يدرس مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «الإسلاميون ومنافاة الدولة» (الكتاب السادس والخمسون بعد المئة، ديسمبر (كانون الأول) 2019)، مواقف الإسلام السياسي العدائية من الدولة وأركانها، ويحلِّل أسباب تلوّن الأيديولوجية الإسلامويّة الانقلابية، التي تُعيد ولادة ذاتها تكتيكياً مع الحفاظ على جرثومتها الرافضة للدولة الحديثة والمجتمع: بدينه وقيمه؛ سعياً منها لإنتاج مجتمعها ودولتها الموازيين. غطّت الدراسات كلاً من حركات: مصر والسودان وسوريا والأردن والمغرب وتونس ولبنان وإيران، وسَعَت إلى تحليل الأطر النظرية والعملية المتحكمة بــ«أنظمة الحكم الإسلاموية» وتقلباتها الفكرية.
تم النشر في: December 2019
# | اسم الكتاب |
---|---|
1 | الدولة في رؤية إخوان مصر: الشمولية ومعاداة الحدود الوطنية |
2 | الإسلاميون والدولة في السودان: قراءة في التجربة |
3 | الإخوان والدولة في سوريا: من الصراع إلى الفوضى |
4 | «الدولة» في فكر إخوان الأردن: تغيير الخطاب وثبات الأيديولوجيا |
5 | الدولة في فكر الإسلاميين الإيرانيين |
6 | حزب الله في لبنان: رفض الدولة الوطنية وإنشاء الموازية |
7 | الدولة والإسلاميون في المغرب بين الإدماج والإبعاد |
8 | الإسلام السياسي والدولة الوطنية في تونس |
9 | رؤى منقوصة: كيف يفسر منظرو العلاقات الدولية سلوك الأحزاب العنيفة؟ |
10 | الكتاب: الدولة في فكر الجماعات الإسلامية في المغرب: دراسة حالات |
يدرس مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه مواقف الإسلام السياسي العدائية من الدولة وأركانها، ويحلِّل أسباب تلوّن الأيديولوجية الإسلامويّة الانقلابية، التي تُعيد ولادة ذاتها تكتيكياً مع الحفاظ على جرثومتها الرافضة للدولة الحديثة والمجتمع: بدينه وقيمه؛ سعياً منها لإنتاج مجتمعها ودولتها الموازيين. غطّت الدراسات كلاً من حركات: مصر والسودان وسوريا والأردن والمغرب وتونس ولبنان وإيران، وسَعَت إلى تحليل الأطر النظرية والعملية المتحكمة بــ«أنظمة الحكم الإسلاموية» وتقلباتها الفكرية.
يخلص مصطفى زهران -باحث مصري متخصص في الحركات الإسلامية والتصوف- في دراسته، التي تناولت رؤية الإخوان المسلمين تجاه الدولة ومفهومها، إلى أن البنا مهد الطريق لسيد قطب من خلال جعل جماعته ورؤيته شاملة للإسلام ديناً ودولة، واعتبر الحكم أمراً عقدياً، وجاء قطب بنزعة انقلابية ليجذر تلك المفاهيم بشكل انقلابي في الواقع عبر طرحه مفاهيم الإيمان والكفر، والجاهلية والإسلام، ملخصاً في الحاكمية. وعلى الرغم من حجم الاختلاف بينهما من جهة، والتقاطع بينهما من جهة أخرى، فإنهما مثّلا القاعدة الرئيسة في رفض أنموذج الدولة الحديثة، خصوصاً مع القول: إنها جاءت من رحم الكولونيالية في مشهدها الأخير بالقرن التاسع عشر، مما ساهم في وضع تصورات أساسية وثابتة في اتخاذ موقف عدائي تجاهها. يضيف زهران أن الإشكال القائم سيظل بين الدولة بمفهومها القائم وبمحدداتها التي تعارفت عليها في القانون الدولي والدستوري من جهة، وجماعة الإخوان المسلمين وأطرها الفكرية الرافضة من جهة أخرى، إلى أن يبتلع أحدهما الآخر، وأثبتت التجربة الفعلية للإخوان في الحكم أن التنظيم لا يستطيع أن يبتلع الدولة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ترتدي الدولة ثياب التنظيم، لذا لا يمكن أن تقبل الدولة منازعة الجماعة لها في هذه النقطة على وجه الخصوص.
درس عبده مختار موسى -بروفيسور العلوم السياسية في جامعة أم درمان الإسلامية (السودان)- هذه التجربة التي شمل التعامل معها في إطار نظري، وتطور تاريخي ونظام وسلوك، من الفكرة إلى السيطرة على الدولة، مقدماً نقداً للحركة الإسلامية في السودان، وتقييماً للتجربة بمعايير الفشل ومؤشرات الفساد فيها. كما يسلط الضوء على الدولة الموازية، مشيراً إلى بؤر الخلاف المبكر والتكوين منذ النشأة الأولى للإخوان، فكان الخلاف حول الاسم والانتماء الحركي لجماعة الإخوان المسلمين، والخلاف حول المرحلية والتدرج في العمل الدعوي والسياسي، والخلاف حول العمل بطريقة انتقائية تركز على المثقفين من طلاب ومعلمين وأساتذة جامعات. شرح موسى التطور التاريخي (وتقلبات الاسم) في حركة الإخوان المسلمين في السودان (1949–2019). ويرى أن الحركة الإسلامية في السودان انهارت، وانهار معها الأنموذج بعد أن شوهت التجربة، بل شوهت صورة الإسلام نفسه. فبأخطائها المختلفة (الفشل في إدارة الموارد وتبديدها، الفشل في إدارة التنوع، مقروءاً مع الإقصاء والتهميش والاستعلاء العرقي...) صنعت أزمات داخلية وحروباً عطلت التنمية ودمرت الخدمات وزادت من إفقار الشعب، مقروناً بزيادة الصرف على الحروب وعلى الأمن لحماية بقائها في السلطة، كلها أدت إلى أن يصل السودان إلى وضع الانفجار الذي حدث بثورة شعب ناجحة، قدم فيها تضحيات من خلال حراك سلمي –أنموذج فريد– نال إعجاب كل العالم.
تناول عبدالفتاح نعوم -باحث مغربي في العلوم السياسة- في دراسته الرفض السياسي والأيديولوجي للدولة عند الإخوان المسلمين في سوريا، والمناورات السياسية والخطوات التكتيكية التي يتبعونها، مستعرضاً ملامح الصراع منذ نشأتها وصولا إلى سياقها الراهن في تعزيز العنف والإسهام في الدمار السوري. يرى نعوم أن الخلل في العلاقة بين الإخوان والدولة في سوريا ليس مجرد أثر جانبي أو واقع طارئ، وإنما هو خلل يتصل في جانب مهم منه بالعوامل المؤثرة في طبيعة المشروع الإخواني برمته والمتحكمة في صوغ مضامينه، وهي الناجمة عن رؤية متشنجة لمسألة تأخر العرب والمسلمين قياساً إلى التقدم الغربي، وعن تصور مشوش وماضوي واجتزائي لمسألة الدولة، إن في الواقع التاريخي العربي الإسلامي أو في حيز التنظير السياسي الحديث. وتبعاً لذلك بنى الإخوان المسلمون في سوريا -كما في غيرها من البلدان العربية- تنظيمات محكمة ومثيرة للاهتمام من أجل مشروع سياسي وهمي، وتسبب العاملان سالفا الذكر (العمل المنظم والمشروع الوهمي) في اتسام العلاقة مع الدول ونظم الحكم في سوريا وغيرها بالصراع المتعدد الفصول والأوجه والمستويات، وصولاً إلى حدوث الدمار، الذي أوقع سوريا في معضلة لم تسلم منها لا الدولة ولا تنظيم الإخوان الذي فقد مصداقيته مع مرور الوقت، وظهر بمظهر الطامع في السلطة وحسب، متخلياً بسبب مطامعه تلك عن فرص الإصلاح والدمقرطة في البلاد.
تدرس نادية سعد الدين -كاتبة وباحثة أردنية في العلوم السياسية- في هذه الدراسة مفهوم «الدولة» عند جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وذراعها السياسي: جبهة العمل الإسلامي، من خلال أولاً: تأصيل مفهوم «الدولة» فكرياً عند الجماعة، وثانياً: تبيان «التحولات» التي طرأت على توجهاتها حياله بعد الأحداث والمتغيرات الإقليمية والدولية، الممتدّة منذ عام 2011، أو مرحلة ما يسمى «الربيع العربي»، وثالثاً: تناول مفهوم «الدولة المدنية» عند الجماعة الإخوانية.
ترى سعد الدين أن تداخل «الدعوي» و«السياسي» في عمل الحزب على مدار سنوات شكل صعوبة في تعريف الحدود الفاصلة بينهما. ومع ذلك؛ فإن ثمة التباساً لا يزال قائماً بين الموقف السياسي والفتوى الشرعية، لا سيما مع وجود مجلسي علماء للجماعة والحزب كل على حدة. وإن وجود أجهزة للفتوى الدينية لتأصيل المواقف السياسية يدفع إلى الشك في مدى رسوخ مبدأ «الفصل» أو القناعة به عند جماعة الإخوان، مما يجعل الحديث عنه منحصراً في «الفصل الوظيفي» وضمن «المستوى الإجرائي» فقط من أجل تعزيز العمل المؤسساتي داخل حزب «الجبهة»، وليس «مفاهيمياً» مرتبطاً بدلالات الخطاب والوظيفة والمجال، مما يُفقد هذا المبدأ جزءاً كبيراً من أهميته وقيمته، ويعيق إزالة العقبات أمام الحركة الإسلامية للاندماج الكامل في اللعبة الديمقراطية وديناميكياتها، ويدفع للقول بأن «التحول» الذي تتحدث عنه الحركة مجرد تغيير للخطاب مقابل ثبات الفكر، الذي قد يؤدي إلى انكماشها وللمزيد من تفتتها. إن جماعة الإخوان لم تحسم موقفها بعد حول محددات «المرجعية الإسلامية» التي ترجوها لمفهومها عن الدولة المدنية، والتطبيقات العملية لها، طالما ظل «الوصل» بين «الدعوي» و«السياسيّ» قائماً.
يتحقق محمد السيد الصياد -مسؤول وحدة الدراسات الفكرية والأيديولوجية في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية بالرياض- في هذه الدراسة من فرضية، حقيقة تراجعات الإسلاموية الإيرانية/ أو ما تُسمّى بالنخبة الدينية الولائية الحاكمة في إيران، عن مقولاتها أو بعضٍ منها، تجاه مفهوم الدولة ورؤيتها لها، وهل ذلك التراجع -إن وُجد- منحصرٌ في التنظير أو الممارسة، أو كليهما، وهل هو تكتيكي أو استراتيجي؟ أم إنه لا يوجد ثمة تراجع على مستوى التنظير والممارسة في الأمر نفسه، وإنما هي أمنيات سياسية أكثر منها واقعاً على الأرض؟. يشير الصياد إلى أن عدداً من المفكرين والمسؤولين في فترات متفاوتة قدّموا أطروحات بشأن إصلاح نظام ولاية الفقيه، نحو دولة أكثر مدنية وديمقراطية، وقوبلت تلك المقترحات جميعها بالنبذ والرفض، وربما بتعقب قائليها. والسبب الرئيس في تعرض عدد من التيارات الدينية داخل إيران إلى القمع والتنكيل هو قراءتها البديلة للقراءة الخمينية المعتمدة، كذلك الإقصاء الذي يحدث مع التيار الشيرازي بسبب ما يطرحه من نظرية «شورى الفقهاء»، وما يتعرض له الدراويش بسبب انتظاريتهم وجذبهم لعموم الناس نحو نموذجهم. فنحن –إذن- أمام هيمنة واسعة من النظام، وصراع على تمثيل المذهب في الداخل، وصراع على تمثيل الإسلام في الخارج.
يضيف الصياد أن القادة الإيرانيين يُدركون خطر انفتاح أجيال ما بعد الثورة على العالم الحديث، والطفرة التكنولوجية والعولمة، مما يجعلهم دوماً في حالة تأهب ومتابعة دقيقة، بل ورقابة صارمة للأنشطة الثقافية، والمناهج الجامعية. وصارت أجنجة من الحرس الثوري تتابع الشأن الثقافي العام، وتعمل على تعزيز نظرية ولاية الفقيه، وأطروحة النظام في كافة مؤسسات الدولة، لا سيما التعليمية والثقافية، أي إنّ الحرس توسعت مهامه ليدافع عن النظام ثقافيا وعسكريا لا عسكرياً فقط. هذا كله يُرجح استمرارية الخطّ الثوري الراديكالي الذي يقوده الوليّ الفقيه، سواء أكان خامنئي أم من سيأتي بعده، وكذلك استمرارية نظرية ولاية الفقيه بقراءتها الخمينية؛ إذْ في التنازل عنها إعلان بفشلها وفشل نظام الحكم الإيراني، علاوة على أنّ تخليق أعداء ثقافيين لنظام ولاية الفقيه هو هدف للنخبة الدينية الحاكمة، وتعمل عليه دوماً، حيث ترى أنّه يشدّ عصب النظام، ويديم صلبيته في مواجهة الإخفاقات الداخلية والخارجية اقتصادياً وسياسياً.
إنّ إدخال أي تعديلات على القراءة الرسمية للأنموذج الراهن سينسف نظرية الخميني، لصالح نظريات أخرى كـ«ولاية الفقهاء» للشيرازي، أو «الدستورية البرلمانية» لشريعتمداري وموسى الصدر، أو «ولاية الأمة» للعلامة شمس الدين، أو «الفقيه المنتخب» للعلامة باقر الصدر، أو لتيارات علمانية وليبرالية أخرى. والخمينيّ نفسه لم ترق له تلك النظريات في حياته، بل قتَل واعتقَل بعض أصحابها، ولم ترق كذلك للنخب الدينية الولائية التي ترى أنها في حرب مقدسة لفرض النموذج الخاص بها، والتي تعتبره سبيلاً واحداً للخلاص، ومتفرداً بالحقانية التي لا تقبل التعدد.
تناول محمد الخطيب -باحث سوري- نشأة حزب الله وولاءه للخميني، مستعرضاً وثيقة الحزب الصادرة عام 2009، التي تحدثت في فصلها الأول عن الهيمنة الأميركية والغربية على العالم وعن المشروع الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، فيما خصصت الفصل الثاني للحديث عن لبـنان، عن الوطن و«المقاومة» والدولة والنظام السياسي. فمن حيث الشكل، فإن حزب الله يعطي أولوية للقضايا الإقليمية والدولية على حساب لبنان. وانعكست هذه الأولويات في ممارسة الحزب السياسية والعسكرية والأمنية، بحيث غلّب المصلحة الإيرانية أو «الأممية الإسلامية» على المصلحة اللبنانية والعربية.
تناول الباحث الرؤية التي يبني عليها حزب الله فهمه للدولة دون أن يسقط من حساباته الأيديولوجية إمكانات إقامة "دولته الإسلامية" إذا توافرت العوامل المواتية. يستشهد الخطيب بما قاله أمين عام الحزب حسن نصر الله، حول أن فكرة الدولة الإسلامية في لبنان حاضرة على مستوى الفكر السياسي، أما على مستوى البرنامج السياسي فإن خصوصيات الواقع اللبناني لا تساعد على تحقيق هذه الفكرة، فالدولة الإسلامية المنشودة ينبغي أن تكون نابعة من إرادة شعبية عارمة، لا نستطيع إقامتها الآن لحاجتها إلى حماية. أما في القسم الثالث، فيعرج الباحث إلى كتاب للنائب في البرلمان اللبناني عن حزب الله، حسن فضل الله، يحاول فيه عرض رؤية حزب الله الرسمية للدولة اللبنانية وموقفه منها، من الناحيتين: الأيديولوجية والسياسية. يهدف الكتاب بالدرجة الأولى إلى تبرير تفاقم دور حزب الله على حساب الدولة اللبنانية ووظيفتها، سواء في الداخل اللبناني أو في تجاوزها ونسج علاقة خاصة مع بعض الخارج لا سيما سوريا وإيران، أو إصدار مواقف وإعلان حروب من دون مراعاة مصالحها أو مخاوفها؛ وذلك ببساطة -حسب فضل الله- لأنَّ (الدولة) ليست موجودة أصلًا، أو مُعطَّلة، أو ما زالت في طور التكوين. يورد الباحث في ختام بحثه أن معارضي حزب الله في لبنان يطالبون بتوضيح موقفه عقائدياً من «الدولة» التي يريدها، في ظل ولائه لـ«دولة الولي الفقيه» في إيران، وكيف يمكن للحزب وأعضائه التوفيق بين مواطنيتهم اللبنانية، وولائهم للدولة اللبنانية وطاعتهم «لولاية» أخرى في «إيران» لها طموحات محلية وإقليمية خاصة.
يشير الباحث المغربي عمر العمري إلى أن الدول المغربية بلورت آليتين أساسيتين في التعامل مع الجماعات الإسلامية: آلية الاحتواء بالنسبة للجماعات التي تقبل بالاعتراف بإمارة المؤمنين، والاشتغال في إطار الإسلام الرسمي الذي تتبناه الدولة المغربية ووفق الدستور والقوانين الجاري العمل بها، ويمثل هذا الأنموذج حركة التوحيد والإصلاح. آلية التهميش/ الإبعاد بالنسبة للجماعات التي ترفض هذه الشروط، أو لها تصورات وتأويلات دينية خاصة لبناء الدولة والاشتغال في إطارها، ويمثل هذا الجانب جماعة «العدل والإحسان». مشيرا إلى الشروط المحددة لهذه العلاقة قبولاً أو رفضاً، في مسار يحكمه نوع من الكر والفر بين الطرفين، لا ينفصل عن التأثيرات الخارجية والصراعات الدولية والإقليمية. ثم الحديث عن طبيعة العلاقة بين الدولة المغربية والتنظيمات الإسلامية، وهي علاقة بدأت بالسلم والمهادنة بين الطرفين، أعقبتها مرحلة توتر وتفكيك وملاحقة للعناصر المهددة للأمن الداخلي للبلاد، حيث انتهج النظام المغربي مقاربتين مختلفتين في التعامل مع الإسلام الحركي أو الإسلاموي وهما: آلية الاحتواء بالنسبة للتنظيمات القابلة لشروط الإدماج، والتهميش والإبعاد بالنسبة للحركات المنافسة للبعد الديني لإمارة المؤمنين بالمغرب.
يتناول الباحث مرحلة السلم والمهادنة مع السلطة، ثم يبين محاولات اختراق الإسلام الحركي للحقل الديني، ثم يعرج إلى مرحلة التوتر والتشرذم التنظيمي لتلك الحركات، مسلطا الضوء على عوائق التجديد داخل جماعة العدل والإحسان، فيدرسها ومنطق الانتظار الذي تعتمده الجماعة من جهة، ومن جهة أخرى منطق الاندماج الذي يعتمده إخوان "التوحيد والإصلاح". يشير الباحث إلى بعض المؤشرات التي تنذر أو تؤكد وجود سوء فهم كبير بين الدولة وإسلاميي العدالة والتنمية، وأن العلاقة بينهما متشنجة ومتوترة ولم تعد كما كانت في سابق عهدها، حيث باتت السلطة بالمغرب تسارع الزمن، وتحاول جاهدة إعادة ضبط عقارب الساعة وفق النمط القديم في تدبير علاقتها بالمكونات الإسلامية؛ وهو النمط القائم على «الاحتواء» و«الضبط والتوجيه» و«رسم مجال الاشتغال مسبقاً»، يخلص الباحث إلى أن الدولة في المغرب تتجه نحو غلق قوس تجربة مشاركة الإسلاميين في السلطة، أو في أقصى الحالات محاولة إعادة هذه التجربة إلى بداياتها الأولى، من خلال تسييج مشاركتهم وضبطها وفق سقف لا يتجاوز وجودهم بأعداد محدودة داخل قبة البرلمان، بعدما اتضح جلياً أن حركات الإسلام السياسي يصعب ترويضها وضبطها وفق الميكانيزمات والضوابط السابقة. ووحدها تطورات الساحة المحلية في تفاعلها مع تطورات الساحة الإقليمية والدولية، كفيلة بالحسم النسبي أو النهائي في علاقة الدولة المغربية بالمشروع الإسلامي الحركي، بمقتضى تأثير السياقات الإقليمية والدولية في أوضاع الداخل، على غرار ما عاينا قبل وبعد منعطف يناير (كانون الثاني) 2011.
سلط الباحث التونسي أحمد نظيف، الضوء على التحولات التي شهدتها علاقة الدولة التونسية بالإسلاميين. وكيف أثرت هذه التحولات في توجهاتهم. وإلى أين انتهى مسار «المشاريع التغيرية الكبرى» لحركة النهضة كالخلافة والشريعة والمجتمع الإسلامي. وقرأ السياق التاريخي لـ"الدولة المشتبهة"، حيث نجح بورقيبة في تفكيك هيمنة المؤسسة الدينية، المرتبطة بالإقطاع والأرستقراطية المحافظة في المدن، على مجال واسع من الشأن العام، من أجل القضاء على استقلاليّة الفاعل الدّيني والتحكّم في قراراته مع تأكيد اعتبار الحاكم السّياسي المصدر الأساسي للسّلطة الدّينيّة، من خلال العديد من الإجراءات التشريعية. لكن سياسة بورقيبة في تفكيك المؤسسة الدينية التقليدية ونفوذها المجتمعي والاقتصادي والمعنوي، لم تكن شبيهة بما حدث في تركيا الكمالية لصالح الفراغ، أي إلغاؤها تماماً، بل كان في إطار إعادة إنتاج سياسة دينية جديدة تحت رعاية الدولة. فقام بتأميم تعليم القرآن، من خلال تأسيس جمعية حكومية لها فروع في كل البلاد تقوم بهذه المهمة. كما يتناول نظيف التحول الجذري الذي حدث في علاقة الجماعة بالدولة. حيث بدأت علاقتها برموز من الدولة في الفتور بعد ارتباط الجماعة الإسلامية التونسية بشكل رسمي مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية عام 1973، وبدا أن نوعاً من المفاصلة التامة قد حدثت بينها وبين الدولة، مؤسسات وأشخاصاً. ويبدو أيضاً أن أدبياتها، ذات الجذور الإخوانية، والتي كانت تدور في أغلبها على إعادة إنتاج لأفكار أبي الأعلى المودودي، أمير الجماعة الإسلامية الباكستانية، وسيد قطب، وحسن البنا، زعامات الجماعة الأم في مصر، قد ساهمت في تجذير موقف الجماعة السلبي من الدولة. خلال هذه المرحلة أصبحت الجماعة في علاقتها بالدولة الوطنية، إلى جانب التشكيك في هوية الدولة الدينية، متشككة في شرعيتها السياسية. هذا التحول الجذري، سيكون له عواقبه وتأثيراته في الدولة والجماعة ومسارها المستقبلي.
يشير الباحث إلى البروز الواضح للخطاب «فوق الوطني» للحركة الإسلامية التونسية، والذي يؤكده البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الإسلامي، حيث يغيب الخاص في العام والخصوصي الوطني في الإسلامي العالمي العقائدي. لكن هذا النزوع نحو «الأمة الإسلامية» بدلاً من الدولة الوطنية، والدولة الإسلامية الجامعة بدلاً من الدولة المدنية القطرية، لم يمنع حركة الاتجاه الإسلامي من الخضوع لإكراهات الواقع والتعامل مع الأمر الواقع، لكن هذا التعامل كان في حيز «الضرورات تبيح المحظورات». فالدرس الذي تعلمته حركة النهضة بعد عودتها إلى النشاط ودخولها إلى كواليس السلطة، كي لا يقع لها ما وقع في الماضي من إقصاء وملاحقة، هو انخراطها ضمن المصالح المشتركة للطبقة الحاكمة، بدلاً من محاولة إنهاء أو إلغاء هذه الطبقة والحلول مكانها، كما كانت تفكر في سنوات التأسيس وما بعدها.
تحول مشروع الحركة من «محاربة الدولة» إلى «التمتع بها» والاستفادة من مروحة عريضة من الامتيازات والمصالح. بنت حركة النهضة، خلال أكثر من ثلاث سنوات من نظام «التوافقية السياسية»، شبكة مصالح اقتصادية واسعة وعميقة. كما أن طبقة من البرجوازية الإسلامية في طور التشكل، أو تشكلت، وتسيطر على مجال نفوذ كبير داخل الحركة. بالتوازي مع إعلانها فصل الديني عن السياسي تُمتن الحركة الروابط بين الديني والاقتصادي. إن نهاية الإسلام السياسي الذي بدأ في تونس احتجاجياً منذ نهاية الستينيات، لا تعني أبداً، نهاية السياسي، بل إعادة تسييس الديني على أسس نيوليبرالية أو ما يسميه باتريك هاني بإسلام السوق. فلم يعد همّ الإسلامي التونسي أن يقدم نفسه كورع بقدر ما يهمه كثيراً أن يقدم نفسه كناجح، حيث يموت وهم «الخلاص الإسلامي» ويتوارى بعيداً أمام صعود «نفعية إسلامية» جامحة.
قدمت جمانة مناصرة -باحثة في العلاقات الدولية في مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي- دراسة العدد ملقية الضوء على «الفواعل العنيفة»، كما حللتها تفسيرات العلاقات الدولية، ضمن ثلاث نظريات: الواقعية، والليبرالية، والبنائية الاجتماعية؛ في محاولة لفهم كيف عالجت مسألة الفواعل العنيفة والإرهاب في النظام الدولي. تتناول الدراسة التطورات الجديدة للواقعية والليبرالية، إذ دفعت التغيرات في النظام العالمي إلى إحداث تطور في تصوراتهما للسياسات العالمية؛ التصور البنائي وفهمه للفواعل العنيفة. من جهة أخرى، ازدهر الاتجاه البنائي بعد نهاية الحرب الباردة، ركز في مقاربته على أهمية العوامل الثقافية في تحليل المجتمع العالمي وفهم سلوك ومصالح الفواعل [الجماعات أو المنظمات] المختلفة. ولغرض توضيح كيف عالجت هذه المقاربات الثلاث الفواعل العنيفة، تُلقي هذه الدراسة الضوء على الأطر النظرية التي تخدم هدفها. مشيرة إلى وضع الفواعل من غير الدول (Non State Actors) في ثلاثة أقسام: فواعل فوق دولة: تمثل الفواعل التي تكون جامعة لعدد من الدول، كالمنظمات والتجمعات الدولية. فواعل تحت دولة: تمثل الفواعل غير الحكومية، التي تعمل داخل نطاق الدولة، وتؤثر في اتخاذ القرار الدولي وصناعته. مثل الأحزاب والمليشيات. فواعل عابرة للدولة: تمثل جماعات غير حكومية، قد تكون ضمن المشار إليها في الصنف الثاني، لكنها تؤثر في هيئات أخرى من ذات نوعها، وهو اتصال قد يأخذ طابع الندية أو التعاون أو التبعية، بشكل رسمي أو سري.
ترى مناصرة أن النظام العالمي شهد تحولات جذرية منذ نهاية الحرب الباردة. وتنامى انتشار وفاعلية الفواعل من غير الدول؛ نتيجة لجملة من المتغيرات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية. تبعها زيادة وانتشار في الفواعل العنيفة، وقد فرضت تحديات النظام العالمي نوعاً من التقارب النظري ما بين الاتجاهين التقليديين في التنظير للعلاقات الدولية. إذ اتفقت الليبرالية الجديدة مع الواقعية البنيوية على أهمية الدولة ومؤسساتها القوية، بدلاً من الاتجاه الليبرالي السابق الذي دعا إلى دور مقيد للدولة. اتفق أنصار النظريتين على اعتبار الجماعات الإرهابية، جهات فاعلة غير شرعية، وغير حكومية، تتحدى سلطة الدولة. قدمت النظرية الليبرالية أفضل السبل للتعاطي مع الإرهاب ومواجهته؛ إذ أكدت أهمية التعاون الدولي، والعمل متعدد الأطراف في إطار النظام العالمي للتصدي للظاهرة. أمَّا النظرية الواقعية، فاقتصرت على تحليل سلوك الدول والفواعل نتيجة البنى الخارجية، تبعًا لطبيعة النظام الدولي الفوضوي. مقللةً في السياق ذاته، من التهديد الإرهابي لبنية الدول والنظام الدولي، معتبرة أنَّ تهديدات الفواعل الإرهابية مبالغ فيها، كما يمكن إدارتها والسيطرة عليها. وترى أن صعود الفواعل العنيفة وسلوكها مرتبط بالسياقات الدولية والإقليمية المصاحبة لصعود الظاهرة. من جهة أخرى، أكد الاقتراب البنائي أهمية وتأثير عوامل مثل الهوية والثقافة والدين والخطاب في تحليل سلوك الفاعلين والسياسات العالمية.
تبقى هناك عدسة خاصة لكل واحدة من المقاربات الثلاث، تُمَكننا من رؤية الظاهرة من خلالها. ونظرًا لتعقد النظام العالمي في عالمنا اليوم، فإنَّ نظرة شمولية ضمن المقاربات الثلاث مهمة لتمكننا من فهم العالم على مستوياته المتعددة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
قّدمت نزهة صادق قراءة وتعقيبا لهذا الكتاب، لمؤلفه محمد الشيخ بانن، الذي يشتغل على موضوع الدولة في فكر الجماعات الإسلامية المعاصرة في المغرب باعتبارها مسألة مركزية في الاجتماع السياسي، شكلت -ولا تزال- موضوعاً للجدال الفكري والصراع السياسي بين المكونات السياسية المغربية، منذ استقلال البلاد سنة 1956 إلى يومنا هذا. فإذا كانت حركات التحرير الوطني، ذات الروافد الفئوية والأيديولوجية المتعددة، قد اتخذت من الإسلام في صيغته العامة الجامعة مرتكزها في مواجهة الاستعمار، ومن العروبة شعارها في المطالبة بتوحيد الأقطار العربية، ذات التاريخ والتطلعات المشتركة، فإن الجماعات الإسلامية، على صعيد العالم العربي والإسلامي، انطلقت من الإسلام كدين جامع للعقيدة والسياسة، من وجهة نظر أهل السنة والجماعة أولاً، ثم أهل العصمة والعدالة ثانياً. ولكن، ما يهم المؤلف أكثر هنا، هو ذاك الشعار الجذاب الذي طرحته جماعة الإخوان بمصر: «الإسلام هو الحل»، والذي تلقفته شخصيات في بقاع عربية وإسلامية أسست عليه نماذج إخوانية، تماثلت مع الجماعة الأم في الكليات لكنها تميزت عنها في الجزئيات. وهذا ما سارت عليه الجماعات الإسلامية المعاصرة في المغرب، خصوصاً أن مسارات نشأة جماعات الإسلام السياسي بشكل عام، حكمتها عوامل متعددة ومتنوعة ومتداخلة ومعقدة، في العالم العربي والإسلامي على حد سواء.