصومالية الإرهابية، والمحاولات الإيرانية الحثيثة لاستنساخ نموذج حزب الله اللبناني في نيجيريا. جاءت الدراسة في أربعة محاور: أولًا: إيران وبدائل التحرك في إفريقيا؛ ثانيًا: إيران وجبهة البوليساريو، ثالثًا: نيجيريا ومساعي استنساخ نموذج حزب الله، رابعًا: إيران وتوظيف "حركة الشباب الصومالية".
أشارت الدراسات إلى أن إفريقيا تُمثل مجالًا وبيئة خصبة للتفاعل من جانب العديد من القوى الإقليمية والدولية، ونطاقًا جاذبًا للتفاعلات العسكرية والاقتصادية، لما تحظى به من أهمية جيوستراتيجية، خصوصًا وأنها تطل على العديد من الممرات الملاحية العالمية؛ فضلًا عن امتلاكها اقتصادات تُعد من بين الأسرع نموًا في العالم، إلى جانب مخزونها الاستراتيجي من الطاقة، وأبرزها منطقة غرب وشرق وشمال إفريقيا، وانطلاقًا من ذلك تستهدف تلك القوى مد نفوذها داخل المناطق الحيوية والاستراتيجية في القارة.
شدد الباحث على أن إيران وطدّت علاقتها بصورة كبيرة بالفاعلين المسلحين داخل البيئة الإفريقية، سواء أكانت جبهات انفصالية أو حركات وكيانات مسلحة ومذهبية، ووظّفت بصورة كبيرة السمات الرئيسة داخل كل نطاق إقليمي في إفريقيا لإقرار وجودها، ما بين التشابك والارتباط المذهبي أو تحالفات الضرورة، وفقًا لتحرك براغماتي مع الجماعات المسلحة (السنية) ذات الأجندة الانفصالية. مشيرًا إلى أن الدعم الإنساني يأتي كمظلة تتحرك من خلالها أذرعها العسكرية، وفي مقدمتها «فيلق القدس» لخلق روابط مع الجماعات الانفصالية والحركات المسلحة، حيث تميل إيران لتكتيك الحرب بالوكالة مستغلة المسرح الإفريقي نطاقًا للمواجهات الممتدة –غير المباشرة– مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وأوراق ضغط ومساومة في معادلة التفاعل مع القوى الغربية.