الإسلام في غرب ووسط أفريقيا التقليد – السياسة – الإرهاب


يواصل هذا الكتاب رحلة البحث عن تعددية تمثّل المجتمعات بالإسلام، ويخصّ بالدراسة مجتمع وسط وغرب إفريقيا، فيُبين تحوّلات الإسلام والمسلمين؛ المجتمعية والسياسية في كل من دول: تشاد، ونيجيريا، والسنغال، والنيجر، وساحل العاج، ومالي. راصداً الصراع بين أنماط متباينة؛ من الإسلام التقليدي الأصيل فيها من جهة؛ والإسلام السياسي الوافد عليها من جهة أخرى. 

شارك في الكتاب باحثون وأكاديميون أفارقة، يمثلون تيارات متباينة، عكست تصوراتهم، الواقع  المضطرب بثراء؛ ولعلها تفتح الباب أمام الباحثين المهتمين، وتستفزهم لمزيدٍ من البحث والدراسة، المصوبة نحو هذه المنطقة الغنية بالتجارب المخبوءة.


تم النشر في: October 2019


front154

قائمة الفصول


# اسم الكتاب
1 الإسلام والمسلمون في جمهورية تشاد
2 جمهورية تشاد: المهدِّدات الإسلاموية والحدودية
3 بوكو حرام: التداخلات الدينية والإثنية والسياسية
4 الجماعات المسلحة في أفريقيا: دراسة لحالة «بوكو حرام»
5 الإسلام الطُّرُقيّ التقليدي والسلطة السياسية في السنغال
6 الإسلام في النيجر
7 ساحل العاج: بناء الأمة والتعبئة السياسية
8 الإرهاب في غرب أفريقيا: جماعة أنصار الدين وتنظيم «المرابطون»
9 العلاقات الفاتيكانية – الأفريقية: نهج الانفتاح وتحدياته
10 الدّبلوماسية الدّينية للمغرب في أفريقيا.. المسار والرّهانات

شرح الكتاب


ملخص بحوث العدد (154)

الإسلام في غرب ووسط أفريقيا: التقليد- السياسة- الإرهاب

أكتوبر (تشرين الأول) 2019

يواصل مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «الإسلام في غرب ووسط أفريقيا: التقليد، السياسة، الإرهاب»، (الكتاب الرابع والخمسون بعد المئة، أكتوبر/ تشرين الأول 2019)، رسالته التي تتتبع تفاعل الإسلام مع شعوب ومجتمعات مختلفة الثقافات، ودوره في إعادة تشكيلها، ورسم هويّاتها، ويدرس دلالة تباين أو تشابه تجاربها، ويقيس اختلافات تأثرها بالنص والعرف والتقليد وغيرها من متغيرات، ثم يعاين تأثرها بالواقع السياسي وتأثير حركات الإسلام السياسي عليها، بمحاولة فرض تصورها الخاص على المسلمين في عدد من دول القارة الأفريقية.

الإسلام والمسلمون في جمهورية تشاد

يطرح حسن كلي ورتي -باحث تشادي في العلاقات الدولية والشؤون الأفريقية- التساؤل التالي في هذه الدراسة: إلى أي حد ساهم المسلمون في نشر الحضارة الإسلامية في تشاد؟ يتفرع عن هذا السؤال مجموعة من الأسئلة الفرعية: ما دور الممالك الإسلامية في نشر الحضارة الإسلامية في تشاد، وإلى أي مدى ساهمت المراكز القرآنية في نشر اللغة العربية في جمهورية تشاد؟ وأي دور لعبته الجماعات الإسلامية في نشر الدعوة الإسلامية؟ يتناول الباحث، قيام الحواضر الإسلامية: الإمبراطوريات والممالك، خصوصا في مملكة وادي الإسلامية، ومملكة باقرمي الإسلامية. ثم يعرج على أبرز المراكز القرآنية واللغة العربية ودورهما في نشر الإسلام، كما يستعرض أبرز مؤسسات تعليم القرآن والعلوم الإسلامية.

جمهورية تشاد المهددات الإسلاموية والحدودية

تقدم الورقة موجزاً لورشة عمل عقدها مركز المسبار للدراسات والبحوث في أغسطس (آب) 2019، حول جمهورية تشاد، وتأتي في أربعة أقسام: الأول: المشهد السياسي الراهن؛ الثاني: تشاد من الداخل؛ الثالث: دول الجوار؛ الرابع: تداخل الدين والاجتماع والسياسية، والصراع بين التقليد والحركات الإسلامية، وعامل الهوية المجهول.

وتستعرض الورقة الجماعات المتمردة في تشاد، وبوكو حرام، والصراع التشادي– الليبي، والآثار المباشرة للصراع في المنطقة على السودان، ونشأة الدولة التشادية والممالك في الأقاليم الشرقية، واستقلال تشاد والحكومة الوطنية الأولى، ومراحل تكوين المؤسسات الدستورية، والحكومة الانتقالية. كما تتناول حكومة فرانسوا تمبلباي، والجماعات الإسلامية في تشاد، دارسة طبيعة التدين والدين فيها.

بوكو حرام: التداخلات الدينية والإثنية والسياسية

يتتبع الباحث السوداني، عمر البشير الترابي، مسار خروج التطرف الديني من تفاعلات الإسلام التقليدي، والإسلام السياسي، وصولاً إلى التطرّف المتشدد في شمال نيجيريا، متناولا التاريخ السياسي للدين فيها، مع ملاحظة عناصر التقليد الصوفي، وظروف التهميش السياسي، ومحفزات الثورة الإخوانية والخمينية، مع سوء إدارة الدولة، وصولاً إلى انفجار الحركة الإرهابية المتطرفة، مثل بوكو حرام.

ويتناول الصلة بين تاريخ وحاضر المسلمين في نيجيريا، ويرى أن من الفخاخ المضللة في دراسة التشدد في نيجيريا هو فخ تجاهل التاريخ: ينأى المؤلفون عن الخوض في فخاخ تاريخ نيجيريا ، تقع في تبسيط التاريخ عوضًا عن تناوله بعمق، وهذا التبسيط أيضًا لا يخلو من الغرض، خصوصاً وأن باحثين قفزوا إلى عثمان دان فوديو (1754-1817)، مباشرة لربطه ببوكو حرام. وهي محاولة أُشير إليها كثيرًا. كما يتناول الباحث صراع التيجانية والقادرية في المكوّن التقليدي، ويرصد الباحث تأثير الحكومات في فشل إدارة التنوع وتسييسه. يدرس الباحث تفاعل المسلمين مع الدولة النيجيرية وهويّتها. ويفحص الكيانات التي استعجلت بتبنّي هويّات فرعية مضادّة لهويّة الدولة، حيث يلاحظ الباحث أنّ قوة جذب المركز لم تكن كافية لضمان تخلّي الناس عن القديم.

ويبحث الترابي، جذور بوكو حرام، ويدرس جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة، وجمعية الطلاب المسلمين المعادية للدستور والإخوان والشيعة. ويجيب عن التساؤل الأساسي: كيف نشأت بوكو حرام، ومتى تأسست، مقدما تعريفا عن محمد يوسف (زعيم ومؤسس بوكو حرام). وما تفسيرات العنف العرقية والاغتراب؟ ويخلص إلى أن بوكو حرام ، وعموم الجماعات الإرهابية، تقوم على تبني مظالم أساسية: اقتصادية وسياسية تقع على فئة بعينها، تعاني من التهميش والإقصاء داخل نظام الدولة الوطنية، لأسباب تاريخية أو اجتماعية أو جغرافية، كما في حالة سكان ميدغوري أو الكانوريين في نيجيريا وشمال الكاميرون وغرب تشاد. ويتغذى هؤلاء بأيديولوجيا دينية عابرة للعرق أو القومية، ولكنها تكتسب قوتها من حسها المصادم للدولة، وترتبط بمجد تاريخي يصلها مع مستضعفين آخرين من خارج نطاق الدولة القومية. ويتم تغذية المظالم السياسية بخطاب ديني سياسي يشكل أيديولوجية قادرة على حفز وتشجيع أنصار يقدمون العون، وخدمة القضية في هدفها السياسي. لا تكفي المظالم السياسية والاقتصادية والفردية وحدها لتحويل الفرد المحتقن لإرهابي، هذا لا ينفي دور نسب البطالة المرتفعة، واليأس وانعدام الأمل، والدعوة إلى العنف، وطالما توافر للدعوة المنابر المناسبة، لتقديم نماذج بديلة، وحلول للمشاكل المحدقة، وتوجيه الشباب للعنف. وليس أفضل من وسطٍ طائفي منشق على ذاته، متحفز للانتقام من الآخر لتبني العنف. تحتاج الدولة الشرق أوسطية، والتي تغلب على مواطنيها هويات دينية، إلى العمل على تمتين الهوية الوطنية وشرح فكرة الدولة من الأسفل وعبر المجتمع وتعزيز الحرية، حتى يكون رد الفعل (حتى الذي يرفض الدولة) جزءًا منها لا خارجًا بسلاحه عليها، وربما يتم ذلك عبر الاهتمام بصناعة الهوية الوطنية الجمعية، واعتبار الخلافات داخلها لا عليها، عبر تكثيف المواد التعليمية والمواد الإعلامية التي تجمع المشتركات، من تراث أو تحديات مستقبلية، ومراجعة الأدبيات الدينية بحرية، والسماح للمصلحين والمثقفين التقليديين أن يتقدموا لمراجعة الأفكار وطرحها دون قمع.

الجماعات المسلحة في أفريقيا: دراسة لحالة "بوكو حرام"

عمل محمد لكريني -أستاذ باحث بكلية الحقوق في جامعة ابن زهر بالمغرب-، على مقاربة إشكالية الدراسة من خلال العلاقة القائمة بين جماعة بوكو حرام والحكومة النيجيرية، ثم بين هذه الجماعة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من جهة، راصدا موقف الجماعة من بعض القضايا من جهة ثانية، معتمدا على قراءة مشهد نشأة جماعة بوكو حرام وعلاقتها والحكومة النيجيرية وتنظيم الدولة الإسلامية. مستعرضا مواقف جماعة بوكو حرام من بعض القضايا. كما يسلط الضوء على محاولات تطبيق الشريعة في نيجيريا، مسلطا الضوء على عدد من ولايات نيجيرية كانت قد تبنت عملية تطبيق الشريعة الإسلامية في (12) ولاية توجد كلها بشمال نيجيريا، إضافة إلى تحرك بعض المسلمين الموجودين بجنوب غرب نيجيريا، حينما طالبوا حكوماتهم بإنشاء محاكم شرعية تحكم بالشريعة الإسلامية، فمسألة تطبيق الشريعة الإسلامية بنيجيريا ليست حديثة ولكنها مطلب قديم.

يشير لكريني إلى أن العديد من الولايات النيجيرية حاولت تطبيق الشريعة الإسلامية، لكن في مقابل ذلك توجد أقليات وإثنيات وعرقيات مختلفة داخل هذا البلد، مما يجعل الحكومة مطالبة بمعرفة كيفية التعامل مع التنوع المجتمعي الذي تعرفه، من خلال إرساء تنشئة اجتماعية تقبل بالاختلاف وقبول الآخر، والتعايش داخل هذا المجتمع في المناهج التربوية داخل المدارس، المساجد، الكنائس. ويخلص إلى أن التهديدات الأمنية التي تعرفها نيجيريا وباقي الدول الأفريقية المجاورة، تؤثر بشكل كبير على التنمية بالمنطقة، خصوصاً وأن عمليات الاستثمار تنشط في الدول الأكثر استقراراً، وبعبارة أخرى: فأنشطة جماعة بوكو حرام تؤثر سلباً على نيجيريا على المستويين الداخلي والخارجي، فالأول يتمثل في آثار الخوف التي تخلفها الجماعة في نفوس الساكنة النيجيرية، وتدمير البنى التحتية وقتل الشباب وغيره من الفئات الأخرى، أما المستوى الثاني، فمرتبط بعدم تشجيع المستثمرين الأجانب على القيام باستثمارات ستشغل الشباب وتنمي المنطقة، لذا يتطلب الأمر المزيد من التنسيق والتعاون بين الدول المجاورة، للحد من التهديدات الأمنية التي تشكلها الجماعة، وتقف حجر عثرة أمام أي نمو يمكنه أن يخدم نيجيريا وباقي الدول الأفريقية الأخرى.

الإسلام الطُّرُقي التقليدي والسلطة السياسية في السنغال

يقول يانكوبا سيدي -أستاذ محاضر في جامعة الشيخ أنتا ديوب في داكار –السنغال-: إنه إذا كانت العلاقات بين مختلف المجموعات الدينية، وبين الطرق الصوفية في السنغال موضع إعجاب في أمكنة أخرى، فالصلة بين الدائرتين -الروحية والزمنية خصوصاً- المنفصلة من باب أولى، هي ما يلفت انتباهنا في هذا العمل. في السنغال، أقامت السلطة الدينية، ولا سيّما الطرق الإسلامية التقليدية صلات مخصوصة جداً مع مختلف الأنظمة السياسية التي تعاقبت من العهد الكولونيالي إلى أيامنا هذه. وعلى الرغم من الاختلاف في المسارات والغايات للدائرتين، فإنه في اللحظات المفصلية والحاسمة، نجد السلطة السياسية والسلطة الدينية المجسدة بالعائلات الدينية أو الطرق الصوفية الإسلامية وكأنها قد اتحدت، محققة على هذا النحو تلاقياً ظرفياً للمصالح المتبادلة المعلنة. وفي فترات التوتر السياسي- الاجتماعي خصوصاً، الخارج عن السيطرة، تطلب السلطة السياسية تدخل الزعماء الدينيين وأصحاب الأعراف من أجل التهدئة، ولتجنب التأجيج الشامل. كان ثمة لحظات تصادمت فيها العلاقات بين الطرفين لأسباب مختلفة، والأغلب إثر حسابات بينهما. وهذا كله ما يجعل العلاقات معقدة بين كبريات العائلات الدينية المسلمة ومختلف الأنظمة السياسية في السنغال. تهتم الدراسة بهذه الصلات الدينامية جداً، والمعقدة أحياناً التي تقيمها السلطة الدينية، ولا سيّما الإسلام الطرقيّ التقليدي السنغالي مع السلطة السياسية. وتذهب أبعد من ذلك، لتحليل رهانات هذه العلاقات، وخصوصاً المزايا والمكاسب والمثالب المتولدة على المستوى السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي في الحد الأدنى. فهل لهذه العلاقات وقع أو أثر في «الاستثناء السنغالي» في مجال الاستقرار السياسي- الاجتماعي؟ وهل تملك سداً منيعاً في مواجهة إسلام يزعم أنه راديكالي، ولا تزال السنغال في منأى عنه، في منطقة على تماس مع الشبكات الجهادية من كل الأنواع، وحيث تغذي بوكو حرام (Boko Haram) طموح إقامة دولة إسلامية مع البلدان المجاورة كقاعدة خلفية؟ وهل دور الزعماء الدينيين، الذين لا يزال يطلق عليهم تعبير «المرابطون» (Marabouts)، مسانداً للأنظمة السياسية، وضد الإرادة الشعبية كما يرى البعض؟ لذا اهتمت هذه الدراسة بالعلاقات الدينامية، المعقدة أحياناً، التي تقيمها السلطة الدينية المسلمة، خصوصاً الإسلام الطُّرُقيّ التقليدي السنغالي مع السلطة السياسية. وتتيح زوايا النظر بيان وجود تفاهم خفيّ أحياناً بين الاثنين، وذلك في مصلحة كل واحد منهما، وأحياناً صدام مباشر على حساب الواحد أو الآخر منهما. مع مرحلة أخيرة من هذه العلاقة المعقدة، وهي تآكل السلطتين، مما يؤدي إلى إعادة التوليف.

الإسلام في النيجر

يرى أبو بكر سعيد توري -الأمين العام للجامعة الإسلامية بالنيجر- أن تأثير النمط التقليدي من التدين في الأديان يُعد أحد السمات التاريخية المُكونة للثقافة النيجرية، حيث استوطن التجار المسلمين والدعاة من العرب سكان الجزيرة والمغاربة منذ فجر الإسلام، فما كان من الدين الإسلامي إلا أن أثّر تأثيرًا كبيرًا في الأديان القليلة الموجودة في جمهورية النيجر. يدرس الباحث الإسلام التقليدي والإسلام السياسي في النيجر، ويعرف بأهل الطريقة وأنشطتهم الاجتماعية والثقافية، ويدرس جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة.

ساحل العاج: بناء الأمة والتعبئة السياسية

يرى أسانتي أوليفيه كواسي -مدرس وباحث في جامعة الحسن وتارا بساحل العاج- أنه يتعين بداية وقبل طرح مشكلة المسألة الإسلامية في ساحل العاج، أن نفهم واقعة: وهي الحاجة الدائمة للحاكم ليقوم بضبط مجتمع كبير العدد. وفي ساحل العاج، تبدو هذه الحاجة طبيعية بسبب من تباين السكان أنفسهم، التباين في الأصول الإثنية -معطى هوياتي أول نسميه بالطبيعي- وتباين في المعتقدات الدينية، وهذا معطى هوياتي قد جرى بناؤه. وبشكل عام، لعبت الإدارة الاستعمارية، كما النظام المديد للحزب الواحد وما تلاه، على هذين المعطيين.

يتناول الباحث بناء الأمة والتعبئة السياسية بداية من المسألة الإسلامية إلى تأسيس الهوية المسلمة، شارحا استراتيجية تعبئة الأمة الإيفوارية. ويرى أنه ومنذ القرن الثالث عشر، شهدت الأجزاء الشمالية من هذه الدولة وصول سكان من الدول الحدودية المحاذية لهذا الشمال بملامح خاصة بهم وهي تحولهم إلى الإسلام، أغلبهم تجار على قدر من التنوّر، أو في الحد الأدنى لديهم احتكاك مع خارج عابر للوطن واستعداد لنمط من التعليم. بالاستناد إلى فهم تاريخ الإسلام والصلات المختلفة التي أقامها أتباعه مع بقية مكوِّنات المجتمع الإيفواري، كان من الممكن استخدام هذا الدين لغايات سياسية. فمن المؤكد أن التقدم الذي سجلته المجموعات خلال مجرى التاريخ، ترك لها إمكانية تامة بأخذ مكان في الدائرة السياسية، مكان له قدر من الأهمية نجم عن حوار سلمي بين المجموعات المسلمة، والتي أصبحت طبقة متأسلمة– مسلمة ومالكة للسلطة. والأمر كان على نحو مختلف مع «العبقرية» التواصلية لرجل كان لنشاطه أن يحوّل العلاقات ومجرى التاريخ. وبما أن الربح في السياسة ليس نهائياً، فإن الأخطار الناجمة عن الاستخدام المُغالي للإسلام، ولا سيّما للتقليد الإسلامي الإيفواري الذي يميل، من باب أولى، للسلمية، تجعلنا في حال خشية.

الإرهاب في غرب أفريقيا: جماعة أنصار الدين وتنظيم «المرابطون»

تناول مادي كانتي -باحث لدرجة الدكتوراه في العلوم السياسية (جامعة القاهرة)- في هذه الدراسة خريطة الحركات الإرهابية في غرب أفريقيا من حيث النشأة والإطار الفكري والحركي. فدرس جماعة أنصار الدين، وقياداتها، وعلاقتهم بالتنظيمات الإرهابية الأخرى، وتنظيم "المرابطون"، وقياداتها، وعلاقته بتنظيم القاعدة في المغرب العربي وداعش، والتحالفات القائمة بينها وبين الجماعات الإرهابية الأخرى.

يبين الباحث أن عدم العدالة الاجتماعية، والإدارة غير الجيدة للموارد الطبيعية في البلاد من الأسباب الرئيسة لتأسيس التنظيمات الإرهابية والانضمام إليها، كذلك فإن للفساد دورًا كبيرًا في انتشار الإرهاب في غرب أفريقيا. ويمكن القول بأن عدم اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب سبب فقدان الإدارة الجيدة في البلاد، هذا فضلًا عن عجز عدد من دول غرب أفريقيا عن السيطرة الكاملة على أراضيها، إذ يعاني كثير من هذه الدول من التدخلات الخارجية التي أدت إلى زعزعة استقرارها، ومن ثَمَّ بدأت ظاهرة الإرهاب في غرب أفريقيا من شمالها (مالي، النيجر)، ثم السيطرة على شمال مالي، ثم انتشر الإرهاب في باقي دول غرب أفريقيا بعد التدخلات العسكرية في مالي، ومن ثم شهد غرب أفريقيا عمليات إرهابية مستمرة ودامية، وأصبح الإرهاب هو التهديد الأساسي لأمن الغرب الأفريقي. أما عن مكافحة هذه الجماعات والتصدي لها، فما زال التحدي الحقيقي لدول غرب أفريقيا والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، هو الاعتماد على الحلول العسكرية والأمنية دون غيرها. ومن الجدير بالذكر أن الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لم تقم بتحديد جماعة ما في حربها على الإرهاب، بل إن حربها على الإرهاب كانت بشكل عام بدون تخصيص جماعة بعينها. كذلك فإن هناك ملاحظة من خلال العرض، وهي أن الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالإرهاب الدولي وعلى رأسه القاعدة، والدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» (ISIS)، وأيضًا هناك علاقات تعاون بين هذه الجماعات من حيث تقديم المساعدات المادية والمالية واللوجيستية لبعضها داخل المنطقة، وعلى سبيل المثال إرسال بوكو حرام (نيجيريا) عناصرها إلى كتيبة ماسينا في مالي لتنفيذ عملية ضد القوات الدولية، كما أن بعض هذه الجماعات تتلقى المساعدات المالية من تنظيم القاعدة، وفقًا للمعلومات التي حصل عليها الباحث من خلال المقابلات التي أجريت داخل أجهزة إيكواس في أبوجا (نيجيريا)، وفي دكار (السنغال).

العلاقات الفاتيكانية– الأفريقية: نهج الانفتاح وتحدياته

يشير هارون باه -باحث في العلوم السياسية من السنغال- إلى العوامل العديدة التي ساهمت في تحديد طبيعة العلاقات الدولية بين روما وأفريقيا، منها: اتجاه الكنائس الأفريقية نحو الاستقلال، وانتهاء الحرب الباردة، واستهداف المسيحيين؛ كما ترى الكنيسة، ثم التنافس الشرس مع البروتستانتيين على المواقع، وكذا انتشار المد الإسلامي والإسلاموي، وتأثير مد العولمة. إن الحديث هنا بالأساس عن الكنيسة الكاثوليكية وليس عن غيرها، التي تجتمع تحت لواء مجمع الكنائس العالمي. وعليه، يتناول صناع القرار الدبلوماسي الفاتيكاني، ويستعرض مصلحة كل من الطرفين الكاثوليكي والأفريقي في هذه العلاقات المتشعبة، ويدرس آفاق الدبلوماسية الكاثوليكية في قارة تموج بالتغيرات والمصالح المتضاربة للقوى الأجنبية، في ظل عجز أبنائها عن أخذ زمام المبادرة الحضارية والاجتماعية، ويبين كيف للكنيسة أن تأخذ موقعها في قارة ينظر إليها على أنها قارة المستقبل. معرّفا بالفاعلين في السياسة الخارجية، والقنوات الدبلوماسية، مشيرا إلى أبرز البعثات الدبلوماسية والزيارات التي تمت، والخابات السنوية، ويقرأ الدبلوماسية البابوية بعد الاستقلال.

الدّبلوماسية الدّينية للمغرب في أفريقيا.. المسار والرّهانات

يدرس إدريس لكريني -أستاذ العلاقات الدولية ومدير مختبر الدراسات الدولية حول تدبير الأزمات بالمغرب، التوجهات الأفريقية للمغرب في عالم متغير، متناولا سياق الدبلوماسية الروحية في السياق الأفريقي، ثم يعرج على آليات الدبلوماسية الروحية للمغرب في أفريقيا، ورهاناتها.

مبيّنا أن العلاقات المغربية– الأفريقية تمتدّ إلى عمق التاريخ، مساهمة في تطورها مجموعة من العوامل الحضارية والثقافية والاجتماعية والدينية، وهي تندرج ضمن إطار التعاون جنوب– جنوب التي تدعم التعاون المتبادل في إطار من الندّية والاحترام والربح المشترك، بعيداً عن كل أشكال الهيمنة والسيطرة. فالمغرب بلد أفريقي، يحتلّ موقعاً جغرافياً استراتيجياً، كبوابة لأفريقيا نحو أوروبا، وبالرغم من الإشكالات والصعوبات التي مرّت بها القارة، سواء تعلق الأمر منها بسنوات الاستعمار الغربي، أو الصراعات والأزمات العسكرية والسياسية والبيئية التي اجتاحت عدداً من أقطار القارة، فقد حافظ المغرب على علاقات متينة مع محيطه الإقليمي في أفريقيا.

ويعتقد أن المغرب نجح -إلى حدّ كبير- في توظيف عناصر القوة الناعمة التي تنطوي عليها الدبلوماسية الروحية؛ مما جعله يحقق الكثير من المكتسبات على طريق إرساء علاقات متوازنة ومتينة مع عدد من البلدان الأفريقية في إطار التعاون جنوب– جنوب عبر هذه الورقة المربحة.