الوصف
يقدم إبراهيم ليتوس -باحث وأكاديمي بلجيكي، أستاذ باحث ومدير قسم التطرف العنيف والراديكالية بمركز بروكسل الدولي للأبحاث وحقوق الإنسان- لمحة تاريخية تقود لأهمية الإسلام المؤسساتي، يتوقف عند طبيعة العلاقة التي تحكم الديني والمدني أي العلاقة بين الدين والدولة السائدة في أوروبا. التي يقسمها إلى ثلاثة نماذج: النموذج الفرنسي، النموذج الأنجلوساكساني والنموذج البلجيكي.
بدأ النموذج الفرنسي، عقب اندلاع الثورة الفرنسية سنة 1789؛ بنجاح الجمهورية الفرنسية في إقامة أول دولة «لا دينية» في أوروبا. تعتبر فرنسا اليوم، النموذج الذي تتجسد فيه العلمانية القصوى. أما النموذج الأنجلوساكسوني فهو على عكس النموذج الفرنسي، فملكة بريطانيا هي الراعية الحقيقية والفعلية للكنيسة الأنجليكانية في البلاد. أما في بلجيكا، فنموذجها مختلف، لأنه على الرغم من أن الدولة علمانية وديمقراطية؛ لكنها تمول الشؤون المادية لكل دين يتم الاعتراف به دستورياً، كما هو الشأن بالنسبة للاعتراف بالدين الإسلامي سنة 1974.
يشير الباحث إلى الفصل التاسع من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان الذي ينص على حرية المعتقد، ويشمل الدين الإسلامي أيضاً، فالمملكة البلجيكية، التي كان ملوكها ولا يزالون يدينون بالديانة الكاثوليكية، تتميز بالعلمانية «المخففة»، فاستطاعت بعد صراعها الطويل مع الليبراليين وبعد حصولها على الاستقلال سنة 1830، الحفاظ على هذا الطابع المزدوج؛ وأن تفرض على خصومها، نوعاً من الحياد وأن تتمسك بالطابع الكاثوليكي، يداً بيد مع مثيلاتها من الطوائف الدينية الأخرى، وتترك الفضاء مشتركًا بين الجميع وفق قواعد اللعبة السياسية بين الأحزاب ووفق ما يسمح به الدستور البلجيكي.
يحاول الباحث الإجابة عن مجموعة من الأسئلة: هل هناك فعلاً دور للمؤسسات الدينية في الدول الحديثة؟ وما صيغ المأسسة وشكل تنظيمها وشروطها؟ وما مدى قبول الدول الأوروبية الحديثة بتنظيم دروس وتكوينات دينية تحت رعايتها (لا سيما تكوين القادة الدينيين)؟ وهل يمكن تمويل الأديان من المال العام، بعد أن تحررت الدولة من السلطة الكنسية وهاجس الاحتراب الديني الذي دار بين الكاثوليك والبروتستانت وغيرهم من أبناء المعتقدات الأخرى؟
يلاحظ الباحث أن مفهوم المؤسسات الإسلامية لم يصل بعد إلى مستوى ما يسمى في علم السوسيولوجيا (الاجتماع) بـ«نظرية المؤسساتية الجديدة»؛ التي يفترض فيها أن تكون نظمها السياسية العمومية (الرسمية كالسياسات العامة) للدولة، وتكون مصدراً لإعمال القيود التي تؤثر في استراتيجيات وقرارات الفاعلين السياسيين. ويرى أن ثمة خيارات ثلاثة لتنظيم التعليم: أولاً: حينما يكون دين معين هو الدين الرسمي للبلاد، كما هو الحال للدول الإسكندنافية. وثانياً: في الدول التي أعطت الصلاحية لهيئة دينية خاصة للقيام بالتنظيم والتكوين لأتباعها، كما هو الشأن في هولندا وبلجيكا وبعض مناطق ألمانيا. والخيار الثالث يتمثل النموذج الفرنسي بالطبيعة العلمانية، والذي لا يسمح لأي تعليم ديني داخل المدارس الحكومية الفرنسية الرسمية.
يدرس الباحث فرص وتحديات الإسلام المؤسساتي؛ فيسلط الضوء أولاً على الإسلام الأوروبي، على اعتبار أن إحدى الآليات التي ستنتج لنا بعد تطبيق ذلك؛ هي الإسلام المؤسساتي المحلي، مشيرًا إلى أنه ما لم ترفق هذه الدراسات ببرامج عملية قابلة للتطبيق، ستظل هذه الغايات التجديدية محدودة وحبيسة لدى الأكاديميين في جامعاتهم ومعاهدهم. قبل أن يعرج إلى سُبل توطين الإمامة في أوروبا وتحدّياتها.