المثلّث الروسي: النظام الاجتماعي، الجغرافيا السياسية، الأيديولوجيا

45.00 د.إ

أندريه فورسوف

التصنيف: الوسوم:

الوصف

يلقي أندريه فورسوف -مؤرخ روسي، مدير مركز الدراسات الروسية في جامعة موسكو للعلوم الإنسانية- نظرة على البُنَى التاريخية الثلاث (الإقطاعية، القيصرية، الاتحادية)، للتاريخ الروسي، وأوجه التشابه والاختلاف بينها. إذ يُخلط بينها في كثير من الأحيان لنقص في المعرفة أو عن عمد لأغراض أيديولوجية.

كانت روسيا القيصرية، إمبراطورية أوراسية، مجتمعاً شبه إقطاعي وشبه رأسمالي متكاملاً على نحو متزايد، مع النظام الرأسمالي العالمي بوصفه مورداً تابعاً للمواد الخام. وكان الدين (المسيحية الأرثوذكسية) الشكل الروحي السائد فيه. كان الاتحاد السوفيتي مجتمعاً اشتراكيًّا، أي مجتمعاً شاملاً مناهضاً للرأسمالية؟ ولأنه دولة أوراسية، فقد كان نظاماً عالميًّا اشتراكيًّا بديلاً للنظام الرأسمالي، ولم يكن الدين الشكل الروحي السائد فيه، بل الأيديولوجيا –أي الماركسية اللينينية (الشيوعية) هي السائدة. أما الاتحاد الروسي، فإنه ليس نظاماً عالميًّا أو إمبراطوريةً. بل هو قوة إقليمية أوراسية رأسمالية يحظر دستورها رسمياً أي أيديولوجيا، لكن الليبرالية أصبحت أيديولوجيا مجموعاته النخبوية.

على الرغم من هذه الاختلافات، ثمة أوجه تشابه مثيرة للاهتمام مشتركة بين البنى الثلاث. أولاً: تقدّم كل البُنى المواجهة في مجال الأفكار، بين من يعتقدون أن الغرب هو الطريق التقدمي الوحيد للتنمية، وأن على روسيا أن تتغرّب لتصبح حديثة، من ناحية، ومن يدافعون عن مسار تاريخي خاصّ للتنمية الروسية، متوازٍ مع الغرب، لكن لا يتطابق معه، من ناحية أخرى. والأخير لا يساوي بين التحديث والتغريب، بل يعامل الثاني بأنه كارثة لروسيا. ويستمر هذا الجدل »الأيديولوجي« في البنى الثلاث للتاريخ الروسي تحت مسمّيات مختلفة، بغض النظر عن النظام الاجتماعي -شبه الإقطاعي أو الرأسمالي أو المناهض للرأسمالية.

المفارقة الثانية -التي يشير إليها الكاتب-: أن الحكومات الروسية في كل البنى التاريخية الثلاث كانت تتوجّه نحو الغرب -إلى حدّ ما- وتدعو للتغريب، سواء أكان ذلك القيصر أم لينين أم ستالين أم يلتسين أم بوتين. مع ذلك فإن المنطق الجيوسياسي دفعهم في كل مرة إلى اتباع خط المسار الفريد للتنمية الروسية بهذا الشكل أو ذاك: “قومية” ألسكندر الثالث (1881-1894) ونيكولاس الثاني (1894-1917)؛ و”الاشتراكية في بلد واحد منفصل”. (وتلك بدعة من وجهة نظر الماركسية الغربية التي تنظر إلى الاشتراكية بوصفها ظاهرة عالمية فحسب، تنطلق من البلدان الرأسمالية المتقدّمة لا من روسيا شبه الرأسمالية)؛ وموقف بوتين الليبرالي المحافظ والمعادي للغرب بعد خطابه في ميوني (2007)، وخاصة بعد إعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع روسيا. تتصل المفارقة الثالثة بجدلية الوطني والدولي في تكوين أشكال أيديولوجية ناجحة وفاشلة في التاريخ الروسي. ومما يثير الدهشة أن أقوى الأشكال الأيديولوجية للدولة الروسية لم يكن قومياً بالمعنى الضيّق للكلمة، بل كانت فوق وطني وفوق دولتيّ.