الوصف
تناولت دراسة رمضان أبو جزر -باحث وأكاديمي ومدير مركز بروكسل الدولي للأبحاث وحقوق الإنسان- أهم المشاريع الإخوانية التكوينية والتعليمية التي أُسست في الدول الأوروبية، لتدريب وتأهيل وتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، وتتوقف عند بعض الأمثلة في كل من بلجيكا، وفرنسا، وهولندا.
يرى الباحث أن من مظاهر أزمة مؤسسات التعليم الديني أنها لا تزال عرضة للاختراق من طرف الجماعات الإسلاموية المتشددة وتنظيم الإخوان المسلمين على وجه الخصوص، نظراً لغياب الملكة النقدية وتقبله في التعليم الديني التقليدي. مع أن المؤسسات التعليمية بما فيها المنظومة الفكرية الإسلامية قادرة على التغير والتطور في البيئة الأوروبية لكي تكون حاضنة للتعددية، من دون السقوط في فخ الإسلام السياسي، لأن الإسلام عادة يتفاعل مع الثقافة المحلية والبيئة الحضارية التي يحل فيها. وهذا ملاحظ في تطور الإسلام في البلدان الأفريقية والآسيوية، حيث يتميز كل «إسلام» بلون معين من الفهم والتفكير والاجتهاد بحسب طبيعة ثقافة البلد الذي ينتشر فيه. تحتاج مؤسسات التعليم الإسلامي من يخلصها من الأيديولوجية الإخوانية، وهي أزمة لا تقل أهمية عن الأزمات العامة التي تعيشها المؤسسات والمراكز الإسلامية في أوروبا وفي العالم الإسلامي.
أشار أبو جزر إلى الاختلالات التربوية التي يعاني منها التعليم الديني التقليدي، من تضخم في الجانب المعرفي ومناهجه وبرامجه، مما يجعل من إنشاء مؤسسات تعليمية قوية وقادرة على تخريج الأئمة والمرشدات الدينيات أمرا ملحاً ومستعجلاً في المستقبل في أوروبا.
يعد إنشاء المؤسسات التعليمية، وإصلاح منظومتها، من أنجح الطرق لمحاربة التطرف والإرهاب في المجتمعات، وفي مجال التمييز بين المجتمعات المختلفة والمجتمعات المتقدمة، نجد أن البعض يكاد يكتفي بهذا المعيار مؤكداً أن التعليم الجيد والتكوين المستمر الذي تقوم به، هو الذي يكفل القضاء على كثير من المشكلات الفكرية والسلوكية والنفسية، وأكد بعض آخر أننا كلما فتحنا مدرسة، فإننا نكون بذلك قد أغلقنا سجناً، أو على الأقل ألغينا فرصة افتتاح سجن جديد، على أساس ما تقوم به المؤسسات التعليمية والتكوينية من غرس القيم الأخلاقية والتنوير الاجتماعي والوعي القانوني. ويحق للدين أن يطلب من أتباعه أن يرفعوا من قدر العلم، وأن يطلبوه ولو كان في الصين، أن يكون دينا ربانيا ورسالة سماوية. لا تزال محاولات الإسلام السياسي والإخوان المسلمين بالذات قائمة للسيطرة على روافد التمثيل الديني، والتوغل في المؤسسات الحزبية والحكومية الأوروبية. يتم ذلك بغطاءات مختلفة وبأسماء جمعيات ومؤسسات تحمل أفكاراً ومبادئ ظاهرها قد يثير الإعجاب، وتجذب بعض المخدوعين الذين يجهلون الأهداف الحقيقية للمحاولات الإخوانية من التوغل والتأثير من أجل السيطرة. بالرغم من تنبه بعض الأجهزة الأمنية في أوروبا أخيراً للخطر الحقيقي لهذا التنظيم، واعتبار توغلهم في المؤسسات الأوروبية خطراً على الديمقراطية في أوروبا. فإن للإخوان القدرة دائماً على التلون وإعادة التموضع، بحكم استمرار الدعم والرعاية الخارجية واستعمال المظلومية تارة، والتنظيم المحكم تارة أخرى. والأهم في ذلك، هو المال الوفير الذي يتوافر لديهم دائماً، ومن مصادر غير معلنة ومبهمة.