الوصف
تتناول دراسة مصطفى صايج -أكاديمي وباحث جزائري- الخريطة الجيوسياسية للطرق الصوفية في الساحل الأفريقي، فترصد وتحلل أربعة نماذج فاعلة، كان لها تأثيراتها في الماضي والحاضر، ولعبت دورًا في التحديات والرهانات الجيوسياسية المستقبلية في المنطقة، من خلال تصاعد الجماعات الإرهابية والتكفيرية، وتأثيرها في السلم والاستقرار. تتمثل هذه الطرق الصوفية الأربع في الطريقة القادرية (نسبة للشيخ عبدالقادر الجيلاني/ 1075 – 1166)، والطريقة التيجانية (نسبة لأبي العباس أحمد التيجاني/ 1737 – 1815)، والطريقة المريدية (الشيخ أحمد بمبا/ 1893 – 1927) والطريقة السنوسية (نسبة إلى الشيخ محمد بن علي السنوسي/ 1787 – 1859).
تأتي أهمية التركيز على القادرية والتيجانية والمريدية والسنوسية، لما لها من تاريخ في إنشاء بعض الممالك والإمارات الإسلامية، في غرب أفريقيا، وللعدد الهائل من المريدين والأتباع المجتمعين حولها، والأدوار المشتركة التي لعبتها هذه الطرق الصوفية في منطقة الساحل الأفريقي، من خلال إنشاء الزوايا والمدارس القرآنية، والانتشار المجتمعي والخدماتي في المناطق الصحراوية المعزولة والهشة اجتماعيًا بتقديم الخدمات التعليمية وتغطية حاجيات المعوزين، والتأثير على النخب السياسية والبيروقراطية داخل الدول، بتفاوت بين الطرق.
تهتم الدراسة من حيث البعد الجيوسياسي، بعامل التأثير والنفوذ الذي مارسته وتمارسه بعض الطرق الصوفية في منطقة الساحل الأفريقي؛ لتوسيع مساحاتها الروحية باتجاه المساهمة في رسم وصناعة السياسة الداخلية للدول، بما يخدم تعظيم مكانتها الاجتماعية والاقتصادية. تختبر الدراسة من جهة أخرى، مدى مساهمة الطرق الصوفية في مواجهة الجماعات الإرهابية والتكفيرية المنتشرة في منطقة الساحل الأفريقي، وعلاقة شيوخ الطرق الصوفية الفكرية بقيادة الجماعات التكفيرية.
فيقابل في القسم الأول بين الطرق الصوفية الأربع وامتداداتها في منطقة الساحل الأفريقي، أما في القسم الثاني فيسلط الضوء على التحديات المستقبلية للصوفية في الساحل الأفريقي.
وخلص في دراسته إلى أن التجذر المجتمعي والانتشار الجغرافي وتزايد عدد المريدين للطرق الصوفية: القادرية، والتيجانية، والمريدية والسنوسية، يمكنها من القيام بأدوار فاعلة في بناء السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي والتنموي، فيمكن لرموز وشخصيات الطرق الصوفية الأربع لما تتمتع به من إرث معنوي وروحي وتاريخي، الانخراط في الحوار والمصالحة الوطنية من أجل تسوية النزاعات الاجتماعية الطويلة الأمد، لا سيما في مالي، والنيجر، وتشاد، بوركينا فاسو ونيجيريا. وليس من الغريب، أن يعاد طرح الخيار السنوسي في ليبيا لبناء السلم والمصالحة مستفيدة من الخبرة التاريخية الإيجابية للطريقة السنوسية في إرساء القواعد المجتمعية المبنية على الإخاء والمحبة.
وأن الطريقة المريدية قدمت أنموذجا عمليًا في بناء الأمن التنموي المحلي الذي يُعد الركيزة الأساسية في الاستقرار الجهوي ودعم بناء الدولة المركزية، بحيث يمكن للطرق الصوفية أن تغرس قدسية العمل وروح المبادرة في المجتمع، وإطلاق مشاريع تنموية محلية تساهم في القضاء على ثلاثية: الجهل، والفقر، والبطالة، التي تعد الحاضنة التي تعبئ من خلالها الجماعات الإرهابية التكفيرية أنصارًا لها في منطقة الساحل الأفريقي. وهو ما لمسناه كذلك مع الطريقة التيجانية التي وظفت البعد التجاري لإرساء التماسك المجتمعي والحفاظ على الطرق والممرات التجارية التقليدية، التي أضحت بيد الجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة، التي حولتها إلى بؤر دائمة لعدم الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي.