الإسلاميون والعلوم الاجتماعية التضليل بالمعرفة


يسعى هذا الكتاب إلى دراسة توظيف الإسلاميين العلوم الاجتماعية في مجالات عدة؛ بدءاً من التاريخ، وعلوم التربية، مروراً بالاقتصاد، والإعلام وصولاً إلى الفلسفة والقانون، وعلم الاجتماع، ونظريات السياسة الدولية. حاولت الدراسات معرفة أساليب تحوير العلوم، وتسويق الأيديولوجيا بمكر، لتبدو وكأنها متماسكة ومُقنِعة، فتصير العلوم الجليلة ونظرياتها، بذلك، خادمة للمشروع السياسي.


تم النشر في: January 2020


front157

قائمة الفصول


# اسم الكتاب
1 دعاة الإسلام السياسي وتوظيف التاريخ
2 القراءة الأيديولوجية للتاريخ لدى الإخوان المسلمين
3 توظيف الإسلاميين للعلوم الاجتماعية والإنسانية: مناهج ومجالات
4 الإسلام السياسي واستغلال وعلوم التربية
5 رهانات الأسلمة في خطاب الإسلاميين: المسألة الاقتصاديّة أنموذجاً
6 الإسلاميون وأسلمة الاقتصاد: الطروحات والأزمات
7 الحركات الإسلامية: توظيف الإعلام التقليدي والميديا الجديدة
8 الإسلام السياسي والميديا الجديدة: الإخوان المسلمون أنموذجاً
9 الإسلاميون واستغلال المفهوم الفلسفي
10 جدلية العلاقة بين التيار الإسلامي والقانون
11 الإسلام السياسي في تونس من منظور علم الاجتماع
12 الإسلاميون وتوظيف النظريات السياسية والعلاقات الدولية: ولاية الفقيه أنموذجاً

شرح الكتاب


ملخص بحوث العدد (157)

الإسلاميون والعلوم الاجتماعية: التضليل بالمعرفة

يناير (كانون الثاني) 2020

دبي

يسعى مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «الإسلاميون والعلوم الاجتماعية: التضليل بالمعرفة» (الكتاب السابع والخمسون بعد المئة، يناير/ كانون الثاني 2020)، إلى دراسة: «توظيف الإسلاميين للعلوم الاجتماعية». إذ تبرهن القراءة الهادئة لأدبياتهم الأيديولوجية على تطويعهم هذه العلوم؛ خدمة لمشروعهم التربوي والسياسي والاقتصادي. كما يبحث النظريات التي درست بها هذه العلوم ظاهرة الإسلام السياسي، فغطت المواد مجالات: التاريخ، وعلوم التربية، مروراً بالاقتصاد، والإعلام، وصولاً إلى الفلسفة، والقانون، وعلم الاجتماع، ونظريات السياسة الدولية. وحاولت معرفة أساليب تحوير العلوم، وتسويق الأيديولوجيا بمكرٍ، لتبدو وكأنها متماسكة ومُقنِعة؛ فتصير العلوم الجليلة ونظرياتها، بذلك، خادمة للمشروع السياسي.

دعاة الإسلام السياسي وتوظيف التاريخ

هدفت دراسة نادر الحمّامي -أستاذ الحضارة العربيّة والإسلاميّة بالجامعة التونسيّة- إلى رصد بعض الآليّات التي استعملها دعاة الإسلام السياسي لتأصيل مقولات الإسلاميين الأساسيّة كالحاكميّة والولاء والبراء وغيرهما عبر ضروب متعسّفة من قراءة التاريخ الإسلامي، وهي تقوم على الانتقاء والتأويل والتوجيه، فيتمّ تغييب كل ما من شأنه أن يعارض توجّهاتهم أو تأويله تأويلاً يجعله متطابقاً مع الأيديولوجيات التي يرومون إيجاد مستند دينيّ لها.

تقدّم الدراسة أمثلة واضحة من خلال كتابات مختلفة لدعاة الإسلام السياسي تكشف عن كيفيّات توظيفهم للتاريخ الإسلامي لصناعة أيديولوجيّاتهم الخفية منها والعلنية، والتي تلتقي في محاولات السعي إلى السيطرة على المجتمع سياسيّاً وفكريّاً عبر إضفاء صبغة متعالية على التاريخ، ولبيان ذلك ركز الباحث على ثلاث آليّات، تشترك فيها التيّارات الإسلامويّة وهي: العزلة الشعوريّة، والمظلوميّة، وتوظيف الرموز التراثيّة والتاريخيّة.

إنّ جوهر تعامل تيّارات الإسلام السياسي، بمختلف توجّهاتها، مع التاريخ وأحداثه وأخباره يتلخّص في الإيهام بأنّ ما يدعون إليه خارج عن التاريخ الاجتماعي والثقافي والسياسي كما عاشه المسلمون ليدرجوه في إطار العقدي والديني، وبالتالي يصبح كلّ مخالف لهم في تأويل ذلك التاريخ أو فهمه خارجا عن الملّة، ومن هنا يمكن الإقرار أنّ تلك التيّارات لم تقم بخلط الديني بالسياسي فحسب، وإنّما أيضا بخلط التاريخي والثقافي والحضاري بالديني عبر قراءات مخصوصة وموجّهة تُوهم -في أغلب الأحيان- بالتمسّك بما كانت عليه الأجيال الإسلاميّة الأولى عبر الإعلان عن «الاقتداء بالسلف»، فيتمّ اختيار ما يشرّعون به لدعاوى ما يسمّى «دولة الشريعة» أو «دولة الخلافة» أو «المجتمع الإسلامي» وصولا إلى «الدولة الإسلاميّة».

يرى الباحث أن مثل هذه الأهداف يتمّ السعي إليها –كذلك- عبر تحويل معاني العديد من المفاهيم ونزعها من تاريخيّتها وسياقاتها التي وُجدت فيها، مثل: مفاهيم الجهاد، وأهل الحلّ والعقد، وأهل الذمّة وتطبيق الشريعة، وغير ذلك من المفاهيم التي يقدّمونها بكثير من الإسقاطات التاريخيّة مؤكّدين في الوقت نفسه، وبصورة جامعة بين كلّ تيّارات الإسلام السياسي، أنّ المجتمعات الإسلاميّة الراهنة تخلّت عن تاريخها وموروثها، وبالتالي فهي مجتمعات قد «تغرّبت»، وأنّها تعيش فترة من الانحطاط، سببه الأساسي عندهم «الابتعاد عن الإسلام» بالصيغة التي يرونها هم، ممّا يفتح المجال واسعا أمامهم لترويج الشعار المخاتل «الإسلام هو الحلّ»، والمقصود لديهم هنا ليس الإسلام دينًا، بل كلّ ما يتعلّق بنواحي الحياة السياسيّة والاجتماعيّة وفق نمط معيّن يريدون فرضه عبر ترويج فكرة أنّهم ملتزمون بما كان عليه المسلمون الأوائل في «العصور الذهبيّة المشرقة». وعلى هذا الأساس يتمّ رفض كلّ القيم الحديثة وكلّ أشكال الانتظام السياسي والاجتماعي المستند إلى حريّة الإنسان الحديث المتحمّل لمسؤوليّته الحضاريّة.

القراءة الأيديولوجية للتاريخ لدى الإخوان المسلمين

يحلل حامد فتحي -باحث مصري في الفلسفة والتاريخ الإسلامي- القراءة الإخوانية للتاريخ من خلال محاولة فهم بعض نماذج المنتمين إلى الجماعة، وهم: منير محمد الغضبان (1942-2014) المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا سابقاً، وجمال عبدالهادي مسعود، أحد الدعاة الإخوان في مصر، مواليد عام 1937، وحائز على الدكتوراه في الفلسفة والآداب، وأستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة أم القرى سابقاً، ومحمد علي الصلابي، ليبي من مواليد عام 1963، أحد أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين في ليبيا، وتم تصنيفه على قوائم الإرهاب في دول عربية عدة.

قسم الباحث الدراسة إلى محورين: المحور الأول استقصائي يتناول عرض أهم الموضوعات التي نالت اهتمام الدراسة، من خلال استطلاع مؤلفاتهم وإسهاماتهم، ويبحث عن علاقة هذه الموضوعات بأهداف جماعة الإخوان. المحور الثاني يقوم على تحليل منهج القراءة لعدد مختار من الموضوعات السابقة، ويفكك آليات التوظيف الإخواني للأحداث التاريخية في العملية التربوية والدعائية للجماعة. مبرزا انتقائية الإخوان لتلك الأحداث التاريخية.

يخلص الباحث إلى أن القراءة الأيديولوجية للتاريخ تؤدي إلى تزييف الوقائع وطمس الأحداث لخدمة أغراض بحثية. وفي حالة الإخوان المسلمين يتحول التاريخ إلى منبر دعائي لأفكار الإسلام السياسي وعلى رأسها قضايا الحاكمية. تسهم هذه القراءة في تعميق الاغتراب لدى الشخصية المسلمة عن العالم، بسبب تربية الفرد وتنشئته على وجود غاية لحياته غير الفعالية البشرية. وتساهم في زيادة العداء للآخر بسبب الأحكام القيمية المطلقة. يتحول المستقبل إلى ترديد للحظة ماضوية، مما يشجع على العنف والإرهاب من أجل تغيير المجتمع والعودة به إلى مثالية الماضي. وتسبب في استمرار العداء بين المسلمين وغيرهم، وكراهية المنتجات الفكرية للآخر، مما يعمق من أزمة الانغلاق الفكري للمسلمين. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي هذه القراءة إلى اغتراب الفرد المسلم عن الدولة الوطنية الحديثة، وزرع شعور بالكراهية والرفض للتجربة النهضوية الحديثة، وانتشار النزعات الإحيائية. كما أنها مسؤولة جزئيًا عن التطرف والعنف الديني بين المسلمين؛ بسبب الاغتراب وانفصام الفرد عن الواقع والحاضر، ورفضه لهما، وسعيه لابتعاث الماضي الذي يمثل الغاية الأولى لوجوده. على مستوى التدين تؤدي إلى تقوية النصوصية والتقليد على حساب الاجتهاد والفهم السياقي للنصوص. وعلى المستوى السياسي تدعم السلطوية وتبرر لها باسم الغاية التاريخية، وينتج عن ذلك معاداة للنظم الحديثة التي يحتل الفرد فيها مكانة أساسية قبل الغايات.

توظيف الإسلاميين للعلوم الاجتماعية والإنسانية: مناهج ومجالات

يرى عبدالغني عماد -أستاذ جامعي وباحث أكاديمي لبناني متخصص في الحركات الإسلامية- أنه ليس جديداً اهتمام السوسيولوجيا بالظاهرة الدينية، فقد ارتبط ذلك باهتمام منظريها وروادها الأوائل الذين وضعوا المجتمع والعلاقات الناظمة لسلوك الجماعات كوحدة تحليل مرجعية قبل الفقه واللاهوت والمنتجات الذهنية، لذا تركز الاهتمام على الممارسة السلوكية في الواقع المعيش وما تعتمد عليه المجموعات البشرية من معتقدات وتفسيرات للنصوص الدينية من منطلق موقع الإنسان والجماعات في البنية الاجتماعية. مشيرا إلى أن منطلق السوسيولوجيا والعلوم الاجتماعية والإنسانية يختلف منهجياً عن العلوم الدينية واللاهوتية وكذلك عن الاستشراق، فالأول يسعى إلى تحليل السلوك الديني في الحياة اليومية، وما يستند إليه من تفسيرات خاصة بالنصوص الدينية في السياق الاجتماعي والتاريخي، ومن منطلق التناقضات والصراعات القائمة داخل المجتمع وفي علاقاته بمجتمعات وحضارات أخرى، في حين يذهب الاستشراق باتجاه تقديم تفسيرات خاصة للنصوص والوقائع والأحداث الدينية في الشرق، بمعزل عن سياقها الاجتماعي والتاريخي. ويشير الباحث إلى أن ثلاثة نماذج من التعامل مع العلوم الإنسانية والاجتماعية سادت بين الإسلاميين: الأول يميل إلى التشكيك في تلك العلوم ومنتجاتها، أو على الأقل التقليل من شأنها، وهو ناتج عن قلّة اطلاع وسوء فهم لبعض نظرياتها، وقد ظلّ هذا الاتجاه محافظاً على نمط تقليدي من البحث، يتميّز بدراسة النصوص والتراث والأحداث بوصفها أجزاءً متفرّقة، دون امتلاك نظريات عامة ورؤية لفهمها ضمن أنساق، مع التمسّك بكتابات قديمة والاحتفاء بها دون تجديد.

ذهب النوع الثاني إلى النقيض، فقد انبهر بتلك العلوم، وراح يعمل على أسلمتها وإدماج أطروحاتها ومفاهيمها في مشروع يعمل عليه تحت عنوان «التأصيل الإسلامي للمعرفة». بينما ذهب تيار ثالث إلى الجانب العملي، إذ فضل التعامل مع منتجاتها وعلومها التقنية والتطبيقية والخدمية. يستنتج الباحث ثلاث خلاصات في عملية توظيف الإسلاميين للعلوم الاجتماعية والإنسانية: الأولى تنتظم تحت عنوان "أسلمة المعرفة وتأصيل العلوم" وهي –بتقديري- سجلت نجاحاً نسبياً. الثانية تنتظم تحت عنوان "الاتجاه المؤسساتي والخدمي". وهي الأكثر استفادة من الناحية التطبيقية، وتسجل تقدماً وازدهاراً أكثر من غيرها. يبقى الميدان البحثي، الثالث، وهو ميدان جديد بالفعل، ويتطور بسرعة متفاعلاً مع مختلف الاتجاهات السائدة في عالم اليوم.

الإسلام السياسي واستغلال وعلوم التربية

يرى شبل بدران -أستاذ علم اجتماع التربية، وعميد كلية التربية في جامعة الإسكندرية سابقاً- أن ظاهرة الإسلام السياسي اتخذت مُسَمَيات مختلفة لا تخلو من مضامين ودلالات أيديولوجية؛ إذ يتم تناول مصطلحات تؤدي المعنى ذاته مثل: «الصحوة الإسلامية» أو «حركة التجديد الإسلامي»، أو «الانبعاث (البعث) الإسلامي» أو «النهضة الإسلامية»، وهي تفترض امتلاكها للحقيقة المطلقة. ولنظرية شاملة ورؤية كاملة لكل جوانب الحياة الإنسانية المعاصرة حسب المقولة الشائعة: «الإسلام دين ودنيا ودولة».

تناقش الورقة قضايا الإسلام السياسي: الأيديولوجيا والأهداف والغايات، كيف وظف الإسلام السياسي من خلال خطابه ومشروعه علوم التربية في مجالات شتى للحياة المعيشة، وتحديداً في مجالات العلوم التربوية (التربية الإسلامية، التعليم الإسلامي، فلسفة التربية الإسلامية... إلخ) وذلك انطلاقاً من أن علوم التربية تشمل: أصول التربية والمناهج وطرق التدريس، وعلم النفس التربوي والإدارة التعليمية ونظم التعليم والتربية المقارنة. درس الباحث المضامين التربوية في خطاب الإسلام السياسي، وتوظيف الإسلام السياسي علوم التربية. مؤكدا أن هؤلاء الذين يروجون لتلك الشعارات والمفاهيم يربطون الدين بالعلوم الدنيوية الإنسانية المتغيرة، الدين ثابت ولا يتغير، والمعرفة الإنسانية والتربوية متغيرة بتغير الزمان والمكان فكيف نربط الثابت بالمتحول والمتغير، إن هذا ليس لصالح الدين، ولا لصالح العلوم والمعارف الإنسانية، إنه خلط للأوراق والمفاهيم تحت دعاوى «الإسلام هو الحل».

رهانات الأسلمة في خطاب الإسلاميين: المسألة الاقتصاديّة أنموذجاً

قدّم فريد بن بلقاسم -باحث وكاتب تونسي- في دراسته مدخلاً للإحاطة بمفهوم الأسلمة وأهمّيته في منظومة الحركات الإسلامويّة الأيديولوجيّة، لتشمل محورين: الأوّل يدور حول تصوّرات الإسلاميين الاقتصاديّة من حيث المشاغل والمرجعيّات، ومن حيث مدى قدرتها على الاستجابة للتحدّيات المطروحة في الدول العربيّة الإسلاميّة. والثّاني، يضع فيه الأسلمة الاقتصاديّة موضع اختبار نقديّ من خلال التمييز بين قدرات الحركات الإسلامويّة فيما يسميه خطط «التمكين الاقتصاديّ» أو «الماليّ» على وجه الدقّة التي مكّنتها من امتلاك ثروات هائلة، وتعثُّر الإسلاميين الّذين وصلوا إلى الحكم في وضع سياسات اقتصاديّة تقدّم حلولا ناجعة للأزمات التي تتخبّط فيها دولهم. يتقصّى الباحث ثروات الجماعة من حيث مصادرها وطرق تثميرها وتنميتها وتوظيفها في نّقطتين: أولاً: تتأتّى موارد الجماعة الماليّة من اشتراكات أعضائها وتبرّعاتهم، وبذلك تم تشييد صرح ماليّ متين مبنيّ أساساً على الاستثمار في ما يسميه الباحث «العقيدة الماليّة الإخوانيّة»، وهي عقيدة ترتهن أموال أفرادها لصالح الجماعة، وتستقطب من خلال استثارة العواطف الدينيّة أموال المسلمين. ثانياً: يرى الباحث أنّ خطط الإخوان المسلمين في جمع الأموال وتكديس الثروات بمختلف الطرق، تندرج ضمن مخطّط التمكين الاقتصاديّ والماليّ، وأمكن لهم في هذا المضمار أن يبلغوا «أستاذيّة العالم اقتصاديّاً».

يخلص الباحث إلى أنّ رهان الإسلاميين على الأسلمة الاقتصاديّة ينطوي على مفارقة تتمثّل في أنّه بقدر نجاحهم في جمع الأموال وتكديسها واستثمارها بواسطة الماليّة الإسلاميّة، ممّا مكنّهم من بناء معبد اقتصاديّ وماليّ وظّفوه في خدمة أهدافهم السياسيّة والاجتماعيّة، فإنّهم أخفقوا كلّما كانوا في سدّة الحكم في تقديم برامج اقتصاديّة ناجعة. فبقدر ما ركّز الإسلاميّون على «سلعنة» الدّين أو بالأحرى مظاهر التديّن وتحويله إلى رأسمال ماديّ ورمزيّ، وتوظيفه في سعيهم إلى السلطة والحكم، فقد افتقروا إلى رؤية استراتيجيّة لتسيير الدولة تسييرا عقلانيّا، وتعاملوا مع أجهزتها باعتبارها أدوات تنفيذيّة مسخّرة لخدمة مشروعهم السياسيّ والاجتماعيّ، وهو مشروع يمكن اختزاله في مصطلح «الأخونة» أو «الأسلمة»، أي إنّ إدارتهم للدولة قائمة على خلفيّة أيديولوجيّة تفتقد أيّ طابع عقلانيّ يراعي مصالحها، فلم يكن همّهم اجتراح حلول ناجعة لما تتخبّط فيها المجتمعات العربيّة الإسلاميّة من مشكلات اقتصاديّة وتنمويّة، بل كان تركيزهم على فرض سيطرتهم على أجهزة الدولة وتطويعها لخدمة أهدافهم، وقد كانوا محكومين في ذلك بمفهوم «التمكين» لتحقيق مشروع الدولة الإسلاميّة ونظام الحكم الإسلاميّ، وفق تصوّراتهم وتأويلاتهم المخصوصة.

الإسلاميون وأسلمة الاقتصاد: الطروحات والأزمات

يرى ناجح العبيدي -خبير اقتصادي مقيم في برلين- أن الإسلام السياسي لم يكتشف أهمية علم الاقتصاد من الناحية النظرية والعملية إلاّ في مرحلة متأخرة نسبياً. هذا ما يقرُّ به يوسف القرضاوي المنظِّر الأول لجماعة الإخوان المسلمين في كتابه «دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي» الصادر عام 1995. في تمهيده لكتابه هذا يؤكد القرضاوي أنه حتى ستينيات القرن الماضي "لم يكن على الجانب الإسلامي إلّا كتب قليلة كتبها بعض العلماء والدعاة... وبعض المحاضرات والمقالات في جوانب اقتصادية من وجهة النظر الإسلامية". تغيّرت الأوضاع في سبعينيات القرن الماضي، عندما بدأ منظرو الإسلام السياسي بالاهتمام أكثر بمفهوم «الاقتصاد الإسلامي»، ليس بغرض إبراز أهمية القيم الدينية في التنمية الاقتصادية، وإنما بالدرجة الأولى من أجل أهداف سياسية وأيديولوجية ودعائية ومالية.

يشير الباحث إلى أن التيارات الإسلامية السنية والشيعية، أدركت أن إقامة نظام شمولي لا يشترط من الناحية الأيديولوجية رفع شعار الحاكمية فقط، وإنما أيضاً التأصيل النظري لمفهوم «الاقتصاد الإسلامي» بديلاً لنظام اقتصاد السوق «الرأسمالي» ونظام التخطيط المركزي «الاشتراكي». يلفت العبيدي إلى المفاهيم الاقتصادية بين النظرية والتطبيق؛ حيث بذل الإسلاميون منذ البداية جهوداً كبيرة للترويج لأنموذجهم الاقتصادي، من خلال التركيز على بعض المفاهيم الاقتصادية كقضايا الملكية والإنفاق والاكتناز والاحتكار والإسراف. ضمن هذه الاستراتيجية شكّل الموقف من الربا حجر الزاوية في تصوراتهم الفقهية والعملية، لا سيما وأنه كان الأساس وراء إنشاء ما سمي بالبنوك الإسلامية، التي تعتبر أكثر ما يفخر به منظرو النظام الاقتصادي للإسلام، وأبرز جانب عملي لهذا النظام. كما يتناول الباحث تناقضات اقتصاد الإسلاميين، والتشابك المريب بين الديني والسياسي والتجاري، مقدمًا إيران في ظل حكم ولاية الفقية أبرز مثال على التشابك الخطير بين الديني والسياسي والمالي، مشيرا إلى أن محاولات الإسلاميين التغلغل في الحياة الاقتصادية، لأهداف سياسية، لا تقتصر على العالم الإسلامي، وإنما يمكن ملاحظتها أيضاً في الدول الغربية. ويخلص الباحث إلى أن النقاشات الاقتصادية في السنوات الأخيرة تبين -بما لا يدع مجالاً للشك- أن الأنموذج الاقتصادي للإسلاميين فقد الكثير من بريقه، وتراجعت أهميته في الصراعات الفكرية الجارية في العالم الإسلامي وعلى المستوى العالمي. يعود ذلك إلى ثلاثة عوامل أساسية: الأول: انهيار النظام الاشتراكي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وتالياً تراجع حدة الجدل حول إيجاد بديل لاقتصاد السوق. من جهة أخرى بينت النتائج العملية لمحاولات تطبيق أنموذج اقتصادي -بحسب تصورات الإسلاميين في إيران وباكستان والسودان- أن الوعود البراقة بقيت مجرد حبر على ورق، بينما تعاني اقتصادات هذه البلدان من أزمات خانقة ومن الفساد والمحسوبية وانعدام العدالة. وأخيراً فإن معظم خصائص ما سمي بالاقتصاد الإسلامي، والتي يُفترض بأنها تميزه عن النظم الاقتصادية الأخرى، لم تكتسب أهمية ملموسة في الواقع الاقتصادي في العالم الإسلامي، ما عدا مفهومين أساسيين هما: منع الفائدة، والزكاة. لكن التجربة العملية في هذا المجال أظهرت أيضا أنهما لا يكفيان لتبرير وجود نظام اقتصادي مستقل خاص بالإسلام، يختلف جذرياً عن النظم الاقتصادية الوضعية، وقادر على تقديم حلول مبتكرة لمعضلات التنمية.

الحركات الإسلامية: توظيف الإعلام التقليدي والميديا الجديدة

يفترض يحيى اليحياوي -أستاذ في جامعة محمد الخامس بالمغرب- أن حركات الإسلام السياسي لا تتعامل مع الإعلام باعتباره قواعد ونظريات وأخلاقيات، يتقيد بها هذا المنبر أو ذاك، ويبني عليها مقومات خطه التحريري وتصوره للأداء الإعلامي، بل تتعامل معه باعتباره وسيلة وأداة ليس إلاّ، الغرض منه بث رسالة مصممة سلفاً، وفق مرجعية محددة، موجهة لجمهور محدد، ومتضمنة لخطاب محدد، يبعث به لهذه الجهة أو تلك، لإدراك مبتغيات معينة، محصور إطارها في الزمن والمكان. مشيرًا إلى أن الخطاب الإعلامي لهذه الحركات قد يتقاطع مع هذه القاعدة الإعلامية أو تلك، مع هذه النظرية الاتصالية أو تلك، مع هذه المدرسة أو تلك، لكنه ليس محكوماً بها في كل وقت وحين. فهو يراهن –مثلاً- على الدقة في تصميم الرسالة، على المهنية في صوغها والاحترافية في إخراجها، لكنه غير ملزم بالانصياع لأخلاقيات الفعل الإعلامي كما هو سائد، ومتعارف عليه بوسائل الإعلام والاتصال. إنه يطوع القواعد والنظريات لتتساوق مع خطابه، وليس العكس. يتناول الباحث البعد الإعلامي في أيديولوجيا الإسلام السياسي، دارسا القواعد الإعلامية لحركات الإسلام السياسي، وممارسات التضليل، مبرزا مقومات الخطاب الإعلامي عند الإسلاميين في الإنترنت، والشبكات الاجتماعية والمواقع الجهادية. مشيرا إلى أن التنظيمات «الجهادية» برعت في هذا التوظيف، ليس فقط كونها «اشتغلت كثيراً على الرسالة»، بل لأنها أدركت مبكراً أن جزءاً كبيراً من حربها على «الإخوة الأعداء» وعلى «الغريب» إنما تتم بالميدان، وفي موازاة ذلك، على منابر الإعلام ومنصات الاتصال.

الإسلام السياسي والميديا الجديدة: الإخوان المسلمون أنموذجاً

يسعى محمد مختار قنديل -باحث مصري متخصص في شؤون الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة- في هذه الدراسة إلى تشريح استخدام الإسلاميين لوسائل التواصل الاجتماعي (وسائل الإعلام الاجتماعي) بوصفها وسيلة لنشر أيديولوجيتهم وخلق عالم افتراضي موازٍ ومحاكٍ للواقع، من خلال رقمنة الواقع بواسطة تجمعات إسلامية في العالم الافتراضي. وفي سبيل هذا تتطرق الدراسة إلى تاريخ استخدام الجماعات الإسلامية للإنترنت من خلال التعرض لمفهومي الإرهاب والجهاد السيبراني وأشكال استخداماتهم للإنترنت ووسائل الإعلام والفاعلين بتلك المنصات وتصنيفهم، وتركز على نموذج موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وكيفية توظيفه والعوامل المساعدة في ذلك، من خلال تحليل محتوى صفحات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين للتعرف على أبرز القضايا التي يتسلل بها أتباع الجماعة لخلق عالمهم الافتراضي الموازي. ثمة ثلاثة أبعاد محددة لنشاط الإسلاميين على الإنترنت، وفقاً لما وفره من إمكانات سهلت من مهمة تلك الجماعات في نشر أيديولوجيتهم وأفكارهم المتطرفة، أولها: يتمثل في استخدام التقنيات المتاحة لتوفير معلومات عن المواقع والأهداف المستهدفة في الواقع، بوصف الإنترنت حلقة وصل ووسيطاً في تنفيذ العمليات الإرهابية أو نشر الفكر المتطرف. ثانيها: نشر الأفكار المتطرفة والتأثير في الرأي العام ومعتقداته سواء باستخدامه وسيلة لبث الكراهية أو سلاحاً في حرب الأفكار ومحاولة تجنيد أتباع جدد، أو وسيلة من وسائل التمويل والبحث عن تبرعات لصالح جماعة أو تنظيم بعينه. ثالثها: تصدير صورة ذهنية رقمية إيجابية، ووسيلة لنشر أخبار الجماعة في إطار الميديا الجديدة (الميديا الاجتماعية)، من خلال نشر بيانات وتصريحات ومواقف من قضايا بعينها. تحدد الأبعاد الثلاثة نوعية المواقع المستهدفة، فالبعد الأول يركز بصورة أساسية على تقنيات مثل تحديد المواقع، ومحركات البحث وغيرها من مصادر توفير المعلومات، أما البعدان الثاني والثالث، فيستدعيان الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي والتجمعات في الفضاء الإلكتروني، ومواقع التشابك والتواصل مع المجتمع الافتراضي. وعليه تركز الدراسة على البعدين الثاني والثالث، باعتبارهما يتطابقان مع استهداف واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة لفهم الآلية التي تفكر بها هذه الجماعات، والقضايا التي تشغلها عبر موقع فيسبوك، وذلك بالتطبيق على جماعة الإخوان المسلمين.

يحدد الباحث السمات العامة لاستخدام الإخوان المسلمين لفيسبوك ويدرجها على النحو التالي: نقل ادعاء المظلومية من الواقع إلى العالم الافتراضي، ومحاولة التأثير على الرأي العام في الفضاء الإلكتروني واستعطافه. اتفاق الجماعة في مصر بجبهتيها (عزت، الشباب) على بعض القضايا خصوصاً القضية الفلسطينية واستغلالها لتحقيق مصالح وأهداف خاصة، من زاوية أن الجماعة تهتم بقضايا المسلمين عامة. الهدف ليس الداخل المصري فقط، وإنما الرأي العام الإقليمي والدولي، وذلك بتوجيه الجبهتين بيانات وتصريحات تتعلق بقضايا إقليمية ودولية. وذلك في إطار استغلال التلاحم في الفضاء الإلكتروني ما بين التأثيرين المحلي والدولي، حيث يتيح الفضاء الإلكتروني تشابكاً وتجمعاً للرأي العام والفاعلين به من مختلف النطاقات، مما يساهم في المزيد من إنشاء التكتلات والتحالفات العابرة للحدود.

الإسلاميون واستغلال المفهوم الفلسفي

يقول فهد سليمان الشقيران -باحث وكاتب سعودي-: إن اقتحام الفلسفة لإثبات حقائق لاهوتية مطلقة، ليس وليد اليوم، كما أن استغلال مؤسسات، وتيارات، وأيديولوجياتٍ دينية لمفاهيم فلسفية لم تسلم منها حتى الظواهر الإحيائية المسيحية مثل اللوثرية، وفي العالم الإسلامي، استخدمت الفلسفة منذ زمن أبي حامد الغزالي في رده على ابن رشد، إذ أفاد من المجال الفلسفي لنقض الفلسفة، كذلك فعل ابن تيمية في الرد على المنطقيين، إذ أخذ كل عدته في فهم المنطق الصوري (المنطق الأرسطي) للرد عليهم، ونجد في مؤلفاته وخصوصاً في «درء تعارض العقل والنقل» أو كراريس من «الفتاوى» أو ما أفرد لاحقاً بكتابٍ حمل عنوان: «الرد على المنطقيين» التوظيف الشبيه لكل الأيديولوجيين الذين استخدموا الفلسفة، وجد الباحث الكثير من الاضطراب لدى فئتين، أولهما: توظيف الأصوليين للفلسفة، والآخر: جهل المهتمين بالفلسفة بخطر الأصوليات. ويضيف أنه حين تتأمل في مؤلفات حسن البنا، وسيد قطب، وأنور الجندي، وراشد الغنوشي، وحسن الترابي، وحاكم المطيري، ومحمد العوضي، والعشرات غيرهم، تعثر على عددٍ من المستندات الفلسفية التي يروونها بطيات تنظيرهم حول المجال العام. وأنه لا تنحصر وظيفة الفلسفة في قراءتها وتوظيفها، كذلك فعلت التيارات الماركسية مثل كريم مروة، ويفعل طارق رمضان الذي كتب أطروحته حول نيتشه، والغنوشي المغرم بنظريات الحق والحرية، بيد أن الأهم عدم توظيف الفلسفة للرؤى الرجعية، أو لتثبيت أدبيات وأنماطٍ ماضوية، ما لم يقم المفهوم الفلسفي بتحويل أو تحويرٍ أو تعديل، فإن الاعتماد عليه يعتبر مجرد كساء لنظريةٍ قائمةٍ أصلاً، لا نفيد إن كانت نتيجة الخطاب الأصولي الذي يطرحه هذا الأصولي أو ذاك واحدةً، ستكون النتيجة واحدةً مهما كانت الألفاظ والأسماء المستخدمة في الخطاب، بعض البحوث التي يطرحها الحركيون نتائجها في النهاية تصب في توجه أسامة بن لادن والظواهري وحسن البنا والبغدادي والقرضاوي، لا فائدة من ذلك الاستخدام، بالطبع لن يكفّ أولئك عن هذه المناورات البحثية، ولكن على الأكاديميين والباحثين وضع نصب أعينهم مجالات المخاتلة، وظروف التحولات السياسية التي توجه تلك الجماعات التي خدعت بخطابها المخاتل حكوماتٍ غربية بأكملها، وادعت أنها مع الحرية والعلمانية وحقوق المرأة وحرية الأديان، كل ذلك كلام على الورق من الخطر اعتماده، ولنتخذ من الفلاسفة العرب الذي عرفوا الحيل نماذج لعملنا البحثي، وهي مهمة ليست سهلة.

جدلية العلاقة بين التيار الإسلامي والقانون

طرح أيمن سلامة -أستاذ القانون الدولي العام في جامعة القاهرة- في هذه الدراسة التساؤل التالي: ماذا يحتاج القانوني لمعرفته عن الإسلام السياسي، وعن توظيف واستغلال التيارات الإسلامية لمبادئ علم القانون؟ حيث ترواحت المواقف المختلفة في العالم الإسلامي وغير الإسلامي حيثما توجد أقليات مسلمة، بين الحركات والتيارات الإسلامية من جانب، وبين النظم القانونية والمؤسسات التشريعية بين شد وجذب، بيد أن هذه السياقات المتداخلة شهدت تحولاً بارزاً حين وصلت هذه التيارات الإسلامية إلى سدة الحكم في عدد من الدول العربية بعد 2011، عن طريق أدواتها السياسية المتمثلة في الأحزاب المعترف بها أو الحركات وكتل غير معترف بها في هذه الدول. شرح الباحث هذه السياقات والعلاقات المتماثلة تارة والمتنافرة تارة أخرى. متناولا المفاهيم الاصطلاحية وسمات وخصائص الإسلام السياسي. كما يوضح نظرة التيار الإسلامي للقانون، مبرزا سمة الدولة لدى التيار الإسلامي، مقدما التيارات الإسلامية من منظور القانون، كاشفًا تجاوزاتها في هذا المجال.

الإسلام السياسي في تونس من منظور علم الاجتماع

تطرق منذر بالضيافي -باحث تونسي متخصص في الحركات الإسلامية- في دراسته للمقاربة السوسيولوجية (المنهج والمفاهيم)، للظاهرة الإسلامية في تونس ممثلة في الحركة الإسلامية، وتحديداً تيارها الرئيس المعروف اليوم تحت اسم حركة «النهضة»، من خلال عرض يجمع بين التفسير والتحليل والاستنتاجات، لأهم البحوث السوسيولوجية التي تناولت الظاهرة. في هذا الإطار، يشير إلى أن تناول هذه الظاهرة ضمن «المدونة السوسيولوجية» التونسية، قد ارتبط بتصورات ومفاهيم ومناهج العلوم الاجتماعية الكلاسيكية، سواء ضمن مبحث ما عُرِف بعلم الاجتماع الديني، أو دراسة الحركات الاجتماعية الاحتجاجية.

يلاحظ الباحث وجود تأثر كبير في تناول الظاهرة، بكل من المدرسة الفرنسية في علم الاجتماع (مع عبدالقادر الزغل) هذه المدرسة التي يطغى عليها التحليل النظري، والمدرسة الأنجلوسكسونية/ الأمريكية (مع عبدالقادر الهرماسي) والتي تتسم بإعطاء أهمية للجانب الأمبريقي [التجريبي]، استناداً للإحصائيات والعمل الميداني. كما لا يفوته الإشارة، إلى أن الانتشار السريع للظاهرة وتحولها، إلى واقع مجتمعي ثم في مرحلة لاحقة لواقع ثقافي، قبل أن تتحول لواقع سياسي من خلال ذراع نضالي او احتجاجي، وفق تعبير عالم الاجتماع التونسي عبدالباقي الهرماسي، وهو الأمر الذي دفع المشتغلين في حقل علم الاجتماع في تونس مبكراً للاهتمام بالظاهرة، مثلما سيكشف عنه أول الباحثين لها عالم الاجتماع عبدالقادر الزغل، الذي دشن المبحث السوسيولوجي حول الحركة الإسلامية في تونس. ويخلص إلى أن المشتغلين في مجال العلوم الاجتماعية يرون أن الحركة الإسلامية في تونس، «ممثلة في خطها العريض في السبعينيات بـالجماعة الإسلامية» وفي الثمانينيات بـ«حركة الاتجاه الإسلامي» ثم «حركة النهضة» منذ نهاية الثمانينيات، قد ولدت من رحم المجتمع التونسي، استجابة لمطلب مجتمعي في الدفاع عن الهوية. يفسر البعض الظهور القوي للإسلاميين في تونس زمن بورقيبة، «بقدراتهم» السياسية على التفاعل -أو «التدافع» وهو مفهوم قرآني يستعمل بكثرة في أدبيات الإسلاميين- مع الوضع السياسي والاجتماعي الذي كانت تعيشه البلاد في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، الذي تميز بالصدام القوي بين نظام الرئيس الحبيب بورقيبة والاتحاد العام التونسي للشغل، ومثَّل مقدمة لأحداث –انتفاضة- 26 يناير (كانون الثاني) 1978 التي هزت النظام الاقتصادي والاجتماعي وأيضاً البنية السياسية للنظام، من ذلك أنها سرعت بالدخول في إصلاحات طالت لأول مرة الجانب السياسي والحقوقي، من خلال السماح بتكوين الأحزاب والقطع مع هيمنة الحزب الحاكم على الحياة السياسية.

الإسلاميون وتوظيف النظريات السياسية والعلاقات الدولية: ولاية الفقيه أنموذجاً

سعت جمانة مناصرة -باحثة في مركز المسبار للدراسات والبحوث- في هذه الدراسة إلى إبراز النظريات والنماذج السياسية، التي وظفها الإسلاميون خدمة لأيديولوجياتهم، وتتخذ نظام ولاية الفقيه، أنموذجًا، للإضاءة على النماذج ومبادئ النظريات السياسية، التي وُظِّفت لتحقيق فكرة الدولة الإسلاموية الموازية وطموحاتها.

تناولت الباحثة الإسلاميين ونظريات التغيير السياسي، ومحاولة مصادرتهم لمفهومي الهيمنة الثقافية والديمقراطية، مسلطة الضوء على نظام ولاية الفقيه من جهة، والنظام السياسي الديمقراطي من جهة أخرى، مشيرة إلى السياسة الخارجية الإيرانية، متناولة الثابت في الخطاب الإيراني وتفسيرات النظرية البنائية، وصولا إلى خلق هوية جامعة مفترضة.

خلصت مناصرة إلى أن منظري الإسلاموية حاولوا إنتاج نظرية سياسية متماسكة خدمة لأيديولوجياتهم، استنادًا إلى ادعاءات أن الإسلام يضم أحكامًا وتعاليمَ شاملة، لا تنظم شؤون الفرد والمجتمع فحسب بل والدولة أيضًا. لتحقيق ذلك، استغل معظم الإسلامويين التأويل الديني، والتجربة التاريخية المتوهمة، لإيجاد نظرية تتعلق بتنظيم الحياة السياسية وشؤون الحكم، وشكل النظام داخليًا، وما يتصل بالحرب والسلم والعلاقات الدولية، دوليًا. وذهب بعضهم أبعد من ذلك في محاولة تقديم صيغة إسلامية للبيان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي والدبلوماسي. إلا أن كل هذه المحاولات التي سعت إلى إنتاج نظرية سياسية، اتَسمت بالانتقائية والبراغماتية والمراوغة، وعدم الاتساق على الصعيدين النظري والعملي، وقد أفضت في أحيان كثيرة إلى إعادة إنتاج النظريات السياسية العلمية.