البُعد السياسي لبرامج نزع التطرّف الفرنسية

45.00 د.إ

توماس دورنون

التصنيف: الوسوم:

الوصف

ركّزت دراسة توماس دورنون (Thomas Dournon) -باحث ومدير المخاطر والامتثال في مجموعة (Square Facts Morocco) ومحاضر في مدرسة الحرب الاقتصادية، ومستشار الحوكمة الاستراتيجية في المغرب- على تحديد وعرض المناهج التي نظّمت تفكير السلطات الفرنسية لناحية نزع التطرّف ومحاربة التطرّف العنيف، وعلى النماذج الهجينة وأثرها في المنهج المؤسّسي الفرنسي. وحَدّدَت الجهات الفاعلة وفقًا للنهج الذي تتبنّاه حيال نزع التطرّف ومنع التطرّف العنيف، ووفقًا لعلاقتها بالسلطة السياسية، والنهج الأمني الذي يغلب عليه المنحى الاجتماعي. أخيرًا، حدّدت نتائج وحدود تلك التجارب المختلفة المتعلّقة بهذه المناهج والتجارب، وسعت إلى تحديد الدوافع الكامنة في صميم تعريف هذه التجارب المختلفة: هل هي نتيجة خبرة حقيقية ورغبة في المشاركة في جهد المصالحة، أو استرضاء المجتمع، أو استراتيجيات تحظى باهتمام أكبر من جانب الجهات الفاعلة العامّة والخاصّة لتحديد الفرص المتاحة للسلطات العامّة، من حيث إعادة تحديد الاستراتيجية الوطنية لنزع التطرّف ومكافحة التطرّف العنيف. قسّم دراسته إلى ثلاثة أقسام: أولًا: الفكر الفرنسي في نزع التطرّف؛ فاستعرض مسارات المنهج الثقافي، ونظرية السيطرة على العقل، ونهج الأجيال، ونهج الأقلوية السياسي، والنموذج الهجين (Hybrid Paradigm). أما القسم الثاني: التجارب الفرنسية في نزع التطرّف، فتناول الوعي السياسي، متسعرضًا تقرير الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني لسنة 2013 ، وأول خطة وطنية لمكافحة التطرّف العنيف والشبكات الإرهابية 2014، ومبيّنًا الدور الحاسم لوحدة تنسيق مكافحة الإرهاب، ويعرج على خطة العمل المعنية بمكافحة التطرّف والإرهاب لسنة 2016، والخطة الوطنية لمنع التطرّف لسنة 2018. أما في القسم الثالث: فتناول نتائج المنهج الفرنسي؛ وبحث في فشل تجربة بونتورني (Pontourny)، ثم درس تجربة برنامج بحوث التدخّل ومدى نجاحه، ووقف على أثر الدعم السياسي لتجربة برنامج الدعم الفردي وإعادة الانتساب الاجتماعي.

خلصت الدراسة إلى أن الدوائر السياسية والأمنية الفرنسية تأثرت تاريخيًا بتعارض النظم الفكرية، التي تجسّدها تيارات كتلك التي عبّر عنها جيل كيبيل أو دنيا بوزار منذ تسعينيات القرن العشرين. ومع ذلك أظهرت هذه المناهج حدودها ولم تكن كافية لشرح تعقيد سُبُل ومسارات الأفراد المتطرّفين، باستثناء العوامل الاجتماعية والاقتصادية والجيلية، كما في أفراد مثل محمد مراح أو الأخوين كواشي. فقد كانت أنماط حياتهم، أو خطابهم المنفصل عن المجتمع، أو حتى مساراتهم الأولية بوصفهم جانحين أو مجرمين، لا أعضاء فيما يسمى الدوائر السلفية أو جماعة الإخوان المسلمين أو حتى «متحمّسين لله»، تتميّز باضطرابات نفسية عميقة، وتميل إلى تخصيص مزيد من القراءات الدقيقة والاجتماعية، مثل النماذج الجيلية والسياسية والهجينة. وهي قراءة نجدها الآن في اختيار محاوري الدولة الفرنسية لتعريف برامج نزع التطرّف، الملتزمة بالتعامل مع الاختصاصيين الاجتماعيين والمربّين وغيرهم من المراجع في المناطق الحضرية، التي تتعرّض أحيانًا للتهميش الاجتماعي والاقتصادي. لافتًا إلى أنه منذ ظهور داعش في العراق وسوريا، وموجة رحيل الشبان الفرنسيين عن المنطقة، والهجمات في أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، تزايد الاهتمام الذي أبداه الممثّلون السياسيون بالمسائل المتعلّقة بالتطرّف وتحديد أصوله، ودور الدولة والسلطات المحلية.

وهكذا شُكّلت لجان برلمانية ومن الخبراء مسؤولة عن تقييم السياسات والآليات المطبّقة وإعادة تعديلها لصالح المجتمع، متجاوزة ما كان يسمّى في وقت ما «تجارة التطرّف» التي تسوّغ تدخّل من نصّبوا أنفسهم خبراء في وسائل الإعلام ولدى السياسيين. ويرى أن تجديد الخطط الوطنية مستمرّ في هذا الاتجاه، من دون التحرّر من المنظورين المعرفي والثقافي، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتنظيم الرأسي للإسلام الفرنسي. وقد بدأ دمج المكوّنات الاجتماعية والجندر والقضايا الاقتصادية في آليات عملها. وأضاف أنه إذا قُدّمت التجربة الفرنسية في المشهد الإعلامي على نحو خاطئ، بأنها حقّقت نجاحًا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإن إخفاقات أنظمة منع التطرّف ونزعه دفعت الإدارة إلى مزيد من التوجّه نحو الجهات الفاعلة التي لديها شرعية علمية وخبرة ميدانية وأساليب ثبتت فعاليتها. وقد مكنت هذه الملاحظة من إنشاء أنظمة مثل برنامج البحوث والتدخّل المعني بالعنف والمتطرّفين، وبرنامج الدعم الفردي وإعادة الانتساب الاجتماعي، اللذين برغم قابلية تحسينهما، يحظيان الآن بمصداقية على المستوى الدولي، من حيث الدعم في فك الارتباط ونزع التطرّف، ويمكن اعتبارها بداية لتجربة حقيقية في هذا الشأن.