يرتبط التدين الشعبي بالعادات والتقاليد ويختلف باختلاف المجتمعات، والإسلام كبقية الأديان التوحيدية عرف مع تكونه وانتشاره أنماطاً من الممارسات الدينية والشعائر والطقوس أُخذت من البيئات الحاضنة لها. تترك الثقافة والاجتماع والموروث الشعبي بصماتها على الإيمان الجمعي، فلا يمكن الحديث عن دين خالص/ صارم، نقي طقوسياً وعقائدياً خارج المؤثرات الاجتماعية والترسبات الدينية السابقة على التوحيد الديني، وهذا ينطبق على اليهودية والمسيحية والإسلام.
يتناول هذا الكتاب أنماط الإسلام الشعبي المعاصر، والتي تعبر عن نفسها بأشكال وقوالب إيمانية وطقوسية عدة في نظرتها إلى المقدس، آخذاً بالاعتبار تبدلها وتفجرها جراء التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية التي لا شك أنها تحكم الأطر العامة التي تنهض عليها، ساعياً إلى التمييز بين الدين والتدين من أجل فهم أفضل لأنماط التدين الشعبي في الإسلام ومن ضمنها «التصوف السلوكي» الذي جذب العدد الأكبر من المسلمين.
تم النشر في: June 2018
# | اسم الكتاب |
---|---|
1 | المؤسسة الدينية التقليدية بين الإصلاح والأصولية |
2 | عاشوراء.. نموذج التَّدين الشَّعبي الصَّارخ |
3 | إيمانُ العجائزِ: التدين الشعبي في مصر مفهومًا وممارسةً |
4 | التدين الشعبي في المغرب: سير الوليات الصالحات |
5 | تلازم الدين والسلطة في باكستان |
6 | التدين الشعبي في تركيا المعاصرة |
7 | الجماعات الإسلامية الشعبية في باكستان |
8 | إيران بين توظيف الاعتقاد والتدين الشعبي |
9 | شمس تبريزي وتأويلاته العرفانية للقرآن والسُنَّة |
يرتبط التدين الشعبي بالعادات والتقاليد ويختلف باختلاف المجتمعات، والإسلام كبقية الأديان التوحيدية عرف مع تكونه وانتشاره أنماطاً من الممارسات الدينية والشعائر والطقوس أُخذت من البيئات الحاضنة لها.
تترك الثقافة والاجتماع والموروث الشعبي بصماتها على الإيمان الجمعي، فلا يمكن الحديث عن دين خالص/ صارم، نقي طقوسياً وعقائدياً خارج المؤثرات الاجتماعية والترسبات الدينية السابقة على التوحيد الديني، وهذا ينطبق على اليهودية والمسيحية والإسلام. قد يكون من المفيد التفريق بين «الإسلام الشعبي» و«الإسلام التقليدي» أو كما يطلق عليه البعض «الإسلام العالِم»، فهذا يفرض علينا أساليب ومناهج مناسبة لدراسة أشكال التعاطي الفردي والجماعي والمؤسساتي مع الدين الذي يتأثر ويؤثر في الدعائم والمرتكزات والرموز والمتخيل والعقائد والفروض المكوِّنة له.
يتطرق مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «الإسلام الشعبي: الإيمان- الطقوس- النماذج» (الكتاب الثامن والثلاثون بعد المئة، يونيو/ حزيران 2018) إلى أنماط التدين في الإسلام المعاصر، والتي تعبر عن نفسها بأشكال وقوالب إيمانية وطقوسية عدة في نظرتها إلى المقدس، آخذاً بالاعتبار تبدلها وتفجرها جراء التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية، التي لا شك أنها تحكم الأطر العامة التي تنهض عليها.
يتطرق الأكاديمي التونسي محمد الحدّاد إلى مفهوم التقليد في الإسلام فيتناول كيفية استتباب المؤسسات التقليدية الإسلامية. يعرض أستاذ كرسي اليونسكو للأديان المقارنة (تونس) تاريخ التقليد "في الفضاء السنّي فقد تطلّب الأمر قروناً عدة كي تستقرّ المؤسّسة التقليدية على دعائم ثلاث هي: الكلام الأشعري، وفقه المذاهب الأربعة، والتصوّف السلوكي. نجح الأشعري، الذي عاش بين القرنين الثالث والرابع هجرياً/ التاسع والعاشر ميلادياً، وكان ينتمي في الأصل إلى فرقة المعتزلة قبل أن ينشق عنها، نجح في أن يجد صياغة توفيقية بين الطريقة العقلية للمعتزلة والطريقة التقليدية للمحدّثين. وفي الحقيقة، لا نعرف الكثير عن الفكر الأصلي للأشعري، فقد نسب إليه ابن عساكر الدمشقي حوالي مئة مصنّف في كتابه «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري». لكن لم يصلنا منها إلاّ النزر القليل، أي كتاب «اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع»، وهو كتاب صغير الحجم مقارنة بكتب المعتزلة التي أراد الأشعريّ أن يقدّم البديل عنها. أمّا كتاباه «استحسان الخوض في علم الكلام» و«الإبانة في أصول الديانة» فهما رسالتان مختصرتان. والأثر الرابع الذي وصلنا وهو «مقالات الإسلاميين» قد يكون كتبه قبل أن ينشق عن المعتزلة؛ إذ إن هذا الصنف من الكتابة كان منتشراً بين أتباع هذه الفرقة، وهو على كل حال كتاب يعرض آراء الفرق ولا يعرض آراء صاحبه إلا لماماً. لكن بفضل شخصيات بارزة تبنّت منهجيته، وظروف سياسية عملت لصالح انتشار مواقفه، تأسّس تقليد قويّ هو الذي نسب لاحقاً إلى المؤسس الغامض، هذه الشخصيات هي: الباقلاني، والجويني، وعبدالقاهر البغدادي، وحجة الإسلام الغزالي، وفخر الدين الرازي، وعضد الدين الإيجي، وجلال الدين الدواني، وغيرهم كثير. وبفضل نضالية هؤلاء وإنتاجهم الفكري الغزير، أصبحت الأشعرية التقليد المحوري في الفضاء السني، أي لدى الأغلبية من المسلمين.
يرى الحداد بعد دراسته لدور رواد الإصلاح في مؤسسات التقليدية أنه من المغالطة أن يعتبر البعض أن الأصولية تمثل امتداداً لمؤسسات التقليد فيقول: "تنصب الأصولية الدينية نفسها الامتداد الشرعي والتاريخي للمؤسسات الدينية التقليدية"، وتزعم "التأهل للاستحواذ على وظائفها واحتكار التمثيلية الدينية بدلها. هذا مع أن هذه المؤسسات لم تختف تماماً حتّى يدّعي البعض خلافتها، وأن أغلب آباء الأصولية لم يكونوا من شيوخها وأعلامها ومن المتخرجين في مدارسها. ثمّ إنّ هذه المؤسسات لم تحتكر التمثيلية الدينية في الماضي، ولم تهيمن على كل قطاعات المجتمع، بل قبلت التقسيم الوظائفي للأدوار الاجتماعية كما كان سائداً آنذاك، فكانت جزءًا من المجتمع وليس المجتمع كله، على عكس الطابع الشمولي للأصولية الدينية الذي يسعى إلى فرض أحكامه ورؤاه في كلّ تفاصيل الشأن العام والخاص".
يدرس رشيد الخيُّون طقوس عاشوراء في العراق باعتبارها طقساً أساسياً من طقوس التدين الشعبي في هذا البلد، فيقدم قراءة تاريخية وتحليلية لها مشيراً إلى أن ظاهرة التدين الشعبي أخذت بالارتفاع مع "الحملة الإيمانية" التي قام بها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. يعرض الخيُّون لكيفية تعامل بعض العلماء والفرق الإسلامية مع مظاهر التدين الشعبي، مركزاً على بعض مشايخ المذهب الحنبلي والمعتزلة. أما في المرحلة المعاصرة فيسعى إلى دراسة مظاهر التدين المبالغ فيها في عاشوراء بالعراق، والتي حفزت بعض رجال الدين على استنكارها بدءاً بـ"هبة الدِّين الشَّهرستاني (ت 1967)، الذي (شكا) مِن خنوع رجال الدِّين لمزاج العامة، أي التَّدين الشَّعبي، وهو أحد فقهاء النَّجف والكاظمية مِن بغداد، الذي أنشأ مبكراً مجلة تحت عنوان «العِلم» (1910-1912)، لفت الأنظار عبرها إلى الاختراعات والاكتشافات العِلمية الجارية بأوروبا آنذاك، والتقريب بين الدِّين والعِلم، ذلك بنفي التَّعارض بينهما. حاول الشَّهرستاني مجتهداً إلغاء الممارسات الطقوسية المضرة، كنقل جنائز الشِّيعة الإمامية لدفنها في تربة النَّجف، مِن مختلف بقاع العراق والعالم، على اعتقاد أن الراقدين فيها يفوزون بالجنة بشفاعة دفين النَّجف علي بن أبي طالب، فقد وضع على لسان أحد الأئمة قوله: «ما من مؤمن يموت في شرق الأرض وغربها إلاّ قيل لروحه اِلحقي بوادي السلام».
يبين الخيُّون أن "تلك الممارسات والمبالغات في عاشوراء مِن آثار الحِقبة الصَّفوية؛ ومعظمها قد أتت في كتاب «بحار الأنوار» لمحمد باقر المجلسي (ت 1699)، وهو أحد أهم فقهاء تلك الفترة. حوتها كتب عديدة، ومنها كُتيب «فرحة الزَّهراء» باسم الشَّيخ أبي علي الأصفهاني، جامعاً روايات وأحاديث لتشريع هذا العيد، على أنه مِن أهم الأعياد الدِّينية. جاء في مقدمته: «يُعد اليوم التَّاسع مِن ربيع الأول عند أهل بيت العصمة والطَّهارة (النَّبي وفاطمة والاثنا عشر إماماً) عليهم السَّلام ذا فضيلة كبيرة، فهم يعتبرونه عيداً عظيماً، بل مِن أفضل الأعياد المهمة، فقد بلغ مِن أهمية هذا اليوم المبارك أن الأئمة (عليهم السَّلام) أنفسهم كانوا يقيمون الاحتفالات فيه...». يؤكد هذا الكُتيب فكرة «التَّولي والتَّبري»، والقول: «فإذا لم يدخل التَّولي والتَّبري في برنامج أي مسلم لم يبق عنده للدِين مِن مفهوم، لأنه لم ينضم إلى خندق التَّوحيد، ولم يدرك حقيقة الإيمان». هذا وغيره جعله الأصفهاني مدخلاً لما عُرف بـ«فرحة الزَّهراء»، وتلفظ باللهجة العراقية «فرحة الزَّهرة».
يتطرق الخيّون إلى الطقس الشيعي الشعبي زمن البويهيين وما تركه من تأثيرات سلبية على التشيع العربي في العراق، لا سيما لجهة بعض أنماط التدين وما تبع ذلك من ظهور حركات إصلاحية لعاشوراء في الأزمنة المعاصرة تبناها مصلحون مثل "السيد محسن الأمين (1867-1952)، لتشذيب ما دخلها في الحِقبة الصفوية وما بعدها، وما اجتاحها من ترهات وممارسات دامية وانفعالية، لم يسلم من أذاها حتى الأطفال، يظهرون متسوطين ومنهم من يتطبرون، لتغرس في ذاكرتهم روح الثأر تحت شعار «يا لثارات الحسين»، أو «ثأر الله وثأر ثأره»، التي تشير لمَنْ لا يشارك فيها هو المقصود بدم الحسين. إلا أن ما ظهر من محاولات إصلاح قبل الأمين، لم يتقدم أصحابها لتحقيقها بالقول والفعل، إنما ظل الغالب منها مجرد فتاوٍ وآراء".
يقصد الباحث المصري المتخصص في الحركات الصوفية: خالد محمد عبده بـ"إيمان العجائز" الاعتقاد البسيط الذي لا يدخل في كثير من التفاصيل المقلقة أو العارضة للأفكار على ميزان العقل أو النقل؛ هو إيمان تسليميّ لا يخوض في المشكلات الكلامية، ويكتفي بالتطبيق والممارسة، ليس في حاجة إلى تنظير لإثبات حقيّته، فله منطقه الخاص المستغني عن أي إلحاقات من قِبَل سلطة روحية أو زمنية، وهو مرغوب كثير من القلوب والعقول التي أرهقها البحث والتجريب، غير أن هذا الإيمان في الآونة الأخيرة أضحى عرضة للاستغلال من قِبل تيارات عدّة، يستوي في ذلك التحديثي والسلفي، والمتابع للتدين المؤسسي، أغلب هؤلاء فرضوا على العجائز والعامة ألوانًا من صنوف الاعتقادات أصبح لزامًا عليهم أن يعتقدوا فيها، ويطهّروا أفكارهم من الموروثات التي اختلط فيها الديني بالمحلّي، وصُنّفت في إطار البدع والأهواء والمخالفات، وقد استسلم الكثير من العجائز لمن يحاولون «تطهير اعتقادهم» من «أدران الشرك» و«المخالفات العقدية» فجرى على الألسنة ما كان حبيسًا بين طيّات الكُتب، وأصبح المتديّن (المتفقّه) يجرّهم جرًّا إلى مشكلات قديمة زائفة، كمشكلة خلق القرآن، وفتن الصوفية القائلين بالحلول والاتحاد، مريدًا بذلك أن يكسب هؤلاء البسطاء إلى صفّه، ويأخذ بأيديهم بعيدًا عن درك الانحدار.
يقدم الباحث إطاراً تحليليًا لكيفية تشكل الإسلام الشعبي فيرى أنه "بينما كان الفقهاء والمتكلمون والصوفية يجتهدون في تشكيل صورةٍ لإسلام معياري منضبط؛ ويحاولون استنباط قوانينه ومبادئه الرئيسة، بالاستناد إلى النص المقدس، ووفقًا لآليات معينة في التفسير والتأويل، والعمل على تفعيل تلك الصورة في الواقع لتكون برنامجًا دوريًّا للمسلم المثالي، كانت ثمة طوائف أخرى تقدّم بدائل جديدة لما تعتقد أنه الإسلام، وهي بدائل كانت تمثِّل تمردًا على الصورة المعيارية للإسلام، وخرقًا لقوانينها الصارمة في الاعتقاد والعبادة والسلوك والأخلاق. وعلى الرغم مما قُيِّض لبعضها من ذيوعٍ وانتشار، فقد ظلت شذوذًا على النسق النصي للإسلام، وخروجًا على تياره الأساسي".
يركز عبده على أشكال التدين الشعبي في مصر خصوصاً عبر الطرق الصوفية الأكثر انتشاراً بين الفئات الشعبية. ومن بين الخلاصات التي يخرج بها "أن الدين الشعبي -بصورة عامة- يعد أحد البدائل المنبثقة عن روح التمرد على التيار الأساسي للتدين داخل هذا المجتمع أو ذاك. وليس ذلك الدين الشعبي إلا خلاصةً مضطربة لتصورات أناس محدودي الثقافة والمعرفة، تعكس طريقتهم في تمثل القيم والمعتقدات والممارسات الدينية. وتثير تلك التصوراتُ -عادةً- انتقادَ أصحاب الدين المعياري (الصِّراطي)، ولا تقتصر في وجودها على البيئات البدوية أو القروية، ولكنها تشيع أحيانًا في بعض البيئات الحضرية. ويجنح الدين الشعبي إلى الانتقاء من «النص المقدس» ما يراه مناسبًا من العبادات والشعائر والطقوس وأنواع السلوك، دون أن يجد نفسه ملزمًا بالتزامها كلها أو الصدور عنها جميعًا بغير تمييز. كما يمتاز بالمزج بين المقولات الدينية التقليدية (كما يقررها منظِّرو الدين المعياري) وعناصر الثقافة الشعبية، وبعض القيم الخرافية، فضلاً عن أنه يفتقر إلى أي شكل من أشكال التنظيم المؤسسي الذي ترعاه الدولة".
يرى الباحث المغربي عبدالحكيم أبو اللوز في دراسته أن "الجنوب الغربي من جبال الأطلس الكبير والصغير، المحيطة بمنطقة سوس إلى الصحراء وضفاف وادي درعة إلى واحات تافيلالت، يزخر بأعلام النساء الفاضلات اللائي طواهن النسيان، عبر التاريخ، فمنهن الأميرات والفقيهات والمُدرسات، والعالمات والواعظات والمرشدات، والحافظات والمقرئات، والروحانيات والمتصوفات والزاهدات والأديبات والشاعرات والناظمات للمحفوظات بالأمازيغية وبالعربية، ومنهن مُؤسسات للمدارس العلمية ومشيدات للمعاهد الدينية منذ قرون، ومنهن من نالت المقامات السامية لدى الناس فنلن إكرامهن بإقامة الحفلات الدينية والمواسم وملتقيات العبادة والذكر في مقاماتهن، بل هناك من المدارس العلمية العتيقة من حملت أسماء نساء عالمات صالحات شهيرات، كمدرسة للا تاعلات ومدرسة موزايت ومدرسة للا تعزى، وقد اهتم قلة من الباحثين، المؤرخين منهم بالخصوص، بالبحث في مناقبهن واكتشاف شخصياتهن التاريخية، ووضع تراجم لهن وأخبارهن كالعلامة محمد المختار السوسي في مؤلفاته العديدة، والعلاّمة محمد بن أحمد الحضيكي وغيرهما من الباحثين غير المعاصرين والمنتمين لهذه المنطقة، والمعاصرين أيضاً من الذين بذلوا جهوداً جبارة للتوسع في البحث والتنقيب عن شخصياتهن التاريخية".
يركز الباحث على واحدة من هذه الصالحات وهي "السيدة للا فاطمة تاعلات: صالحة لقبت بـ«رابعة زمانها»، من قرية إيمي نتاكاض، وتنتمي إلى أيت علا بقبيلة تاسكدلت قبيلة إيلالن التي تحولت إلى جماعة قروية منتمية إدارياً إلى إقليم أشتوكة أيت باها، التي ضمها التراب وعمت شهرتها بلاد سوس، وشهد لها كبار العلماء وأهل الخير والدين، وعلى رأسهم العلاّمة سيدي امحمد بن صالح المعطي البوجعدي، الذي راسلها طالباً دعاءها، وعليها مشهد كبير يقام به موسم سنوي كل شهر مارس (آذار)، وهو تاريخ متوارث منذ أن كانت على قيد الحياة، حيث يقصدها الناس آنذاك لصلاة الاستسقاء في سنوات الجفاف في هذا الوقت، وقد توفيت سنة 1207هـ/ 1792م مما يعني أنه مضى على وفاتها حوالى (200) سنة، أي إنها كانت معاصرة للسلطان مولاي اليزيد العلوي الذي توفي قبلها سنة 1206هـ/ 1791م. بنى القائد الحاج أحمد إكني الحاحي –قائد تارودانت وتيدسي- ضريحاً على قبرها سنة 1255هـ/ 1893م أي بعد وفاتها بـ(40) سنة".
يقدم أبو اللوز بعض نماذج التدين التي رافقت سيرة الوليات الصالحات ومن ضمنها الأنموذج الذي عرض له في بحثه "السيدة للا فاطمة تاعلات"، شارحاً الأسباب والعوامل المؤدية إلى حصول العديد من الوليات على الحظوة لدى العامة لسنوات طويلة، لكن الأحوال تبدلت مع تغير أنماط التدين مما ساهم في تراجع كبير لمظاهر هذا التدين: "لا نكاد اليوم نلحظ أثراً لهذه المظاهر والتمايزات، فقد قادتنا الملاحظة المباشرة إلى تسجيل تراجع كبير للطرقية في المواسم الدينية، وذلك بعد تاريخ طويل كانت «عبادة الأولياء» بالنسبة للكثيرين دين الحياة اليومية -حسب تعبير عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (Max Weber) (1864-1920)، حيث كانت ترتبط بمواقف حياتية ملموسة لم يكن باستطاعة الإسلام النصوصي بما يحويه من مبادئ متساوية أن يساعدهم فيها، إذ إن معتقدات الصلحاء والزوايا تتضمن تصوراً للغيب يجعله حاضراً بكيفية غير مباشرة في المواقف الحياتية، ولذلك يقع التقرب إلى الصلحاء بقرابين كالثيران والأبقار والعجول، كما تزود تلك المعتقدات حامليها، بصورة ضمنية، بنوع من التحكم في الأشياء غير المعروفة والموجودة في حكم الغيب. ويشكل موسم «تعلات» واحداً من مواسم القرية المغربية النائية، وهو مجال يتسم بالممارسات المنتمية إلى «الدين الشعبي» بشكل معزول، وبعيداً عن الضريح بؤرة الموسم، علاوة على أن معنى الطقوس عند الساكنة والزوار ليس وارداً على الداوم".
يطرح ستار جبار علاي (أستاذ النظم السياسية المساعد في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية -جامعة بغداد) موضوع "قضية الدين ودوره في باكستان من جوانب مهمة، في مقدمتها موقع الإسلام في الدساتير الباكستانية، وموقف الحكومات من الإسلام وتطبيقه في البلاد" محدداً في بحثه "العقبات والانتقادات الموجهة إلى تطبيق الإسلام، مفترضاً أن مسألة الدين في باكستان طرحت مفارقة واضحة بين الرغبة الحقيقية في إقامة دولة إسلامية حقيقية للمسلمين، وممارسة سياسية استخدمت الدين غطاءً لممارساتها في الاستيلاء على السلطة وممارسة الحكم الاستبدادي، ونتيجتها غياب الترابط بين الهدف الموجود والواقع المأمول، وتحديداً بين حياة الفرد العادي وسعيه إلى حماية عقيدته، وسعي الحكومة إلى فرض إرادتها وفقاً للحسابات السياسية والمصالح الاستراتيجية".
يعالج الباحث موقع الإسلام في الدساتير الباكستانية بدءاً من عام 1949؛ جاء دستور 1962 على سبيل المثال "ليعيد تأكيد بعض مواد دستور 1956 في إنشاء مجلس استشاري للأيديولوجية الإسلامية في المادة (199)، وأشارت المادة (180) إلى إلغاء الربا، ولكنها لم تشرح الآلية لذلك. وأقامت المادة (207) مؤسسة البحوث الإسلامية لغرض وضع الأسس لمجتمع إسلامي على أسس إسلامية حقيقية. لكن دستور 1962، لم يختلف عن دستور 1956 في البنود الإسلامية، ولم توضع مواد واضحة لتطبيق الشريعة الإسلامية، ويمكن أن نرجع ذلك في جزء منه إلى وجود (72) طائفة بين المسلمين وتفسيراتهم المختلفة للقرآن والسُّنة النبوية -حسب تعبير منذر قادر وزير الخارجية الباكستاني- إلا أن ذلك لم يمنع الرئيس أيوب خان من الاعتماد على دعم المجموعات الدينية المتشددة لإصدار فتوى تخص الانتخابات الرئاسية في 1965، والتي تؤكد عدم شرعية ترشيح فاطمة جناح لرئاسة باكستان على أساس ديني، كون المرأة -وفق تفسيره- لا يمكن أن تكون رئيسة جمهورية لدولة إسلامية. لكن أهم ما ميز مرحلتي أيوب خان (1958-1969) ويحيى خان (1969-1971) هو سعي النظام إلى مواجهة الإحياء الإسلامي في العملية السياسية واستبعاد الجماعات الإسلامية من الساحة السياسية، ومحاولة تغييب رؤية هذه الجماعات في عملية تنمية البلاد في المجالات المختلفة".
يشير الباحث إلى أنماط التدين غير الرسمي في باكستان فيتطرق إلى المدارس التي تنتمي إليها الغالبية السُنية، من بينها: البريلوية، والديوبندية، أهل الحديث. نظمت الديوبندية "في مدينة ديوبند الهندية في أواخر القرن التاسع عشر، ودعت إلى تطهير الإسلام والابتعاد عن التقاليد المحلية المتشددة، وبعض الممارسات الصوفية، وتبنى الجنرال ضياء الحق الأنموذج الديوبندي لتطبيق عملية الأسلمة ولا تمثل سوى (15%) من السكان. وتدير الديوبندية أكبر عدد من المدارس الدينية في باكستان وتصل إلى (64%) من العدد الكلي، ويمثل الديوبندية حزب جماعة العلماء الإسلامية الذي تأسس عام 1941، إضافة إلى العديد من التنظيمات الطائفية الأخرى".
تسلط دراسة مصطفى زهران (الباحث المصري المتخصص في الحركات الصوفية والشؤون التركية) على "تاريخ التدين الشعبي في تركيا، البعيد عن الأيديولوجيات المصطنعة ورؤى الأحزاب والجماعات والتنظيمات، فضلاً عن التيارات الدينية الإسلامية بتنويعاتها المختلفة، والتي زخر بها المشهد الديني في تركيا المعاصرة، إذ إن البعد الديني في المجتمع ومجموعة العادات والتقاليد المتوارثة، التي تأخذ منحى دينياً وهوياتياً تُعد من الأمور الكبيرة الدلالة في فهم الثقافة والمزاج والديني لأي مجتمع، خصوصاً حينما يكون الإسلام هو الدين ذو الحظوة الكبرى داخله، وهو دين -لا شك- تفاعلي من الدرجة الأولى، ويشتبك مع الكثير من الأمور الحياتية واليومية للفرد والأمة والمجتمع، مما يعطي هذا العمل أهمية كبيرة في ظل حجم التنافسية من جهة، والتفاعل من جهة أخرى بين التدين الشعبي ذي السمت الفطري، الذي يستمد قوته من كم من العادات والتقاليد المتوارثة، وبين مجموعة الأيديولوجيات الدينية وتياراتها المتنوعة" .
يعرض الباحث لتاريخ المدارس الدينية في تركيا خلال المرحلة العثمانية وفي التاريخ المعاصر فيرى أن "التدين الشعبي، في تمظهراته التعليمية الدينية" سعى "للحفاظ على اللغة العربية من خلال حفظ القرآن الكريم وتدبر آياته والتفقه في أمور الدين، من العوامل التي يسند إليها محافظة بعض الأتراك على الهوية الإسلامية في الفترة الانتقالية ما بين العثمانية والجمهورية".
يرصد زهران المناسبات الدينية وكيفية تفاعل الناس معها ساعياً إلى الكشف عن أنماط التدين الشعبي في تركيا المعاصرة ومن ضمنها "عاشوراء" الذي يحتفل به أيضاً المسلمون السنة: "وليوم عاشوراء من هذا الشهر طبيعة خاصة من حيث الاحتفال والاعتداد به منذ الدولة العثمانية وعقب التحول نحو الجمهورية، فهو إرث ما زال قائماً حتى اللحظة، ومن العادات الشعبية في هذا اليوم تقديم حلوى عاشوراء أو «آشوراء» العثمانية الشهيرة بين الأهل والجيران وأبناء وعائلات الحي الواحد. ويمثل يوم عاشوراء في التاريخ الديني مناسبة هامة لجموع المسلمين؛ فهو اليوم العاشر من شهر محرم، وهو اليوم الذي نجّى فيه الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى (عليه السلام) وبني إسرائيل من فرعون وجنوده، فصامه سيدنا موسى شكرًا لله تعالى، ثم صامه نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وأوصى أمته بصيامه".
ومن بين المناسبات الدينية التي يحتفل بها الأتراك "المولد النبوي الشريف" يقول زهران: "وعادة ما يبدأ الأتراك بقراءة القرآن فرادى وجماعات في المنازل والمساجد، وتبادل التهاني والتبريكات بين الأصدقاء والأحباء، وتكثر في مدينة إسطنبول نظراً لوجود المساجد التاريخية بها، إلا أن هناك تلازماً بين هذا الحدث وبين مدينة الأنبياء «شانلي أورفا» التي تقع في جنوب شرق آسيا؛ إذ تعد مركزاً احتفالياً هاماً، يفد إليها العديد من المواطنين القادمين من المدن القريبة، وعادة ما يؤدون صلاة العشاء ويقرؤون الأناشيد والأدعية في الجوامع المحيطة بـ«بحيرة الأسماك» الشهيرة، وأيضاً لما تحويه من مزارات دينية هامة منها كهف ميلاد سيدنا إبراهيم، وجامع خليل الرحمن، ومقام سيدنا أيوب وقبره، بالتوازي مع ولاية ديار بكر المحاذية لها والتي يسكنها الغالبية الكردية، إذ دائما ما تشهد هي الأخرى فعاليات كبيرة إحياء لذات المناسبة، ويضج جامع «أولو» الشهير، بالمئات من المسلمين الأتراك للاحتفال بهذه الليلة ويحضرها مفتي الولاية وواليها. وهنا تلعب المنظمات الشعبية الكردية دورا كبيرا في الفعاليات التي تعكس حب الأتراك للنبي محمد على مدار هذا الأسبوع الديني، ومنها -على سبيل المثال لا الحصر- التي شرعت في عمل فعالية حملت اسم «رمز الحق والعدل محمد».
تسلّط الدراسة الضوء على الدفع القوي للجماعات «الجهادية الشرّيرة» التي تهدّد الهوية الوطنية لباكستان بوصفها بلداً إسلامياً ومؤسّساتها السياسية، حيث هاجم المتطرّفون العنيفون المراكز العامة وشنّوا هجمات عديدة على الجيش والحكومة. وتدعو طالبان الباكستانية إلى انتهاج العنف لإسقاط الحكومة الحالية لصالح حكم إسلامي متطرّف، إن لم يكن يتسم بالعنف، وهي إحدى الجماعات الإسلامية العديدة التي تضخّم الدين لغزو باكستان والتأثير فيها وتخويفها.
تعرّف فرحانة قاضي (أستاذة مساعدة في كلية إليوت للشؤون الدولية، جامعة جورج واشنطن، واشنطن، دي سي، الولايات المتحدة) بالحركات والجماعات الإسلامية الشعبية في باكستان، إذ تشكّل سياسة استخدام العنف والهوية الإسلامية في باكستان امتداداً للتقاليد الطائفية والمدارس الدينية في هذا البلد. وتتتبّع الدراسة الخطاب الديني للإسلاميين السنّة المشهورين منذ ولادة باكستان إلى اليوم، وتدرس التحدّيات التي تواجه إسلام أباد لسياستها المعهودة منذ مدّة طويلة، وهي سياسة قائمة على استخدام الجماعات الدينية الشعبية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية في المنطقة.
تخرج قاضي بجملة من النتائج في دراستها، فترى أن باكستان تعمد إلى "صوغ سياستها الخارجية باستخدام العديد من الجماعات بالوكالة وإشراكها لكسب السيطرة الإقليمية. ولتودّد القيادة الباكستانية الدوري للإسلاميين السنة فائدة مشتركة –استمرار الإسلاميين في تنفيذ الأمر الإلهي والمبادئ الإسلامية، وتقدّم الجماعات المستخدمة بالوكالة قدرة معقولة على الإنكار، مما يسمح للدولة بالتقدّم لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. وبإقامة ائتلافات مع الدولة، يحقّق الإسلاميون السنّة المعتدلون والمتطرّفون فائدة واضحة عن طريق النفوذ والتسلّل".
يتناول الباحث العراقي خضر العراقي كيفية تشكل أنماط الاعتقاد في إيران مركزاً على "مضمون الانتماءات والاعتقادات السائدة في إيران من حيث الإثنيات: ففي إيران "أكثر من (30) إثنية، وأهمها: الفرس نحو (40%)، والأذريون الأتراك نحو (23%)، والكرد نحو (9%) (أصول آرية)، وگيلاك ومازندرانيون (8%) (أصول آرية)، والعرب (8%) (أصول سامية)، والبلوش (3%)، والتركمان (2%)، والكرد الفيلية نحو (2%)، والأفغان (2%)، والأرمن أقل من (1%)، وإثنيات أخرى (2%). يلتقي الفرس والكرد في الأصل الإثني بوصفهم شعوباً آرية قادمة من شبه القارة الهندية". ومن حيث الاعتقادات يتوزعون على الأديان التوحيدية: الإسلام (الشيعة الإثني عشرية) أكثرية، والمسيحيون واليهود. بخصوص الإسلام (74%) شيعة إثنا عشرية، ويتركز بين الفرس والأذريين والعرب. (23%) على المدارس الفقهية السنية، الشافعية والحنفية، ويتركز بين الكرد (شافعية) والبلوش (حنفية) والتركمان (حنفية)، والطوالش (الديلم، الذين يستوطنون غرب بحر قزوين في محافظة غیلان ومحافظة أردبیل)، ونسبة من الفرس (شافعية) والعرب والأذريين (حنفية نقشبندية).
أما اليهود "فنسبتهم تصل إلى (25-28) ألف شخص، وتعترف إيران باليهودية كاعتقاد بشكل رسمي وتسمح لأتباعها بإقامة دور العبادة الخاصة بهم في المدن الإيرانية، كما أن لهم تمثيلاً بالسلطة التشريعية، ولهم علاقة بنحو (250) ألف يهودي إيراني في الكيان الإسرائيلي ونحو (50) ألف يهودي من أصول إيرانية منتشرين في الدول الغربية. والمسيحيين وأغلبهم من الأرمن ونسبتهم تصل إلى (90) ألف شخص، ونحو (35) ألفاً من النصارى هم من أصول آشورية، وأكثر من (300) ألف مسيحي من أصول إيرانية مهاجر في البلدان الغربية". إلى جانب الأديان التوحيدية هناك المندائية والبهائية الزرادشتية التي يصل "عددهم إلى (22-25) ألف شخص، وتعرف أيضاً باسم المجوسية، وهي اعتقاد معترف به كدين رسمي في إيران، ويسمح لأتباعه بإقامة دور العبادة الخاصة بهم، وينظر له في إيران كرمز للقومية الفارسية، لأنها كانت الديانة التاريخية لثلاث دول فارسية: الأخمينية والبارثية والساسانية قبل أن يضعفها العرب المسلمون، وقد دعا المرشد الإيراني في ثمانينيات القرن الماضي مجوس الهند لاستيطان إيران. ويجد شعار الزرادشتية (فارافاهار) قبولاً على المستوى الاجتماعي في إيران، وتأثير الزرادشتية في الثقافة والفنون والفلسفة الإيرانية ظهر مع صعود الدولة البويهية ثم الصفوية وما زال حاضرا إلى يومنا هذا".
تضمن الكتاب دراسة عدد من ترجمة وإعداد المترجمة والباحثة المصرية فاطمة الشريف. كتب الدراسة المترجمة عن الفارسية كل من: محمد خدادادي ومهدي ملك ثابت ويد الله جلالي ﭙنداري وقد درست المحاور الآتية: المقدمات النظرية حول موقع التأويل وأهميته في تفسيرات شمس تبريزي، شمس تبريزي وتأويلاته العرفانية للأحاديث النبوية، بحث في كيفية التأويلات القرآنية لشمس تبريزي.
تضع الدراسة أمام القارئ مجموعة من نماذج الآيات والأحاديث التي قام تبريزي بتأويلها. يفسر حديث «إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها» على النحو التالي: إن النسائم الرحمانية هي أنفاس أولياء الحق والعباد المقربين من حضرة الأحدية، والتي تجري أحيانًا على العباد، وطوبى لأولئك الذين عرفوا قدر ذلك النفس الرحماني لهؤلاء الأولياء، ويسلمون أرواحهم وقلوبهم لهذا النفَس الإلهي، حتى يطهروا وجودهم من دنس المادية: «قال نبي الله (عليه الصلاة والسلام): إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها، أرى أن تقول هذه الترجمة. يبدو أن معنى ذلك هو أن النفحات هي أنفاس العبد الذي هو من العباد المقربين، الذي هو كيمياء السعادة وليس ذلك الكتاب».