الوصف
تسلط دراسة منتصر حمادة –باحث مغربي، مدير مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث بالرباط- الضوء على كتاب مذكرات القيادي في حركة طالبان عبدالسلام ضعيف “حياتي مع طالبان”؛ فبالرغم من وزنه التنظيمي، وتجاربه السياسية والدبلوماسية، وسبقه في أن يكون من مؤسسي الحركة، لا يوجد له أي أثر في بعض الأعمال التي نشرت حول تجربة حركة طالبان في المنطقة العربية. أما في الأعمال البحثية الصادرة عن الأقلام الغربية، وخصوصاً الأقلام الأميركية، فبالكاد نقرأ إشارة عابرة عنه، ولكن ثمة تلميح له على هامش توسّط هذا الأخير في مارس (آذار) 2007، من أجل إطلاق سراح الصحفي الإيطالي دانيال ماسترو جياكومو (من صحيفة «الجمهورية» الإيطالية)، كما جاء في كتاب «طالبان وأزمة أفغانستان».
يتوقف الباحث عند أهم مضامين كتاب «حياتي مع طالبان» الذي حرّره إليكس ستريك فان لينشوتن وفيليكس كويهن، وهما باحثان وكاتبان يقيمان في قندهار، عملا في أفغانستان منذ 2006، وقاما بتغطية تمرد حركة طالبان، كما اشتغلا على تاريخ جنوب أفغانستان على مدى العقود الأربعة الماضية.
يتوقف الكتاب عند نشأة عبدالسلام ضعيف ودراسته في المدارس الإسلامية؛ ودوره في صد الحرب السوفيتية على أفغانستان، كما يستعرض ما خَبره من مفاوضات داخلية وخارجية، في المناصب المتعددة التي تبوأها ومنها نائب وزير الدفاع ونائب وزير المناجم والصناعة، كما توقف عند تبعات أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الملاّ ضعيف، وهي التبعات التي قلبت حياته وحياة بلده، كما توقف عند تسليمه للأميركيين من طرف السلطات الباكستانية، وتجربته في معتقل غوانتانامو، ليُصبح السجين رقم (306).
ثمة مجموعة ملاحظات على مضامين هذه المذكرات، يحصرها الباحث في النقاط الآتية:
– من الملاحظ أن المذكرات روجت صورة شبه مثالية حول حركة طالبان، تقترب من التنزيه، كأنها طوبى أو «نهاية التاريخ الأفغاني»، ويتضح ذلك مع الصورة المثالية التي كانت من نصيب الملاّ عمر، أمير الحركة، سواء في سياق التعريف به أو في سياق مقارنته مع قادة أفغان.
- ثمة صمت كلي عن طبيعة التديّن الحركي الذي يُميز حركة طالبان، مقابل وقفات مع ما يُميز التديّن التقليدي عند الأفغان بشكل عام، والزعم أن الحركة معنية بالحفاظ عليه وصونه، لكن دون التدقيق في طبيعة هذا التديّن الحركي الذي يعتقد عبدالسلام ضعيف أنه مكلف بحماية التديّن الإسلامي الأفغاني، مع أنه متشدد مقارنة مع ذلك التديّن التقليدي، وبالرغم من ذلك، يخرج قارئ المذكرات بأن هذا التشدد في نمط التديّن، هو المعني بصيانة تديّن الأفغاني، ويزكي ذلك حديثه عن أوضاع العاصمة كابل بعد دخول حركة طالبان، حيث اعتبر أن أتباع الحركة «يباشرون تطبيق الشريعة»، والمقصود بتطبيق الشريعة من وجهة نظره ووجهة نظر الحركة، أنه «لم تعد النساء تعملن في الإدارات الحكومية، وبدأ الرجال في المدينة يُطيلون لحاهم».
- وليس صدفة أن أفغانستان التي كانت في حقبة مضت، تتميز بعض مناطقها بـ«إقامة حفلات موسيقية، وكان الأفغانيون والأوروبيون والمحليون والأجانب يجتمعون لأيام عدة لمناقشة الشعر والموسيقى، ويأكلون اللحم المشوي والسمك، لكن الآن بعد أربعين عاماً، بات من الصعب جداً تصور حدوث هذا الأمر».
لم تعد أفغانستان نفسها اليوم مع عودة طالبان، وليس صدفة أيضاً أن هذه العودة تسببت في هجرة مئات الآلاف من الساكنة الأفغانية، خشية من تشدد نظام الحكم لدى حركة طالبان، بكل القلاقل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المصاحبة لهذه الهجرات المركبة، سواء كانت تهم الدول المجاورة لأفغانستان، أو تهم حالات آلاف هاجروا نحو الدول الأوروبية.