الوصف
تناول الأكاديمي والباحث الجزائري بوحنية قوي دراسته طبيعة التهديدات الإرهابية والجريمة المنظمة التي سجلت على التراب الجزائري، وأثر ذلك على بنية استقرار الدولة الجزائرية، ورصد الجهود والمقاربات التي اعتمدتها الجزائر لتجاوز الراديكالية، وإعادة بناء الذاكرة الجمعية الجزائرية وفق هندسة السلم الداخلي والخارجي وذلك بعد العشرية الدموية (1992-2002) التي مرت بها. ركزت الدراسة على استلهام الدروس التي تجسدت في محاربة الخطاب العنصري والجهوي وخطاب الكراهية، وهو ما تجلى في القوانين التي تمّ استصدارها منذ عام 1999 حتى انتخاب الرئيس عبدالمجيد تبون عام 2019.
لفت الباحث إلى أن الاستراتيجية الجزائرية لمكافحة التطرف العنيف تستند على محورين أساسيين: أولاً: الحفاظ على مستوى عالٍ من التعبئة واليقظة على مستوى المصالح الأمنية كافة أثناء قيامها بمهمتها المؤسساتية في حماية النظام العام وضمان أمن الأشخاص والممتلكات؛ ثانيًا: تطبيق سياسة شاملة للقضاء على الراديكالية، تمزج بين إجراءات سياسية واقتصادية وثقافية ودينية في الآن ذاته، وتشارك فيها المؤسسات كافة والمواطنون، وتخصص لها نسبة مهمة من موارد الدولة.
يشدد الباحث على أن عملية رفع حالة الطوارئ سنة 2011 أظهرت إرادة الدولة في تعزيز اختيار الشعب الجزائري للديمقراطية والتعددية السياسية. إن الأحكام التي وضعت في إطار القانون أسهمت على نحو فاعل في إبعاد الأفراد المتورطين في قضايا ذات صلة بالإرهاب عن الأفكار المتطرفة والمخططات الإسلاموية الراديكالية، من خلال التدابير الآتية: إجراءات لإسقاط الدعوى العمومية في حق الأفراد المتورطين في قضايا الإرهاب؛ استبدال وتخفيف العقوبات المفروضة على الأشخاص المحكوم عليهم نهائيًا، والذين لا يستوفون الشروط لإطلاق سراحهم؛ تقديم الرعاية لأسر الأشخاص الذين تعرضوا للقتل في إطار مكافحة الإرهاب؛ تدابير إقصاء في حق الأشخاص الذين قاموا بعمليات الاغتيال والاغتصاب وهجمات باستخدام متفجرات في الأماكن العامة.
يخلص الباحث إلى أن مكافحة الراديكالية والجريمة المنظمة لم تنته بعد العشرية الدموية، ولكن الجزائر استطاعت -إلى حد كبير- أن تقوض انتشارها، وهو ما جعلها تعتمد على مقاربات جديدة سواء قبل 2019 أو بعدها، أي بعد الحَراك الشعبي الذي عرفته الجزائر، الذي بموجبه تم إعادة النظر في كثير من المنظومات القانونية والسياسية، على اعتبار أنه تم انتخاب رئيس جديد في ديسمبر (كانون الأول) 2019، وما قام به من إجراءات مهمة في مجال الأمن واستقرار وإعادة الجزائر لمكانتها الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة، ومحاولة تصوير وتصدير صورة الجزائر كدولة مصدرة للأمن والاستقرار ورائدة في مكافحة خطاب الكراهية، وأيضًا الحفاظ على الذاكرة من خلال سن القوانين بهذا الشأن، ولعل من أهم هذه القوانين مكافحة خطاب الكراهية ودحضه ومكافحة الفساد بشتى أبعاده، وتعزيز دور المجتمع المدني على اعتبار أنه رافعة مهمة جدًا من شأنه تفعيل دوره وتعزيزه أن يعمل على إعادة صياغة الذاكرة وفق مقاربة متكاملة، يساهم فيها الجميع من مؤسسة الإعلام والمؤسسة الرئاسية والمؤسسة التشريعية، وأيضًا حركات المجتمع المدني.