الوصف
عرض الكتاب نصًّا مترجمًا لمحاور مستلة من كتاب (Истории Русской Церкви. 1700–1917) «تاريخ الكنيسة الروسية 1700-1917» للمؤرخ الروسي إيغور سموليتش (Igor Smolitsch) (1898-1970) وقد صدر باللغة الروسية. لفت فيه إلى أن مرحلة جديدة من تاريخ الكنيسة الروسية، بدأت في القرن الثامن عشر، عبر إعادة تنظيمها من خلال تأسيس أعلى هيئة إدارية للكنيسة (المجمع المقدس الكنسي)، والتي تسمى “فترة الجمعية السينودسيّة”، – والتي كانت تسمى “إدارة المجمع المقدس الكنسي”، وهي الهيئة الرئاسية العليا للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، التي أسسها بطرس الأكبر في 25 يناير (كانون الثاني) كجزء من برنامجه الإصلاحي الكنسي، متأثرًا بالتجربة الإنجليزية لهنري الثامن، وقد تم إنشاؤها عقب إلغائه للبطريركية ومنصب البطريرك. وكان السينودس يتألف جزئيًّا من الأشخاص الكنسيين يعاونهم العلمانيون الذين يعينهم القيصر، وهو رئيسه ليصبح الوصي على الشؤون السياسية والدينية- عند تأسيس المجمع المقدس الكنسي. كان لإدخال مبدأ الإدارة الجماعية، وإلغاء مبدأ وحدة القيادة في الإدارة الكنسية العليا، أهمية حاسمة بالنسبة للإمبراطور بطرس الأكبر (1689-1725). حتى ذلك الحين، كان هذا المبدأ الأخير تقوم عليه سلطة بطريرك موسكو، وعموم بلاد الروس. ومع ذلك، سيكون من الخطأ اعتبار تاريخ تأسيس المجمع المقدس في 25 يناير (كانون الثاني) 1721 بداية الفترة المجمعية.
جاءت الدراسة في ثلاثة أقسام: أولاً: الدولة الروسية والكنيسة الأرثوذكسية (1900-1700). ثانيًا: الصعوبات الداخلية المرتبطة بالرعاية. ثالثًا: تحديث التعليم الديني وأثره في الكنيسة. توصّل فيها المؤرخ إلى أن الكنيسة الروسية لعبت دورًا رئيسًا، بل ومركزيًا في حياة المجتمع الروسي أثناء حقبة روسيا القيصرية (1547-1721)، وكان لها تأثير قوي وموثوقية لدى الحكام وطبقات الشعب الروسي. أدت إصلاحات بطرس الأكبر، العلمانية في جوهرها، والأوروبية في منهجها ونمطها، إلى حدوث خلل اجتماعي وثقافي ولاحقًا سياسي، وقد أثر كل هذا -بدوره- على الكنيسة، شأنها شأن كافة أجهزة الدولة الأخرى.
تحولت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، في العهد الإمبراطوري (1721-1917) إلى «كنيسة الدولة» التي حافظت على نمطها القديم في دعم القيصر والولاء المطلق له، لكن دون موثوقية، وقدرة على تصويب الأخطاء ومراجعة السلطة، والتصدي لظلم النبلاء في ظل غياب سلطة القانون، وهو ما أسقطها من أعين الشعب.
أنتجت عملية التحول القسرية بالاتجاه الأوروبي، مجتمعين داخل روسيا، اتسم كلاهما بالتطرف، بين من يرى ضرورة استنساخ التجربة الغربية الأوروبية في كل شيء، والقطيعة مع الماضي الروسي، ومن يرفض كل شيء مخالف لثقافة روسيا القيصرية، وتقاليدها ونمط حياتها. أضعفت إصلاحات بطرس الأكبر، التي كانت قسرية وحادة، الكنيسة إلى حد كبير، وعندما احتاج الأباطرة لدعمها لم يكن لديها من القوة والموثوقية والاستقلالية ما يمكنها من لعب هذا الدور، وكانت ثورات 1905 ثم 1917 إحدى عواقب عملية الإصلاح السريعة التي لم تراع انتقالها من الجانب الاجتماعي إلى السياسي وصولًا للحظة الثورة الروسية، بعد أن فقد المجتمع ثقته في الكنيسة، وتحلل من قيمه التقليدية والروحية، وهو ما مهد التربة للبلاشفة لحكم البلاد فيما بعد.
لاحظ أن فترة الانقطاع الطويلة بين الروس وأشقائهم من البيلاروسيين والأوكرانيين، بعد الاجتياح المغولي للمنطقة (1240م)، وانتقال تبعية هذه الأراضي لمملكة بولندا والمجر، أدت إلى توسع المذهب الكاثوليكي، ونشوء ثقافة جديدة نافرة من روسيا ومذهبها وثقافتها، وهو ما يفسر -إلى حد كبير- جزءًا من الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا، الذي يعد بمثابة تكرار لصراع قديم حول الدين ودور الكنيسة، والتبعية المطلوبة لبطريركية موسكو لضمان الولاء.