الوصف
تحلل دراسة جوزيف براودي -باحث أميركي في مركز المسبار للدراسات والبحوث، رئيس مجلس مركز اتصالات السلام- مقرّرات عامة عن الإسلام والمسلمين في ثلاث جامعات أميركية: “جامعة جنوب كارولينا” (University of South Carolina)، وجامعة تكساس (University of Texas) وفرع جامعة نيويورك (New York University) في العاصمة البريطانية لندن. يدرس أوجه التشابه والاختلاف بينها، بغية معرفة كيف تؤثّر الثقافة المحيطة والأعراف الاجتماعية في أماكن التعليم على اختيار المواد وما يُركَّز عليه. ويستكشف كيف تسهم الخلفيات الشخصية والاهتمامات الأكاديمية للباحثين والأساتذة الجامعيين، في رواياتهم والقيم الأساسية للمقرّر.
يتتبّع الباحث التخصّصات الأكاديمية المختلفة المطبّقة -بما في ذلك التاريخ والأنثروبولوجيا والنقد الأدبي ومجالات أخرى- بالإضافة إلى المصادر المختلفة، من الآيات القرآنية إلى المجلّات المصوّرة للأبطال الخارقين الأميركيين. أخيراً، تشير الدراسة إلى دور الرحلات الميدانية إلى المساجد المحلية، والمؤسّسات الإسلامية الأخرى، بوصفها وسيلة للإثراء وبناء جسور إنسانية بين غير المسلمين وجيرانهم المسلمين.
ويورد على سبيل المقاربة أن المقرّر العامّ الذي تقدّمه جامعة تكساس (University of Texas): مساق “مدخل إلى الإسلام”- يتوخّى تغطية كثير من المجالات. فهي تُعنى بإزالة الغموض المحيط بالإسلام لدى الطلبة الذين ربما يكون لديهم تجربة مباشرة قليلة مع هذا الدين وأتباعه. كما أنها تغطّي -إلى حدٍّ كبير- التسلسل التاريخي والموضوعي نفسه -“حياة محمد، وتعاليم القرآن، والطائفية، والمعتقدات والممارسات الدينية، والتشريع الديني، والمجتمع والثقافة، والقضايا المتعلقة بالإسلام في العالم المعاصر وأميركا”- وتقوم بدراسة نظرة المسلمين وغير المسلمين على حدٍّ سواء إلى “الإسلام، ودور المرأة، والصوفية، والحكم الإسلامي والحركات الإسلاموية، وموضوع الإرهاب”. وتصف جوهر رسالتها بأنه إنساني: تمكين الطلبة من “التعرف على المبادئ الأساسية للإسلام وفهمها وجذوره المشتركة مع اليهودية والمسيحية”.
يرى الباحث أن ثمة ميزة أخرى للمقرّر، تنعكس في التنوّع الأيديولوجي للنصوص المحدّدة للطلبة، وهي هدفها المعلن بتعليم الطلبة “تقييم ادّعاءات الحقيقة المطلقة ومناقشة الافتراضات ووجهات النظر الكامنة وراء تلك الادعاءات”. ويلاحظ في هذا المسعى كتابان دراسيان مقرّران: “مدخل إلى الإسلام” (An Introduction to Islam) لطارق رمضان و”الحجاب والنخبة الذكورية” (The Veil and the Male Elite) لعالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي (1940-2015). الكتاب الأول، الذي ألّفه أحد الموالين لجماعة الإخوان المسلمين، يسترشد بالأيديولوجية السياسية للحركة الإسلاموية، التي اشتهرت بعرض تفسير للإسلام يساند التحيّزات السابقة للحداثة ضدّ المرأة. والكتاب الأخير، الذي كتبته إحدى عمالقة الحركة النسوية العربية في القرن العشرين، يستهدف تفسيرها للحجاب بوصفه رمزاً لسلطة الرجل على المرأة ويبحث في أصول هذه الممارسة في المجتمع الإسلامي المبكر .
ويخلص إلى أن الجهود الإسلاموية للسيطرة على تعليم الإسلام في الولايات المتحدة ترقى إلى نشر “المعرفة السياسية”، وفي هذه الحالة تخدم مصالح حركة توسّعية عبر وطنية، وأن ثمة كثيرين يتشاطرون الأمل في التخفيف من آثار هذا المشروع الأيديولوجي على تعليم الطلبة الأميركيين الشباب الذين يسهل التأثير فيهم -بتشجيع السعي وراء المعرفة “النقيّة” للإسلام والمسلمين. تكمن مزايا المقرّرات الثلاثة جزئيًا في أنها تبدو مصمّمة وفقًا للبيئات المحلية التي تدرّس فيها: مدينة إلباسو الحدودية بولاية تكساس، حيث ترتبط ظاهرة “الآخر المختلف” ارتباطًا عميقًا بالفجوة بين الولايات المتحدة والمكسيك المجاورة؛ ومدينة كولومبيا الجنوبية بولاية ساوث كارولينا، حيث إن الإرث المرير للعبودية والفصل العنصري الذي يؤثّر على الانقسام القائم بين البيض والسود لا يزال يشكّل مسحة ثقافية رئيسة؛ ولندن، إحدى أكثر المدن عالمية في العالم. والولايات المتحدة، التي تتميّز أيضاً بمراكزها العالمية، دولة متنوّعة. ومن المناسب أن يكيّف الأساتذة المحليون مقرّراتهم تبعاً للواقع المحلي. وإذا أُخذ ذلك في الحسبان، فقد يكون من غير المفيد محاولة فهم نموذج بديل شامل واحد لتعليم الإسلام، ومن الأفضل تشجيع الأساتذة الشبّان على الاستقلالية والتكيّف. كما يلفت إلى أن المقرّرات الثلاثة في تلك الجامعات الثلاث حول تدريس الإسلام، تتمتّع بمزايا تدفع إلى الجمع بينها. فكلٌّ منها يركّز -على وجه الخصوص- على التفكير النقدي والمقارن، وإطلاع الطلبة على تفسيرات وروايات متنافسة للإسلام من الماضي إلى الحاضر. ونتيجة لذلك، تُحرم فرضيات الإسلامويين من شغل مكانة احتكارية في التعليم، وتظهر بدلًا من ذلك أنها واحدة فقط من المعاني المتعدّدة للإسلام، كلٌّ منها نتاج الظروف الفريدة التي نشأت فيها. وهذا النهج النقدي والمقارن –الذي يمكّن الطلبة من “التقييم النقدي لتصريحات الجماعات والأفراد الذين يدّعون التحدّث باسم الإسلام بأكمله” -على حدّ تعبير غاردِنر- هو أفضل ترياق لفرض “المعرفة السياسية” الإسلامية، كما أنه أفضل علاج للتشويهات العدائية للإسلام التي يصدرها الآخرون.