الوصف
استكشفت دراسة مفتش التربية والتعليم الأساسي بالجزائر، “عبدالله صوالح” أهمية ترسيخ قيمة السلم في المناهج الدراسية بالجزائر بعد العشرية الدموية (1992-2002)، وركزت على جهود الجزائر التي نصبت سنة 2000 اللجنة الوطنية لإصلاح النظام التربوي، وكانت تحت الإشراف المباشر لرئيس الجمهورية، وعكفت هذه الأخيرة على إعادة النظر في كل مركبات النظام التربوي، بدءًا بالمرجعية الفكرية والفلسفية للسياسة التربوية ومن خلالها القوانين الناظمة، وصولاً إلى تصميم وبناء المناهج وتأليف الكتب المدرسية المقررة لكل المراحل التعليمية من مرحلة التعليم الابتدائي، مرورًا بمرحلة التعليم المتوسط، فالتعليم الثانوي، الذي يعتبر بوابة التعليم الجامعي.
يقدّم الباحث لمحة عامة عن الوثيقة التربوية المرجعية ومناهج التعليم، بمقاصد الإصلاح المرتبطة بغايات المدرسة الجزائرية، وتحدد المرجعيات والمبادئ: مرجعيات تتعلق بالأمة وقيمها والسياسة التربويّة، والمبادئ المنهجية المتعلقة بإعداد المناهج الجديدة. وألحّت هذه الوثيقة على تكوين ضمير المواطنة المرتكز على القيم الأساسية للأمة، والتي تظهر من خلال احترام الغير، والتضامن، والتعاون، وروح التسامح، حيث سعت هذه الوثيقة المرجعية، إلى أن تركز المناهج الجديدة على تحقيق الأهداف المتمثلة في نقل وإدماج القيم المتعلقة بالاختيارات الوطنية:
- قيم الجمهورية والديمقراطية، قيم الهوية، القيم الاجتماعية – القيم العالمية؛
- القيم الوجدانية والأخلاقية، القيم الفكرية والجمالية، القيم الإنسانية المنفتحة على العالم، حيث حرصت المناهج الجديدة على تبني مدخل القيم في تصميم وتنفيذ المناهج، للتمكن من تحقيق غايات ومرامي النظام التربوي، وترسيخ ثقافة العيش المشترك بين أفراد المجتمع في بعده المحلي أو العالمي، وهذا من شأنه تعزيز ثقافة السلم والتسامح ونبذ العنف والتطرف؛ ضمن منهج المواد المتكاملة والمنهاج المبني وفق المقاربة بالكفاءات في مواد عدة، ومن أمثلة ذلك:
- تنمية القيم الأخلاقية، مثل: روح الحق والتعاون، الحرية، العدل، الصدق، واحترام الحياة.
- الاحترام في علاقاته مع الأطفال الآخرين ومع الكبار على مبدأ الانتماء إلى الجماعة المدرسية، والمحلية، والوطنية والدولية.
- تنمية الإحساس بالواجب، التضامن والتعاون، التسامح على مختلف المستويات: المحلي، الوطني، الجهوي والشامل.
يقدم الباحث دراسة تحليلية لقيم السلم للكتب الخاصة بمادتي التربية الإسلامية والتربية المدنية في مرحلة التعليم الابتدائي، تكشف عن احتوائها على مجموعة من المواضيع ذات الارتباط الوثيق بترسيخ تلك القيم، خصوصًا قيم التسامح والتآخي، على غرار المواضيع التالية: التسامح، محبة الآخرين، التضامن، المواطنة حقوقها وواجباتها، الانفتاح على العالم، حقوق الطفل، الانتخاب، التأدب مع غيري، المسلم أخو المسلم، الجمال في الإسلام، احترام حريات الأفراد، احترام القانون، القيم الإنسانية (التبرع، التكافل الاجتماعي، المصالحة…)، الحقوق والواجبات، الانتماء للوطن، قواعد المناقشة، الديمقراطية وحقوق الإنسان، الهوية الوطنية والدينية، وفضائل العفو، التنوع الثقافي، لا أميز بين الذكور والإناث، أتعايش مع الآخر وأتقبله، آداب الكلام، أتفاوض مع زملائي… أما مناهج التعليم المتوسط فنجد أنها تطرقت في مادتي التربية الإسلامية أو التربية المدنية إلى الأخلاق والآداب الإسلامية، حسن الجوار، المسارعة في الخيرات، احترام النظام والآداب العامة، المواطنة، التماسك الاجتماعي، التعاون، الصدق، الأمانة، الحوار وتنظيمه في المحيط الاجتماعي، الهوية والجنسية والمواطنة، العنف حجة الضعيف، تكافؤ الفرص، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم. أما مناهج التعليم الثانوي فنجد أنها تطرقت في مواد كالفلسفة والاجتماعيات واللغة والأدب العربي إلى موضوعات أبرزها العنف والتسامح، الحقوق والواجبات، الحرية، المسؤولية، الحياة بين التجاذب والتنافر، الشعور بالأنا والشعور بالغير، العدالة الاجتماعية، الديمقراطية، إقرار الحقوق والواجبات، مدح دعاة السلام، إقامة معارض في السلم وإنجاز مشاريع، قصائد في الحرية والتحرر، وتحرير مقالات في السلم والتسامح في إطار الكتابة الأدبية…
يخلص الباحث إلى أن موضوع ترسيخ ثقافة السلم في المناهج الدراسية الجزائرية بعد العشرية الدموية يكتسي أهمية بالغة، نظرًا للمآسي والآثار التي خلفها الإرهاب والعنف والتطرف على المجتمع الجزائري، إذ عزمت الدولة الجزائرية على استئصال جذور هذه الظاهرة الدخيلة على ثقافة المجتمع الجزائري والمعروف منذ القدم بالتسامح وقبول الآخر، وميله الواضح للتعايش السلمي ومناصرة كل القضايا العادلة، وهذا ما أدى بأجهزة الدولة للنهوض بواقع الفلسفة التربوية والفكرية المعتمدة كمرجعية أساسية للنظام التربوي الجزائري.