الوصف
سعت دراسة إبراهيم نجم –مستشار مفتي الجمهورية في مصر، والأمين العام للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم- إلى تسليط الضوء على دور المؤسسات الدينية المصرية في الاجتهاد الجماعي والتصدي لفوضى الفتاوى، فتبرز أولًا الملامح العامة لظاهرة فوضى الفتاوى ومخاطرها، وتحدد ثانيًا التأهيل الشرعي للمؤهَّل بالقيام بالفتوى، وتبرز ثالثًا كيفية مأسسة الفتوى في مصر والمؤسسات القائمة عليها. يقسم دراسته إلى ثلاثة أقسام: أولاً: ملامح ظاهرة “الفوضى الإفتائية” وخطورتها. ثانيًا: “الفوضى الإفتائية”.. بين تصدُّر غيرِ المؤهَّل وضرورة التأهيل الشرعي للمؤهَّل، وأهمية ترسيخ مفهوم الهوية الدينية لدى المفتي. ثالثًا: “مأسسة الفتوى” والاجتهاد الجماعي للقضاء على “فوضى الفتاوى”، وفيها يبيّن أهمية مأسسة الفتوى، ومنجزات المؤسسات الإفتائية الرسمية لمواجهة إشكالية فوضى الفتاوى.
ويرى أنه لا بد من تأكيد خطورة الفتوى باعتبارها تمثل ركنًا مهمًّا من أركان الخطاب الديني، ولا نبالغ إذا اعتبرنا الفتوى أهم أركان الخطاب الديني، لأن الخطاب الديني بما يحمله من مكونات يعبر في جوهره عن نظرة الشريعة فيما يعرض للإنسان عمومًا وخصوصًا من قضايا، ومن هذا المنطلق تمثل الفتوى أكثر أركان الخطاب الديني مرونة وأوسعها حضورًا؛ نظرًا لاحتياج المسلم اليوم في كل بقعة من الأرض للسؤال مباشرة عن حكم الشرع في مسألةٍ ما، ومن ذلك الحكم أو مجموعة الأحكام يمكن لنا أن نبني نظرية الشريعة تجاه تلك الحوادث والقضايا. وإن التراجع الكبير الذي شهدته الصناعة الإفتائية مع بروز ظاهرة الفتوى الشاذة بشكل لا يمكن التغاضي عنه، كان دافعًا قويًّا للاتجاه للفتوى المؤسسية كبديل للفتوى الفردية، ولا يتعلق الأمر بمجرد وجود الهيئات والمؤسسات الإفتائية، بقدر ما يتعلق بتطوير تلك المؤسسات وتطوير الصناعة الإفتائية بها، والاهتمام بمعايير الجودة ونظم الإدارة الحديثة.
وإذا كان المفتي أو المتصدر للفتوى هو حجر الزاوية في العملية الإفتائية وفي صناعة الفتوى، فإن المؤسسات الإفتائية يمكن لها من خلال العمل المؤسسي أن يتاح لها عمل برامج تدريب وتأهيل المفتين، وذلك لخلق جيلٍ جديد من المفتين قادرٍ على إدراك الواقع وفهم النصوص الشرعية فهمًا رشيدًا ومستنيرًا لإصدار الحكم الشرعي الصحيح، خاصة في النوازل والمستجدات التي نواجهها الآن، حيث تُخَرِّج عشرات المفتين بعضهم تولوا مناصب إفتائية رسمية في بلادهم.
يرى نجم أن تجديد الخطاب الديني، لا يمكن له أن يخطو خطوات ثابتة ومستقرة، إلا باستقرار الصناعة الإفتائية وتطويرها، والتخلص من فوضوية الإفتاء تخلصًا تامًّا، ومن ثم الحفاظ على أكثر أركان الخطاب الديني مرونة وقدرة على التصحيح والإصلاح، مما يتيح الفرصة لتجديد الخطاب الديني على النحو الذي نأمله، ويحقق صالح أمتنا العربية والإسلامية.