الوصف
تناول الأكاديمي والباحث الجزائري، أستاذ القانون العام بجامعة قاصدي مرباح ورقلة – الجزائر “إسماعيل الأطرش“ في دراسته ظاهرة الإرهاب في الجزائر وظهورها ومراحل وآليات التصدي لها، وسعى فيها إلى إبراز أهم مراحل الصراع بين النظام وأجهزة الدولة الأمنية ومختلف الجماعات الإسلامية المتطرفة، مشيرًا إلى أن الصراع شهد مرحلتين، الأولى تميزت بطابعها الأمني (1992-1999)، لما اتسمت به من أحداث دموية تمثلت في ارتكاب المجازر وعديد الجرائم الإرهابية، قابلتها مواجهة عسكرية وأمنية حازمة، لكن المواجهة المباشرة التي اعتمدتها الدولة الجزائرية في مقاربتها الأمنية للتصدي للعمليات الإرهابية نتج عنها خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، مما دفع بالنظام الجزائري آنذاك إلى تغيير استراتيجية محاربة الإرهاب الهمجي، بالانتقال إلى مرحلة ثانية (1999-2005) من الصراع عبر المساعي والحلول السياسية، دون التخلي نهائيًا عن العمليات العسكرية التي كانت تفرضها أحيانًا ظروف المواجهة، فجاءت مبادرات الهدنة والمفاوضات مع قيادة الأحزاب الإسلامية وقيادات الجماعات الإسلامية المسلحة المتطرفة، من أجل وضع السلاح والبحث عن حلول سياسية للأزمة، حيث اقترحت الدولة في هذا الصدد عدة قوانين ومبادرات: قانون الرّحمة سنة 1995 الذي تمّ اقتراحه من طرف الرّئيس اليمين زروال.
يشير الباحث إلى أن البعض رأى أنّ هذا المشروع، شكل الولادة الأولى لاستعادة السلم والأمن في الجزائر، وتمهيدًا لتغيير العقلية التي كانت تفكّر بها الجماعات الإسلامية في الجزائر، وأنّ النظام الجزائري يدعو إلى التّسامح أكثر مما يدعو إلى العنف، وهو ما دفع بالمشرّع الجزائري إلى تعميق مفهوم التّسامح وجعله أكثر رحابة.
يعرج الباحث على قانون الوئام المدني الذي تزامن طرحه مع اعتلاء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة سدّة الحكم بتاريخ 27 أبريل (نيسان) 1999، واعتُبر هذا المسعى الجديد أحد المشاريع السياسية الكبرى التي مهّدت للسلم والأمن في البلاد، أما ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، فجاء مكمّلاً لمسعى الوئام المدني، وتمّ الاستفتاء عليه شعبيًا بأغلبية مطلقة بتاريخ 29 سبتمبر (أيلول) 2005 بنسبة (97.38%).
تخلص الدراسة إلى أن تجربة مكافحة الإرهاب في الجزائر ظلّت مقرونة بالحذر ومواجهة التّحديات والعقبات، وبقيت في الوقت ذاته متمسّكة بخيار كسب معركة الإرهاب ومكافحته عبر تدعيم المقاربة التقليدية (أمنية- سياسية) بمقاربات أخرى متعددة (قانونية، اقتصادية، اجتماعية، عسكرية وأمنية، دينية وفكرية، وثقافية… إلخ) وفق ما يتلاءم ومتطلبات المرحلة، ولقد أثمرت كل الجهود المبذولة أخيرًا في تقليص حجم التهديدات الإرهابية، ممّا يدُل على نجاح الجزائر عمومًا في مكافحة ظاهرة الإرهاب، وتجاوز جميع المراحل الصّعبة والحرجة التّي عانت منها في السّابق ولعهد طويل.