برنامج «مصالحة» المغربي ودوره في مكافحة التطرف والإرهاب

45.00 د.إ

لمياء العمراني

التصنيف: الوسوم:

الوصف

سعت دراسة لمياء العمراني -باحثة مغربية في العلوم السياسية- إلى مساءلة مشروع المصالحة السياسية وضمنها برنامج “مصالحة” بين الدولة والمعتقلين المتطرفين بالمغرب، وتحققت من مدى وصوله لأهدافه بالدفع بفئة عريضة من أقطاب الجهادوية نحو تغيير أفكارها المتطرفة، وقبولها بقواعد اللعبة الديمقراطية من خلال إقبالها على الانخراط في العمل السياسي والمدني. تعتمد الدراسة على محورين أساسيين، يروم الأول تقديم قراءة في مسار مشروع المصالحة السياسية بين الدولة ومعتقلي التطرف؛ ويهدف الثاني إلى التعرف على مضمون برنامج “مصالحة” وأبعاده، ويجري تقييمًا أوليًا لهذه التجربة من خلال عرض رؤية كل من المعتقلين والدولة لمآلات ونتائج برنامج “مصالحة”.

لفتت الباحثة إلى أن علاقة الدولة المغربية بالتيار المتشدد عرفت تحولات عديدة منذ بداية تشكله، لكن التحول المفصلي كان بعد الأحداث الإرهابية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء بتاريخ 16 مايو (أيار) 2003، وخلفت وراءها خسائر بشرية، وزرعت الخوف في وسط صفوف الشعب المغربي، لا سيما وأن المملكة المغربية كانت في منأى عن الأحداث الإرهابية، وشكلت لسنوات طويلة استثناءً في هذا المجال. ومنذ ذلك الوقت عرف ملف محاربة التطرف العنيف في المغرب دينامية للتصدي، بدأت بشن السلطات المغربية حملة اعتقالات واسعة في صفوف المتطرفين، تلا ذلك اعتماد سياسة دينية جديدة تروم محاربة التشدد الديني والحرص على العودة إلى التدين المغربي، المعروف باتجاهه نحو الاعتدال ونبذه للعنف، ثم تبني بعد ذلك مقاربة أمنية استباقية تروم تفكيك عدد كبير من الخلايا الإرهابية وإحباط عملياتها.

تطرقت الدراسة إلى التحولات التي عرفها التيار المتسلفن بالمغرب، بشقيه التقليدي والجهادوي، نتيجة ارتباط نشاط بعض رموزه بظاهرة التطرف العنيف، قد ساهمت بشكل كبير في تغيير أدواره، وفي تشكيل ملامح علاقتها مع السلطة، التي يمكن القول: إنها اتسمت بالتوافق تارة، وبالتوتر والصدام، وبالتصالح تارة أخرى. ومن هنا يبدو أن علاقة الدولة بهذا التيار لم تكن يومًا ثابتة، ولا يمكن التكهن بمستقبلها لأنها ترتبط بمختلف التطورات والتحولات المرتبطة بالتيار المتسلفن من ناحية، وبالتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية من ناحية أخرى.

وهكذا، فإن تتبع سياسة المغرب، في مواجهة التطرف العنيف، يدفعنا إلى القول -كما تؤكد الباحثة-: إنها سياسة متنوعة ومتعددة المداخل، تميزت بتركيزها في البداية على البعد الأمني في محاولة لإمساك زمام الأمور، والتحكم في انتشار الخلايا الإرهابية وإحباط مخططاتها، وذلك في إطار التعامل الأمني الاستباقي مع الفعل الإرهابي، لتعرف بعد ذلك توجهًا نحو إعادة هيكلة الحقل الديني باعتباره مدخلًا أساسيًّا للحد من ظاهرة التطرف، ورفع كل التحديات التي يعرفها مجال الحقل الديني، ولتتوج في الأخير بمشروع المصالحة السياسية بين الدولة ومعتقلي التشدد.

تشير الباحثة إلى أن برنامج «مصالحة» التأهيلي يندرج في هذا الإطار؛ إذ يعتبر تتويجًا للمسار الطويل للمصالحة السياسية بين الدولة والمعتقلين المتطرفين، وتكريسًا لمجهوداتها في هذا الشأن، ونجاحًا كبيرًا للمغرب في مقاربته لملف المتطرفين في السجون، فقد استطاع بذلك أن يخلق نموذجًا تصالحيًّا خاصا به، هدفه الأساسي تسوية هذا الملف بكيفية هادئة، عبر العمل على نزع التطرف داخل السجون، والدفع بالمعتقلين نحو تصحيح مفاهيمهم وأفكارهم، ومنحهم فرصة من بناء حياة جديدة والاندماج في المجتمع، بل وحتى الانخراط في الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية.