دراسات الإسلام في فرنسا: من الفيلولوجيا إلى الإسلاميات التطبيقية

45.00 د.إ

شهادة: محمد الحدّاد

التصنيف: الوسوم:

الوصف

يقدم البروفيسور محمد الحداد -باحث وأستاذ جامعي تونسي، عضو هيئة تحرير في مركز المسبار للدراسات والبحوث بدبي- شهادة في دراسات الإسلام في فرنسا، لافتًا في مقدمته إلى أنه على مدى قرون طويلة، فُرِضَت في أوروبا رؤية محرّفة ومتحاملة على الإسلام، إلى أن جاء عصر النهضة الأوروبية، وبدأت الثقافة تستكشف العالم الطبيعي والحضاري بوسائلها القائمة على التعقل. وفيما يخص الدراسات حول الإسلام، كان لفرنسا السبق والريادة لسبب تاريخي، وهو أنها، في بداية عصر النهضة (القرن السادس عشر)، لم تكن جزءًا من التحالف المحارب للإسلام الذي كان يضم الكنيسة وإمبراطورية الهابسبورغ، بل كانت متحالفة مع الإمبراطورية العثمانية ضده.

يتناول الحداد الدور الفرنسي في تطوير الدراسات حول الإسلام وموقع الدراسات حول الإسلام في المعارف الحديثة، ومعنى الفيلولوجيا الذي نشأ مع التيار الإنسوي في النهضة الأوروبية، ومع النزاع الطويل بين الكاثوليك والبروتستانت لتحديد العقائد “الصحيحة” للديانة المسيحية. ويقدم فهمًا لدور محمد أركون في تطوير الدراسات حول الإسلام، ويخلص في ذلك إلى أن تأثير أركون في دراسات الإسلام، سواء في نجاحاته أو إخفاقاته، يذكّر بالدور الذي اضطلع به غيوم باستل في القرن السادس عشر، ذاك المثقف الإنسوي الذي سعى إلى التعالي على الحروب الإسلامية- المسيحية، وعلى الانقسامات والحروب الدينية داخل المسيحية نفسها، ليحاول تأسيس فكر إنسوي كوني.

يلفت الحداد إلى أن العلوم الإنسانية والاجتماعية الحديثة من تاريخ وأنثروبولوجيا وعلم اجتماع وعلم نفس هي جزء لا يتجزأ من المعرفة الحديثة، التي تطورت في الغرب لكنها واصلت جهود البشرية منذ القديم لكشف قوانين الطبيعة والإنسان والمجتمع، لذلك فإنّ الكثير من الدراسات الرائجة حول أركون، سواء أكانت تناصره أم تعاديه، لا تقدر على فهم تطلعاته عندما تقرؤه من موقع موقفه من التراث ومن الغرب، وهل كان أقرب لهذا أم لذاك، لأن بوصلة أركون كانت العلوم الإنسانية والاجتماعية وليست المماحكات بين الغرب والشرق.

وبالمثل، فإن الدراسات المناصرة له والتي تفهم الإسلاميات التطبيقية على أنّها مجرد تطبيق لمناهج غربية على نصوص ووقائع إسلامية تبسّط مشروعه -إلى حدّ كبير- بل تشوهه، لأنّه كان يتطلّع إلى أن يساهم إدراج النصوص والوقائع الإسلامية في البحث العلمي إلى تطوير تلك المناهج بدل مجرد تطبيقها، في سياق الثورة الفكرية التي حصلت في منتصف القرن العشرين.

أمّا من داخل الغرب فتمثّل سوء الفهم في أنّه، أي الغرب، ظلّ ينظر إلى أركون (وغيره) على أنه مسلم يمارس العلوم الإنسانية والاجتماعية لا على أنه باحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية يعمل في اختصاص الإسلام. ومن المفارقات الكبرى أن الفكر الأكاديمي في الغرب تفاعل أكثر مع الأصوليين والمحافظين أكثر من تفاعله مع أركون (وغيره).

ويرى أن هناك أسباب عديدة تفسّر هذه المفارقة، منها عقدة الذنب الاستعمارية التي دفعت إلى الانتقال من النقيض إلى النقيض، من تبخيس الحضارات الأخرى وتمجيد العقل الغربي المركزي إلى ضرب العقل والافتتان بالحضارات الشرقية. ومنها اعتقاد الباحثين الغربيين أن أفكار أركون وأمثاله لا تمثل الرأي العام الإسلامي، وإنما هي أفكار نخبوية محدودة التمثيلية. ولعلّ أبرز شاهد على ذلك أن عالم الاجتماع الكبير إدغار موران (Edgar Morin) عندما أراد أن يتحاور مع مفكر مسلم، لم يختر محمد أركون على الرغم من الصداقة المتينة التي جمعته به على مدى عقود طويلة، لكنه اختار محاورة أحد زعماء الإخوان المسلمين في أوروبا.