إدارة الأمن الروحي وتأهيل القيم التقليدية لحل الصراع: الإمارات العربية المتحدة أنموذجًا

45.00 د.إ

محمد بشاري

التصنيف: الوسوم:

الوصف

قدمت دراسة محمد بشاري -أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة- قراءة للدور الحقيقي للمؤسسات الرسمية في تحقيق الأمن الروحي باعتبارها ذات التأثير الأوسع، والتأسيس الأقوى للتشريعات والقوانين ذات الصلة، وذلك إلى جانب العناية بتأهيل القيم التقليدية وآليات توظيفها بغية تجاوز التحديات، وعلى رأسها صور النزاع والصراع النابع من اختلاف التعبئة الدينية. تُعنى الدراسة بتتبع المتغيرات المشار إليها في دولة الإمارات العربية المتحدة، لأهمية رسالتها الدبلوماسية الدينية في التعامل مع منافذ الأمن الروحي، باعتبارها بقعة جغرافية خصبة بالتنوع الديني والعرقي، إلى جانب أنموذج مؤسساتي دافع بإدارة الأمن الروحي، وعامل في تأهيل القيم التقليدية التي من شأنها مجتمعةً حل شتى أشكال الصراع الإنساني. قسم دراسته إلى ثلاثة أقسام: أولاً: المفاهيم الأساسية؛ الأمن الروحي (Spiritual Security) ؛ والقيم التقليدية (Traditional Values) . ثانيًا: الأمن الروحي في دولة الإمارات العربية . ثالثًا: الجهود الإماراتية الساعية لتأهيل القيم التقليدية.

يخلص إلى أن وعي الإنسان المستمر بطبيعة التحديات التي تواجهه، أدى لاغتنام الفرص وإيجاد الحلول الموائمة لها، ومن ذلك فقد بات الأمن الروحي سلسلة مترابطة ومعاضدة مع مختلف أنواع الأمن، تسعى الدول للحفاظ عليها ورسم أرصن الاستراتيجيات المحققة لها.

وفي حين تتوارد الكثير من الدلالات في سياق الأمن الروحي وماهيته وحدوده، وطبيعة القيم التقليدية الواجب صونها، يمثل الاستمرار في طرح هذه القضايا نصف الحل، وموضحًّا لمعالم الخريطة المفاهيمية المبنية على الوعي بمجريات الأحداث وثوابت الأصول، ومسارات التطور والتجديد الممكنة، وبالتالي فقد وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة لذلك أسسًا واضحة، واستمرت على نهج تغذيتها والارتقاء بها منذ أن خط اتحاد البلاد على يدي الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان (رحمه الله وغفر له)، فلا تجد اهتمامًا تعبديًّا ولا قضيةً فقهية، ولا موضع تساؤل أو اختلاف إلا وقد اعتنت بتجاوزه دون تقصير ولا إسراف، ومن ذلك نجد أن للإمارات جهودها الواسعة في باب سن القوانين والتشريعات الناظمة للشأن الديني، وإعداد المرفقات الرصينة عما يتعلق بشؤون الخطابة والإمامة والرعاية للخطاب الديني المسجدي، وتنظيم الحركة الوعظية بالاعتداد بمن هم أهل وكفؤ لهذه المهمة الروحية السامية، كما دعت -ولا تزال- لوحدة المسلمين وتعاونهم في مختلف مبادراتها التوعوية والثقافية والمؤسساتية (كالمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة).

إن تدبير الشأن الديني في الإمارات العربية المتحدة يتجه نحو تطور مستمر، وإثراء برؤية فقهية معاصرة واعية؛ إذ يقدم ما يتناسب والظرفية الزمانية والمكانية، في صورة لا تنفصل عن محيطه الدولي والعالمي، فيضع ضمن خطط التغذية المعرفية للأئمة والخطباء، صورة فقهية ناضجة عن حقوق الإنسان، وطبيعة تناولها في المواثيق الدولية، كما يؤكد على ضرورة احترام الآخر وعدم التعدي عليه، وانشغال المؤمن بما يعود عليه وعلى مجتمعه بالخير، والسير بخطى واثقة نحو الانفتاح والحوار الذي لا يرحب بالعنف ولا مظاهر الصراع. ومن الناحية الأخلاقية والقيم المجتمعية، فقد قدمت الدولة تجربةً حضاريةً راقية في باب ترسيخ الأخوة الإنسانية ونشر قيم التسامح والتعايش والمحبة، ونبذ شتى أشكال التطرف والكراهية والعنف، وحركت مسار الإرشاد والوعظ ليشمل التنمية الروحية، التي تحترم أوطانها وتنتمي لها من خلال استيعاب الأفراد واحتضان اهتماماتهم في المعادلة «الوطنية» الكبرى، والتأكيد على مكانة الأوطان في التشريع الديني، والتشجيع المستمر على سلك دروب الإيجابية والإنجازات المشرفة والنوعية، وقبول الآخر.

إن تحقيق الأمن الروحي ضرورة تقتضي دراسة الأيديولوجيات والمذاهب الفكرية، وتفكيك مفرداتها وأسسها وأبعادها الفكرية. وإن الإدارة المعرفية الدينية هي أقوى الدعامات الرزينة والمضادة لعلة التطرف ومنابع النزاع والكراهية. لقد أثبتت الحضارات الإنسانية أن في القيم التقليدية ما لا يمكن تجاوزه من ثراء أخلاقي وقيمي ومعطى مرن قابل للتناغم ومعطيات الواقع.

يتمثل دور المؤسسات الدافعة بالأمن الروحي في تفعيل ما أبرم من اتفاقيات، وتكريس الجهود الدولية والعالمية في المواجهة القانونية لشتى أشكال العنف القائمة على أساس الدين وفهمه المغلوط. يقوم المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة بدور بارز وفاعل على المستوى الدولي في تعزيز قيم التعاون والتشارك، وتثبيت أساسات الأمن الروحي بمختلف الطرق والوسائل. لدولة الإمارات العربية المتحدة دور محوري في تعزيز الأمن بشتى صوره وأشكاله، والأمن الروحي بشكل خاص، من خلال ما تقدم من استدامة مبادرات خلّاقة وجهود نوعية، واضعة كرامة الإنسان في أسمى أولوياتها ومسؤولياتها.