ما بعد انشقاقات النهضة: هل يصح الحديث عن نهاية الإسلاموية؟

45.00 د.إ

نادر الحمّامي

التصنيف: الوسوم:

الوصف

يرى نادر الحمّامي -أكاديمي وباحث تونسي- في دراسته أنه كان للاستقالة الجماعيّة الّتي عرفتها حركة النهضة في تونس في أواخر سبتمبر (أيلول) 2021، والّتي ضمّت أكثر من مئة شخصيّة تنتمي إلى الحركة، أثر كبير على المستوى الإعلامي ولدى المحلّلين والمتابعين للشأن السياسي التونسي في الداخل والخارج، مشيرا إلى عشرات المقالات والتصريحات الإعلاميّة والتحاليل الّتي تناولت المسألة من وجهات نظر مختلفة، للحديث عن الانشقاقات والتصدّعات وأثرها ودوافعها ومآلاتها. لكن ما يقدمه الباحث في هذه الدراسة هو تجاوز ذلك الإطار السياسي الصرف إلى المستوى الفكري أوّلاً، ومناقشة قضيّة أو فرضية نهاية الإسلام السياسي، الّذي يأخذ أحياناً أسماء أخرى من قبيل ما بعد الإسلام السياسي، أو ما بعد الإسلامويّة ثانيًا. ثم يقدم الباحث قراءة في بيان استقالة (113) قيادياً في حركة النهضة.

يخلص الباحث إلى أن تاريخ الاتّجاه الإسلامي يشهد في تونس وفي محطّات كثيرة على الانشقاقات والتصدّعات، الّتي بدأت تظهر إعلاميّاً بشكل كبير منذ المؤتمر العاشر سنة 2016 بالخصوص، والذي أقرّ مسألة الفصل بين الدعوي والسياسي. ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم يمكن التمييز بين ثلاثة أصناف من التوجّهات، أو التيّارات الممثّلة للصراع الداخلي في حركة النهضة، واستشهد بأحمد نظيف بضبطها في القيادة التنفيذيّة، التيار الأول «تيّار أقليّ ولكنّه فاعل، يقوده رئيس الحركة راشد الغنّوشي ووزير العدل السابق نور الدين البحيري ورئيس الحكومة السابق عليّ العريض»، أمّا التيّار الثاني فيمثّله المعارضون في الداخل، وأغلبهم من الشباب ويمثّلون أغلبيّة قاعديّة، ولكنّهم أقليّة في المستوى التنفيذي، ولهم مكانة كبيرة لدى الجماعات الإخوانيّة في الخارج، ولم يرضوا بالدعوة إلى فصل الدعوي عن السياسي. وأمّا التيّار الثالث الّذي يحدّده أحمد نظيف، فهو طيف المستقيلين الذين يحظون بشعبيّة واسعة لدى القواعد، وهؤلاء المستقيلون خرجوا من التنظيم الحزبي بسبب الخلافات مع الغنّوشي، ولكن حافظوا على المرجعيّة الإسلامويّة.

يرى الباحث أنه بقطع النظر عن التوقّعات الّتي أثبتها نظيف، أنها تتوزّع بين ثلاثة احتمالات هي: تفكّك الحركة، أو انقسامها، أو خروج الغنّوشي، مع ثبات دخول النهضة مرحلة انكفاء حسب الكاتب، فإنّ المهمّ هو أنّ التيّارات المتصارعة داخليّاً، والمشار إليها أعلاه، تجتمع في أمر أساسيّ، سواء كانت من القيادة التنفيذيّة أو من المعارضين في الداخل، أو المستقيلين، وهو عدم رجوعها عن مرجعيّات الإسلام السياسي الفكريّة، فالخلافات كانت دائمًا سياسيّة وترتبط بأشكال الظهور والتعامل مع المتغيّرات، دون حديث عن المستندات والمرجعيّات.

يشير الحمامي إلى أنّ مثل هذا الأمر متكرّر بشكل كبير في تاريخ حركة النهضة. ويمكن ملاحظة أن التيّارات الثلاثة المشار إليها موجودة داخل حركة النهضة، والأغلبيّة الساحقة يمثّلها التيّاران الثاني والثالث، وما يجمعهما أيديولوجياً هو المحافظة على المرجعيّات الإخوانيّة، فالتيّار الثاني وأغلبه من الشباب، لديه حظوة لدى جماعة الإخوان في الخارج، والتيّار الثالث حافظ على مرجعيّاته الإسلامويّة، وهذا سبب من أسباب خلافه مع القيادة التنفيذيّة. وهذا الأمر دالّ في حدّ ذاته، بل قد يقلب المعادلة تماما فيما سمّي بنهاية الإسلام السياسي، ويرى الباحث أنه في تقديره ليس تنظيماً حزبيّاً، وإلاّ لكان انتهى منذ عقود، بقدر ما هو أيديولوجيا وفكر، وهنا مكمن خطورته الحقيقيّة في المستوى الاجتماعي. ولمّا كان الأمر على هذه الشاكلة، فإنّه لا سبيل إلى الحديث عن نهايته بشكل تامّ إلاّ في مستوى وصوله إلى مركز السلطة والحكم، أمّا أيديولوجياً واجتماعيّاً فلا يمكن الحديث عن ذلك أبدًا، وأقصى ما يمكن الطموح إليه هو عدم تبوّئه المركز ليبقى هامشيّا، كما هو الوضع مع كلّ التيّارات الهوويّة والعنيفة والمغلقة في المجتمعات الديمقراطيّة.