يسلِّط هذا الكتاب الضوء على منهج البحث عن جذر المساواة داخل الحقل الديني، فلا يكتفي بعرض معالجة النصوص التي ذكَرت النساء في الكتب المقدسة، وإنما يدرس المجتمعية التاريخية بدراسة نماذج قيادية في التاريخ القديم والمعاصر. واستكشاف وتحليل مناهج الدراسات الجندرية المعاصرة التي قاربته.
إذ تتشابه مسارات التجارب الإنسانية في الديانات الإبراهيمية، مع تباينٍ معتبر بينها، مرده الخبرات المختلفة في زوايا الفهم ومجالات التعاطي وإمكانية التقاط رحابة النص. لذا ركزت الأبحاث، على نماذج نسائية إيجابية حضرت في المدونات الدينية، وحاولت الإجابة عمَّا يمكن أن يقدّمه التراث لإنصاف المرأة، وتعزيز مسارات التوازن بين الجنسين.
تم النشر في: December 2021
أصدر مركز المسبار للدراسات والبحوث في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، كتاب «النسوية الإسلامية: الجهاد من أجل العدالة»، وفي 2013 أصدر كتاب «المرأة وتحديات الإسلام السياسي»، وعاد في يناير (كانون الثاني) 2015 فأصدر كتابه «نساء الخليج واليمن: جدل الحقوق والدين والإسلاموية»، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 أصدر كتاب «المرأة والمعرفة الدينية»، وفي الشهر نفسه من عام 2020 أصدر «سجالات نسوية في الأديان الإبراهيمية: التاريخ والمناهج». تنضاف إليها كتب أخرى عن واقع المرأة داخل الحركات الإسلاموية، فكرًا وممارسة، استهدفت تسليط الضوء على حقل «دراسات النوع الاجتماعي»، والتعددية، وتجارب التسامح، والمساواة، أرادت توفير مصادر في دراسات المرأة والتوازن بين الجنسين التي تمثّل ثغرة في المكتبة العربية، التي ربما يسود فيها نسق مؤدلج من الأبحاث توصلت إلى نتائج حدّية.
يأتي كتاب «النسوية الدينية: رحابة النص وسياج الواقع» ليبني على التراكم المعرفي الذي بناه المركز، مسلطًا الضوء على تعاطٍ مبتكر في البحث عن جذر المساواة داخل الحقل الديني، مراوحةً بين النصّ الرحب، والممارسة، فلا يكتفي بعرض معالجة النصوص التي ذكَرت النساء في الكتب المقدسة، وإنما يدرس الخبرة النسائية ضمن نماذج قيادية في التاريخ القديم والمعاصر.
سعت دراسة وديع عوض -راهب فرنسيسكاني وباحث مصري متخصص في التراث العربي المسيحي- إلى الإضاءة على الشخصيّات النسائية الواردة في أسفار اليهود المقدسة والتي كان لها تأثير في اليهودية، مبرزاً الأدوار التي لعبتها في تاريخ الشعب اليهوديّ القديم، فكان منهن ملكات، ونبيّات، وقاضيات، وقائدات جيوشٍ، ومحرِّرات وطنيّات من الأعداء.
تناول الباحث في دراسته محورين: الأول: التأثير الإيجابيّ للنساء في الأسفار اليهودية: أسفار التوراة، الأسفار التاريخية، أسفار الحكمة، أسفار الأنبياء. والثاني: الشخصيات النسائية في أسفار اليهود (أسفار التوراة والأسفار التاريخية)، وتأثيرها السلبي.
يخلص الباحث إلى أن أسماء النساء ودور بعضهنّ ليست قليلةً، في أسفار اليهود المقدَّسة، ولكن نسبتهنّ إلى أسماء الرجال متدنِّية، لا تتعدَّى (15٪). وترد أكثر أسماء النساء في سفر التكوين، والأسفار التاريخيَّة: صموئيل والملوك، وأخبار الأيّام، وتقلّ كثيرًا في أكثر أسفار الحكمة والأنبياء، وإنْ وُجِدت تكون كرمزٍ يشير إلى تعليمٍ ما، أو فضيلةٍ ما. وإنّ كثيرًا من أسماء النساء مأخوذةٌ من أسماء الأشجار والنباتات العطريَّة وأسماء الحيوانات المحبَّبة للبشر. وللقليل من النساء دورٌ، وللكثيرات منهنّ يرد الاسم بطريقةٍ عابرةٍ كسحابة صيفٍ. كما شغلت نساءُ الشعب اليهوديّ وظائفَ الرجال العليا كلَّها، باستثناء الكهنوت الذي انحصر في الرجال من سبط لاوي، فكنّ ملكاتٍ، ونبيّاتٍ، وقاضياتٍ، وقائداتِ جيوشٍ، ومحرِّراتٍ وطنيّاتٍ من الأعداء، ولكن في مرّاتٍ معدودةٍ، وكاستثناءٍ لا كقاعدةٍ. وتشمل قائمةُ الأسماء نساءً يهوديّات وغير يهوديّاتٍ. وهناك نساء كان لهن دورٌ، ولكن لم تُذْكَر لهنّ أسماء.
قّدم دانيال عيوش -أستاذ العهد الجديد في جامعة البلمند، لبنان- قراءة تاريخية ونقدية لأسفار النساء في العهد القديم: راعوث وأستير ويهوديت. ووجد أن هذه الأعمال الأدبية الثلاثة ذات المحتوى الحكميّ العالي عكست انفتاحًا فكريًّا ولاهوتيًّا جليًّا على الشعوب الأممية، وإن كان أسيادها يتعاملون مع شعب إسرائيل الصغير بقوة طاغية وظالمة في معظم الأحيان. علاوة على ذلك، وجد الباحث أن كتّاب هذه الروايات لا يظهرون أي شكوك بحكمة المرأة وذكائها، لا بل بالعكس، فإنهم يشددون على قدرة المرأة على المضي قدمًا في عالم قائم على تسلط الرجال.
تحدثت أسفار راعوث وأستير ويهوديت عن تحرر المرأة وتمكينها بلغة عصرها، في القرنين الأخيرين قبل المسيح، فتظهر أن الله يبارك أعمال النساء، ويسند مبادراتهن في تغيير أي تصرف ظالم في المجتمع. تُثني هذه الأسفار على شرف النساء اللواتي استطعن أن ينتصرن في عالم مليء بالعنف والظلم، فيتغلبنَ عليه بسلوك حكيم مثل ما نراه في رحمة راعوث وصمود أستير وحكمة يهوديت.
يخلص عيوش إلى أن هؤلاء النساء الثلاث جسدن رسالة القصيدة الأبجدية الواردة في خاتمة سفر أمثال سليمان، وهي بمثابة مديح للمرأة الفاضلة التي تعرف إدارة الأمور اليسيرة والعسيرة. إنهن يجسدْن الحكمة التي أشاد بها الملك سليمان والكتابات الحكمية الأخرى في التناخ اليهودي. كما أنهن يمثّلن أيضًا الإيمان والرجاء بالعناية الإلهية الحاضرة في الخليقة لصالح هؤلاء الذين يبذلون أنفسهم من أجل الضعفاء المحتاجين، دون أن يحتسبوا المخاطر والعواقب كما يعمل أبناء هذه الدنيا. أما هؤلاء النساء فينطلقن مما تعلَّمْنَه من محبة الله وسيادته الرحيمة على كل البشر.
تناول روغار روكوني (Rugare Rukuni) -محاضر في جامعة سولوسي (Solusi University)؛ زيمبابوي، وباحث متخصص في تاريخ المسيحية المبكِّرة- حضور الملكة كنداكة ملكةً للحبشة في تاريخ المسيحية الإثيوبية من خلال وضع سردية جديدة، مستمدة من الكتب المقدسة والتواريخ، عبر رواية ذات صلة بتلك التي تستحدث تقاطعاً بين التواريخ الدينية المستمدة من الكتب المقدسة والتواريخ غير الدينية، باحثًا عن وجود «الملكية الأمومية» (Matriarchal Queenship) في هذه المنطقة، وعن إقامة علاقة بين تواريخ النوبة/مروي (Nubia/Meroe) وأكسوم/الحبشة (Aksum/Abyssinia).
تطرقت الدراسة إلى واقع المسيحية في أفريقيا في القرن الأول ميلادياً، وخلص الباحث إلى أهمية مراجعة الرواية الراسخة المتعلّقة بأصول المسيحية في القارة الأفريقية. وباستخدام تحليل الوثائق، يؤسّس الباحث الواقع التاريخي والكتابي للنظام الأمومي في مركز القوى المحرّكة الدينية- الاقتصادية والسياسية في العالم الأفريقي في القرن الأول. ويبين أن كنادكة مروي (Candaces of Meroe) كنّ يحكمن منطقة كوش. ويشار إلى حدوث ذلك ما بين سنتي 284 ق.م و314م. وفي حين أن هناك أساساً معقولاً للتحقّق من أنه كان لبعضهن قاعدة حكم مستقلة، فإن المعنى الجوهري للقب كنداكة مروي هو الملكة الحاكمة أو بالأحرى الملكة الأم. ويعني ذلك ضمناً أنها كانت تقوم بدور الوكيل، ولكن ثمة من أثبت أن الكنداكة يمكن أن تقوم بوظيفة الحاكم الوحيد.
استُمدت الدراسة من إثبات صحة الرواية التوراتية التي تذكر صراحة وجود ملكة حاكمة تلقّب «كنداكة». ويمكن الملاحظة أن ثمة محوراً يتجه نحو شمال أكسوم عند وضع المناقشة في منظور الحقائق الأثرية والتاريخية الراسخة على التوالي. ويعني ذلك أن الإثبات التاريخي للملكة كنداكة يقتضي استعراض تنصير [تبشير] مروي/السودان.
أقرّ الباحث مبدئيًّا في الحدّ الأدنى بحقيقة الحكم الأمومي في مروي. ولاستكشاف هذا الموضوع طالب بمزيد من الفعالية، وأنه لا بدّ من مراجعة التنصير من المنظور الجغرافي لأكسوم ومروي. مشيرًا إلى أن مسألة الغموض المتعلّق بحقيقة الرواية الكتابية وأصالتها يمكن أن تُعزى إلى محوٍ متعمّد وواضح للسود والأنوثة في الروايات التاريخية الأولية والحديثة.
درست كندرا وِدِل (Kendra Weddle) -أستاذ الدين والعلوم الإنسانية والدراسات متعددة التخصصات في جامعة تكساس ويسليان بالولايات المتحدة- الحركة النسوية الإنجيلية الأميركية، مستعرضة تاريخها وأساليبها، فتقف أولاً على تعريف الإنجيلي المشتق من المصطلح اليوناني (evangel)، بمعنى «الإنجيل» أو «الأخبار السارة» (البشارة)، وعادة ما تُعزى الحركة إلى تركيز التقوى على التجربة الشخصية، ونظراً إلى تعقيد تحديد المسيحية الإنجيلية باعتبارها تعبيراً عن الطائفة البروتستانتية الجامعة، فإن العلماء غالباً ما يتعاملون مع الموضوع بالتعرّف على الخصائص اللاهوتية للحركة. فالأنماط مثل النظام البطريركي والسمّية الذكورية (Masculine Toxicity)، والاستبداد، والقومية البيضاء، ورُهاب المثليين، ورُهاب الإسلام، والعنصرية تبدو واضحة -على سبيل المثال- في مؤسسات المسيحية الإنجيلية، والحضور على وسائل التواصل الاجتماعي، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، وغيرها من المشغولات الحرفية الثقافية الشعبية، بما في ذلك الأفلام وقمصان التي شيرت والأدوات المنزلية.
تعرج الباحثة على الحركة الميثودية وقيادة النساء في إنجلترا، مستعرضة تجربة كل من سوزانا ويسلي (Susanna Wesley)، وسارة كُرسبي (Sarah Crosby) وماري بونكيه (Mary Bosanquet). ثم تتناول الإنجيليات في أميركا الشمالية وإرهاصات اللاهوت النسوي، منهن: جارينا لي (Jarena Lee)، ماريا ستيوارت (Maria Stewart)، فيبي بالمر (Phoebe Palmer) وأماندا بري سمِث (Amanda Berry Smith)، وإما دلاني (Emma Delaney)، ومابل مادلَين سُذَرد (Mabel Madeline Southard). وفي القسم الرابع من دراستها تتناول تجمع النساء الإنجيليات والمسكونيات والمسيحيين من أجل المساواة الكتابية، ثم تنتقل إلى القسم الخامس إلى فيرجينيا رامي مولنكت (Virginia Ramey Mollenkott) وجان ألدرج- كلانتن (Jann Aldredge-Clanton). أما في القسم السادس، فتتناول معارضات الإنجيليات، والقسم السابع تقف عن بِث مور (Beth Moore) وتوسيع الحضور، وأخيرًا تتناول راكيل هلد إفانز (Rachel Held Evans) والحضور في وسائل التواصل الاجتماعي وتجاوز المسيحية الإنجيلية.
تخلص الباحثة إلى أن النساء أدركن، ربما أكثر من الرجال، أن الكهنوت ينطوي على أكثر من الوعظ. وعرفن أن جمع الأموال وخدمة المحتاجين ورعاية المرضى والتنظيم وطائفة من المهامّ الأخرى، يمكن أن تُحدث فرقاً وتشكّل جزءاً مما يعنيه اتّباع الله. وبينما يعيد المؤرّخون وغيرهم توجيه اهتمامهم بعيداً عن وجهات النظر الرسمية والعامة نحو التركيز على العمل وراء الكواليس، فإنهم يجدون أن النساء كنّ ضروريات لرسالة الكنيسة. إن مواجهة العقبات من الجوانب الرئيسة لكل قصة من القصص المدرجة في هذه الدراسة من غياب الأزواج إلى حرّاس الطائفة؛ اجتازت النساء المياه المضطربة التي واجهنها بإبلاغهنّ بأن عليهنّ ألا يفعلن ما يفعلنه، ويفكّرن فيما يفكّرن فيه. وتقدّمن في مواجهة المعارضة المستمرة والمنتشرة بثقة في أنفسهنّ ودعواتهن. ومع أن هؤلاء النساء أبدين وجهات نظر فريدة، فإن نُهُجهن الخطابية في مواجهة العقبات حملت أوجه تشابه مثل: تحديد تجارب التقديس و/أو استخدام التحليل الكتابي المتمركز حول المسيح.
توضح سير كل هؤلاء النساء ثقتهن بتجربتهن مع الله واعتبارها دافعاً موثوقاً به. كان الطريق الأسهل بالتأكيد استبعاد هذه التجربة، والشك في دعوتهنّ. ففي النهاية، كانت رسائل المجتمع المتحيّزة ضدّ المرأة مقنعة ومنتشرة وقوية. بل إن السلطات الدينية كان يمكن أن تخبرهن بطرق شتى أن عليهنّ ألا يثقن بأنفسهن، وإنما يجب أن يعتمدن على ما يقول الرجال: إن عليهن أن يؤمنّ به.
يستعرض الكتاب دراسة ألكس فراي (Alex Fry) -باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة دورهام- مواقف رجال الدين في كنيسة إنجلترا من سيامة النساء كاهنات وقسيسات، ويشير إلى أن النساء لا يشغلن مناصب متساوية مع الرجال في كنيسة إنجلترا، بالرغم من تولّي بعضهن رتبة الأسقفية، حيث غالباً ما يرفض رجال الدين الإنجيليون المحافظون صحّة رسامة النساء. تستكشف الدراسة القيم الجندرية لهؤلاء، وتدرس كيفية التعبير عنها، والعوامل التي تؤثّر فيها. تُستمدّ البيانات من المقابلات شبه المنظمة، وتُفسّر بطريقة التحليل السردي الموضوعاتي. وقد حلّل الموضوعات بنظريات ما بعد الحركة النسوية (Postfeminist)، والأرثوذكسية المشارِكة (Engaged Orthodoxy) وانقسام الجماعات.
حدّدت الدراسة ثلاث ظواهر في القيم الجندرية لرجال الدين الإنجيليين المحافظين داخل كنيسة إنجلترا ما بعد الحركة النسوية:
أولاً: عبّرت هذه الجماعة من رجال الدين عن قيم جندرية أكثر ليونة مما كانت عليه الحال سابقاً، وأبدت تقديراً لجوانب معيّنة من الحركة النسوية.
ثانياً: بما أن المشاركين استمرّوا مع ذلك في مقاومة جوانب أخرى من الحركة النسوية، والتعبير عن الاعتقاد الديني بقيادة الذكور وخضوع الإناث، فإن إمكان تحقيق أي زيادة في المساواة بين الجنسين ضمن هذه التقاليد محدودة.
ثالثاً: تأثّرت القيم الجندرية الحالية للمشاركين بالمشاركة الإنجيلية في المجتمع الأوسع، بالإضافة إلى تصوّرهم لتغيير الهوية داخل طائفتهم.
إن حدوث تحوّل في كيفية التعبير عن القيم الجندرية بين رجال الدين الإنجيليين المحافظين داخل كنيسة إنجلترا، يدفع إلى التساؤل عما إذا كان من المحتمل أن يتغيّروا في المستقبل. وبتحديد الطرق الخاصة التي يظهر بها التمييز بين الجنسين في سياقات معينة، فإن كنيسة إنجلترا ستكون في موقف أفضل للتعامل معها.
سعت كاهنة بهلول (Kahina Bahloul) -باحثة وواعِظة وناشطة فرنسية، تخصصت في الإسلاميات في «المدرسة التطبيقية للدراسات العليا»- إلى تحليل الخطاب القرآني في ضوء ألسنية التلفظ و«دراسة سير أسماء الشخصيات»، وهنا تتناول الشخصيات النسائية الواردة في القرآن الكريم تحديداً، من خلال الكلمات والأسماء والألفاظ المستخدمة لتسميتها، من أجل فهم الدور والوظيفة الاجتماعية المنسوبة لها في المخيال الديني الجمعي في السياق الإسلامي من خلال النص القرآني. فبعد تقديمها تمهيد لدراسة سير الأسماء النسائية في القرآن الكريم، استعرضت حضور آدم وحواء فيه، وزوجة نوح وزوجة لوط، وسارة زوجة إبراهيم، وزوجة العزيز، وزوجة فرعون، وابنتي شيخ مدين حيث ستصبح إحداهما زوجة النبي موسى، وملكة سبأ، ومريم.
تخلص بهلول في تحليلها إلى أن هذه الشخصيات النسائية، وفي كل الأحوال، ما خلا السيدة مريم، جرت الإشارة إليها بكنيتها التي تشير إلى صلاتها مع الأنبياء كأزواج وأمهات أو أخوات. بيد أن هذه الصور المقدمة لا تقلل في شيء من فحوى خطاباتهن، ولا من مكانتهن كمتلفظات في المخطط السردي. فهذه الشخصيات النسائية تندرج في تشكيلات سردية مختلفة، فهن ذوات متلفظة، مُرسِلة أو مُتلقية (للخطاب). إنهن محاورات لله والأنبياء بوصفهن مُساعِدات أو معارضات لهم. وحال السيدة مريم، يسمح لنا بإعادة النظر في الموقع المهيمن للطابع الذكوري الحصري المنسوب للنبوة في مخيال التفسير القرآني والتقليد الإسلامي عموما. هذا، ويحمل حضور الشخصيات النسائية في الخطاب القرآني غنىً كثيراً مع أدوار متنوعة وعظيمة الأهمية، كما أشرنا سابقاً.
تؤكد الباحثة أن ما يُميّز الحضور النسائي في البنية التلفظية والسردية للنص القرآني، طابعه الكمي أكثر منه نوعياً. ففي الواقع، تحتل الشخصيات النسائية كل الأمكنة في مخطط فاعلي الحوادث في السرد، كما الشخصيات الذكورية، حتى من وجهة نظر «العلم الذي يهتم بدراسة قصة وتاريخ أسماء الشخصيات (الأعلام)». وتضيف أنه بالتأكيد، فإن عددهن ليس كبيراً كفاية كما الرجال ليتم ذكرهن، لكن لا شيء يشير لنا بوجوب استنباط مبدأ كوني، لأن السيدة مريم مذكورة بطريقة كمية ونوعية في القرآن الكريم. وترى أنه يمكن الاستنتاج أن عدم تسمية الشخصيات النسائية هذه بأسمائها في القرآن، يُنسب في نهاية الأمر، إلى السياق الاجتماعي –التاريخي للوحي القرآني، في مجتمع يسود فيه النظام والنمط الأبوي (البطريركي)، ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، تفسير ذلك بأنه إرادة استبعاد أو الحط من شأن عنصر النساء.
تسلط شهلا حائري (Shahla Haeri) -أستاذة مشاركة في جامعة بوسطن (Boston University)، قسم الأنثروبولوجيا- في هذا الفصل المُستل من كتابها (The Unforgettable Queens of Islam Succession, Authority, Gender) «ملكات غير منسيات في الإسلام: الخلافة والسلطة والجندر»، الضوء على الآيات القرآنية المتعلّقة بملكة سبأ وحكمها، كما يرمز إليه عرشها العظيم، بهدف الدفاع عن شرعية القيادة والسلطة السياسية للمرأة.
ترى الباحثة أن الحضور السياسي للمرأة المسلمة وقيادتها قُيّد تاريخيًّا بالمؤسّسات السياسية لمجتمعاتها البطريركية. فالتاريخ المدوّن للإسلام والعالم الإسلامي يغلب عليه الطابع الذكوري، ويتجاهل -إلى حدٍّ كبير- النساء ومساهماتهن الاجتماعية الثقافية والسياسية -حتى وقت متقدّم من القرن العشرين على الأقلّ. مع ذلك، فإن هذا التاريخ البطريركي لا يخلو من تحدّيات شكّلتها النساء في العصور الوسطى أو الأزمنة الحديثة.
قدّمت الباحثة تفسيرها للقصة القرآنية لملكة سبأ متشابكة مع عمليات إعادة بناء متعدّدة صاغها مفسّرون وكتّاب سير مسلمون في العصور الوسطى. كانت ملكة سبأ، ، الزعيمة الروحية والزمنية لشعبها. وكانت تتمتع بالسلطة وتحظى باحترام مستشاريها وقادتها العسكريين، الذين كانوا على استعداد لخوض الحرب من أجلها. وبالرغم من أن التهديد بالحرب أثار جزع ملكة سبأ، فإنها لم تذعن، لكنها لم تكن مستعدّة لجرّ شعبها إلى صراع مدمّر. وباتخاذ هذا الموقف، يمكن اعتبارها النموذج المثالي للقائد المبالي والحكيم. لقد أدركت أن «الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزّة قومها أذلّة». فسعت الملكة إلى السلام مع الملك، الذي كان خصماً أقوى منها بكثير. وهكذا أنقذت حياة شعبها وحالت دون تدمير مجتمعها الفردوسي. غير أن «الصورة التاريخية» التي نسجها الخيال البطريركي لكتّاب السير والمفسّرين في العصور الوسطى شيطنتها بوصفها نصف جنّية، ونزعت الشرعية عن ملكها، واغتُصبت سلطتها، وخضعت استقلاليتها لسيطرة الزوج. لا سيما وأنه في الآيات القرآنية، لم يرد أنها أميرة جنّية –ومن ثم ليست دجّالة أو حاكمة غاصبة- ولم تنكر عامّة شعبها ملكها. إلى جانب ذلك، فإن الله منح الملكة التي تعبد الشمس عرشاً عظيماً أدهش مشاعر المسلمين في العصور الوسطى.
ترى الباحثة أنه على الرغم من أن قصة ملكة سبأ أدرجت في العصور الوسطى ضمن الحساسية والتحيّزات البطريركية الصارمة، وأقصيت النساء نظرياً عن المجال العام، في التاريخ الإسلامي، فإن العديد من النساء مارسن السلطة خلف العرش، ووصل العديد منهن إلى السلطة بالفعل وحكمن بوصفهنّ سلطانات وملكات ورئيسات وزراء ورئيسات.
تتناول نادية سعد الدين -كاتبة وباحثة أردنية في العلوم السياسية- في هذه الدراسة نماذج من الشخصيات النسائية الإسلامية المؤثرة في الحضارة الإسلامية في مجال المعرفة الدينية وإدارة الشأن السياسي، وتختار نماذج من حقب تاريخية مختلفة تكشف عن حضور المرأة وتأثيرها في الدين والسلطة. فتقدم نماذج للمرأة المسلمة والسلطة الدينية؛ كالنساء الفقيهات والمحدثات، والنساء وصناعة المعرفة الدينية، والمرأة والتصوف: رابعة العدوية أنموذجًا، وأدوار المسلمات في الوقف الديني والتعليم. قبل أن تمر إلى القسم الثاني الذي يتناول دور المسلمات والسلطة السياسية بين القرنين الثالث والسابع عشر: شجرة الدر، ست الملك، ملكات اليمن، الأميرة صبيحة ملكة قرطبة، والسطانة "رضية"، و"الخواتين" وملكات الجزر.
ركزت الباحثة على شخصيات نسائية لعبت دوراً قيادياً في المعرفة الدينية، وتناولت حضور النساء الحاكمات وإمساكهن بمقاليد السلطة؛ فكن رئيسات دول رسميات صكت النقود بأسمائهن وهُتف بذكرهن عبر منابر المساجد، إلى جانب نساء مارسن السلطة السياسية بصفة غير رسمية، فكن الحاكم الفعلي من وراء «حجاب»، وأخريات لعبن أدواراً سياسية مؤثرة بشكل غير مباشر، فحظين، بامتيازات وفيرة، وتمتعن بنفوذ واسع النطاق.
سعت ناجية الوريمي -باحثة تونسية، وأستاذ الحضارة العربية الإسلامية بالجامعة التونسية، المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس، المنار- في هذا البحث إلى بلورة تصوّر للطريقة التي عرّف بها خطاب «الطبقات» بالعالمات في الثقافة العربيّة الإسلاميّة، وللكيفيّة التي أرّخ بها لحضورهنّ في الواقع التاريخيّ، سواء في مستوى التداول الشفوي للعلوم وللمشاغل الثقافيّة عموماً، أو في مستوى تدوينها.
تناول البحث ثلاث مراحل: في الأولى مدى حضور النساء العالِمات في كتب الطبقات: من حيث غيابهنّ عن بعض المجالات المعرفيّة، ومن حيث تغييبهنّ المتعمَّد عن مجالات شاركن فيها، ومن حيث حضورهنّ المتفاوت النِّسَب في مجالات أخرى. وفي المرحلة الثانية كيفيّة حضور النساء العالمات في كتب الطبقات وفق مبدأَيْ «الفصل» و«الوصل» بين الجنسين: الرجال العلماء والنساء العالمات، متوقّفين عند دلالة كلّ من الطريقتين. وفي المرحلة الثالثة رسم الصورة التي يشكّلها خطاب الطبقات «الذكوريّ» عن النساء العالمات، في مستوى عناصرها التّمجيديّة الظاهرة والجزئيّة، وفي مستوى أسسها التمييزيّة العميقة والشاملة. وبنت الباحثة مختلف هذه المراحل والإشكاليّات المُثارَة فيها، على المعطيات الآتية:
المعطى الأوّل: العدد الكبير لكتب التراجم والطبقات في التراث الإسلامي في مختلف الكتب التاريخيّة، وتعدّد معايير تصنيفها: فمن المعيار «الدينيّ» الذي يهمّ الأجيال الأولى من ناقلي «العلم» عن الرسول صحابةً وتابعين، إلى المعيار الجغرافي ممثّلاً في ما اشتهرت به الأمصار الكبيرة من شخصيّات أقامت فيها، إلى المعيار العلمي المتعلّق بروّاد حقل معيّن من حقول المعرفة، إلى المعيار المذهبي المتعلّق بأعلام المذاهب والفرق. والكتابة التي تحظى بهذا التنوّع وبهذا الانتشار الواسع، هي كتابة تتمتّع بأهميّة خاصّة في الثقافة الرسميّة وفي ثقافة المجموعة وذاكرتها، وتخضع لآليّات في التصنيف تخدم القيم السائدة.
المعطى الثاني: إنّ أصحاب كتب الطبقات، التي سندرس فيها كيفيّة حضور النساء العالمات، كلّهم «رجال» علماء. أي إنّ الذي ترجم للمرأة العالمة، هو «ذات» تنظر إلى «آخر» مغاير لها، وتصوّر وظيفته «العلميّة» وفق موقفها من كيفيّة انتظام المجتمع.
المعطى الثالث: إنّ التوزيع السائد للأدوار بين المرأة والرجل والذي تحدّده أوضاع حضاريّة معيّنة، يوفّر له الرجل العالم مبرّرات يستمدّها من فهمه للدين، ويقيمها في أغلب الحالات، على ما كرّسه من فهمه لمقولة: إنّ النساء «ناقصات عقل ودين».
المعطى الرابع والأخير: إنّ العالم يشكّل خطابه بالكيفيّة التي تعبّر عن تصوّره للمرأة العالمة، وعن موقعها داخل التنظيم الاجتماعي. وتحليل هذه الكيفيّة من شأنه أن يكشف عن انتقائيّة في عمله، قائمة على إبراز ما يراه دالّاً من معطيات تخصّها، وعلى السكوت عمّا يراه غير منسجم مع تصوّره. وربّما يكون سعينا إلى الكشف عن هذه الانتقائيّة سبيلاً إلى إعادة النظر في مكانة النساء العالمات في المجتمع الإسلامي.
في تتبّعها لحضور المرأة العالمة في كتب الطبقات وجدت الباحثة مجالات علميّة استقطبت مشاركتها أكثر من غيرها: فالمجالات التي تربطها علاقة مباشرة أو شبه مباشرة بالمجتمع ومشاغله مثل الفقه ورواية الحديث والتصوّف والشعر، كان فيها حضور المرأة العالمة واضحاً؛ بينما كانت مشاركتها ضعيفة -بل منعدمة في معظم الأحيان- في المجالات التي تنزع إلى التجريد وتقتضي الاعتماد على المكتوب أكثر من الشفويّ، مثل علم الكلام والعلوم الفلسفيّة أو الحكميّة (الطبّ، علم النجوم، علم «الصنعة» -وهو تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن ثمينة...)، الأمر الذي يحتاج إلى فهمٍ وتعليلٍ في ضوء التعامل النقدي مع محتوى هذه الكتب.
درس خالد محمّد عبده، باحث مصري في الإسلاميّات والتصوّف، مركزية رابعة العدوية وتجاهل التقليد النسويّ الصوفيّ، حاولت الدراسة إعادة النظر فيما استقر عليه البحث، حول تاريخ سيدات التصوّف، فلم تكن المرأة الصوفيّة منغلقة على دائرة ذاتها، تحتبس الأنوار وتصل بشكل صامت إلى غايتها، بل كانت محاورة ومساجلة للرجال ومقوّمة لتجاربهم، ولم يتوقف رجال الصوفيّة يومًا عن رواية أخبار السالكات، سواء في إيراد تلك الأخبار في ثنايا تصانيفهم، أو تخصيص مؤلّفات كاملة للعناية بتجاربهن، بداية من القرن الرابع الهجريّ حتى القرون المتعاقبة إلى يومنا هذا، على أنّ التدوين في هذا الموضوع لم يكن باللسان العربيّ فحسب، بل استمر في أخبار النساء باللغات الشرقيّة (الأورديّة والفارسية والتركيّة).
يتخذ الباحث من كتاب تقيّ الدين الحصنيّ "سير السالكات" أنموذجًا لبحثه. مشيرًا إلى أن الحصنيّ سُبق بالعديد من كتّاب التراجم الذين أولوا موضوع تعبّد النساء عنايتهم، وخصصّوا جزءًا من أعمالهم لذكر أحوال النساء وكراماتهن وأذواقهن في قراءة نصوص الوحي، يأتي في مقدّمة هؤلاء مؤرّخ الصوفيّة أبو عبدالرحمن السلميّ (412/1021) ، وإن كان تأريخه لأعلام الصوفيّة لم يصلنا بعد، إلّا أنّ رسالته «ذكر النسوة المتعبّدات» أحدثت أثرًا كبيرًا في العناية والاهتمام بسير السالكات من بعده، فمن خلالها كانت العناية بقصص هؤلاء والتركيز عليها في كتابات ابن الجوزيّ (ت 1201) ذائعة الصيت «صفة الصفوة» و"تلبيس إبليس"، فقد حفظ لنا ابن الجوزيّ في مؤلفاته أخبار نسوة كثيرات، وهي وإن جاءت متفرقة في ثنايا أعماله، إلّا أنها تظلّ شاهدًا على تطوّر تلك السِير. ويشير الباحث إلى أنه لا يظهر في عمل أبي عبدالرحمن السلميّ، الغاية من تصنيفه والرسالة الموجهة من خلاله والفئات المستفيدة منه، إذ لا تحتوي الرسالة على مقّدمة أو خاتمة للعمل، فتبدأ مجموعة التراجم الاثنتين وثمانين برابعة العدويّة وتنتهي بعائشة المَروزيّة زوجة عبدالواحد السياريّ، وأغلب النساء إمّا زوجة لصوفيّ شهير أو أخت أو ابنة. ربما كان عمل السلميّ تابعًا لخطّته في تأليف طبقات الصوفيّة، ومن هنا لم يشتمل على مجموعة من الآداب والتنبيهات التي ينتظرها قارئ التراجم، ولأنّه في أعماله الأخرى فصّل الحديث حول التعاليم الصوفيّة التي يجب على السالك والسالكة الالتزام بها، لذا جاءت عمليّة التأريخ لسير النسوة المتعبدات تطبيقًا مماثلًا لسير رجال القوم الصوفيّة.
يرى الباحث أن الحصنيّ تمثّل تجربة السلميّ تمثّلا واضحًا في ترتيب مؤلفاته، فبعد أن ألف كتابه «سير السالك في أسنى المسالك»، صحّ منه العزم على إتمام ما بدأه ممتثلًا لتعاليم القرآن «فالله لما خاطب الخلق بالانقياد إلى الطاعات لم يخصّ الذكور» فإن ذكر في كتابه سير السالك «جملة من الرجال ولم يذكر ما يتعلّق بالخيرات» فعليه أن يتمّ رسالته بذكر «جملة يسيرة من سير الصالحات» والغاية المرتجاة «لعل بذكر ذلك يحصل لمن سمعت أحوالهن من المشوّقات» ويكون هذا الذكر باعثًا على اللحوق بهن لمن تسمع ما تُحفن به تينك المتصوفّات من الكرامات. يخصّص الفصل الأول من الكتاب لذكر شيء «من عيش سيّد الأوّلين والآخرين (صلّى الله عليه وسلّم) لأنّه المشرّع»، ثمّ يستهل ذكر السالكات بالحديث عن سير نساء بيت النبوّة وبعض الصحابيّات ثمّ يبدأ ذكر العابدات. يسرد الحصنيّ قصصهن ويعلّق عليها. وهذا ما تتبعه الباحث وبيّنه ودور الحصني فيه.
سعت دراسة حمدي عبدالرحمن حسن -باحث وأكاديمي مصري متخصص في الشؤون الأفريقية، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة زايد، الإمارات العربية المتحدة- إلى توضيح التغيير الذي حدث في ممارسة طقوس النساء الصوفيات في الخبرة الأفريقية، وخصوصاً الممارسات المجتمعية النسائية داخل الإسلام. فيبين أنماط القيادة النسائية الصوفية: الكفاحية، والاستقلال الثقافي، وقيادة المقاومة الوطنية ضد الاستعمار، ثم يعرج في القسم الثاني على ثلاثة نماذج من القيادات النسائية الصوفية في أفريقيا وهن: نانا أسماء دان فوديو، والسخنة ماغات ديوب، وعلوية الميرغني.
يرى الباحث أن الطرق الصوفية ومنظماتها لم تقدم منافذ اجتماعية لمشاركة النساء باعتبارهن من الأتباع فحسب، ولكنها -في بعض الأحيان- دفعت بهن إلى موقع القيادة الروحية، وفي أحيان أخرى أسندت إليهن القيام بالوظيفة الكفاحية من أجل تغيير المجتمع.
كان تأسيس الطرق الصوفية والتحكم فيها من قبل الرجال، وكانت صفة الولي أو شيخ الطريقة حكراً على الرجال على الدوام. ومع ذلك، فإن معظم الطرق -كما عرضت هذه الدراسة- تقدم حالات مثيرة للاهتمام للمرأة الولي، ومن ذلك كما يظهر في الطريقة المريدية بأنموذج: السخنة ماغات ديوب التي لم تحظ بلقب الخلافة الدينية فحسب، بل أصبحت أيضًا زعيمة رفيعة المستوى، مع كل مظاهر القوة التي تصاحب هذا المنصب. وعلى الرغم من أنها كانت امرأة، فإن والدها سيرين عبدالله ديوب، الذي تتلمذ على أيدي مؤسس الطريقة أحمدو بمبا، كان يفتقر إلى الورثة الذكور عند وفاته عام 1943. لقد أوصى قبل وفاته بأن تتولى ابنته مهامه، مثل أي شيخ من الرجال. لم تكن تؤم الناس في الصلاة ولم تقم بحضور مراسم الزواج، بل إنها قامت بالتدريس والكتابة وأداء الخلوات الصوفية.
لم يقتصر رفع قدر المرأة إلى موقع الزعامة الدينية على الطائفة المريدية أو الختمية فقط، حيث شهدت القادرية ولوج النساء إلى مرتبة الشيخ. ولكن على عكس السخنة ماجات ديوب لم يتم تعزيز هذه القيادة بما تتطلبه من التعليم الديني. لم يكن لديهن تلاميذ ولا يسمح لهن بتلقي الهدايا. ومع ذلك، يُسمح لهن بقيادة الدوائر النسائية، وجمع الأموال للمربوط، وتنظيم المهرجانات، والسعي نحو وسائل أخرى لزيادة جمهور وأتباع المربوط.
ركزت الدراسة في أحد جوانبها كذلك على الطريقة الختمية، في المشهد الثقافي والديني والاجتماعي والسياسي الإريتري، وبحثت بشكل خاص في كيفية تفاعل الطريقة وتكيفها مع الاحتلال الإيطالي، للمساهمة في فهم الديناميات الجنسانية الأوسع، التي شكلت المواجهة الاستعمارية في المنطقة.
يشير الباحث إلى أنه من المرجح أن يكون أنموذج التنوع الاجتماعي الذي تعكسه خبرة الشريفة علوية الميرغني أحد العناصر المساعدة في فهم علاقات القوة وأشكال السلطة والتسلسل الهرمي في المجتمع. هذه الديناميات مقيدة بشكل أكثر صراحة بالنساء، حيث يُنظر إليهن على أنهن يجسدن الأفكار الدينية والعائلية، فضلاً عن العوامل الرئيسة لنقل القيم، والسيطرة على المجتمع المدني، من خلال تحدي بعض أشكال الهيمنة الذكورية.
تناولت دراسة روزاليا غاريبوفا (Rozaliya Garipova) -أستاذ مساعد في الدراسات الإسلامية والتاريخ في جامعة نزار باييف كازاخستان- النساء في السلطة الدينية في روسيا. وحاولت التعرف إلى العوامل التي أسهمت في ظهور أول امرأة عملتْ قاضية للشرع في تاريخ العالم الإسلامي الحديث وهي مخلصة بوبي. يُعتَبَرُ ذلك الحدث غير المسبوق، بمثابة ومضة في التاريخ، فهو حدثٌ غير عادي وقد جاء نتيجة تلاقي عوامل عدة تشمل التقليد، والحداثة الإسلامية واللحظة الثورية (الثورة الروسية 1917).
تخلص الباحثة إلى أنه خلال ولايتها الطويلة في منصب قاضٍ للشرع، استمرت مُخلِصَة في استعمال سلطتها بهدف تنظيم الخلافات في المجتمع المسلم. وكذلك استعملت وضعيتها السلطوية لتحسين حقوق النساء في العائلة، إضافة إلى حقوقهن في الوصول إلى التعليم والحصول على المعرفة. ولو لم تُنْهِ الدولة السوفيتية حياتها ومسارها المهني عبر إعدامها، وكذلك الحال مع المؤسسة الدينية والتعليمية المسلمة، لكان من شأن مثالها كامرأة تمتلك معرفة وسلطة دينية عليا، أن يترسّخ مؤسّساتيًّا في صفوف مسلمي منطقة فولغا- أورال.
تطرقت هند الشلقاني -باحثة مصرية متخصصة في دراسات المرأة- إلى دور "الواعظات الأزهريات" في الفتوى وشؤون المرأة الدينية في مصر، فقدمت بداية خلفية تاريخية حولهن، قبل أن تشرح انبثاق الفكرة وتجسدها مؤسسيًا عبر مؤسسة الأزهر الشريف.
تتناول الباحثة السياق السياسي المصري المساعد على تمكين المرأة، الذي فتح المجال إلى تطوير أدوارها الدينية، مبرزة دور الواعظات الأزهريات وحضورهن، وتعرض لتصريحات شيخ الأزهر وموقفه منهن، مستشرفة مستقبل فتاوى النساء في مصر.
ترى الباحثة أنه لا ينبغي أن يقتصر التجديد على المظهر العصري لهؤلاء الواعظات، ولا على استخدامهنَّ الحيوي للمنصات الإلكترونية، إنما من المهم أن يشكلن نواة لعمليات بحث تجديدي من داخل هذه المؤسسة الدينية العريقة، وأن يُحسنَّ استغلال فرصة الدعم الحكومي، لكل ما من شأنه التمكين للنساء بوجه عام.
قّدمت نوال العلي -باحثة ومترجمة أردنية- قراءة في كتاب «النسوية البوذية تحويل الغضب ضد البطريركية» لمؤلفته سوكذان يينغ (Sokthan Yeng) الصادر في طبعته الأولى عن دار بيلغراف (Palgrave Macmillan) عام 2020، في (186 صفحة).
تشير المؤلفة إلى أن الاعتراف بمجال فرعي يسمى «النسوية البوذية» (Buddhist Feminism) بدأ للتو في الظهور أكاديميًا، مع زيادة حضور الحركة النسوية البوذية واتضاح فكرها بأشكال متعددة، والتي غالبًا ما كانت تذكر كموضوع هامشي ملحق في الكتب النسوية مختلفة التخصصات.
ونظرًا لأنه لا البوذية ولا النسوية يعبران عن حقلين متجانسين، تقترح يينغ في كتابها تحليلات مختلفة لأشكال من النسوية البوذية، الآسيوية والبيضاء والأميركية والأفروأميركية والآسيوية والإثنية وما بعد الكولونيالية... إلخ. وعلى الرغم من هذا التنوع، تشير الكتابة إلى ضرورة التفكير في الادعاء الأكاديمي أن النسوية البوذية هي صنيع غربي، لا سيما وأن النسوية الأنجلو أوروبية تسيطر على كل من الدراسات البوذية والنسوية. كما تبين أنه قد يكون من الصعب رؤية طريق للمضي قدمًا للنسوية البوذية التي لا تعزز امتيازات الأنظمة الغربية والنساء البيض، وتتطرق إلى النسوية الغربية كحاجز؛ إذ يُنظر إليها بوصفها مركزاً للمعرفة وتهمش معارف النساء البوذيات من الثقافات والخلفيات الأخرى. من هنا، فإن كانت يينغ قد بدأت برسم خريطة النسوية البوذية اليوم في ضوء هذه السلطة الأكاديمية الغربية، فإنها تنتهي إلى ضرورة البناء على عمل النسويات السود ونسويات ما بعد الكولونيالية وتفكيك الكولونيالية، اللواتي أثرين حقول الدراسات النسوية ككل.