النساء العالمات في التراث الإسلامي من خلال كتب الطبقات

45.00 د.إ

ناجية الوريمي

التصنيف: الوسوم:

الوصف

سعت ناجية الوريمي -باحثة تونسية، وأستاذ الحضارة العربية الإسلامية بالجامعة التونسية، المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس، المنار- في هذا البحث إلى بلورة تصوّر للطريقة التي عرّف بها خطاب «الطبقات» بالعالمات في الثقافة العربيّة الإسلاميّة، وللكيفيّة التي أرّخ بها لحضورهنّ في الواقع التاريخيّ، سواء في مستوى التداول الشفوي للعلوم وللمشاغل الثقافيّة عموماً، أو في مستوى تدوينها.

تناول البحث ثلاث مراحل: في الأولى مدى حضور النساء العالِمات في كتب الطبقات: من حيث غيابهنّ عن بعض المجالات المعرفيّة، ومن حيث تغييبهنّ المتعمَّد عن مجالات شاركن فيها، ومن حيث حضورهنّ المتفاوت النِّسَب في مجالات أخرى. وفي المرحلة الثانية كيفيّة حضور النساء العالمات في كتب الطبقات وفق مبدأَيْ «الفصل» و«الوصل» بين الجنسين: الرجال العلماء والنساء العالمات، متوقّفين عند دلالة كلّ من الطريقتين. وفي المرحلة الثالثة رسم الصورة التي يشكّلها خطاب الطبقات «الذكوريّ» عن النساء العالمات، في مستوى عناصرها التّمجيديّة الظاهرة والجزئيّة، وفي مستوى أسسها التمييزيّة العميقة والشاملة. وبنت الباحثة مختلف هذه المراحل والإشكاليّات المُثارَة فيها، على المعطيات الآتية:

المعطى الأوّل: العدد الكبير لكتب التراجم والطبقات في التراث الإسلامي في مختلف الكتب التاريخيّة، وتعدّد معايير تصنيفها: فمن المعيار «الدينيّ» الذي يهمّ الأجيال الأولى من ناقلي «العلم» عن الرسول صحابةً وتابعين، إلى المعيار الجغرافي ممثّلاً في ما اشتهرت به الأمصار الكبيرة من شخصيّات أقامت فيها، إلى المعيار العلمي المتعلّق بروّاد حقل معيّن من حقول المعرفة، إلى المعيار المذهبي المتعلّق بأعلام المذاهب والفرق. والكتابة التي تحظى بهذا التنوّع وبهذا الانتشار الواسع، هي كتابة تتمتّع بأهميّة خاصّة في الثقافة الرسميّة وفي ثقافة المجموعة وذاكرتها، وتخضع لآليّات في التصنيف تخدم القيم السائدة.

المعطى الثاني: إنّ أصحاب كتب الطبقات، التي سندرس فيها كيفيّة حضور النساء العالمات، كلّهم «رجال» علماء. أي إنّ الذي ترجم للمرأة العالمة، هو «ذات» تنظر إلى «آخر» مغاير لها، وتصوّر وظيفته «العلميّة» وفق موقفها من كيفيّة انتظام المجتمع.

المعطى الثالث: إنّ التوزيع السائد للأدوار بين المرأة والرجل والذي تحدّده أوضاع حضاريّة معيّنة، يوفّر له الرجل العالم مبرّرات يستمدّها من فهمه للدين، ويقيمها في أغلب الحالات، على ما كرّسه من فهمه لمقولة: إنّ النساء «ناقصات عقل ودين».

المعطى الرابع والأخير: إنّ العالم يشكّل خطابه بالكيفيّة التي تعبّر عن تصوّره للمرأة العالمة، وعن موقعها داخل التنظيم الاجتماعي. وتحليل هذه الكيفيّة من شأنه أن يكشف عن انتقائيّة في عمله، قائمة على إبراز ما يراه دالّاً من معطيات تخصّها، وعلى السكوت عمّا يراه غير منسجم مع تصوّره. وربّما يكون سعينا إلى الكشف عن هذه الانتقائيّة سبيلاً إلى إعادة النظر في مكانة النساء العالمات في المجتمع الإسلامي.

في تتبّعها لحضور المرأة العالمة في كتب الطبقات وجدت الباحثة مجالات علميّة استقطبت مشاركتها أكثر من غيرها: فالمجالات التي تربطها علاقة مباشرة أو شبه مباشرة بالمجتمع ومشاغله مثل الفقه ورواية الحديث والتصوّف والشعر، كان فيها حضور المرأة العالمة واضحاً؛ بينما كانت مشاركتها ضعيفة -بل منعدمة في معظم الأحيان- في المجالات التي تنزع إلى التجريد وتقتضي الاعتماد على المكتوب أكثر من الشفويّ، مثل علم الكلام والعلوم الفلسفيّة أو الحكميّة (الطبّ، علم النجوم، علم «الصنعة» -وهو تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن ثمينة…)، الأمر الذي يحتاج إلى فهمٍ وتعليلٍ في ضوء التعامل النقدي مع محتوى هذه الكتب.