سياسة الذاكرة الجمعية الجزائرية (2022-2002) في التعامل مع ملف العشرية الدموية

45.00 د.إ

عبدالله لبوز

التصنيف: الوسوم:

الوصف

سعت دراسة أستاذ التعليم العالي في العلوم الاجتماعية بجامعة ورقلة- الجزائر “عبدالله لبّوز”، إلى إبراز أهم محطات ذاكرة الماضي العنيف الذي عاشته الجزائر خلال العشرية الدموية (1992-2002) وكيف أثر في التعامل مع الحلول والأزمات المختلفة، وما بذل من جهود من قبل الفاعلين لأجل تضميد الجروح والتئامها، وكيف تعافت الجزائر من عشرية طال أمد انتظارها وفُقدت بوصلتها وبصيص أمل الخروج منها لردح من الزمن، وكذلك العواطف التي تراكمت من هذه التجربة والدروس المستقاة من ذلك الماضي الذي أثرت ذاكرته بشكل مباشر في التظاهرات الشعبية بعد 22 فبراير (شباط) 2019، أو ما يسمى “الحَراك الشعبي” الذي غيّر مفاهيم كثيرة على المستويين الداخلي والخارجي. تنطلق الدراسة من إشكالية أساسية: كيف تعاملت سياسة الذاكرة الجمعية الجزائرية مع ملف العشرية الدموية خلال الفترة الممتدة بين عامي (2002-2022)؟ وكيف تعافت الجزائر من خلالها من جروح الإرهاب في تلك العشرية؟

يلفت الباحث إلى أن ذاكرة العشرية الدموية في الجزائر لعبت دورًا محوريًا في إنتاج شرعية النظام السياسي وتأطير تصورات المواطنين لنظام ما بعد تلك العشرية، وكذا الحلول التي تعافت البلاد خلالها من تلك الأزمة وعودتها إلى الحياة الطبيعية وإلى حظيرة المجتمع الدولي، في الوقت الذي شحت فيه البحوث والدراسات التي تناولت سياسة الذاكرة الجمعية بخصوص تلك العشرية، وكيف تم تمثيل تلك الذاكرة واستعادتها (أو إعادة بنائها) من قِبل المواطنين في عموم ما كُتب وما قُدم من تحليل وسرد عام، ومَسح وفَحص المنصات العامة، والمحادثات التي تناولت ماضي تلك الحرب الأهلية -كما نعتها البعض- في الجزائر، والإجراءات التي رافقت المطالبة بالعدالة الانتقالية، في ظل سياسات الوفاق المجتمعي والوئام المدني وإجراءات وتدابير تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وبسبب المجازر البشعة وارتفاع عدد الضحايا اضطر كلا الجانبين لوقف إطلاق النار من جانب واحد مع الحكومة عام 1997، ومع ذلك استمرت المجازر حتى مجيء الرئيس (عبدالعزيز بوتفليقة)، بمشروع مبادرة مصالحة أوسع وأشمل، فبدأت المفاوضات بشكل جديّ مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ وجناحها العسكري الجيش الإسلامي للإنقاذ، وحصل على موافقة مبدئية منها بنزع أسلحتها مقابل العفو عن المعتقلين الذين لم يرتكبوا أعمال قتل واغتصاب في حق المدنيين.

تلاحظ الدراسة أن الإرهابيين السابقين من “الجيش الإسلامي للإنقاذ” استفادوا على إثر قانون المصالحة الوطنية بالإضافة إلى العفو من منازل كبيرة، وعقارات وأنشطة تجارية هامة وتمتعوا بحصانة كاملة، بل أصبحوا يتمتعون بصلاحيات لم تكن لهم من قبل، كما تم تجاهل الفظائع الكبيرة التي ارتكبت ضد المدنيين من أي جهة كانت، وأكد الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة (1937-2021) أن اللجنة الاستشارية الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان (CCRH) يجب ألا تعتبر لجنة تحقيق تحل محل السلطات الإدارية والقضائية، ما أثار الجدل في عملية المصالحة الوطنية في الجزائر هو تحديد الضحية، ومن سيُحسب ضحيةً لا يزال محل جدل. لافتًا إلى أن الكثير من الجزائريين يعتبرون هذه المساواة بين “الضحايا” و”الجناة” استراتيجية لعرقلة “العدالة الانتقالية” أو إعاقة العدالة وتجنب المساءلة الاجتماعية وحماية الأطراف المتحاربة المتورطة في العنف. بالإضافة إلى ذلك هناك جهل تام بالذاكرة الجمعية للمأساة الوطنية سواء في المناهج التربوية لمواد العلوم الاجتماعية كالتاريخ، أو عند الباحثين الذين يسعون للتحقيق في الفظائع قد يواجهون قيودًا مختلفة، تجنبًا لإثارة الموضوع ورفعه للواجهة من جديد. ومن الجدير ذكره يلفت الكاتب إلى ما أعلن عنه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بأنه مستعد لعقد صفقة مع الإسلاميين، من أجل إحلال السلم والاستقرار في البلاد، منذ بداية حملته، ووضع المصالحة الوطنية في قلب برنامجه السياسي، بقوله: “أنا مصمم على صنع السلم، وأنا مستعد للموت من أجله”.

يرى الباحث أن نهج المصالحة الوطنية الذي تبنته السلطة بعد العشرية الدموية، يحمل معضلة أثارت الكثير من الانتقادات بين المواطنين، حيث اعتبر أن جل الجزائريين هم ضحايا الصراع، فساوى بين من تسبّبوا في معاناة الأبرياء وبين من تكبّدوا مآسيها، ووصفهم جميعًا بأنهم “ضحايا المأساة الوطنية”، وكونه مبنياً على فكرة مركزية وهي “حفظ السلم من خلال نسيان الماضي المؤلم”، تقوم على النسيان الجمعي للذاكرة لما مضى (التناسي) وكبته، أي تبني “سياسة فقدان الذاكرة” وهو مشروع سطره وتبناه (بوتفليقة) خلال حملته الانتخابية الرئاسية 1999، واستخدم لغة القرابة والروابط الأسرية لتشجيع ثقافة النسيان: “أخواتي، إخوتي، دعونا نضع أيدينا على بعضنا البعض ونغفر ما حدث في الماضي”، كلمة “سامح” في خطابه تعني النسيان، والتخلي عن المطالبة بالعقاب والثأر، وعدم رفع ثقافة المساءلة والتحقيق المعمق والمساءلة والبحث عن الحقيقة، وما يخالفها وصف بأنه فتنة في الرواية والخطاب الرسميين. لذلك سعت السلطة إلى تبني نهج “فقدان الذاكرة” وعدم إدراجه في المناهج التعليمية عن قصد، بحجة تغليب المصلحة الوطنية.