الوصف
تهدف الباحثة المغربية في الدراسات الدولية والسياسية بجامعة مُحمد الخامس مها غازي إلى شرح السياقات والعوامل التي دفعت إلى تبني برنامج المصالحة المغربي؛ وتدبير ظاهرة العائدين من مناطق الصراع في سوريا والعراق. تحلَّل الدراسة محاور وتقنيات الاشتغال من خلال شروط الإفادة والفاعلين والموارد المرصودة، وتقيِّم البرنامج ونتائج إعادة إدماج المُستفيدين. تتأسس الدراسة منهجيًا على توظيف البيانات والمُعطيات الإحصائية الرسمية، فترصد أعداد المُستفيدين من البرامج والحاصلين على العفو الملكي في المغرب ومُعدلات الارتداد، كما تُناقش التقارير السنوية الصادرة عن المندوبية العامة لإدارة السجون والبرلمان، وكذلك البلاغات والمصادر المفتوحة والقوانين.
يعد برنامج “مُصالحة” إحدى ركائز التجربة المغربية الفريدة التي أدت إلى افتتاح مكتب مكافحة الإرهاب والتدريب في أفريقيا، التابع لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب (UNOCT) بالعاصمة الرباط، في أكتوبر (تشرين الأول) 2020.
ترى الباحثة أن مفهوم الإدماج المغربي يتمثل في محاولة إبقاء السجناء السابقين والحفاظ على سريتهم في مشاركتهم في برنامج “مُصالحة”، وعلى عكس كثير من التجارب التي أبقتهم قيد الاشتغال في مجال مكافحة التطرف والوقاية منه، حصرت أدوار السُجناء السابقين في الوقاية، وأيضًا في المُكافحة ولو بشكلٍ غير رسمي، وذلك انطلاقًا من حقهم كمواطنين في مزاولة الأعمال المدنية والسياسية، لكنهم مقصيون من عملية إزالة الراديكالية نفسها وذلك لسببين: ينبني السبب الأول على حالة الحقد والإحباط التي تُرافق المدانين في قضايا التطرف والإرهاب تجاه هؤلاء الشيوخ الذين أفرج عنهم، برغم أنهم كانوا المُحفزين الرئيسين على الأيديولوجية المتطرفة في ظل بقاء باقي النزلاء الذين يعتبرون أنهم “ضحايا” التحريض داخل السجون، وهذا يولد -حسب “نظرية الحرمان النسبي ( Relative Deprivation Theory) (RDT)”- عدم انسجام بينهم أحيانًا بل قد يُعطي نتائج عكسية.
تخلص الدراسة إلى أن برنامج “مُصالحة” أحدث عام 2017 تفاعلاً مع السياق الدولي مع بروز ظاهرة العائدين من مناطق الصراع في سوريا والعراق، وانسجامًا مع المُتغيرات الداخلية طورت المندوبية العامة لإدارة السجون سياستها لمكافحة التطرف الديني داخل المؤسسات السجنية بدءاً من عام 2016. بناءً عليها، اتخذت المندوبية عددًا من الإجراءات الأمنية أهمها إحداث برنامج “التثقيف بالنظير” كبرنامج وقائي، وسياسة التصنيف والفصل لمنع الاستقطاب، وبناء مؤسساتٍ بتقنياتٍ رقابية حداثية تستجيب للمعايير الدولية حتى في حقوق الإنسان، وتكوين الموظفين وإصدار دلائل مرجعية ومذكرات داخلية، والتعاون الدولي، وتطوير آليات تقييم المخاطر الديناميكي. تشير الباحثة إلى وجود عدد من النواقص التي يعي مصممو البرنامج نفسه أهمية تداركها مستقبلاً، تتجلى في أهمية إحداث برنامج تأهيلي خارج عن البيئة السجنية، يأخذ بعين الاعتبار العوامل النفسية وغيرها، تكون شمولية لتضُم أيضًا عائلات السجناء والنساء والأطفال العائدين، وأيضًا هناك حاجة إلى مواكبةٍ لاحقة لما بعد الفترة السجنية بعد الإفراج، وتكثيف جهود المُصاحبة الاجتماعية اقتصادياً.