تحولات العراق (2003-2021): الديمقراطية- داعش- المرجعية- التظاهرات


يتناول هذا الكتاب  أبرز التحولات السياسية والاجتماعية في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين في أبريل (نيسان) 2003، مروراً بتشكّل الحكومات المؤقتة وصولاً إلى الحكومة المنتخبة، وما لازمها من تحديات مرتبطة بملف الإرهاب الداعشي، والنفوذ الإيراني، واستلام أحزاب الإسلام السياسي لمقاليد السلطة، وتحكمها بالدولة ومؤسساتها، وتلاعبها بمصير المجتمع، عبر توظيف ورقة الميليشيات المسلحة، واستغلال الظروف الاقتصادية والسياسية المؤثّرة.


تم النشر في: April 2021


front172

قائمة الفصول


# اسم الكتاب سعر اشتري الآن
1 مجلس الحكم العراقي 2003: خيار الدولة أم خيار السلطة؟ 45 د.إ
2 مسارات التغيير الاجتماعي والسياسي في العراق بعد 2003 45 د.إ
3 أداء مرجعية النجف في العراق بعد 2003 45 د.إ
4 الالتباس بين الأحزاب السياسية والتجمعات الانتخابية العراقية 45 د.إ
5 معوقات الديمقراطية في العراق وخيارات الإصلاح 45 د.إ
6 الأحزاب الإسلاموية واستغلال الديمقراطية في العراق 45 د.إ
7 القهر الاجتماعي والثورة في العراق بعد عام 2003 45 د.إ
8 الآثار الاجتماعية النفسية في المدن العراقية المحررة من داعش 45 د.إ
9 مجتمع ما بعد الصراع: العراق بعد التحرر من داعش 45 د.إ
10 «ثورة تشرین» العراقیة: الساحة والجمهور والسلطة 45 د.إ
ملاحظة: الدراسات متاحة فقط كملف تنزيل في إصدار PDF.

شرح الكتاب


ملخص بحوث العدد (172)

تحولات العراق (2003-2021): الديمقراطية، داعش، المرجعية، التظاهرات

أبريل (نيسان) 2021

 

دبي

يتناول الكتاب أبرز التحولات السياسية والاجتماعية في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين في أبريل (نيسان) 2003، مروراً بتشكّل الحكومات المؤقتة وصولاً إلى الحكومة المنتخبة، وما لازمها من تحديات مرتبطة بملف الإرهاب الداعشي، والنفوذ الإيراني، واستلام أحزاب الإسلام السياسي لمقاليد السلطة، وتحكمها بالدولة ومؤسساتها، وتلاعبها بمصير المجتمع، عبر توظيف ورقة الميليشيات المسلحة، واستغلال الظروف الاقتصادية والسياسية المؤثّرة.

مجلس الحكم العراقي2003: خيار الدولة أم خيار السلطة؟

درس سمير شاكر الصميدعي -عضو مجلس الحكم العراقي ووزير الداخلية الأسبق، ثم سفير العراق لدى الولايات المتحدة الأميركية- درس خلفية تشكيل مجلس الحكم، والمحطات التي مر بها منذ تشكيله وعلاقاته مع القوى، ودوره في كتابة الدستور العراقي المؤقت، والموقف من القضية الطائفية، وكيف تفاعل معها. يخلص في دراسته إلى أن مرحلة مجلس الحكم كانت صعبة وقاسية، محفوفة بالأخطار والعنف والفوضى تقودها جهتان: سلطة الائتلاف ولديها إمكانات كبيرة، وكانت في قيادتها العليا متمثلة بالرئيس جورج بوش والسفير بريمر، راغبة في إحداث نقلة كبيرة في العراق تحوِّله إلى حليفٍ مستقبلي، ولكن هذه الرغبة لم تتحقق لعدة أسباب كما يوجزها: أولاً: جهل هذه القيادة بطبيعة وجسامة التحديات التي تواجهها. ثانياً: النظرة القاصرة المتمثلة في تبويب الشعب العراقي في معسكرات ثلاثة: الشيعة، والسنة، والأكراد، في حالة انفصام ونزاع وتنافس، وليس في حالة تمازج وتعاون وتكامل. ثالثاً: عدم سيطرتها على أجهزتها التنفيذية العسكرية والمدنية التي كانت تتصرف على أهوائها في الكثير من الأحيان. أما من الجانب العراقي فكانت القيادة، متمثلة في مجلس الحكم، مجتمعة على بعض الأهداف، لكن لكل مجموعة منها أولوياتها، والمجموعتان الأقوى كانتا الإسلاميين الشيعة والأكراد، وكانت لكل منهما أولويات ليس في مقدمتها بناء دولة موحدة قوية متصالحة مع نفسها، وإنما كان الإسلاميون يتهيؤون للقفز على السلطة واستلامها باسم الأكثرية، وبأقرب وقت ممكن، وكان الأكراد حريصين على استقلاليتهم بدعوى أنها الضمانة الوحيدة لحمايتهم من تكرار الماضي المأساوي. فهو يرى أن المجلس في النهاية، وإن نجح في بعض القضايا الجزئية المهمة، إلا أنه أخفق في القضية الجوهرية الكبرى لتلك المرحلة، وهي وضع الأسس السليمة لبناء دولة جديدة عادلة ومستدامة، وكان في هذا إضاعة فرصة كبيرة على الدولة، وتبدد الأماني والآمال التي كان العراقيون يحلمون بها لمستقبلهم.

مسارات التغيير الاجتماعي والسياسي في العراق بعد 2003

تناول وعد إبراهيم خليل -أستاذ مساعد في قسم الإعلام بكلية الآداب في جامعة الموصل بالعراق- في دراسته رؤى التغيير الاجتماعي وتفسيراته ومساراته بعد عام 2003، ويعرج على استفتاء إقليم كردستان للانفصال، ثم التعاون الدولي في الحرب على الإرهاب، والاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة، والفساد الإداري والقيم الاجتماعية الجديدة، ومرحلة النزوح والرزوح بعد احتلال الإرهاب، ثم الوصم الاجتماعي الذي لازم تلك المرحلة وصولاً إلى معركة التحرير من داعش. مشيراً إلى أن التغييرات السياسية التي حصلت في المجتمع العراقي بعد الاحتلال الأميركي تسببت في تراجع المجتمع وضعفه وانقسامه، معيزًا السبب في ذلك إلى فشل الإدارة السياسية الجديدة في نقل وتحقيق مفاهيم (العدالة والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان) بطريقة تلائم ثقافة وقيم وتقاليد المجتمع العراقي وخصوصيته، مما سمح للأطماع الخارجية (لا سيما دول الجوار) بالسيطرة والتحكم بطبقة (المراهقين) السياسيين التي تدير البلد بطريقة جعلته يحتل مراتب متقدمة عالميا (بالفساد- الخطورة- الاستهلاك- البطالة)، واحتلاله مراتب متأخرة بـ(حرية الإعلام- مؤشر السعادة- قوة جواز السفر- جودة التعليم)، كل ذلك يعلن بوضوح -حسب الباحث- أن مسارات التغيير السياسي والاجتماعي في العراق تتجه نحو التراجع والتدهور المستمر، الذي دفع أبناء المجتمع وفي مقدمتهم الشباب، للاحتجاج والمطالبة بتغيير الطبقة السياسية الحاكمة بمجملها.

أداء مرجعية النجف في العراق بعد 2003

استعرض حيدر نزار السيد سلمان -أكاديمي وباحث عراقي- أداء مرجعية النجف وعلاقاتها مع القوى السياسية والسلطوية والشعبية؛ وكيفية استخدامها للنص الديني في سعيها الحثيث لتوجيه الأمور. جاء بحثه في محاور عدة: بُنية مرجعية النجف، وتاريخها، وتشكيلاتها، وتحركها، وعلاقتها مع جمهورها، مواقفها وآرائها السياسية، وأسباب التبدلات المتلاحقة فيه، وما يزامن ذلك من ضغط شعبي عليها لتكون ربما أكثر فاعلية وتدخلاً في الشأن العام. يشير الباحث إلى أن مرجعية النجف ساهمت في وضع أسس النظام السياسي بعد 2003، وهي بذلك تكون قد تدخلت بما يتنافى مع ادعاءاتها بعدم التدخل، وإصرارها على آلية التوجيه والإرشاد في اللحظات المفصلية، وكان هذا التدخل محدوداً بما لا يتسع لقبول فكرة الولاية المطلقة على الدولة، وجاء أداؤها في خضم أحداث وتطورات وأزمات عصفت بالعراق، جعل منها -في كثير من الأحيان- محوراً رئيساً في الوضع السياسي. في بداية مشاركتها في صوغ شكل الدولة، إن وجدت تأييداً شعبياً، إلا أنها وفرت أرضاً ملائمة لصعود الأحزاب والشخصيات ذات التوجه الإسلاموي إلى قمة السلطة! من خلال دعمها وتصوراتها بكفاءة هذه الأحزاب وإخلاصها للمصالح العراقية العليا وبناء الدولة! ربما خاضت المرجعية بالاستناد إلى تغير الرأي العام من الطبقة الحاكمة ولشعورها بالانخداع؛ عملية تصحيح لمواقفها من خلال دعواتها لنبذ هذه الطبقة وعدم الانجرار خلف شعاراتها، وانتخاب غيرهم. جاء تصاعد أداء المرجعية في أحداث أكتوبر (تشرين الأول) الاحتجاجية عام 2019 لأسباب منها: تزايد الضغط الشعبي المطالب بتدخلها ضد السلطة المتهمة بالفساد والتخادم المصلحي فيما بينها.

الالتباس بين الأحزاب السياسية والتجمعات الانتخابية العراقية

درس عبدالعزيز عليوي العيساوي -أستاذ مساعد في كلية القانون والعلوم السياسية بجامعة الأنبار في العراق- الالتباس بين الأحزاب السياسية والتجمعات الانتخابية العراقية، متناولاً نشأة الأحزاب السياسية والتجربة الحزبية في العراق بعد 2003 وتوجهاتها والأحزاب المنشقة، مقدمًا رؤية مستقبلية حول تلك الأحزاب السياسية والتجمعات الانتخابية. مشيراً إلى أن التجربة الحزبية الديمقراطية في العراق تواجه معوقات عدة، وتعاني البلاد من وجود عدد كبير من الأحزاب. وما زاد المشهد الحزبي العراقي تعقيداً وجود أحزاب طارئة تظهر قبل الانتخابات وتختفي بعدها، مما سبب إرباكاً كبيراً خصوصاً لأولئك الذين يبحثون عن الخطوط الفاصلة بين الحزب السياسي الرصين ذات الأيديولوجيا والتوجهات والتنظيم، وبين التجمعات الانتخابية التي تسمى نفسها «أحزاباً». وأنه على الرغم من محاولة القادة السياسيين ترك مسافة أمان بين أحزابهم، وتجمعاتهم الانتخابية التي تحمل أسماءً أخرى غالباً ما تميل إلى المدنية، فإن هذه الحيلة لا تنطلي على كثير من العراقيين الذين ينسبون هذه التجمعات إلى قادتها الحقيقيين. ويرى أن الظروف الصعبة التي مرت بها العراق بعد أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وما تبعها من تغييرات سياسية كبيرة، أدت إلى ظهور أحزاب جديدة، بعضها يدعي تمثيل حركات الاحتجاج، والبعض الآخر يرفع شعار الاستقلالية، ونوع ثالث يدعي الانشقاق عن القوى التقليدية، مما أحدث اضطراباً لدى الناخبين الذين لم تعرف توجهاتهم حتى اليوم تجاه الانتخابات القادمة في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، فهم يجدون أنفسهم أمام عدد من الأحزاب لا تتبنى أي أيديولوجية سياسية، وقيادتها غير معروفة على الساحة العراقية.

معوقات الديمقراطية في العراق وخيارات الإصلاح

درس سعد عبدالرزاق حسين -أكاديمي وباحث عراقي في علم الاجتماع- التطورات السياسية في العراق بعد 2003، مركزاً على آليات التحول نحو الديمقراطية التوافقية، والانتخابات العراقية ، والحراك الاجتماعي في 2019، حيث انعكس الانقسام الاجتماعي، الذي تعمق بعد 2003 بين «الطوائف والمكونات»، على الجانب السياسي للنظام الجديد، فأصبح كل من مجلس النواب والوزارات وموظفي الدولة يتميزون بحسب خلفيتهم الطائفية والقومية والمحلية. ويلاحظ الباحث أنه لم يتوافر عامل يساعد على توحيد هذه الفئات، ويجعلها تقوم بدورها بالشكل المطلوب. فبدلاً من الوطنية والمواطنة، أدى الفساد الحكومي الخرافي إلى توحيد هذه الفئات لسرقة أموال الدولة وتوزيعها بحسب حصة كل فئة من مقاعد مجلس النواب. وكذلك فإن الطائفي لا يتمكن من الاستمرار بطائفيته إلا إذا حول الطرف الآخر طائفياً أيضاً. وهكذا حصل اتفاق بين المسؤولين الشيعة والسنة والكرد على تقاسم المناصب والمحاصصة. إن المطلوب تجديد كامل هياكل الدولة: السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهذا من غير الممكن تحقيقه من خلال الانتخابات المبكرة وحدها، خاصة وأن التحضيرات الأولية للانتخابات القادمة تشير إلى بقاء القوى نفسها التي تسيطر على الدولة حالياً. ومن يتابع التطورات العراقية يصل إلى استنتاج بأن المجتمع العراقي وقع بين طرفين متناقضين: الأول: تمثله الأكثرية الشعبية المطالبة بالتجديد والخروج من مأزق المحاصصة، والثاني: بين ميليشيات عسكرية منفلتة لا تتردد عن استخدام القوة ضد كل المحاولات التي تقوض سلطتها ومصالحها. وليس هناك قوة يمكنها إيقاف هذا الهدر والنزيف للطاقات العراقية غير الدولة وقواتها المسلحة، لكن للأسف، فإن كثيراً من هذه الميليشيات ما زالت متغلغلة بقوة داخل الدولة ومؤسساتها العسكرية.

الأحزاب الإسلاموية واستغلال الديمقراطية في العراق

شرح علي آل مظلوم -كاتب وباحث عراقي- دور الأحزاب الإسلاموية في استغلال الديمقراطية في العراق، مبيّنًا صيرورة التكيف لدى حركات الإسلام السياسي في العراق، ويمر على التغيرات الاجتماعية في البلاد، وتغيرات خطاب الإسلام السياسي التي صاحبها.

تنطلق الدراسة من فرضية مفادها أن حركات وأحزاب الإسلام السياسي في العراق، ونتيجة لعوامل داخلية وخارجية، اضطرت إلى التكيف لخوض عملية سياسية مؤطرة بآليات ديمقراطية، دون أن تعيد بناء منظومتها الفكرية بالضرورة، فتكيفت بطريقة المهادنة مع الأوضاع العامة.

حاول الباحث أن يبين المراحل التي مرت بها حركات الإسلام السياسي في سعيها للتكيف مع الوضع الذي فرضته متغيرات ما بعد عام 2003، ويمر على العناصر الأساسية التي قادتها إلى أن تقوم بإعادة تكييف نفسها لاكتساب الرضا الاجتماعي. وكيف نجحت حركات الإسلام السياسي في العراق في عملية تكييف نفسها مع المتغيرات. ويخلص فيها إلى أن خطاب حركات الإسلام السياسي في العراق تبدل خلال تاريخها مرات عدة، وكانت أساليب عملها تختلف بين حقبة وأخرى، وتضطر في أحيان كثيرة إلى التكيف، والعمل محلياً، أو الهرب لممارسة المعارضة من خارج البلاد، ولكن التغير الأكثر حدة كان عقب عام 2003. وازدادت الانقسامات بين الأحزاب والحركات الإسلاموية بشكل أكثر حدة مما شهده تاريخها إبان مرحلة المعارضة، وفي الوقت الذي كان الأفراد ينشقون عن تلك الأحزاب، فإن انشقاقات جماعية حصلت بعد عام 2003، كان أساسها النزاع السياسي حول الزعامة، وليس حول الأفكار، وبقدر ما تشظت هذه الأحزاب التاريخية، فإنها ضعفت لصالح تنظيمات سياسية جديدة، كانت جذور بعضها إسلامية، وإن غيرت خطابها إلى المدنية، والدولة المحايدة، كما هو الحال مع عمار الحكيم. وفشلت الكثير من الحركات الإسلاموية بمواصلة التكيف الظاهري مع الديمقراطية، فبعد حكم العراق لأكثر من (15) عاماً خرج حزب الدعوة من رئاسة مجلس الوزراء، وفقد هيمنته على الكثير من مفاصل الدولة، كما أن الحزب الإسلامي العراقي فقد دوره الكبير السابق بين السنة العراقيين، لصالح زعماء شباب سنة، وشيوخ عشائر، وسياسيين علمانيين. حاولت الأحزاب الإسلاموية تكييف نفسها لتطويع الآليات الديمقراطية لصالحها، والشارع العراقي الذي غضب كثيراً في 2019 برهن لها أن هذه العملية لم تنجح، فقمعت الاحتجاجات بشدة، وإن كان من آثارها وصول رئيس لمجلس الوزراء غير منتم لأي حزب إسلامي، يعلن علمانيته وانحيازه للغرب، على الرغم من تاريخه مع العمل الإسلامي في العراق.

القهر الاجتماعي والثورة في العراق بعد عام 2003

يدرس محمد ذنون زينو الصائغ -باحث وأكاديمي عراقي- الثورات العراقية بعد عام 2003، ويخلص إلى أن دورة التظاهرات الاجتماعية العراقية غير المكتملة في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أتت مختلفة لأنها تجاوزت الفئات الحزبية والسياسية والأيديولوجية كافة، وانطلقت شبابية هادئة. ينتمي هؤلاء الشباب من المحتجين للفئات العمرية من (16-28) سنة، وفي الغالب هم من الفئات المهمشة المظلومة التي تنتشر داخل الأحياء والأزقة الحضرية الفقيرة، فهذه المرة كانت مشاركة أطراف المدن الريفية البعيدة عن المركز ضعيفة، وليس لديهم قيادة على مستوى الخطاب أو التمويل أو الإعلام أو الرمز.

تدل المؤشرات -كما يلفت الباحث- على أن المدة بين عامي 2011 و2019 تميزت بظهور جيل من الشباب أكثر وطنية وعقلانية في فهم واستيعاب وسائل الديمقراطية بنحو (200) تظاهرة في كافة محافظات ومدن العراق، حدثت في تلك المدة، والبحث عن أشكال تظاهرات ووسائل جديدة للتعبير عن السخط والاحتجاج لم تكن مستعملة من قبل، فلم تعد الفواعل التقليدية الحزبية والدينية والقومية قادرة على أن تمثل لهم خيمة إصلاحية لعلاج الفساد والانحراف الذي تمارسه الأحزاب الحاكمة، وإنما راهنوا على الفاعل الشبابي غير المتحزب والعاطلين عن العمل، مستخدمين أساليب مختلفة تتمثل بالتظاهرات العفوية الشبابية، فضلاً عن الاعتصامات الخاصة بالخريجين والمفسوخة عقودهم مع الدولة، والمسيرات والوقفات الاحتجاجية. وعلى الرغم من اتحاد الهوية المذهبية والقومية لغالب المتظاهرين (العرب الشيعة) فإن أحداث الاحتجاجات السابقة كان يغلب عليها اتحاد الهوية والمناطقية السنية عدا العاصمة بغداد، وإن المحتجين من السنة والكرد استبطنوا خوفاً كبيراً من احتمالية اتهامهم بالإرهاب، أو محاولة الانفصال إذا ما شاركوا في احتجاجات تشرين.

الآثار الاجتماعية النفسية في المدن العراقية المحررة من داعش

ركزت دراسة حيدر مزهر يعقوب الجوراني -أستاذ في جامعة "آوبو أكاديمي" بفنلندا- على علم النفس السياسي وتفسير ديناميات الصراع في العراق في مرحلة ما بعد داعش، حيث تهدف هذه الدراسة إلى تحليل هذه الآثار النفسية والاجتماعية للمجتمع العراقي في المدن المحررة من داعش، مثل الموصل، وصلاح الدين، والأنبار، وأجزاء من ديالى، ومناطق حزام بغداد. وذلك في ضوء نظريات ومفاهيم علم النفس الاجتماعي والسياسي. وتتضمن وصفاً نظرياً لديناميات الصراع وفاعليتها في تشكيل العنف، والقسوة، والوحشية، والتطهير البشري في هذه المناطق من خلال تحليل علمي لواقعها السياسي والاجتماعي.

يتطرق الباحث إلى أثر تعدد الهويات الثانوية مقابل غياب الهوية الوطنية في تشكل الولاءات والتفاعل السياسي الاجتماعي بين النخب السياسية وأفراد المجتمع. تفترض الدراسة -من وجهة نظر علم النفس السياسي- أن سلوكيات الجماعات داخل المجتمع العراقي يحركها محددان رئيسان هما: الولاء (Loyalism) واللاشرعية (Delegitimization)، اللذان يمثلان نتاج التفاعل النفسي السياسي بين النخب السياسية والطبقة الاجتماعية. وبالتالي يلعب هذان العاملان دورا رئيسا في ديمومة الصراع بين المجتمع العراقي قد يمتد لأجيال لاحقة. واعتمدت الدراسة التحليل العلمي للأطر النظرية والتعريفات لمفهومي الولاء واللاشرعية كمحركات للصراع من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي والسياسي، وكذلك السرديات الواقعية للمنظمات الدولية العاملة في مساعدة النازحين، وكذلك الأفراد الذين يسكنون في المناطق التي تم تحريرها من داعش فيما بعد.

يخلص الباحث إلى أن التجارب بعد 2003، أثبتت مخاطر الصراعات والاقتتال والاحتقان الطائفي، وكذلك غياب جهد نخبوي سياسي اجتماعي يُنتج تعريفاً جامعاً وشاملاً للهوية الوطنية للفرد العراقي، كما أن أبرز تغيير يجب أخذه بالاعتبار بعد "احتجاجات تشرين" ومطلبها الهوياتي (نريد وطناً)، هو أن تضع النخب السياسية والاجتماعية مهمة بحث تقني وفني لعوامل الهويات الفرعية للفرد العراقي، ودراسة العوامل الخارجية والداخلية التي قد تؤثر سلبا عليها، وبالتالي فإننا بحاجة ماسة بعد ذلك إلى تعريف دستوري (للهوية الوطنية للفرد العراقي) وليس فقط الاكتفاء بتعريف العراق دستوريا على أنه بلد متعدد الأطياف والقوميات.

مجتمع ما بعد الصراع: العراق بعد التحرر من داعش

ناقشت دراسة فراس إلياس -باحث وأكاديمي عراقي متخصص في شؤون الأمن القومي- الأسباب الرئيسة التي أدت لظهور ثقافة العنف في مجتمعات بيئة الصراع، إلى جانب التطرق إلى الدروس المستفادة من مرحلة ما بعد داعش، وماذا يفترض أن تقوم به الحكومة العراقية من واجبات لإعادة إدماج هذه المجتمعات في الكيان الوطني العراقي، وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني. وطرحت الدراسة إشكالية أبرز التحديات التي تواجه الحكومة العراقية في إعادة استيعاب المجتمعات ما بعد «داعش»، وما الآليات المطلوبة لتجاوز هذه العقبة. في حين تتأطر فرضية الدراسة في أن الحكومة العراقية ملزمة أخلاقياً ودستورياً بمعالجة الأوضاع الصعبة التي تعيشها الجماعات الخارجة عن سيطرة داعش، عبر اعتماد آليات واضحة لاستيعابها وتطبيعها، من أجل التغلب على التحديات التي تواجهها في هذا الإطار، من خلال تفعيل الجهود المحلية والدولية. شكلت الدراسة مدخلاً تأسيسياً لفهم طبيعة التحديات التي تواجهها المجتمعات الخارجة من الصراع، والتي يأتي في مقدمتها تحدي الاستيعاب وإعادة الهندسة المجتمعية، بالشكل الذي يؤسس لعقد اجتماعي جديد يقوم على الاعتدال ونبذ فكر التطرف والإرهاب. وتخلص الدراسة إلى أنه على الرغم من مرور ما يقرب من أربعة أعوام على نهاية الحرب على تنظيم داعش، ما زالت جهود وإجراءات تمكين الجماعات المحلية الخارجة من الصراع، محدودة وضعيفة للغاية. مع الانتصار في الحرب، كانت أولى المهام التي ينبغي القيام بها من قبل الحكومة العراقية تأمين السلام، ومفتاح هذا الجهد هو تحقيق الاستقرار بعد الصراع، من خلال استعادة الخدمات الأساسية والعودة التدريجية للحياة الطبيعية، حيث إن عدم تمكين الاستقرار والأمن في مناطق الصراع، قد يشكل أرضاً خصبة لعودة تهديدات تنظيم داعش مرة أخرى. وإن عدم تمكين الجماعات المحلية في بيئة الصراع، سيعيد الانقسامات في العراق ويؤدي إلى خلق خطوط الصدع. علاوة على ذلك، فإن الوضع في كردستان العراق متوتر بالقدر نفسه، ويتطلب تنازلات مستدامة حول كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها، إلى جانب تعديل مواد الدستور العراقي الذي ما زالت العديد من مواده سبباً في إثارة الكثير من النزاعات حول المناطق والموارد، التي تشمل في كثير منها المدن الخارجة من الحرب على تنظيم داعش، مما قد ينعكس بصورة مباشرة على الواقع الأمني والسياسي في هذه المدن، ومن ثم تعقيد فرص السلام والاستقرار فيها.

"ثورة تشرين" العراقية: الساحة والجمهور والسلطة

يسلط زهير الجزائري -أديب عراقي، رئيس تحرير جريدة المدى سابقًا- الضوء على "ثورة تشرين" العراقية من ثلاث زوايا: الساحة والجمهور والسلطة، فيعرف بـ"ثورة تشرين" التي انطلقت لمحاربة آفة الفساد في العراق وكذلك على رمزية ساحة الاحتجاج، فيرى أن الـتاریـخ لـن یـؤثـر وحـده فـي الـهندسـة الاجـتماعـیة لـلاحـتجاج، إنـما یـتشكل الاحـتجاج كـما الـماء، آخـذاً شـكل الإنـاء الـذي یـحتویـه، فهذا الـفضاء الـدائـري داخـل الـمدیـنة الـدائـریـة مـتاح لـلكل، ویـلتقي فـیه الـكل دون هویـات محـددة ودون حـتى أن یـتعارفـوا، ووفـقا لـلحاجـات المشـتركـة وسـبب الاحـتجاج، یخلقون نوعا من التضامن العابر للطوائف والقومیات.

تعد الـساحـة الـمركـز الـرمـزي لـلمدیـنة الـتي خـطّها أبـو جـعفر الـمنصور. یــدخــل الــمواطــنون إلــى الــساحــة دون أن یــفكروا فــیها، وفي مــعانــیها، هي موجودة في بداهات لا وعیهم، ولذلك یتجاوزونها إلى محلاتهم وبیوتهم. تغير اسـم الـساحة -كما يشدد الكاتب- ووظـیفتها وهندسـتها مـع تـاریـخ الـعراق السـیاسـي الحـدیـث، وكـانـت مـعرضـاً لأحـداث تـاریـخیة. أسـس الـساحة ومـحیطها الـملك غـازي كـمركـز لـمدیـنة یـقسمها النهر، ومـحلاتـها مـغلقة عـلى نـفسها. بـاسمه سـمیت حـدیـقة الـملك غـازي، وبـاسـم زوجته سمي جسر الـملكة عـالـیة. تـغیّر اسم الـساحـة فـي العهد الجـمهوري إلـى ساحـة التحریر، وتـغیر اسـم الجسر إلـى جسر الجـمهوریـة، وأعـیدت هندسـتها فـأنجـز الـفنان جـواد سـلیم الـنصب الـذي سـیكون أیـقونـة الـساحـة وهو نـصب الحــریــة، وأضــاف الــزعــیم عــبدالـكریم قــاسم فــیها مــنصته لــتحیة الجـماهیر. الـبعث بـعد اسـتلامـه السـلطة لـلمرة الـثانـیة، أقـام فـیها یـوم الـسابـع والعشـریـن مـن يناير (كـانـون الـثانـي) 1969 أول مهرجـان لـلرعـب بـتعلیق جـثث (جواسیس) یدور حولها متظاهرون یهتفون (الموت للجواسیس)!

حاولت السـلطات الـمتتالـیة إعـادة تـشكیل هذا الـفضاء الـمزدحـم بـتحویـله إلـى مـركـز ثـقافـي: سـینما غـرنـاطـة، بـنایـة وزارة الـثقافـة، مجـموعـة مـكتبات عـند مـدخـل شـارع الـسعدون، إضـافـة لــلنصب الــرمــزیــة، نــصب الحــریــة لــجواد ســلیم والأم لــخالــد الــرحــال وجـداریـة فـائـق حـسن. لـكن الـمكان لا یـتیح مـجالاً لـثقافـة الـتأمـل، فـقد بـقي مـمراً یـتقاطـع الـناس فـیه دون أن یـعرفـوا بـعضهم ودون أن یـعرفـوا أنـفسم بالطائفة أو القبیلة. صارت الـساحـة بوصفها رمزاً للمدينة، مـركـزاً لـتظاهرات الاحـتجاج فـي الأعـوام (2011- 2015). وكـما فـي كـل مـظاهرات الاحـتجاج الـسابـقة، اخـتار الشــباب هذا الــمكان الــمفتوح والــمركــزي مــیدانــاً لاعــتصامــهم فــي 1 أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

يشير الكاتب إلى أن (94%) من الـمتظاهرین يرون أن الاحتجاجات جـعلتهم یـشعرون بأهميتهم. وجـودهم فـي الـساحة، یرعــب السلطة الــتي أرادت أن تسلبهم الــحق والإرادة، فبدأت تتحرك وتتخذ ردود أفعال مختلفة: كـثرة اجـتماعات الـحكومة والـبرلمان، الاسـتعجال فـي تـمریـر قـرارات كـانـت نـائـمة عـلى الـرفـوف، كـثرة الانـشقاقـات داخـل الـكتل الـحاكـمة، الارتـباك بـین الـوعـود وإمكانـیة الـتحقق، الـمزایـدات وتـملق بـعض الـمتظاهریـن... كـل ذلـك ناتج عـرضـي لـلأزمـة الـتي خـلقها وجـودهم الـعنید فـي الـساحة، ولـذلـك أشـعرتـهم الـمشاركـة بـأنـهم مـساهمون فـي صـناعة تـاریـخهم.