الوصف
درس الأكاديمي والباحث الجزائري عبدالقادر عبدالعالي أنماط المعالجة الدينية لمشكلة الراديكالية والتطرف الديني في الجزائر، وكيف تم التعامل معها، وتركز على التطورات اللاحقة التي طرأت على مخرجات هذه السياسة من حيث بروز تحديات جديدة، تستوجب إعادة تقييم السياسات الأمنية والدينية القائمة منذ عقود.
درس الباحث جذور الراديكالية الدينية في الجزائر، وسياسات التدبير الديني بعد سنة 1999، ومخرجات السياسات الدينية في الجزائر بين المخاطر والفرص، والبدائل المعتدلة للراديكالية الدينية، لافتًا إلى تصريح الجنرال محمد العماري (أحد القادة العسكريين الذين حاربوا الإرهاب في الجزائر) بأن “الراديكالية الإسلاموية تمت هزيمتها، لكن الأصولية الدينية بقيت سلمية”، مما يعد إقراراً باستحالة مهمة تغيير المجتمع وفق التصورات الأيديولوجية المرغوبة لدى السلطة. من تلك البدائل: راديكالية ناعمة ترفض الخروج على الحاكم، التدين الإصلاحي لجمعية العلماء المسلمين، التصوف الطرقي واستعادة الموروث الروحي، رابطة علماء وأئمة ودعاة الساحل ودبلوماسية التعاون الديني.
يرى الباحث أنه لإنجاح اجتثاث الحركات المتطرفة، ينبغي قبل اجتثاثها أمنيًا، التعامل معها فكريًا ودينيًا وإسقاط شرعيتها الدينية عند أتباعها، في حالة غياب مراجعات فكرية، أو الدفع بأتباعها إلى ذلك، وأن أحد السبل الفعالة لمواجهة الحركات الراديكالية هو تشجيع بدائل منافسة لها أيديولوجيا ومن منبتها وتوجهها نفسه، ومحاولة توظيف التدين الشعبي والأهلي بالاستعانة برجال الطرق الصوفية، مع إعادة السيطرة المؤسساتية على الساحة الدينية، بإعادة بسط الأئمة والخطباء الموظفين في الشؤون الدينية.
لقد نجحت هذه السياسة العامة في تدبير الشأن الديني -إلى حد بعيد- في تراجع الأفكار المتطرفة التي تشجع على العنف، وقد تجسد هذا في النسبة المنخفضة للجزائريين الذين انضموا إلى حركة داعش في مناطق التوتر والنزاع، مقارنة بجنسيات مجاورة مثل: تونس ومصر والسعودية. لكن هذه السياسة التدخلية المؤدية إلى تكريس نوع من الإسلام الرسمي، كان لها جوانب سلبية، لعل أهمها، فقدان التجانس الفكري والديني داخل إطارات الشؤون الدينية والمؤسسات المرتبطة بها، مما جعلها ساحة صراع داخلي خفي، حال دون بروز مؤسسات للمرجعية الدينية، فهذا الوضع المتسم بانقسام إطارات الوزارة والأئمة والمكونين داخلها، وإطارات التربية الوطنية: بين توجهات دينية متضاربة: إخوان، سلفية، أتباع جمعية العلماء، طرقية، حال دون الإجماع على شخصيات دينية يمكن أن تشغل منصب مفتي الجمهورية، والجانب الثاني هو طغيان الجانب الأمني والسياسي في الاهتمام بتوظيف الجمعيات الدينية والطرقية في التأييد السياسي، على حساب تصميم سياسات تربوية وتكوينية، مما أدى إلى توليد نوع من “رهاب الطوائف الدينية” في المجتمع الجزائري، وأدى إلى المساس بحرية المعتقد، حيث أصبح الإعلام والرأي العام يتوجس خيفة من أي حركة أو مذهب جديد يبرز فيه أتباعه ممارسة غير مألوفة بالنسبة للمجتمع الجزائري، وقد أثارت الملابس الغريبة التي كان يرتديها أتباع الطريقة الكركرية الكثير من السخرية والمخاوف في المجتمع الجزائري.