الوصف
سعت دراسة باتيست برودار (Baptiste Brodard)، باحث وأكاديمي سويسري متخصص في الدراسات الإسلامية في جامعة فيراكروز (Veracruzana) – المكسيك، إلى استكشاف الحركات الأيديولوجية والدينية؛ داخل المجتمعات المسلمة في كل أنحاء أميركا اللاتينية. تهدف الدراسة إلى تسليط الضوء على مظاهر الإسلام المتنوّعة في هذا المجال الجغرافي والثقافي المتنوّع؛ وتنقسم إلى ثمانية مباحث: أولاً: التنوّع الأيديولوجي في المجتمعات المسلمة. ثانيًا: مسألة تصنيف الطوائف المسلمة. ثالثًا: الاتجاهات الأيديولوجية في أميركا اللاتينية. رابعًا: الشبكات السلفية. خامسًا: السلفية المشفّرة أم ما بعد السلفية؟ سادسًا: الحركات السنّية التركية في أميركا اللاتينية، منها: حركة النور، منظمة السليمانية وبرنامجها للتعليم الديني، حركة فتح الله غول، الطريقة النقشبندية. سابعًا: من الإسلام السنّي التقليدي إلى الصوفية. ثامنًا: الشيعية في كولومبيا وما وراءها: شيعة المهجر اللبناني، والشيعة الكولومبيون من أصل إفريقي في بوينافينتورا.
استكشفت المباحث أبعادًا محدّدة للتنوّع الأيديولوجي والديني بين الجماعات المسلمة في أميركا اللاتينية، من المسارات التاريخية التي شكّلت هذه المجتمعات إلى التحدّيات والفرص المعاصرة التي تواجهها. وتتطلّع من خلال الفحص الدقيق لهذه القوى المحرّكة، إلى المساهمة في فهم أشمل للمجتمعات المسلمة في أميركا اللاتينية ومكانها داخل المشهد الإسلامي العالمي.
يخلص الباحث إلى أن الوجود الإسلامي في أميركا اللاتينية يشهد تفاعلًا ديناميكيًّا بين المجتمعات المهاجرة والمعتنقين المحليين للإسلام. تتعايش مجتمعات المسلمين المهاجرين مع الجماعات التي شكّلها السكان الأصليون الذين اعتنقوا الإسلام. وغالبًا ما ترحّب جماعات المسلمين في المنطقة بكل الوافدين من الدول ذات الغالبية المسلمة أو أميركا الشمالية أو أوروبا، بالإضافة إلى مسلمي أميركا اللاتينية المحليين. وتظل حاليًا قيادة هذه الجماعات، باستثناء جماعات السكان الأصليين، بيد الأئمة والدعاة الأجانب الذين ينشرون المعايير الإسلامية المكتسبة في الخارج، وخاصة في بلدانهم الأصلية. ونتيجة لذلك، لا تزال الخطابات المعيارية عن الإسلام في أميركا اللاتينية تخضع لتأثير التيّارات الأيديولوجية الأجنبية، أكانت تتوافق مع السلفية أم الإسلام السنّي المتمسّك بالتقاليد أم التشيّع.
غير أن الجماعات المسلمة المحلية تؤكّد على نحو متزايد حقها في إنتاج خطابات إسلامية متجذّرة في سياقاتها المحلية. وينبع هذا الدافع لاستعادة الخطاب الديني من عاملين رئيسين: أولهما: أدّى تولي الأئمة الأجانب قيادة العديد من هذه الجماعات في الماضي إلى شعور بين المسلمين المحليين بأن المعايير الدينية تُفرض من الخارج، مما أثار مخاوف بشأن تأثير العناصر الثقافية الأجنبية على التعاليم الإسلامية. وردًّا على ذلك، ثمة مطالبة متزايدة بأن يستعيد القادة المحليون والأهليون السيطرة على الخطاب الإسلامي، لأنهم أكثر انسجامًا مع المجتمع المحلي وفروقاته الدقيقة؛ أما ثانيهما: فيحثّ التباين السياقي الكبير بين مجتمعات أميركا اللاتينية والمجتمعات ذات الغالبية المسلمة، على إعادة التفكير في انسجام المعايير الإسلامية مع الوقائع في المجتمع المحلي والتحدّيات التي تواجهه.
ومع أن الهدف هو التمسّك بفهم «قويم» للإسلام، فإن العديد من القواعد والمعايير تخضع للنقاش، سواء فيما يتعلّق بتطبيقها في السياق المحلي أو منح الأولوية لبعض المعايير الإسلامية على أخرى. على سبيل المثال، يخضع تحريم لحوم الحيوانات غير المذبوحة للنقاش: تميل الجماعات المسلمة التي يقودها الأجانب في كولومبيا والمكسيك إلى التحريم الصارم لاستهلاكها، بينما يتخذ القادة المحليون -في الغالب- موقفًا أكثر تساهلًا بالسماح باستهلاك اللحوم باستثناء لحم الخنازير. وتظهر اختلافات مماثلة في المناقشات بشأن ارتداء المرأة للحجاب وقواعد الفصل بين الجنسين. باختصار، غالبًا ما يؤدّي انتقال الإسلام إلى سياقات اجتماعية ثقافية جديدة إلى إعادة تعريف بعض المعايير، أو على الأقل، منح الأولوية للقواعد الجوهرية على تلك التي تقل أهمية. وربما تفيد دول أميركا اللاتينية، مثل كولومبيا، بوصفها أرضًا خصبة للتغيّرات والتعديلات الدينية ذات الصلة بالسياقات المتطوّرة التي تواجهها عملية التوسّع الإسلامي. فالتفسيرات الأيديولوجية والدينية داخل الجماعات المسلمة، تتطوّر بمرور الوقت استجابة للوقائع المحلية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي يواجهها أتباعها. فالمسلمون الأميركيون اللاتينيون يميلون إلى تجاوز التسميات الطائفية، واعتناق هوية إسلامية عالمية تحت المرجعية المقدّسة للأمّة. ويمتنع العديد منهم عن التأكيد على الانتماءات الأيديولوجية أو العقائدية المحدّدة ذات الصلة بالتسميات الطائفية، مفضّلين التماهي مع الإسلام في جوهره الكوني والفريد.