ما وراء ظهور الحركات الإسلاموية المتطرفة في العالم العربي

45.00 د.إ

عبدالله جمعة الحاج

التصنيف: الوسوم:

الوصف

يرى الباحث والأكاديمي الإماراتي عبدالله جمعة الحاج، أن مناقشة علاقة الحركات الإسلاموية المتطرفة بالحركات الغربية الفاشية والاشتراكية تطرح إشكاليات عدة؛ لأنها تغوص في أعماق جملة المصاعب التي يواجهها العرب والمسلمون، تتمثل بسطو الجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية العنفية، على الإسلام الذي يعتنقه أكثر من مليار ونصف المليار مسلم.

يؤكد جمعة أن الجماعات الإسلاموية المتطرفة أثبتت أنها عامل عدم الاستقرار في الدول العربية حالياً، فأطلقت شعارات متطرفة تعمل على تنفيذها على أرض الواقع. وتدعي أن نظام الحكم الذي تريد إقامته يستمد شرعيته من الإسلام، وأنه سيكون الحامي الأول والأقوى للإسلام ذاته كدين وللأمة الإسلامية. وهي في هذا الشأن ترد على مناوئيها؛ الذين يريدون إقامة مجتمع مدني يكون فيه الإسلام -حسب تفسير الإسلامويين- مجرد أداة تستخدمها «النظم العلمانية» لتسيير شؤون الدولة والمجتمع!

يرى جمعة أن الحركات الإسلاموية المتطرفة تركز على أن النظام المدني دائماً ما يستعين بالإسلام لتبرير سياساته، وتهدئة العامة المسلمة عن طريق إضفاء شيء من الشرعية الإسلامية على الأوضاع القائمة، وهي طريقة تم تكرار الاستعانة بها من قبل نظم كل من أنور السادات في مصر وجعفر النميري في السودان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وبهذه الطريقة الإقناعية تمكنت العديد من الجماعات والمنظمات الإسلاموية المتطرفة من إقناع العامة بأن هذا الاستخدام الرمزي للإسلام من قبل الأنظمة السياسية، هو عبارة عن محاولة سطحية للسيطرة على المواطنين واستغلالهم.

في أعقاب الفوضى التي ألمت بالعديد من الدول العربية وسقطت فيها النظم الحاكمة، تمكنت جماعة الإخوان من الوصول إلى السلطة لفترة وجيزة في كل من مصر وتونس، ونتيجة لذلك زعم التنظيم أنه يعمل على إقامة نظم حكم مستقر؛ لأنه يعود إلى تراث معروف يمكن للمسلمين أن يرونه بسهولة أنه أمر يخصهم وهو ينتمي إليه.

لاحظ جمعة أن هذا الطرح الإسلاموي وجد أصداء له لدى العديد من أفراد المجتمع، وكان طرحاً ناجحاً ومقنعاً، فالعامة العربية المسلمة لم تتخل قط عن الإسلام، حتى بالنسبة لأولئك الذين تأثروا في فترات معينة بالأفكار الحديثة. وهذا يعني أن التعاليم والولاءات الإسلامية أمور دائمة الحضور في أذهان العرب.

إن العديد من النظم العربية، في إطار اضطلاعها بعمليات التحديث ارتأت أنها تستطيع الإفادة سياسياً من أجزاء من تعاليم الإسلام وتوظيفها كآليات جاهزة تتحدث من خلالها إلى شعوبها. لذلك فإن الإخوان في مصر وجماعة النهضة في تونس ركزوا كثيراً على تعزيز النظم التي أقاموها، وفي مخاطبة الفئات الاجتماعية المصرية والتونسية، على أن للإسلام لغته المميزة ومعانيه المنفردة، التي تخلق شرعية أكثر أصالة وعمقاً في المجتمع العربي المسلم.

يشير جمعة إلى أن هذه الجماعات تدعي المظلومية، فتضع نفسها كرافعة لصوت المظلومين والمغلوبين على أمرهم، سواء في الدول العربية أو دول العالم، ولو أتيحت لها الفرصة في الوصول إلى السلطة فإنها تدعي أنها ستكون عامل استقرار، وأنها ستعمل على خلق شرعية إسلامية مهمتها بسيطة ومقبولة ومريحة لدى المواطنين. لكن مثل هذا الطرح لا تعززه الممارسات العملية لجماعات التطرف والإرهاب كافة، فهم حتى الآن باعث لعدم الاستقرار والدمار الذي تولد في الدول العربية كافة التي ظهروا فيها، وجميعهم يمثلون طرحاً كاشفاً للعلاقة المتردية بين الدولة الوطنية الحديثة وبينهم، وجميعهم مدانون بأنهم حركات أصولية متطرفة تمارس الإرهاب والقتل السياسي وتكفير الآخرين.

يشير الباحث إلى أن الهدف من هذه الإشارات التاريخية السريعة لمسار الجماعات والتنظيمات الإسلاموية المتطرفة يرمي إلى أمرين: الأول: توضيح عداء هذه الجماعات للدولة الوطنية الحديثة التي يريدون السيطرة عليها، والثاني: توضيح أنهم لم يتولوا السلطة السياسية الفعلية، على الرغم مما حدث في مصر وتونس، فهذه الجماعات؛ تشكل حركات تمرد سياسي طوال فترات وجودها في الحياة السياسية للدول العربية، وشتان بين تولي السلطة الفعلية على أسس شرعية وبين التمرد.