التجارب المصرية في نزع التطرف

45.00 د.إ

أحمد سلطان

التصنيف: الوسوم:

الوصف

سعت دراسة الباحث المصري “أحمد سلطان” إلى عرض المقاربة المصرية في نزع التطرف، وتحديد مكامن القوة والضعف فيها، وتناولت ملامح المبادرات المصرية الجديدة لنزع الراديكالية، التي لا يتم الإشارة إليها بصورة علنية –غالبًا- نظرًا لأنها تجري في إطار شبه سري تحت إشراف الأجهزة الأمنية والجهات الرسمية، كما تستشرف مستقبل التجربة المصرية في التعامل مع المتطرفين.

يُلاحظ الباحث من شهادات وروايات الإرهابيين السابقين الذين انخرطوا في مبادرة وقف العنف، أن العامل الحاسم الذي رجح فكرة القبول الرسمي للمراجعات كآلية لنزع التطرف وإعادة الدمج كان جهد اللواء أحمد رأفت، المهندس الحقيقي للمبادرات، فبحسب رواية ناجح إبراهيم، فإن مسؤول مكافحة النشاط الديني المتطرف بجهاز أمن الدولة (سابقًا) أبلغ قيادات الجماعة الإسلامية بأن مهمتهم أسهل من مهمته؛ لأن دورهم إقناع من هم أدنى منهم بفكرة المراجعات، أما مهمته فكانت إقناع من هو أعلى منه بالتجاوب الرسمي مع المبادرة، أي إقناع وزير الداخلية المصري ورئيسي مجلس الوزراء، والجمهورية بهذا التصور.

يشير الباحث إلى أن المبادرات الجديدة المصرية أخذت طابعًا شبيهًا بتجربة المناصحة السعودية، فلم يتم الاقتصار على المحاضرات الشرعية (الدينية) لتصحيح الأفكار المتطرفة والرد عليها، كما حصل في تجربة الجماعة الإسلامية المصرية وتجربة تنظيم الجهاد، بل قُسمت المبادرة إلى ثلاث مراحل: أولاها: عملية المراجعة الشرعية التي تتم بمشاركة دعاة من مؤسسة الأزهر الشريف، وتُركز على نبذ العنف والتكفير، والتدليل على شرعية الرئيس والحكومة المصرية وحرمة الخروج على الحاكم… إلخ. فيما تتضمن المرحلة الثانية من المبادرة، إجراء تقييمات أمنية للمشاركين في المبادرة بواسطة ضباط جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية المصرية، (يمثل الجهاز الاستخبارات الداخلية في مصر، وهو مسؤول عن التعامل مع القضايا الحساسة كقضايا التطرف الديني، وذلك عن طريق إدارات متخصصة داخله)، ويتم إجراء لقاءات مع السجناء وخوض نقاشات معهم لاستكشاف آرائهم بشأن المشاركة السياسية والموقف من قضايا العنف والتكفير والخروج على الحاكم. أما في المرحلة الثالثة، فيخضع المشاركون في البرنامج لتقييم نفسي يجريه أطباء نفسيون متخصصون، للتأكد من استجابة هؤلاء المشاركين إلى التغيير.

يخلص الباحث إلى أن مصر تعتبر من أوائل الدول التي لجأت للحوار مع الجماعات المتطرفة، واعتمدت آلية المراجعات الشاملة كأسلوب لنزع التطرف وإعادة دمج المتطرفين التائبين داخل النسيج المجتمعي. وضمت مبادرات جديدة لنزع التطرف، معتمدةً على خطوات ومراحل برامج نزع التطرف المعروفة، واستعانت في إطارها بعلماء دين وخبراء نفسيين واجتماعيين، بهدف المساعدة في احتواء المتطرفين وإعادة تقويم أفكارهم وسلوكهم، بما يضمن ألا يُشكلوا خطورة أمنية ومجتمعية حالية أو مستقبلية. لافتًا إلى أن التجربة المصرية في هذا المجال لا تتسمى بـ”البرنامج المصري لنزع التطرف”، بل تُعرف بتجربة “المراجعات”، وهي في جوهرها تتضمن الخطوات والمراحل نفسها المعتمدة في برامج نزع التطرف الرائدة، بما فيها من إجراءات مقاومة التطرف ومعالجة المنخرطين فيه، والدخول في عملية حوار ونقاش معهم، والعمل على حل المشكلات وعلاج المظالم التي تحفز التطرف، وتهدف كل تلك الخطوات لفك الارتباط بين الأفراد المتطرفين والجماعات التي ينتمون لها، ومن ثم تأتي خطوة إعادة الإدماج المجتمعي التي نجحت في مصر، بنسبة كبيرة، بعد تطبيقها مع أعضاء تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية المصرية.

جاهزية تونس لاستقبال العائدين من مناطق الصراع: نزع الراديكالية وخطط العمل

درست آية جراد تنوع الأدوار والدوافع المختلفة في مجموعة العائدين (المحتملة) من بؤر التوتر باعتبارها شرطًا أساسيًا لتقدير التحديات والمخاطر التي قد يمثلونها، ويجب أن تُبنى عليه سياسات الوقاية ومكافحة الإرهاب.

ترى الباحثة أن فهم الدوافع الحقيقية للعودة للتطرف تعد خطوة ضرورية لتقويم المخاطر والتهديدات وتصميم برامج مناسبة لفك الارتباط ونزع الراديكالية.

يرتبط قرار العودة بقبول المساءلة القانونية عند الوصول للأراضي التونسيّة، التي تثار بمجرد الدخول إلى التراب التونسي. وتشير إلى أنه في سنة 2019، تمت إعادة (56) طفلاً و(40) امرأة عبر القنصلية التونسية في تركيا. كما أن المواقف الرسمية تضاربت بين امتعاض الجهات المسيطرة على المحكمة الليبية من تلكؤ نظرائهم التونسيين عن اتخاذ حلول جدية لإعادة هؤلاء الأطفال إلى تونس، بينما اتهمت السلطات التونسيّة (ممثلة حينها في وزير الخارجية خميس الجهيناوي) بعض الجهات الليبية بـ”عدم التجاوب”.

تذكر الباحثة أن تونس تبنت سنة 2016 الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف والإرهـاب التي ارتكزت “على أربعة أركان أساسية هي: الوقاية، والحماية، والتتبع، والرد، تفعل في إطار الحكم الرشيد، واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان”. وتلفت إلى أنه إبّان الحركة الاحتجاجية، تحولت المساجد في تونس إلى ساحات معارك تنافس فيها العديد من اللاعبين الدينيين للسيطرة عليها، سيطر لاحقا المتشددون على عدد منها، وشجعوا روادها على السفر للقتال في ليبيا وسوريا. في المقابل، كانت مؤسسات الدولة الدينية غير قادرة على المواجهة نتيجة إضعافها من قبل الأنظمة السابقة ونزع شرعيتها في حقبة ما بعد بن علي.

تخلص الباحثة إلى أنه مع تحوّل بؤرة الإرهاب العالمي إلى أفريقيا، تواجه تونس خطر نشوب نزاع شبيه بما حصل في العراق وسوريا. من جهة أخرى، وإن تراوحت المدة السجنية للمتهمين في قضايا إرهابية في تونس، فإن أغلبهم يحكمون بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، وهو ما يطرح وبشكل جدي إشكال عودتهم للنشاط الإرهابي في المستقبل القريب. وبالتالي، يجب على تونس التوقّع والتجهيز لمواجهة موجات من العنف يوجّهها العائدون، ما لم يشاركوا في برنامج مكافحة التطرف. بل إن جزءا من العائدين المشاركين في برامج إعادة التأهيل والإدماج يواجهون خطر الانتكاس والعودة، ويمكن أن يلعبوا دور المجندين للهجمات الإرهابية المستقبلية، وبالتالي يكونون بمثابة حافز لعودة أو إعادة تنشيط الإرهابيين. وأنه في غياب مراجعة شاملة لمسألة العائدين، تقوم على التنسيق متعدد الوكالات وإعطاء الأولوية للتأهيل وإعادة الإدماج، وإنشاء ودعم الشبكات الاجتماعية البديلة لتفادي الإقصاء المجتمعي، الذي قد يؤدي للانتكاس والعودة بحثًا عن الانتماء الذي حفز انخراطهم منذ البدء، فإن المقاربة الأمنية الزجرية تبقى قاصرة على تحصين المجتمع ضد التطرف.