مشاريع الفيدرالية والتقسيم في لبنان.. صعود التطرّف وتداعياته

45.00 د.إ

زهير حطب

التصنيف: الوسوم:

الوصف

تناولت دراسة زهير حطب -أكاديمي وباحث لبناني في علم الاجتماع- السجالات السياسية اللبنانية حول نظام الحكم في لبنان، المتفاقمة في العشرية الأخيرة، على خلفية الأزمات السياسية والاقتصادية، فترصد الدعوات إلى إقامة نظام حكم فيدرالي ظهر لثلاثة عوامل أساسية: تنامي قلق الطوائف على وجودها وموقعها في الحكم، تفاقم فائض القوة عند «الشيعية السياسية» ورهاناتها المحلية والإقليمية، وعجز النظام السياسي الحالي عن حل الأزمات.

قُسِّمت الدراسة إلى ستة أقسام: أولاً: أنظمة الحكم في لبنان: صراع لا ينتهي بين الطوائف، تناول فيه تقسيم الجبل أو القائمقاميتين 1843 – 1861 ونظام المتصرفية 1861 – 1918، ومرحلة الانتداب الفرنسي وإعلان دولة لبنان الكبير، ومرحلة الاستقلال. ثانيًا: تداعيات النظام السياسي في لبنان وأزماته الراهنة، تناول فيه حلقات العنف وأشكال الأزمات وتمثلاتها في مختلف الميادين وانتظام الحكم في لبنان. وفي القسم الثالث تناول أشكال أنظمة الحكم. وفي القسم الرابع درس نشأة الفيدرالية وشروط قيامها. وفي القسم الخامس رصد المشاريع البديلة لنظام الحكم في لبنان، وحددها في أربع مجموعات، المجموعة الأولى: “مشروع لبنان للحياة”، المجموعة الثانية: “جمهورية لبنان الاتحادية”، المجموعة الثالثة: تطبيق اتفاق الطائف، المجموعة الرابعة: إعادة إنتاج النظام السياسي الحالي. أما في القسم السادس، فقدم مقاربة تحليلية لهذه المشاريع مناقشًا طروحاتها من خلال: التداخل السكاني الطائفي ومصير المناطق المختلطة، ومدى السيادة الوطنية والتدخّل الخارجي لصالح الطوائف، ودور تقاسم السلطة في اختلال التوازن الطائفي، والمعوقات الجوهرية التي تمنع الفيدرالية، ونقاط التفاوت في الإمكانات الاقتصادية وجباية الضرائب والرسوم بين المناطق، بالإضافة إلى المواقف حيال المشاريع المطروحة.

يخلص الباحث إلى أن طبيعة تركيبة لبنان السكانية، تقتضي نظامًا دستوريًّا جامعًا لا موجبًا للتجزئة والتفكيك، فإذا لم يؤدِّ اعتماد الفيدرالية إلى قيام فيدرالية مركزية أقوى من الدولة المركزية السابقة، فإنه لا جدوى من تطبيقها. إنَّ تطبيق الفيدرالية سوف يكون على حساب تفتيت نظام الدولة الموحدة، أي نظام الدولة البسيطة. يمكن بسهولة تلّمس تطرف المتداخلين عندما يُعطي الواحد منهم نفسه الحق في إطلاق الأحكام المسبقة والاستنتاجات، ويكيل التهم للطرف الآخر، دون إثبات مستمد من واقعٍ أو من علمٍ أو من وقائع جرت في الماضي، نجمت عنها ذيول كارثية. وأنَّ معظم المعالجات كان أصحابها ينطلقون من أنهم وحدهم يمتلكون الآراء الصحيحة التي لا تحتمل الخطأ، بل يبنون عليها التحذيرات والتهديد، ويرسمون أبشع النهايات في حال لم يتم الاقتناع بمواقفهم وتأييدها. وهم ينطلقون على الدوام من سوء الظن وعدم التقدير لكل ما يصدر عن الآخرين، وبذلك يوصدون أبواب النقاش الهادئ حول مواضيع حساسة تتطلب التبصّر والتفكير الرصين من أجل إقناع الآخرين لا الفرض عليهم، ومقارعة المشكّكين والمتسرّعين بأمثلة عن حالات معروفة ومتداولة، عن أشكال وأنواع الصدامات التي نشأت بين سكان المناطق في جبل لبنان وغيره، خلال حقبات حكم القائمقاميتين أو المتصرفية. ويرى أنّ أفضل سبيل لطرح موضوع الفيدرالية في لبنان، يتمثّل بتوسيع قاعدة المعرفة والوعي وتبادل المعلومات عن نتائج ميدانية مستّمدة من تجارب مجتمعات مشابهة، والتوجه نحو البحث لاجتراح حلول فعّالة تتناسب مع المعطيات اللبنانية ومسارات الحكم، في الفترات والعهود التي نجحت في إرساء انتظام مجتمعي مستقر. ومن جهة ثانية أكّدت معظم المواقف أنَّ معايير إنشاء الفيدرالية غير متوافرة في الحالة اللبنانية، من مثل تطبيق سياسة خارجية واحدة، واحتكار الدولة الفيدرالية للعلاقات الدبلوماسية مع الخارج.

اتضح للباحث أنه مهما كانت صيغة المشاريع دقيقةً، ومشغولةً بعناية، فإنه يغلب على تصور الجانب التطبيقي منها، طابع الإبهام وعدم الوضوح، وضعف تصوّر التداعيات المرتقبة، وتبسيط الأمور مثل قول أصحابها: «بدنا خدمات وما بدنا سياسة» علمًا أنَّ كل ما هو مطروح لا يخلو من السياسة، وبالأخص عند تعيين الحدود الجغرافية الفاصلة بين كانتون وآخر. ويرى أنَّ أي شكلٍ لفيدرالية يُمكن أن تؤدي إلى انعكاسات ونتائج تطيح بالاستقرار على الأرض، هو نموذج فاشل لا يصلح للتطبيق في لبنان أو غيره، لأنَّ أضراره تكون أكبر من حسناته وإيجابياته.